Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حاخام موسكو المنفي يحكي تجربته مع محاولة الكرملين تجنيده

شهد بنحاس غولدشميت عن قرب صعود بوتين إلا أنه بعد فراره من روسيا إثر إدانته حرب أوكرانيا يحذر الغرب من أن طموحات الزعيم الروسي تتجاوز حدود كييف

"أريد أن أكون قادراً على النظر في عيون أحفادي وإخبارهم بما فعلته خلال هذه الأوقات" (غيتي)

ملخص

حاخام موسكو الأكبر بنحاس غولدشميت ليس حاخاماً عادياً ومهادناً، فهو من الرجال الدين النادرين في روسيا الذين انتقدوا حرب بوتين في أوكرانيا ودفعوا الثمن بنفي السلطات له

عندما استدعى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي "أف أس بي" الحاخام الأكبر لموسكو بنحاس غولدشميت إلى مركز للشرطة في شارع سادوفنيشيسكايا عام 2003، كان هدفهم الوحيد تجنيده ليصبح عميلاً للسلطات.

وتمكن الحاخام غولدشميت، الذي كان الحاخام الأكبر طوال العقد السابق، من مقاومة سعي الدولة الروسية لتجنيده. ولكن عندما غزت روسيا أوكرانيا قبل عامين، كان يعني أن وقته [في روسيا] قد انتهى.

بعد أن رفض تأييد الحرب، فرّ الحاخام غولدشميت، أولاً إلى المجر وبعد ذلك إلى إسرائيل، حاضاً اليهود الآخرين على مغادرة روسيا بينما لا يزال بإمكانهم ذلك. وقد صنفه الكرملين على أنه "عميل أجنبي" [تصنيف قانوني في روسيا يستهدف شكلاً أي شخصية أو كيان يتلقى تمويلاً خارجياً ولكن تستخدمه السلطات لوسم كل منتقديها وتقييد حقوقهم] على إثر انتقاده بوتين، لا سيما وأنه شهد صعود شعبيته بشكل مباشر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول الحاخام "أريد أن أكون قادراً على النظر في عيون أحفادي وإخبارهم بما فعلته خلال هذه الفترة. ما يحدث هو كارثة لكل من أوكرانيا وروسيا. من المستحيل دعم هذه الحرب. لهذا شعرت أنه ليس لدي خيار سوى التحدث أمام العلن".

ويعيش الحاخام البالغ من العمر 60 سنة في المنفى بالقدس حالياً، ويراقب بحسرة اشتعال الصراعات في كل من الشرق الأوسط وأوروبا، ويخشى أن تتحد هذه النزاعات في صراع شامل.

ويتمتع هذا الحاخام السويسري المولد بمكانة فريدة من نوعها مع توليه منصبه لأول مرة إبان الاتحاد السوفياتي السابق عام 1989. لقد شهد بأم عينه الانهيار المؤلم لنظام الحكم السابق، ثم صعود نظام بوتين إلى السلطة.

يسرد هذه الأحداث وغيرها في مذكراته الجديدة "ذكريات موسكو" Moscow Memories، التي ناقشها خلال زيارته إلى لندن، الخميس الماضي، للمشاركة في أسبوع الكتاب اليهودي.

في حديثه إلى "اندبندنت"، أوضح الحاخام بنحاس أنه لم يكن أمامه خيار سوى إدانة حرب بوتين، على رغم معرفته أن هذا الموقف سيعرضه للخطر. وقال "في البداية، اتخذنا قراراً داخل المجتمع اليهودي بألا ندعم الحرب، رغم علمنا أن الحكومة ستطالب القادة الدينيين بالقيام بذلك في مرحلة ما". وأضاف "من ناحية أخرى، لم ننتقد الحرب لأننا كنا ندرك الخطر الكامن في ذلك في ظل هذا النظام الاستبدادي. ولكن مع مرور الأيام ومشاهدة ملايين اللاجئين، من بينهم عشرات الآلاف من اللاجئين اليهود، توصلنا إلى استنتاج مفاده بأن الصمت لم يعد كافياً".

بيد أنه عندما تواصل النظام مع القادة الدينيين في روسيا، أجبرهم على اتخاذ قرار مصيري.

يحرص الحاخام بنحاس على عدم الإفصاح عن أي تفاصيل تتعلق بمحاولات النظام استمالته، مدركاً تماماً أن أي تصريح قد يستغله بوتين سلاحاً ضد الجالية اليهودية المضطهدة. ويقول الحاخام: "لقد تواصل ممثلو الحكومة مع قيادة الجالية. لا أريد الخوض في التفاصيل، ولكن عندما تتلقى أمراً من الحكومة في روسيا التي يحكمها بوتين، فأنت تدرك تماماً أن العصيان ستكون له عواقب وخيمة".

وبعد ذلك بأيام، في السابع من مارس (آذار) 2024، حمل الحاخام بنحاس وزوجته حقائبهما وغادرا إلى مطار شيريميتيفو في موسكو في سباق محموم مع الزمن.

يقول الحاخام "كنت قلقاً من احتمال إيقافنا في أي لحظة، فقد واجهنا المضايقات لسنوات عديدة على يد جهاز الأمن الفيدرالي عند مغادرة روسيا أو الوصول إليها. اضطررت أن أدعي أن والدي مريض وأرغب بزيارته. لم أستطع إخبارهم بأنني أنوي مغادرة روسيا من دون رجعة. ولم أشعر بالارتياح إلا عندما اجتزت مرحلة التفتيش الأمني في المطار".

إنها مفارقة ساخرة وواضحة أن يتهم نظام بوتين الأوكرانيين بالنازية، بينما يمكن اعتبار سياسات النظام نفسه معادية للسامية

ولكن الحاخام بنحاس عانى الصراعات ويعرف أثرها، فقد وصل إلى موسكو شاباً ساذجاً في الـ25 من عمره من أجل أن يصنع لنفسه دوراً في خدمة المجتمع اليهودي المضطهد خلال اللحظات الأخيرة للاتحاد السوفياتي. ولم يكن بعيداً عن متابعة صعود فلاديمير بوتين الضابط الغامض من المخابرات السوفياتية ثم جهاز الأمن الفيدرالي "أف أس بي".

ويقول الحاخام بنحاس: "اجتمعت أنا ووفد من القادة اليهود الأميركيين مع عدد من المسؤولين داخل الكرملين عام 1998 عندما دخل بوتين فجأة من دون سابق إنذار. كان حينها رئيساً لجهاز الأمن الفيدرالي. كنا نناقش قضايا عالمية مثل الصين، وقد شارك في النقاش، معرباً عن وجهات نظره، وكان جدالاً مثيراً للاهتمام".

بعد عامين فقط، أصبح بوتين رئيساً لروسيا. ويقول الحاخام بنحاس: "بعد انتخابه، استغل بوتين ارتفاع أسعار النفط، فقد كانت الحكومة الروسية على وشك الإفلاس. في ذلك الوقت، تعهد بوتين باستعادة القانون والنظام. استفاد المجتمع اليهودي من ارتفاع مستوى المعيشة مع ظهور طبقة وسطى جديدة، وحقق عديداً من رجال الأعمال اليهود نجاحاً باهراً. ولكن من ناحية أخرى، تراجعت الديمقراطية بشكل ملحوظ، وأصبحت هذه القضية مصدر إشكال للمجتمع اليهودي والمجتمع ككل".

بعد أن رفض الحاخام بنحاس أن يصبح مخبراً للسلطات، طُرد من البلاد عام 2005. لكن في غضون أشهر عاد بفضل وساطة سيلفيو برلسكوني.

قال: "لقد شارك الجميع في الضغط من أجل عودتي ولكن عندما التقيت برلسكوني مع وفد من الحاخامات، التفت أحدهم إلى برلسكوني وشرح وضعي. فقال (برلسكوني) ’حسناً، أنا مستعد للتحدث إلى صديقي فلاديمير، لكن لماذا لا تبقى في روما، فالطقس أفضل؟‘ فقلت لنفسي نعم حتى الطعام هنا أفضل. ولكن في اليوم التالي حصلت على تأشيرتي الروسية".

وفي عام 2007، وجد الحاخام بنحاس نفسه مرة أخرى في غرفة الاجتماعات الرسمية بالكرملين، وهذه المرة مع وفد من كبار الحاخامات الأوروبيين لمقابلة بوتين. "قابلت عديداً من الرؤساء ورؤساء الوزراء ضمن الوفود الرسمية، وإحدى العلامات المعتادة التي تدل على طبيعة النظام هي عندما تنتظر وصول القائد. يمكنك أن ترى ما إذا كان المساعدون والوزراء يخوضون حديثاً جانبياً مع وفدنا. لكني أتذكر دخولي إلى الاجتماع الرسمي في الكرملين وكان الصمت رهيباً".

ويعتبر الحاخام بنحاس أن بوتين قد دعم اللوبي اليهودي لأن الحرب العالمية الثانية، أو ما تسمى الحرب الوطنية العظمى في روسيا، شكلت ركيزة أساسية في نظريته عن القومية الروسية.

والسخرية تكمن في أن بوتين يسعى الآن لاستغلال إرث الحرب العالمية الثانية كذريعة للقتال ضد ما يُسميه "النظام النازي" في أوكرانيا. "وهي سخرية ورياء فاضح من جانب نظام بوتين الذي يتهم الأوكرانيين بالنازية، بينما يقدر المرء أن يصف سياساته هو بأنها معادية للسامية".

ويشير الحاخام إلى أن "حياة الجالية اليهودية اتسمت بالازدهار والرقي في أوكرانيا على مدار 30 عاماً. أرني دولة أخرى تحكمها حكومة نازية ولديها مجتمع يهودي يتمتع بالازدهار. هذا مجرد أداة من أدوات الدعاية التي تستخدمها الحكومة الروسية لتبرير هذا العدوان الفظيع على أوكرانيا".

ويعتقد الحاخام الأكبر المنفي أن أوروبا والغرب ليس لديهما خيار سوى الاستعداد للأسوأ إذا كانا يأملان في الأفضل. ويقول "يجب أن تكون أوروبا قادرة على الدفاع عن حدودها بجيش أو جيوش إذا أرادت الحفاظ على مكانتها كقوة عظمى. يمكننا أن نكون على يقين بنسبة 100 في المئة أن أوكرانيا لن تكون الحرب الأخيرة".

وأضاف "وذلك يعني أن أوروبا ليس لديها خيار سوى تسليح نفسها لأن العامل المتغير الآخر هو الولايات المتحدة. في الماضي اعتمدت أوروبا دائماً على الولايات المتحدة ولكن إذا انتخب ترمب فقد تضطر إلى الاعتماد على نفسها". لكن الحاخام بنحاس، بصفته رئيساً لمؤتمر الحاخامات الأوروبيين، يتصدى أيضاً للوتيرة المتزايدة لمعاداة السامية في أوروبا في ظل اندلاع الحرب في الشرق الأوسط. ويشعر بقلق متزايد من احتمال انتشارها خارج المنطقة.

ويقول: "هناك بالفعل حرب أوسع في الشمال [إسرائيل] مع حزب الله وفي اليمن مع الحوثيين. ليس هناك شك في أن الأحداث الجارية في الشرق الأوسط ستكون لها عواقب، ليس فقط على صعيد الشرق الأوسط، بل على جميع أنحاء كذلك. إن من يتعرض للهجوم اليوم هو النظام العالمي القديم".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات