ملخص
ستكلف الحرب ضد "حماس" تل أبيب أكثر من 58 مليار دولار بحلول نهاية العام المقبل
قدر بنك إسرائيل المركزي أن الحرب ضد "حماس" ستكلف البلاد 46 مليار جنيه استرليني (58.3 مليار دولار) بحلول نهاية العام المقبل، فيما يكلف نقص العمالة وحده 475 مليون جنيه استرليني (602.2 مليون دولار) في الأسبوع، لكن ما مدى سوء الوضع بالنسبة لمجتمع الأعمال في إسرائيل، وكيف يمكن للبلاد أن توقف دوامتها الاقتصادية؟
أوردت صحيفة "التايمز" في تقرير مطول وضعية الاقتصاد الإسرائيلي المتدهور في مختلف القطاعات منذ هجوم "حماس" في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
بدأت الصحيفة تقريرها بالقطاع الزراعي الأشد تأثراً بالحرب القائمة، قائلة "على بعد أربعة أميال من قطاع غزة، تقطف مجموعة من المتطوعين فاكهة الأناناس في تلمي يوسف، وهي قرية زراعية تدعى موشاف بالعبرية، وتعرضت لهجوم (حماس) في السابع من أكتوبر الماضي، وفي الأوقات العادية كان المهاجرون التايلانديون يزرعون الأرض، ومنذ حرب غزة عاد هؤلاء إلى وطنهم تاركين المتطوعين في سباق مع الزمن لجني الفاكهة قبل أن تتعفن".
وقالت ميرا بن آرييل (60 سنة)، وهي مؤلفة إعلانات جاءت من هيرتفوردشاير للمساعدة في المجهود الحربي من خلال العمل في الحقول، للصحيفة، "سبب وجودنا هنا هو أن هناك حاجة إلينا، ومن الرائع أن نكون قادرين على المساهمة".
أشارت الصحيفة إلى أن المتطوعين يبذلون ما في وسعهم لإنقاذ المحاصيل الزراعية، لكنهم لا يستطيعون تعويض النقص الكبير في عدد العمال الذي ساعد في تدمير الاقتصاد الإسرائيلي، على حد وصفها. وقالت إن فقدان جنود الاحتياط والمهاجرين والفلسطينيين في القوى العاملة يعد السبب الرئيس لانكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 20 في المئة تقريباً في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023 – وهو أكبر انكماش منذ الوباء – وفقاً للبيانات الصادرة الأسبوع الماضي من مكتب الإحصاء المركزي.
استدعى الجيش نحو 300 ألف جندي احتياط للخدمة، بينما عاد العمال الأجانب إلى بلادهم في رحلات إجلاء ترعاها الدولة إلى تايلاند والصين والفيليبين، وفقدت إسرائيل نحو 18500 عامل من غزة و160 ألف عامل من الضفة الغربية بعد تقييد تصاريح عملهم، وأثر ذلك بشدة في الزراعة، إذ تعد إسرائيل سابع أكبر مصدر للفواكه الاستوائية في العالم، وهي ثالث أكبر منتج للصادرات الزراعية إلى بريطانيا، بعد الأدوية والماس، ولمعالجة النقص المزمن في العمالة، تدير تل أبيب الآن حملات توظيف في الهند وسريلانكا وملاوي، لكن ارتفاع كلفة الفاكهة والخضراوات، والحاجة إلى استيراد مكونات مثل الطماطم، تقلصت أرباح ريلي ألون كوهين (34 سنة)، المديرة لشركة "ريليز دابا" لتقديم الطعام.
وتقول كوهين للصحيفة، "معظم مطبخي، الطعام المغربي واليمني، مصنوع من الخضراوات، لقد أصبح سعرها الآن ضعفين أو ثلاثة أضعاف"، مشيرة إلى أن الطلب على فعاليات تقديم الطعام انخفضت بشدة، وانخفض الإنفاق الاستهلاكي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023 بنسبة 27 في المئة، وفقاً لمكتب الإحصاء.
جنود الاحتياط يتركون فجوة في القوى العاملة
ويجتمع تأثير الحرب في المناطق الحضرية والريفية في البلاد في متجر للخضراوات في شارع "روتشيلد" في تل أبيب، حيث كان صاحب المتجر، بن مزراحي، يعتذر للعملاء عن ارتفاع الأسعار. ويعد الشارع، الذي سمي على اسم الأسرة المصرفية، موطناً لعدد أكبر من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، أكثر من أي مكان آخر في إسرائيل، لكن في الأسبوع الماضي، كانت الأرصفة فارغة في الغالب، وكانت مواقع البناء على طول الطريق نصف مهجورة بسبب نقص العمال.
وقال رئيس "معهد آرون للسياسة الاقتصادية" في جامعة "رايخمان" في هرتسليا، البروفيسور تسفي إيكشتاين، إن "قطاع التكنولوجيا الفائقة هو القاطرة للاقتصاد، إذ تشكل نحو 40 في المئة من معدل النمو الإسرائيلي في الفترة ما بين 2017 و2023 كان مدفوعاً بشركات التكنولوجيا".
وحقق قطاع التكنولوجيا نجاحاً كبيراً لدرجة أنه وسع نطاقه إلى ما هو أبعد من إسرائيل، وتشمل هذه الشركات شركة الأمن السيبراني "تشيك بوينت"، التي تبلغ قيمتها السوقية أكثر من 16 مليار يورو (17.3 مليار دولار)، وهي مدرجة في ألمانيا.
وتشمل الشركات المطروحة في لندن ذات الخلفية الإسرائيلية شركة التجارة المالية "بلس 500" ومزود ببرامج القمار "بلاي تيك"، ومالك "وليام هيل 888".
وتتضح أهمية التكنولوجيا بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي من خلال الضرائب، فالإسرائيليون العاملون في هذا القطاع يدفعون ربع الضرائب المباشرة التي تفرضها الحكومة، وهم يمثلون 12 في المئة من القوة العاملة، وهي أكبر نسبة في العالم، ولكنهم يشكلون أيضاً نسبة غير متناسبة تبلغ 15 في المئة من جنود الاحتياط الذين استدعوا إلى الخدمة، وهذا يعني أن القوى العاملة التي يبلغ قوامها 400 ألف فرد فقدت نحو 60 ألف موظف.
ويعود اليوم بعض جنود الاحتياط إلى العمل بعد تسريحهم من الخدمة، ومع ذلك، فإن 58 في المئة من الرجال، وتسعة في المئة من النساء كانوا يخدمون في الجيش، وفقاً للإحصاءات الرسمية. ويعتقد إيكشتاين أن مصير الاقتصاد يعتمد على عودة هؤلاء العمال من ساحة المعركة، إلى أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم.
في حين يعتقد عديد من الشركات أنها قادرة على التكيف مع الوضع، أشار جوناثان ميدفيد، الذي استثمرت منصته الاستثمارية "آور كراود" أكثر من 2.3 مليار دولار في أكثر من 400 شركة إلى أن الشركات اعتادت على وجود جنود احتياط يخدمون لمدة شهر أو شهرين في العام. وقال "يترك الناس العمل لمدة ثلاثة أسابيع في كل مرة، وعليك الاستمرار في العمل من دون هذا الشخص... نحن نعمل على أن يغطي الفريق الآخر حتى يتمكن الأشخاص من تغطية بعضهم بعضاً"، وأضاف أن الحرب سيكون لها تأثير محفز على القطاع، وتابع، "ستحفز العقول الإسرائيلية على تطوير مزيد من التكنولوجيا الرائدة التي تستخدم أولاً لتأمين حياة الإسرائيليين، ثم لتحسين العالم كله، كما حدث في الماضي".
تراجع الاستثمار الأجنبي
وهناك دلائل تشير إلى أن الحرب تخلف تأثيراً سلبياً على الاستثمار الداخلي، وتظهر الإحصاءات الرسمية أن مستويات الاستثمار الأجنبي تراجعت بنسبة 70 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي.
وبعد تراجعها في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر الماضي، مباشرة انتعشت قيمة الشيكل الإسرائيلي مقابل الدولار، وكذلك مؤشر TA-125 القياسي في بورصة تل أبيب، وتتجاوز الآن مستويات ما قبل الحرب، ويأتي هذا على رغم الخفض غير المسبوق لتصنيف الديون السيادية لإسرائيل من قبل وكالة "موديز" هذا الشهر، مما يعكس المخاوف في شأن تصاعد الصراع.
وحتى الآن اقتصر مجتمع الأعمال الدولي على الدعوة إلى السلام في المنطقة، مع تخوف الشركات من أن ينظر إليها على أنها تنحاز إلى أحد الجانبين.
وفي وقت سابق من هذا الشهر أنهت شركة التجارة اليابانية "إيتوتشو" شراكتها مع شركة الدفاع الإسرائيلية "إلبيت سيستمز"، مستشهدة بتوجيهات من وزارة خارجيتها في ما يتعلق بضرورة التزام حكم محكمة العدل الدولية بأن إسرائيل ربما ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وافقت الحكومة الإسرائيلية على منحة بقيمة 2.5 مليار جنيه استرليني (3.1 مليار دولار) لشركة "إنتل الأميركية" لإنشاء مصنع جديد لتصنيع الرقائق بقيمة 20 مليار جنيه استرليني (25.3 مليار دولار) قرب حدود غزة في جنوب إسرائيل، وتمثل شركة "إنتل"، وهي أكبر جهة توظيف خاصة في البلاد، 5.5 في المئة من صادرات إسرائيل من التكنولوجيا الفائقة.
كلفة التعامل مع النازحين
ليس فقط رحيل جنود الاحتياط والعمال الأجانب هو الذي يدمر الاقتصاد، فقد نزح نحو 250 ألفاً من سكان إسرائيل البالغ عددهم 9.2 مليون نسمة داخلياً بسبب القتال، مما أدى إلى حالة من الفوضى في حياتهم الشخصية والتجارية.
وأحد هؤلاء هو داني أريفسكي (31 سنة)، من مستوطنة دان عند سفح جبل الشيخ في شمال إسرائيل، على مرمى حجر من الحدود اللبنانية وسوريا، إذ اضطر إلى الإخلاء، وترك منزله وورشة النجارة، والانتقال مسافة 40 ميلاً إلى مدينة طبريا.
وقال للصحيفة "لقد انقلبت حياتي رأساً على عقب منذ الحرب. عاد كثر من الأشخاص في عمري الذين جرى إجلاؤهم للعيش مع والديهم، وليس لديهم أي فكرة عما يجب عليهم فعله بعد ذلك".
وفي مواجهة الاضطرار إلى دفع إيجار منزله في المستوطنة ومكانه الجديد في طبريا، لم يعد بإمكانه الاستمرار في دفع إيجار ورشة العمل الخاصة به، لذلك اضطر إلى إغلاق العمل.
وتشكل كلفة التعامل مع النازحين عبئاً آخر على المالية العامة الإسرائيلية المتوترة، وشهدت البلاد عجزاً في الموازنة بنسبة 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، بعد فائض بنسبة 0.6 في المئة في العام السابق. وارتفعت أسعار التأمين على ديون الحكومة الإسرائيلية، من خلال أدوات مالية تسمى مقايضات العجز الائتماني، إلى عنان السماء، مما يعكس المخاوف في شأن قدرة البلاد على سداد مستحقاتها، واستجابة لذلك، تخطط الحكومة الإسرائيلية لزيادة ضريبة القيمة المضافة بمقدار نقطة مئوية واحدة في بداية عام 2025 وخفض الإنفاق غير الدفاعي، وستخصص بعض هذه الأموال لإسكان 120 ألف شخص، ويعيش كثر منهم في الفنادق منذ أكتوبر الماضي، وستتلقى معظم المجتمعات النازحة من مسافة 2.5 ميل من غزة المساعدة حتى فصل الصيف في الأقل، وبعد ذلك يمنح 10 آلاف جنيه استرليني (12.6 ألف دولار) لكل أسرة.
السياح يبتعدون
وجرى إيواء بعض النازحين في فنادق أفرغت من السياح، وأصبح فندق "هيرودز تل أبيب" الآن موطناً للعائلات والكلاب التي جرى إجلاؤها من مستوطنة نير آم، على بعد ما يزيد قليلاً على ميل واحد من غزة، وهاجمتها "حماس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول الموظفون طابقاً كاملاً إلى حضانة لدعم عدد متزايد من الأطفال الرضع، إذ ولد 30 طفلاً في الفندق منذ أكتوبر الماضي، وتمول الحكومة كلفة إيواء هؤلاء الأشخاص، لكن هذا المبلغ أقل مما يجنيه الفندق من دفع الضيوف.
ومن المرجح أن يظل السياح بعيداً في المستقبل المنظور، وسجلت الإحصاءات الرسمية 58600 زيارة في يناير (كانون الثاني) الماضي، أي بانخفاض قدره 77 في المئة مقارنة بالعام السابق.
واضطرت مجموعة فنادق "إنتركونتيننتال"، وهي شركة مدرجة على مؤشر "فايننشال تايمز 100"، ومقرها بريطانيا، إلى إغلاق اثنين من المواقع الخمسة التي تديرها في إسرائيل، وفقاً لرئيسها التنفيذي إيلي معلوف.
وقال معلوف "أولويتنا الرئيسة هي سلامة وأمن زملائنا وضيوفنا. اضطررت إلى إغلاق فندقين، بسبب تراجع السياح، والسفر والسياحة ليسا عملاً مزدهراً في الوقت الحالي في منطقة الصراع هذه، لسوء الحظ"، لكن نائبة رئيس التسويق والمبيعات في فنادق "فتال"، أكبر سلسلة فنادق في إسرائيل ومالكة "هيرودز"، عنات أهارون، تعتقد أن السياحة ستنتعش، مضيفة "بعد كل أزمة أمنية يعود السياح إلى إسرائيل. إننا دائماً نعود أقوى وبازدهار أكبر".
وأوقفت الخطوط الجوية البريطانية و"فيرغن أتلانتيك" رحلاتهما إلى إسرائيل في أعقاب هجمات أكتوبر الماضي، ومن المقرر أن تستأنف الخطوط الجوية البريطانية خدمتها إلى تل أبيب في الأول من أبريل (نيسان) المقبل، على رغم أنها ستعمل عبر طائرة قصيرة المدى مع توقف في قبرص، فيما تتطلع شركة "فيرغن أتلانتيك" إلى العودة في سبتمبر (أيلول) المقبل.
وقال البروفيسور إيكشتاين، "هذه الصدمة الاقتصادية أسوأ من الوباء، لا يوجد تطعيم في النهاية، والنهاية غير واضحة على الإطلاق بكل معنى الكلمة – سياسياً وأمنياً واقتصادياً – هناك حالة من عدم اليقين".