Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيل أم جنوب أفريقيا... من يحسم المعركة في "العدل الدولية"؟

اتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية ليست الوثيقة الوحيدة التي كان من الممكن أن تلجأ إليها بريتوريا

جانب من تظاهرة داعمة لفلسطين في لاهاي، الجمعة 8 مارس الحالي (رويترز)

ملخص

قالت المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى المنظمة هبة مورايف إن إسرائيل لم تتسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم فحسب، بل إنها تظهر أيضاً لا مبالاة قاسية بمصير سكان غزة

أفادت وسائل إعلام إسرائيلية قبل أسبوع بأن تل أبيب قدمت إلى محكمة العدل الدولية تقريرها الذي يتضمن تفاصيل الإجراءات التي اتخذتها للامتثال لأمر المحكمة الصادر في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وكانت المحكمة أمرت إسرائيل باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع أعمال "الإبادة الجماعية" في غزة وضمان توفير الخدمات الأساس والمساعدات الإنسانية فوراً لسكان القطاع، وذلك بعد أن قدمت جنوب أفريقيا شكوى تتهمها بارتكاب "إبادة جماعية" في حق الفلسطينيين.

وفق المنشور، فإن إسرائيل أفادت في تقريرها الذي أعدته وزارتا العدل والخارجية بأنها تنفذ أوامر المحكمة، وشرحت بالتفصيل الخطوات التي اتخذتها لتقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة، فضلاً عن التدابير التي يتخذها كبار المسؤولين القانونيين ومسؤولو إنفاذ القانون ضد أولئك الذين ربما أدلوا بتعليقات تحرض على "الإبادة الجماعية" ضد الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك كبار المسؤولين الحكوميين.

وتزعم إسرائيل أنها تفعل كل ما في وسعها لتجنب سقوط ضحايا بين المدنيين، وتستهدف فقط "إرهابيي حماس"، لكن "تكتيك (حماس) المتمثل في التغلغل في المناطق والمؤسسات المدنية يجعل من الصعب تجنب سقوط ضحايا من المدنيين".

وركزت المحكمة الدولية في حكمها على الأوضاع الإنسانية المأسوية في قطاع غزة، والذي يشهد حرباً طاحنة منذ أكثر من خمسة أشهر، ومن ثم سيكون على إسرائيل تقديم دليل على احترامها لاتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، إضافة إلى تقديم دليل على اتخاذها إجراءات لمنع التحريض ومعاقبته، وذلك لمنع وقوع جرائم الإبادة الجماعية.

مواصلة القصف الإسرائيلي

لكن منظمة العفو الدولية (أمنستي) قالت الأسبوع الماضي، إن "إسرائيل تقاعست عن اتخاذ الحد الأدنى من الخطوات للامتثال لقرارات المحكمة الدولية".

وأوضحت المنظمة الحقوقية أن "السلطات الإسرائيلية لم تمتثل لأمر ضمان وصول ما يكفي من السلع والخدمات المنقذة للحياة إلى السكان المعرضين لخطر الإبادة الجماعية والذين هم على حافة المجاعة بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل وتشديد الحصار غير القانوني الذي تفرضه منذ 16 عاماً".
وقالت المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى المنظمة هبة مورايف إن "إسرائيل لم تتسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم فحسب، بل إنها تظهر أيضاً لا مبالاة قاسية بمصير سكان غزة من خلال إنتاج الظروف التي قالت محكمة العدل الدولية إنها تعرضهم لخطر وشيك للإبادة الجماعية".

وأضافت مورايف في بيان صحافي "لقد فشلت إسرائيل مراراً وتكراراً في اتخاذ الحد الأدنى من الخطوات التي ناشد العاملون في المجال الإنساني بشدة اتخاذها والتي من الواضح أنها في حدود سلطتها للتخفيف من معاناة المدنيين الفلسطينيين في غزة".

وقالت منظمتا "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" إن عدد شاحنات المساعدات التي تدخل غزة انخفض فعلياً بمقدار الثلث تقريباً منذ صدور قرار محكمة العدل الدولية.

وأوضح مدير مكتب "هيومن رايتس ووتش" في إسرائيل وفلسطين عمر شاكر، أن "الحكومة الإسرائيلية تجوع 2.4 مليون فلسطيني في غزة، مما يعرضهم لخطر أكبر مما كانوا عليه قبل قرار المحكمة الدولية الملزم. لقد تجاهلت الحكومة الإسرائيلية ببساطة حكم المحكمة، وفي بعض النواحي كثفت قمعها، بما في ذلك عرقلة المساعدات المنقذة للحياة".

لكن إسرائيل تلقي تارة اللوم على الحكومة المصرية زاعمة أنها تغلق معبر رفح ولا تسمح بمرور المساعدات، وهي مزاعم أثبتت القاهرة زيفها، وتارة أخرى تلوم الأمم المتحدة في تراجع تسليم المساعدات، وتقول إنها مستعدة لتسريع عملية تخليص المساعدات. كما تقول السلطات الإسرائيلية إن "حماس" تخزن الإمدادات وتمنعها من الوصول إلى المدنيين.


جنوب أفريقيا تواصل المعركة
من جهتها، رفضت محكمة العدل الدولية، "طلباً عاجلاً" تقدمت به جنوب أفريقيا قبل أسبوعين، للنظر في ما إذا كانت العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف رفح في غزة تنتهك الأوامر الموقتة التي أصدرتها المحكمة في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، قائلة إن "الوضع لا يتطلب الإشارة إلى تدابير موقتة إضافية"، وإن إسرائيل "لا تزال ملزمة الامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية"، فإن "بريتوريا تبدي إصراراً على تعقب الانتهاكات الإسرائيلية في حق فلسطينيي غزة".

وقالت بريتوريا مطلع الشهر الجاري، إن قتل الفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون المساعدات في غزة، الأسبوع الماضي، يمثل انتهاكاً للأوامر الموقتة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية.

وجاء في بيان صادر عن وزارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا أن إسرائيل قدمت تقريراً إلى محكمة العدل الدولية، وتستعد بريتوريا للرد عليه.

وأضاف البيان أن "الدعوة الفورية وغير المشروطة لوقف إطلاق النار أصبحت الآن ضرورة أخلاقية لإنقاذ الأرواح"، لكن بينما تستمر المعركة داخل أروقة المحكمة الدولية في لاهاي، فما الأوراق التي تعدها جنوب أفريقيا وهل تواصل إسرائيل انتهاكاتها؟

استمرار القصف

يقول مراقبون إنه بالعودة إلى حكم محكمة العدل الدولية في يناير (كانون الثاني) الماضي، فإن الإجراءات التي طلبتها جنوب أفريقيا تم تقليصها بصورة كبيرة، إلا أنه من المتوقع استمرار العمليات العسكرية، فخلال جلسات الاستماع، قالت إسرائيل إن قواتها المسلحة تلتزم بدقة قواعد القانون الإنساني الدولي، وشددت أيضاً على التدابير التي تتخذها لتخفيف المعاناة ومشاركتها في المساعدات الإنسانية. وفي الوقت نفسه، بدأ مكتب المدعي العام الإسرائيلي باتخاذ إجراءات لقمع السلوك الذي يحرض على الإبادة الجماعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق المعهد الملكي "إلكانو"، في مدريد، فإنه لم يطلب من إسرائيل أن تفعل أي شيء لم تزعم أنها تفعله بالفعل. وفي حين كان يتوقع معهد الأبحاث الإسباني أن يكون "شرط تقديم إسرائيل تقريراً خلال شهر واحد، دافعاً لمزيد من الاعتدال في استخدام القوة المسلحة وملاحقة قضائية أكثر شدة لأولئك الصهاينة الذين ينتهكون حدود حرية التعبير"، فإن الوقائع على الأرض جاءت على النقيض، فخلال شهر فبراير (شباط) كثفت تل أبيب عملياتها العسكرية في القطاع، حتى إنها قتلت عشرات المدنيين خلال توزيع مساعدات غذائية وواصلت تهديدها باقتحام مدينة رفع التي تكتظ بالسكان الفارين من شمال القطاع.

وفي دفاعها عن نفسها، زعمت إسرائيل أنها وجدت أيضاً أن حجم الخسائر في صفوف المدنيين والدمار في غزة "يفطر القلب"، وأنها تبذل قصارى جهدها لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، ومع ذلك، رفضت تقليص العمليات العسكرية، وأصرت على ضرورة مواصلة قصف ومهاجمة غزة حتى تقضي على "حماس".

ويقول زميل برنامج الشرق الأوسط لدى المعهد الأطلسي في واشنطن شالوم ليبنر، إن "مهمة جيش الدفاع الإسرائيلي المتمثلة في تفكيك البنية التحتية العسكرية لـ(حماس) في غزة وتأمين حرية الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى الحركة، لا تتعارض بطبيعتها مع ما نصت عليه المحكمة بأنه يجب على إسرائيل اتخاذ جميع التدابير في حدود سلطتها لمنع إلحاق الموت أو الإصابة بالفلسطينيين في غزة في حد ذاته، ويجب أيضاً أن توفر لهم الخدمات الأساس والمساعدات الإنسانية".

ويضيف ليبنر أن "إسرائيل كثيراً ما زعمت أنها تواصل العمل بهذه الطريقة على وجه التحديد، على رغم الظروف المعقدة لمحاربة جماعة إرهابية متجذرة بين السكان المدنيين. والأهم من وجهة نظر إسرائيل هو أن محكمة العدل الدولية امتنعت عن إصدار أي دعوة لوقف فوري لإطلاق النار".

اتفاقيات جنيف

يعتقد مراقبون أن جنوب أفريقيا أخطأت عندما قيدت نطاق الدعوى القضائية من خلال حصرها في مسألة "الإبادة الجماعية". ووجه زعماء العالم، بمن فيهم الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أكد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وملاحقة "حماس" انتقادات لتل أبيب بسبب القصف العشوائي الذي أدى إلى مقتل مدنيين أبرياء في غزة، بما في ذلك النساء والأطفال، بأعداد غير مسبوقة في التاريخ الحديث. ومن خلال إغفال إدراج "حماس" كطرف في إجراءات محكمة العدل الدولية، أضاعت جنوب أفريقيا فرصة المحاولة الفعلية لوقف الصراع من خلال إرغام الجانبين على وقف القتال.

ويقول الدبلوماسي الأميركي السابق والزميل لدى "المعهد الأطلسي" ناثان سيلز إن "المحكمة لم تر أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي، كما أنها لم تأمرها بإنهاء الحرب ضد (حماس)، وهو ما سعت إليه جنوب أفريقيا وما أمرت به المحكمة في السابق في ما يتعلق بالحرب العدوانية التي شنتها روسيا على أوكرانيا. وبدلاً من ذلك، أصدرت محكمة العدل الدولية ببساطة تعليماتها إلى إسرائيل بالامتثال لاتفاقية الإبادة الجماعية، وهي ملزمة الفعل، باعتبارها دولة موقعة على تلك الاتفاقية منذ عام 1950".

ويشير رئيس المحكمة الجنائية الدولية السابق تشيلي إيبوي أوسوجي إلى أن "اتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية ليست الوثيقة الوحيدة التي كان من الممكن أن تلجأ إليها بريتوريا، وكان من الممكن أن تستشهد أيضاً باتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولها الإضافي الأول لعام 1977، وهي مجموعة من المعاهدات التي تلزم جميع الدول بصورة أو بأخرى عند خوض الحروب".

وتجرم اتفاقيات 1949 القتل العمد والتسبب المتعمد لمعاناة كبيرة للسكان المدنيين، فضلاً عن تدمير الممتلكات المدنية بما يتجاوز الضرورة العسكرية، فيما يفصل بروتوكول 1977 مبدأ النسبية ويحظر الهجمات العشوائية. ويقول أوسوجي، "في أي حرب تتضارب فيها الاتهامات والإنكار لانتهاك هذه المعايير، فإن الملاذ القانوني المناسب هو طرح المسألة على محكمة العدل الدولية، تماماً كما فعلت دول مثل هولندا وكندا في قضيتها ضد سوريا في شأن انتهاك اتفاقية مناهضة التعذيب".

وبغض النظر عن الأسس الموضوعية القانونية أو تلك الأوراق التي يمكن أن تستخدمها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، يرى أوسوجي أنه "من المفيد أن تقوم الدول برفع هذا النوع من الإجراءات إلى محكمة العدل الدولية، لأنها ترغم المجتمع الدولي على مواجهة مشكلة الصراع المسلح، إذ تسمح هذه القضايا للقضاة بتجاوز كل الضجيج السياسي للإجابة عن الأسئلة القانونية". ويضيف "يبدو أن المحاكم الدولية الآن هي الأمل الأخير للإنسانية في عالم سخرت فيه الدول إمكانات العلم لتحقيق أقصى قدر من الدمار، في حين فشلت قدرة الأمم المتحدة على كبح ويلات الحرب إلى حد كبير".

المزيد من متابعات