ملخص
الاتفاق البحري بين الصومال وتركيا يساعد الأولى على تنظيم قواتها والدفاع عن مياهها الإقليمية
ينظر إلى الاتفاق الدفاعي بين الصومال وتركيا الذي أجازه البرلمان الصومالي في 21 فبراير (شباط) الحالي وفق تفسيرات متباينة، على كونه قطع طريق لمذكرة التفاهم الموقعة، أخيراً، بين أرض الصومال (صومالاند) وإثيوبيا التي رفضها الصومال ووصفها بالتعدي على سيادته. فأين يصب اتفاق مقديشو- أنقرة، وما انعكاساته على العلاقات الإثيو-تركية، والجانب الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي؟
كانت إثيوبيا وأرض الصومال (غير المعترف بها دولياً) وقعتا في الأول من فبراير الجاري مذكرة تفاهم تخول للأولى استئجار 20 كيلومتراً مربعاً من سواحل الأخيرة حول ميناء بربرة على خليج عدن.
ويتيح الاتفاق وصول إثيوبيا غير الساحلية إلى البحر الأحمر، وفق عقد مدته 50 سنة للأغراض البحرية التجارية، إضافة إلى جانب عسكري بتأجير جزء من الساحل الصومالي للبحرية الإثيوبية. ويقابل ذلك وعد باعتراف الأولى بدولة الأخيرة المستقلة، وفق تصريحات أعلنها من طرف واحد زعيم أرض الصومال موسى بيهي عبدي.
لا نريد القتال
أدت مذكرة التفاهم إلى توتر العلاقة بين الصومال وإثيوبيا، واعتبرته حكومة الأخيرة اتفاقاً "غير قانوني وخارج نطاق القواعد الدولية، وتعدياً على سيادة الصومال وتهديداً لوحدته. وعلى رغم انقضاء المدة التي حددها الطرفان بشهر لتوثيق مذكرة التفاهم الإثيوبية مع صومالاند فإن الواقع الذي خلقته قاد إلى أبعاد إقليمية بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القاهرة، والتقى خلالها القيادة المصرية التي حذَّرت بالتدخل لمساعدة الصومال إذا طلب منها ذلك.
ومن جهته ولدى مخاطبته مجلس النواب الإثيوبي في السادس من فبراير، قال رئيس الوزراء آبي أحمد، إنه "ليست لديه رغبة في خوض حرب مع الصومال". أضاف "من أجل السلام في الصومال، مات آلاف الإثيوبيين. لأن سلامها سلامنا، وتنميتها تنميتنا. نؤمن بأننا إخوة ولا نريد القتال، نريد صومالاً قوياً ومزدهراً يكون سوقاً للمنتجات الإثيوبية".
الدفاع البحري
يأتي تطور الاتفاق الإطاري للتعاون الدفاعي والاقتصادي مع تركيا الذي وقعه وزير الدفاع الصومالي عبدالقادر محمد نور في العاصمة التركية أنقرة في الثامن من الشهر الجاري مع نظيره التركي بشار غولر بعد إجازتها من البرلمان الصومالي، أخيراً، (لتصبح سارية المفعول)، فيما لا تزال مذكرة التفاهم غير معترف بها.
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أوضح أن، "الاتفاق سيساعد الصومال على تنظيم قواته البحرية والدفاع عن مياهه الإقليمية". وأشار إلى أنه "يتعلق فقط بالتعاون بين الصومال وتركيا في مجال الدفاع البحري والمسائل الاقتصادية، ولا يهدف إلى إثارة كراهية أو نزاع مع أي دولة أو حكومة أخرى".
وأوضح أن "هناك انتهاكات كثيرة في بحر الصومال مثل الصيد غير القانوني والإرهاب"، مؤكداً أن الاتفاق الإطاري المبرم بين الحكومة الصومالية والتركية ستستمر لمدة 10 سنوات، وستساعد في حل الأزمات، وسيتم بناء القوات البحرية الصومالية، وأنها مهمة أيضاً للتنمية الاقتصادية والاستفادة من الموارد الطبيعية".
وفي 19 أغسطس (آب) عام 2011 زار الرئيس رجب طيب أردوغان (حين كان رئيساً للحكومة التركية) العاصمة مقديشو، وهي أول زيارة لرئيس وزراء إلى الصومال في وقت كانت مختلف المناطق الصومالية تشهد أزمتي المجاعة والجفاف. ومن ثم يصف مراقبون الاتفاق الأخير بين أنقرة ومقديشو بأنه مسار طبيعي لعلاقات ظلت وثيقة بين الطرفين.
يذكر أن الصومال وقعت مع واشنطن في 15 فبراير الحالي مذكرة تفاهم لإنشاء خمسة مراكز تدريب للقوات الصومالية في عدد من أقاليم البلاد.
وقال الرئيس الصومالي، "إنه بموجب مذكرة الاتفاق ستزيد واشنطن دعمها وجهود التدريب للجيش الصومالي من خلال بناء خمس قواعد عسكرية للتدريب في أربع ولايات فيدرالية إلى جانب العاصمة مقديشو". من جهتها، قالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية إن "المذكرة تشكل أهمية كبيرة لواشنطن من أجل تأهيل الجيش الصومالي".
قوات جاهزة
كان مسؤول عسكري إثيوبي صرح في 20 فبراير، "بأن قواته باتت جاهزة أكثر من أي وقت مضى لتنفيذ أي مهمة". وأشار ممثل قائد البحرية الإثيوبية العميد بحري ناصر أبادغا وفق ما نقلته مؤسسة فانا الإعلامية (FBC)، "إلى أن البحرية تقوم بمهامها في أي مكان وزمان. وأكد الدور الرئيس الذي تلعبه في تعزيز شرف البلاد من خلال اتخاذ إجراءات مضادة ضد القوى المناهضة للسلام. وأن بناء القوات البحرية الإثيوبية سيتناسب مع متطلبات العصر من خلال التكيف مع التقنيات العسكرية الجديدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي 22 فبراير أوضح مسؤول بوزارة الدفاع التركية، "أن أنقرة ستقدم دعماً أمنياً بحرياً للصومال لمساعدة الدولة الأفريقية في الدفاع عن مياهها الإقليمية." وتعليقاً على تفاصيل الاتفاق، أضاف "أن أنقرة توفر التدريب للجيش الصومالي منذ أكثر من 10 سنوات". وتابع "بناء على طلب الصومال سنقدم الدعم في مجال الأمن البحري كما فعلنا في مجال مكافحة الإرهاب. سنساعد الصومال على تطوير إمكاناته لمكافحة الأنشطة غير القانونية وغير النظامية في مياهه الإقليمية".
تعزيز مصالح
في السياق يقول رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية يس أحمد، "بتقديري فإن الاتفاق بين مقديشو وأنقرة يصب في تعزيز المصالح المشتركة بين البلدين، وهو بمثابة تتويج لمسيرة تطور العلاقات التركية- الصومالية التي بدأت حديثاً منذ عام 2011 حين قام الرئيس التركي أردوغان بالزيارة التاريخية إلى الصومال، ثم تطوَّرت العلاقات الثنائية إلى أن وصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية".
يضيف، "هناك أبعاد أمنية واقتصادية واستراتيجية للاتفاق، في تحمل تركيا مسؤولية تأمين المياه الصومالية ومكافحة الجرائم مثل الصيد غير القانوني وتهريب الأسلحة والاتجار بالبشر والقرصنة والتدخلات الأجنبية." يشير "وفي حال حدوث أي انتهاك تدافع تركيا عن المياه الصومالية كما تدافع فيها عن مياهها".
يوضح أحمد، "هذا الاتفاق الهادف إلى بناء جيش صومالي قوي يحقق مصالح دول الجوار عموماً، وإثيوبيا بشكل خاص، ولطالما سعت إثيوبيا لمساعدة الصومال ومشاركتها بجنودها ضمن قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي لأجل بناء جيش صومالي وطني قوي يقوم بحفظ الأمن والاستقرار في الصومال، وحماية الحدود المشتركة بين البلدين".
يصف يس الاتفاق الصومالي التركي بأنه "يعزز الشراكة الإثيوبية- التركية لحماية المصالح المشتركة الإقليمية في القرن الأفريقي".
ويشير إلى أن أنقرة لن تفرط في علاقاتها الاستراتيجية مع أديس أبابا خصوصاً بعد حصولها على منفذ بحري على البحر الأحمر إثر توقيعها لمذكرة التفاهم مع جمهورية أرض الصومال لتنتقل إثيوبيا من قوة محلية إلى قوة إقليمية وتصبح لاعباً مهماً في المعادلات الإقليمية والدولية في حماية أمن البحر الأحمر جنوباً والمدخل لباب المندب وتأمين ممر التجارة الدولية".
ويذهب إلى أن "التقارب العسكري التركي- الصومالي في منطقة القرن الأفريقي سيكون له تأثيرات إيجابية لأن القادة الأفارقة يرون في تركيا شريكاً موثوقاً به، كما أن الوجود التركي يسهم في خلق توازنات للقوى الدولية والإقليمية وبخاصة القواعد العسكرية لبعض القوى الدولية الموجودة في جيبوتي والصومال وإثيوبيا".
دلالات الاتفاق
في السياق، يقول الكاتب والأكاديمي الصومالي أحمد جيسود، "منذ زيارة تركيا للبلاد، وفي الصومال أكبر قاعدة تركية في الخارج، وتدرب أنقرة الجيش الصومالي، كما تدعم موازنة البلاد بستة ملايين دولار سنوياً، إلى جانب التزامها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، فكل هذه عوامل أكسبها أن تكون حليفاً وثيقاً للصوماليين، إضافة إلى تكفلها حماية السواحل من القرصنة والإرهاب ومحاولات انتهاك الحدود، وإعادة تنظيم القوات البحرية للصومال، في إطار اتفاق دفاعية مدتها 10 سنوات".
يضيف جيسود، "يمكن استخلاص دلالات الاتفاق الدفاعي بين الصومال وتركيا برغبة الجانبين في توسيع العلاقات الثنائية، لا سيما التعاون العسكري بين الدولتين لتشمل إعادة بناء القوات البحرية الصومالية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون ضد الإرهاب".
من جانبه، يقول الباحث في الشؤون الدولية عادل حامد، "هناك تنافس عالمي على منطقة القرن الأفريقي لما تمثله من تأثير في مجريات التجارة العالمية بالبحر الأحمر، وموقع استراتيجي مهم، مما دفع بدول كبرى عديدة للتسابق في بناء القواعد العسكرية في بعض دول المنطقة لحفظ مصالحها".
يضيف "أما ما يمثله الاتفاق الأمني من تأثير، فقطعاً يشكل للصومال جانب طمأنينة في حفاظها على سواحلها من أي تعديات سواء تمثلت في دول طامعة أو جهات إرهابية أو غيرها".
سمة الصراع
بدوره، يقول أستاذ القانون الدولي محمد عوض البارودي "مسألة البحار وما يتعلق بها من موانئ وقواعد ووجود مدني وعسكري واستخباراتي، أصبحت هي سمة الصراع الدولي والإقليمي بين الدول، والمنطقة الصومالية منذ ما قبل الحرب الأهلية (1992- 1996) ظلت بقعة جاذبة للعديد من الدول الساعية إلى تحقيق غايات استراتيجية مرتبطة بتنافسات الساحة الدولية في وجود لاعبين منافسين وتحديات منظورة وغير منظورة."
ويضيف "يُجمع المهتمون الاستراتيجيون على أهمية السواحل الصومالية وما يمكن أن تلعبه في المستقبل، ومن هنا جاء الاهتمام الأميركي حينما شكلت القوات الأميركية قيادة قوات الأمم المتحدة في دخولها الصومال عام 1992، وما تبع ذلك من مجريات الحرب الأهلية، وبعد طرد القوات الأميركية أصبحت الساحة الصومالية خالية من الوجود الأجنبي إلا من بعض القوات الأفريقية وبعض الدول العاملة في الإطار الإنساني".
يتابع "ووسط ظروف صومالية قاسية من جفاف ومجاعات نتيجة توقف الإنتاج وهجرة الأهالي والمزارعين، دخلت دول عربية بدوافع إنسانية لمساعدة الصوماليين بحكم ما يجمعها بالصومال من علاقات، وقدمت مساعدات إنسانية ومساهمات أخرى في مسعى لإعادة الاستقرار والسلام للساحة الصومالية".
خلو الساحة الصومالية
ويوضح أن "خلو الساحة الصومالية بعد انسحاب القوات الأممية وخروج القوات الأميركية في مارس (آذار) 1994 كان دافعاً لدخول دول أخرى بحكم المصالح لا سيما في ظروف الحاجة الحقيقية للأهالي الصوماليين لشتى المساعدات والمرافق من تعليم وأمن وغيرهما".
ويقول "اتفاق التعاون الدفاعي والاقتصادي بين تركيا ودولة الصومال يمثل امتداداً لحاجات متبادلة بين الطرفين، ليس بالضرورة أن يكون امتداد لمساعدات تركية سابقة بقدر ما هو نتيجة ظروف مستجدة ومصالح تقضي بإبرام مثل هذا الاتفاق".
"لكن الخطر الآن يتمثل بتحديات إقليمية متعددة، وبالتالي يكون الصومال في أشد الحاجة للاستناد إلى قوى تحمي أراضيها وسواحلها من أي أطماع"، ويضيف "هذا الجانب يشكل في حد ذاته فرصة لتركيا التي تطمح هي الأخرى بوجود سهل في المنطقة، وهذا الاتفاق التعاوني قد يؤمن لها الشرعية في المنطقة ربما تمتد في مدتها من 10 أعوام -بحسب الاتفاق الموقع- إلى عشرات السنين في ظل ظروف مجهولة ومع وجود مصالح لا يحدها زمن".