Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صعود اليمين المتطرف في فرنسا يترافق مع تزايد العنصرية

يشكل ملف المهاجرين مادة سياسية دسمة لتأجيج الرأي العام الفرنسي

تظاهر نشطاء اليمين المتطرف أمام تمثال جان دارك في باريس في 8 مايو 2016 (أ ف ب)

ملخص

يواجه بعض رؤساء البلديات في فرنسا هجمات غير مسبوقة من جماعات يمينية متطرفة معادية للهجرة، مما اضطر بعضهم إلى الاستقالة وترك منازلهم بسبب تعرضهم لتهديدات بالقتل

تتزايد موجة القلق في المجتمع الفرنسي نتيجة انتشار ظاهرة العنصرية وتزايد النشاطات اليمينية المتطرفة. وتعد هذه الظاهرة تهديداً حقيقياً للتعايش الاجتماعي في البلاد، إذ تعلو نبرة الخطاب المعادي للمسلمين والمهاجرين على الساحة السياسية العامة، مما يثير قلقاً متزايداً بين الجاليات المسلمة والأحزاب اليسارية ومنظمات حقوق الإنسان.
في الأثناء، يتبنى اليمين القومي المتطرف خطاباً يعارض توجهات ومواقف النخبة الفرنسية، إذ يركز على أهمية الهوية الوطنية ويدعو إلى تبني سياسات أمنية متشددة، وبذلك يسهم هذا النهج في تعميق الانقسامات الاجتماعية ويشكل تهديداً مباشراً لقيم الديمقراطية الليبرالية في البلاد.
ونشرت منظمة المشروع العالمي ضد الكراهية والتطرف تقريراً يسلط الضوء على الجماعات المتطرفة المعادية للمسلمين في فرنسا، وكشف التقرير وجود 43 جماعة يمينية متطرفة في فرنسا، تروج لأفكار متطرفة ومعادية تستهدف مختلف الهويات مثل العرق والدين والأصل العرقي وغيرها. ووفقاً للتقرير، تتبنى غالبية الجماعات في الأقل اثنتين من الأيديولوجيات المتطرفة، حيث تنتمي إلى القومية البيضاء وتعارض الهجرة وتعارض المسلمين في الوقت ذاته. ومن بين معتقدات اليمين المتطرف نظرية "الاستبدال الكبير".
ويشير التقرير إلى أن هذه الجماعات موزعة في جميع أنحاء فرنسا، مع تركيز أكبر في باريس وليون. ومن بين هذه الجماعات، هناك 12 جماعة تعتبر فصائل من أحزاب سياسية. وتتميز هذه الجماعات بوجود أكبر في الفضاء العام وتبدي ميلاً أكبر نحو استخدام العنف، إذ يدفعها فكر "التسارع" الذي يدعو إلى الحاجة لشن حروب أهلية وعنصرية بأسرع وقت ممكن لتحقيق أهدافها.

إثارة الفوضى والرعب

يواجه بعض رؤساء البلديات في فرنسا هجمات غير مسبوقة من جماعات يمينية متطرفة معادية للهجرة، مما يضطر بعضهم إلى الاستقالة وترك منازلهم بسبب تعرضهم لتهديدات بالقتل والعنف، هذه الوقائع تبرز أهمية اليقظة والحذر ضد الخطط والاستراتيجيات التي تستهدف التهوين من خطورة ما هو غير مقبول في الديمقراطية الفرنسية. ففي حادثة مثيرة استقال رئيس بلدية في بلدة صغيرة بعد أن تعرض منزله وسيارته للاحتراق، وذلك عقب تلقيه تهديدات بالقتل بسبب خططه لنقل مركز استقبال للاجئين إلى مكان قريب من إحدى المدارس. وفي بلدة أخرى، تعرض رئيس بلدية آخر لتهديدات بالعنف، بما في ذلك تهديد باغتصاب زوجته وابنته، بعد إعلانه استقبال عدد من العائلات اللاجئة لملء الوظائف الشاغرة في البلدة. هذه الحوادث تجسد الظروف الصعبة التي يوجهها بعض رؤساء البلديات في مواجهة التهديدات المتطرفة، كما أفادت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية في تقريرها.
في الأشهر الأخيرة، باتت هذه الجماعات الصغيرة العنيفة من اليمين المتطرف أكثر وضوحاً. والارتباط بينها وبين الأحزاب اليمينية غالباً ما يكون غامضاً، ولكن هناك تقارب في الأفكار الايديولوجية وأحياناً يكون هناك دعم ضمني. أما رد الفعل من الحكومة فتختلف، ولكن يمكن أن تشمل إجراءات مشددة للمراقبة وتفكيك الجماعات التي تعتبرها خطرة. في هذا السياق، بحثنا في أسباب وعوامل صعود اليمين المتطرف، وفي العوامل التي تؤدي إلى زيادة تنظيم التظاهرات العنيفة من جماعات اليمين المتطرف في فرنسا.

مسألة المهاجرين

يعزى صعوداً نشاطات جماعات اليمين المتطرف إلى عوامل عدة، من بينها القلق المتزايد من تأثير تدفق المهاجرين في الثقافة والهوية الوطنية. إضافة إلى ذلك تلقي الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد بظلالها، مما يزيد من توتر الأوضاع السياسية ويعزز جاذبية الخطابات المتطرفة.
ويتخذ اليمين المتطرف من قضية الهجرة واللجوء شماعة لتبرير كل المشكلات التي يوجهها المجتمع الفرنسي والدفاع عن الهوية الوطنية والقومية، ما أدى إلى تنامي العصبية القومية والخطاب العنصري في السنوات الأخيرة.

وفي ما يتعلق بعوامل صعود جماعات اليمين المتطرف في فرنسا، يشير السياسي من حزب النهضة الفرنسي (حزب الرئيس إيمانويل ماكرون) عبدالرزاق جاب الله في حوار مع "اندبندنت عربية" إلى أنها "ترتبط بسياسة التخويف ونشر الحقائق المغلوطة التي تقوم بها عبر وسائل الإعلام، مثل قناة ’سنيوز‘ التي تضخم حوادث العنف البسيطة، مثل حادثة شجار بين أجانب في فرنسا، بهدف تخويف المجتمع الفرنسي. وأيضاً القلق المتزايد من تدفق المهاجرين وتأثيرهم في الثقافة والهوية الوطنية، إضافة إلى الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بفرنسا".
وبحسب ما أشار إليه السياسي من "حزب النهضة"، فإن "معظم الأحزاب والاتجاهات السياسية في فرنسا معارضة لليمين المتطرف، باستثناء حزب الجمهوريين اليميني بزعامة إريك سيوتي، مع كل الانشقاقات التي تحدث في هذا الجانب السياسي، والتمسك برشيدة داتي كوزيرة للثقافة. كما يعارض حزب الاشتراكيين والخضر واليساريين اليمين المتطرف".

ويشير عبدالرزاق جاب الله إلى أن "حركات السترات الصفراء وحركات الجيل المتطابقة، المنتمية إلى اليمين المتطرف، تستخدم كل وسائلها لتحديد هذه التهديدات وهذا التمييز تجاه الشخصيات السياسية والرؤساء ورؤساء الشركات ورؤساء الإدارات الذين يهدفون إلى تقديم الهجرة كخطر"، ويضيف أن "الرابطة النهضوية معارضة لليمين المتطرف، والمجتمع الفرنسي غني بجميع مكوناته، والقانون هو العلمانية. المجتمع يضمن الحرية لجميع المواطنين، لن ينجح اليمين المتطرف أبداً في إقناع الناخبين الفرنسيين".
وفي ما يتعلق بحزب اليمين المتطرف صرح عبدالرزاق جاب الله أن "اليمين المتطرف منذ إنشائه يستند إلى العنصرية والإنكار، فهم ليسوا منفتحين على العالم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. خطاب مارين لوبن يستند إلى الكراهية". وأضاف "خطابهم مبني على الضغط والإجبار، وهو ما حدث في بعض البلديات، إذ مارسوا التهديد والقوة على رؤساء البلديات بهدف منع فتح مراكز لإيواء الشباب المهاجرين أو قبول الإسكان الاجتماعي، فهم يروجون لصورة سلبية عن المهاجرين".
واستشهد السياسي من حزب "النهضة" بمثال رفض بلدية بيزيه، التي يرأسها روبير مينار، عقد زواج بين شاب مغربي وفتاة فرنسية بحجة عدم حصول الشاب على الأوراق اللازمة. ويظهر هذا الرفض وجهة نظرهم التي تعارض التسامح والانفتاح على الهجرة". وتابع "لقد نسوا جميع الفوائد التي تجلبها الهجرة إلى فرنسا وأوروبا. أهدافهم هي الوصول إلى أقصى قدر من النواب والتعاون في ما بينهم لتغيير القوانين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


استغلال أزمة المزارعين

ورأى السياسي من حزب "النهضة" أن "اليمين المتطرف يستغل أزمة الفلاحين والمزارعين، ويقدمون لهم وعوداً بحل مشكلاتهم. ومن بين هذه الوعود تلك المتعلقة بتقليص سن التقاعد إلى 60 أو 58 سنة في حال وصولهم إلى الحكم، وهو مشروع لا يمكن تمويله وفقاً لمحللين سياسيين. كما يستغلون أيضاً التوترات الاجتماعية في فرنسا لتقديم أنفسهم كأصحاب حلول للمشكلات والأزمات".
في هذا السياق، اعتبرت السياسية إعجاب خضر خوري، وهي عضوة في حزب "الجمهوريين" الفرنسي، أن "أحد أسباب صعود اليمين المتطرف في فرنسا هو الاضطرابات الاجتماعية والصعوبات المرتبطة بانخفاض القدرة الشرائية لدى السكان في فرنسا، على سبيل المثال يمكن أن تدفع تظاهرات المزارعين الأخيرة الرأي العام إلى البحث عن كبش فداء وتؤدي إلى ظهور العنصرية". وأضافت أن "فرنسا الآن في فترة حملة انتخابية استعداداً للانتخابات الأوروبية، واستخدام مشكلات الهجرة من اليمين المتطرف لكسب التأييد أمر شائع، إذ يستخدم هذا الملف كشماعة لتحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات".
كما أن هناك عوامل مختلفة تقف وراء تصاعد شعبية الحزب اليميني المتطرف، وفي هذا الخصوص أشار الخبير في القضايا الأوروبية من بروكسل محمد بركات إلى أنه "من المؤكد أن العامل الأساسي والرئيس لصعود اليمين المتطرف وتنامي نشاطه مثل الاحتجاجات والتظاهرات يعود أولاً لتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية في فرنسا، وتداعيات أزمة كورونا وما نجم عنها من نتائج سلبية على الاقتصاد الفرنسي". ورأى بركات أن "الحرب الأوكرانية أدت بشكل غير مباشر إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية للمواطنين الفرنسيين، وفي هذا السياق استغلت الأحزاب اليمينية المتطرفة ذلك بهدف جذب الرأي العام، من خلال تقديم حلول بسيطة يروج لها اليمين المتطرف وتجد قبولاً بين بعض الشرائح، مثل مسألة الهجرة والمهاجرين".
ولفت بركات إلى "التخوف من اتساع نفوذ اليمين المتطرف، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات الأوروبية، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى زيادة في الأصوات التي سيحصل عليها هذا الطرف السياسي، وباتت أفكار اليمين المتطرف تلقى قبولاً في المشهد الفرنسي وأصبحت لها شرعية. في سباق الانتخابات كان هناك نوع من تهميش لليمين على الساحة السياسية وفي مؤسسة الحكم الفرنسي، سواء على مستوى الانتخابات النيابية أم البلديات، أما الآن فأصبح وجودهم أمراً طبيعياً، وتمنحهم وسائل الإعلام الفرنسية حرية التعبير".
وفي ما يتعلق بالعلاقات الدبلوماسية الخارجية أشار بركات إلى أن "الصعود المتزايد لليمين المتطرف قد يؤثر سلباً في العلاقات الدبلوماسية الفرنسية، خصوصاً في مجال العلاقات مع دول أفريقية، ومن المؤكد أن المصالح الاقتصادية الفرنسية ستتعرض للتهديد. فرنسا تعتمد بشكل كبير على الموارد الأولية والمنتجات من الدول الأفريقية، وفي حال زيادة التوترات الخارجية فإن ذلك سيؤثر بطريقة ما في الاقتصاد الفرنسي، وأيضاً من الناحيتين العسكرية والسياسية يمكن أن نرى أن ما يحدث في منطقة الساحل وخروج الجيش الفرنسي من هناك يعتبر خسارة للنفوذ الفرنسي في تلك المنطقة".
واعتبر بركات أن "تأثير فرنسا سيتضاءل تدريجاً مع مرور الوقت، وفي حال وصول اليمين المتطرف إلى الحكم، قد يزيد ذلك من حدة التوترات في العلاقات الدبلوماسية الفرنسية مع دول أخرى، وخصوصاً مع الدول الأفريقية التي كانت مستعمرة من فرنسا".
ومع تزايد شعبية الخطاب اليميني تتصاعد شعبية مارين لوبن، فهل ستنجح في اكتساح الساحة السياسية وتحقيق النصر في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير