ملخص
ليس من السهل تنفيذ عمليات في مياه البحر الأحمر العميقة لقطع كابلات الإنترنت فهل فعلها الحوثيون؟
في أواخر فبراير (شباط) الماضي، انقطعت ثلاثة كابلات اتصالات بحرية تمر عبر مياه البحر الأحمر وتحمل قيمة دولية، إذ توفر الإنترنت والاتصالات حول العالم. شملت الكابلات المقطوعة، وفق وسائل الإعلام الأميركية، كابل "آسيا وأفريقيا وأوروبا1" وكابل "أوروبا-الهند" وكابل "سيكوم تي جي أن غولف"، مما أثر بدوره في 25 في المئة من حركة البيانات عبر البحر الأحمر، وفق بيان شركة "أتش جي سي غلوبال كوميونيكشن" في هونغ كونغ.
وأفادت شركة الاتصالات الدولية "سيكوم" أن "الفحص الأولي يشير إلى أن الجزء المتأثر (من الكابل الخاص بها) يقع ضمن المناطق البحرية اليمنية في جنوب البحر الأحمر". وفي حين لم يتضح السبب وراء قطع خطوط الكابل الواقعة في أعماق البحر الأحمر، لكن مستشار اتصالات الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، قال في مقابلة صحافية الأربعاء الماضي، إنه حدث "في الغالب" بسبب المرساة الخاصة بالسفينة "روبيمار" التي هاجمها الحوثيون قبل أكثر من أسبوع.
ومع ذلك، منذ مطلع الشهر الماضي كانت هناك مخاوف في شأن استهداف الكابلات من قبل جماعة الحوثي اليمنية التي تشن منذ أشهر هجمات على سفن الشحن الدولية المارة عبر مضيق باب المندب عند بوابة البحر الأحمر، بدعوى دعم الفلسطينيين في خضم حرب تشنها إسرائيل على حركة "حماس" في غزة، وأسفرت عن سقوط آلاف من الضحايا المدنيين وتهجير سكان القطاع.
ففي حين نفى الحوثيون مسؤوليتهم عن انقطاع الكابلات، لكن في الرابع من فبراير الماضي أصدرت الشركة العامة للاتصالات اليمنية، التابعة للحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، بياناً يدين "تهديدات الحوثيين باستهداف الكابلات البحرية الدولية" حيث يتم نقل ما يقارب 17 في المئة من الإنترنت حول العالم عبر 16 كابلاً يمرون تحت سطح البحر الأحمر. جاء تحذير وزارة الاتصالات اليمنية بعد أكثر من شهر من نشر قناة تابعة للحوثيين على تطبيق "تيليغرام"، في الـ24 من ديسمبر (كانون الأول) 2023، خريطة توضح كابلات الاتصالات في البحر الأحمر والبحر المتوسط وبحر العرب والخليج العربي، مصحوبة برسالة حول الموقع الاستراتيجي لليمن.
وقالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إنه وفيما كانت جل المخاوف منصبة على تأثير هجمات الحوثيين في سفن تعبر الممر البحري الاستراتيجي، بما في ذلك "الشحن التجاري وتدفقات الطاقة عبر نقطة العبور الرئيسة بين قناة السويس والمحيط الهندي"، فإن القلق اليوم بات يركز على التهديدات المحتملة للبنية التحتية تحت سطح البحر الذي تحول خلال السنوات الأخيرة، إلى "ساحة معركة المنطقة الرمادية، حيث ترعب سفن الأشباح الروسية جيرانها في بحري البلطيق والشمال".
هل الحوثيون قادرون على الوصول إلى أعماق البحر؟
وفي حين تعطلت حركة الشحن العالمية بالفعل عبر البحر الأحمر، وهو طريق بالغ الأهمية لشحنات البضائع والطاقة من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، فإن تخريب خطوط الاتصالات قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة المستمرة منذ أشهر، مما يدفع بالتساؤل في شأن قدرة الحوثيين إلى القيام بعمل تخريبي في أعماق بعيدة تحت سطح البحر، وإمكانية أن توفر إيران الدعم التكنولوجي للميليشيات المسلحة التي تواصل هجماتها ضد السفن منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، على رغم الغارات الجوية التي يشنها تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة.
تحدث عدد من الباحثين المتخصصين في قضايا الأمن والإرهاب في الشرق الأوسط، من واشنطن لـ"اندبندنت عربية" في هذا الشأن. وفي حين ليس من السهل إجراء مثل هذه العمليات في مياه البحر الأحمر العميقة ذات التيارات السريعة، لكن لا يستبعد الزميل لدى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى فرزين نديمي أن يقوم الحوثيون بمثل هذا العمل التخريبي.
وأوضح نديمي أن متوسط العمق في مضيق باب المندب يبلغ 186 متراً، والغوص في هذا العمق يتطلب مستويات عالية من الدعم الفني العميق والتدريب والخبرة والانضباط واللياقة البدنية. ويقول "لست متأكداً من أن الحوثيين يمتلكون مجموعة المهارات والمعدات هذه، ومع ذلك، فمن المعروف أن الحوثيين تلقوا تدريباً مكثفاً من قبل وحدة العمليات البحرية الخاصة التابعة للحرس الثوري الإيراني، ومقرها جزيرة فارور في الخليج العربي، ولها مواقع غوص يصل عمقها إلى 18 متراً، كما أجرى الحوثيون تدريبات غوص قتالية في جزر كمران ورأس عيسى".
ويضيف أنه للغوص في أعماق البحار سيحتاجون إلى دراجات مائية تحت الماء. على سبيل المثال، فإن الطراز "SubGravity ECOS S" تغوص على عمق 200 متر ويمكن شراؤها عبر الإنترنت بنحو 6 آلاف دولار. ويقول زميل معهد واشنطن إنه "من المعروف أن إيران حاولت تزويد الحوثيين بالدراجات البحرية في أواخر الشهر الماضي. لذا، إذا كانوا يعرفون مكان الغوص (بمساعدة بعض المواقع الإلكترونية على الإنترنت المتخصصة في تتبع مسار الكابلات البحرية) وكان لديهم المعدات والتدريب المناسبين، فيمكنهم بالفعل إلحاق الضرر بالكابلات البحرية".
مبالغة غير محسوبة
هناك سابقة لقطع الكابلات من طريق غواصين. ففي عام 2013، قطع ثلاثة غواصين، على بعد 750 متراً شمال مدينة الإسكندرية في مصر، كابل تحت الماء يوفر الاتصال بالإنترنت بين مصر وأوروبا، مما تسبب في خفض حركة البيانات بنسبة 60 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما يقع عدد كبير من كابلات الإنترنت الدولية قرب سواحل اليمن، بخاصة على طول ساحله الغربي حيث يسيطر الحوثيون على مساحات واسعة، يعتقد محلل شؤون الدفاع لدى شركة "غلوبال داتا" ويلسون جونز، أنه "سيكون من الصعب جداً إيقاف الحوثيين إذا بذلوا جهداً حازماً لاستهداف هذه الكابلات".
وأضاف في تعليقات صحافية "إن قطع أحد الكابلات في أي مكان يؤدي إلى تعطيل تدفق البيانات في كل مكان. وبما أن هذه الكابلات ضرورية للإنترنت الحديث والمعاملات المالية الرقمية، فقد يكون التعطيل هائلاً". وعلى النقيض ترى زميلته كارولينا بينيتو، أنه يجرى المبالغة في قدرة الحوثيين على الوصول إلى الكابلات في أعماق البحر وإتلافها.
يبلغ متوسط عمق البحر الأحمر 490 متراً، مع وجود بعض الكابلات على ارتفاع 100 متر فقط، لكن يتفق المراقبون على أن الحوثيين لا يملكون على الغالب القدرات التكنولوجية للوصول إلى الكابلات على تقع على عمق مئات الأمتار وإن كان بإمكانهم استهداف واحد أو اثنين من تلك الضحلة.
التحدي الأكبر فوق السطح
ألقى الحوثيون باللوم في قطع كابلات الإنترنت على العمليات العسكرية البريطانية والأميركية، لكنهم لم يقدموا أدلة تدعم هذا الادعاء. وعلى رغم أكثر من شهر ونصف الشهر من الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضد المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على أجزاء من اليمن، فإنهم ما زالوا قادرين على شن هجمات كبيرة ضد السفن المارة عبر البحر الأحمر والمياه المحيطة. وتشمل هذه الهجمات الهجوم الذي استهدف الشهر الماضي سفينة شحن الأسمدة "روبيمار" التي غرقت، قبل أسبوع، بعد أن انجرفت لأيام عدة، وإسقاط طائرة أميركية من دون طيار تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدولارات.
وفي الوقت نفسه حذر مركز عمليات التجارة البحرية التابع للجيش البريطاني، الإثنين الماضي، بشكل منفصل من هجوم جديد في خليج عدن.
ويقول الزميل لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بهنام بن طاليبلو، إن في حين تم إيلاء كثير من الاهتمام للتهديد الحوثي المحتمل لكابلات الإنترنت في البحر الأحمر، فإن التحدي البحري الأكثر أهمية الذي يمثله المتمردون حتى الآن لا يزال فوق السطح. فالحوثيون على سبيل المثال هم الوكيل الوحيد لإيران الذي استعرض واستخدم الصواريخ الباليستية المضادة للسفن.
وأضاف "لأكثر من 40 مرة في الأشهر الأربعة الماضية، تم مواصلة هذه الهجمات الصاروخية بطائرات من دون طيار وصواريخ كروز مضادة للسفن، مما أدى إلى مضايقة واستهداف السفن التجارية وحتى إغراق إحداها أخيراً".
ومع ذلك، لا شيء من هذا يعني بصورة حاسمة أن الحوثيين لا يمكن أن يكونوا مسؤولين عن الانقطاع الأخير لأربعة كابلات إنترنت في البحر الأحمر، لكن من المرجح أن تكون أعماق هذه الكابلات بعيدة من متناول الغواصين. وللقيام بعمل تخريبي مثل هذا، يقول طاليبلو إن الحوثيين سيكون عليهم إما الاستفادة من دعم دولة لاستخدام سفينة غاطسة لقطع الكابلات، أو العمل على تحديد واستهداف المحطة التي تغذي الكابلات.
وأشار إلى أنه من غير المعروف أيضاً إذا كان لدى الحوثيين تقييم دقيق لرسم خرائط قاع البحر الأحمر، وهو أعمق بكثير في المتوسط من الخليج العربي.
هل تمكن إيران الحوثيين لقطع الاتصالات؟
إذا أصبح الحوثيون قادرين على الوصول إلى أعمال البحر فإن المراقبين يتفقون على أنهم بالضرورة حصلوا على الدعم من إيران للوصول إلى تلك الكابلات الواقعة على عمق مئات الأمتار تحت سطح البحر، وهو ما يثير السؤال في شأن إمكانية إقدام طهران على تمكين أحد وكلائها للقيام بعمل تخريبي يمس بالإنترنت عالمياً مما يمثل تصعيداً كبيراً في صراعها مع الولايات المتحدة.
في هذا الصدد، استبعد سفير بريطانيا السابق لدى اليمن إدموند فيتون براون، في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية، قيام إيران بهذا الفعل. وأضاف "قد يلجأ الإيرانيون إلى الخيارات السيبرانية بدلاً من تخريب البنية التحتية".
في حين لا يوجد ما يشير إلى أن إيران طلبت من الحوثيين القيام بمثل هذا العمل التخريبي، يقول نديمي إنها قدمت بالفعل التدريب والمعدات لوكلائها في اليمن، مشيراً إلى أنه "جزء من قواعد اللعبة".
وربما يستخدم الحوثيون مركبات تحت البحر للتفجير من بعد لإتلاف تلك الكابلات. وإلى جانب المسيرات التي يمتلكها الحوثيون بالفعل، فإنهم أصدروا في فبراير الماضي مقطع فيديو أظهر أنهم استولوا على مركبة تابعة للبحرية الأميركية من طراز "Remus 600 UUV" تصل إلى عمق 600 متر.
ومن جانبه، يحذر طاليبلو أنه بغض النظر عن أنه لا ينبغي استبعاد أي شيء، فكلما طال أمد الصراع توقعنا أن يبتكر الحوثيون ويشكلوا تهديدات جديدة ومتنوعة نيابة عن راعيهم في طهران.