ملخص
"ما حدث من استرداد إذاعة وتلفزيون أم درمان انتصار معنوي كبير للقوات المسلحة السودانية بعد تراجعات كبيرة على مستوى القطر خلال العام الماضي"
أعادت سيطرة الجيش السوداني على مبنى الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون بأم درمان الأمل لقطاع عريض من المواطنين بخاصة سكان مدن العاصمة الثلاث بقرب عودتهم لمنازلهم التي فروا منها بعد اندلاع الحرب الـ15 أبريل (نيسان) 2023، وذلك لكون القوات المسلحة استعادت من خلال هذا الانتصار قواها ومعنوياتها مما يجعلها تواصل عملياتها لاسترداد بقية المدن التي تقع تحت سيطرة قوات "الدعم السريع".
أثار الانتصار تساؤلات عدة حول ما حدث من تحول في سير المعارك الحربية التي كانت قوات "الدعم السريع" بمثابة حصان طروادة فيها، وما انعكاساته على طرفي الصراع في معاركهما المقبلة، خصوصاً أنه باستيلاء الجيش على هذا المبنى العريق (الإذاعة والتلفزيون) يكون قد أكمل سيطرته على أحياء أم درمان القديمة.
معركة مفتاحية
الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية اللواء أمين إسماعيل مجذوب يرى أن "المعركة التي جرت في مبنى الإذاعة والتلفزيون هي معركة مفتاحية لمراحل قتالية أخرى، إذ أدارها الجيش بمهنية واحترافية وتكتيك عالٍ لأسباب عدة منها تفادي خسارة الاستديوهات والمواقع المهمة في هذا المبنى العريق، فضلاً عن وجود عدد كبير من الأسرى الذين اتخذتهم قوات الدعم السريع دروعاً بشرية".
وقال مجذوب "هذا انتصار معنوي كبير لما تمثله الإذاعة والتلفزيون من معانٍ راسخة في وجدان الشعب السوداني أكثر من كونها مجرد مبانٍ، إضافة إلى تأثيره معنوياً وقتالياً على عناصر الدعم السريع، التي انسحبت وتركت مركباتها وآلياتها بعد حصار محكم من محاور مختلفة".
وتوقع أن يتحرك الجيش خلال الفترة المقبلة إلى مواقع أخرى، سواء باتجاه الجنوب للسيطرة على منطقتي الصالحة وجبل أولياء لمنع أي إمدادات للخصم، إضافة إلى امتداد العمليات إلى الخرطوم لتطهير القصر الرئاسي والقيادة العامة ومن ثم شرق النيل حتى يتم تأمين ولاية الجزيرة من الناحية الشرقية ومن الطريق الغربي، مشدداً على أهمية إغلاق أم درمان تماماً من الشرق إلى الغرب في وجه كل وسائل الإمداد الذي يأتي من غرب البلاد أو من دول الجوار الغربي.
وأردف الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية أن "هذه المعركة توصلت لحقيقة أن من كان يدعم قوات الدعم السريع ويراهن عليها وضح له جلياً أنها ليس لديها عقيدة وأنها لا تقاتل من أجل هدف محدد غير أنها دخلت هذه الحرب لممارسة أعمال النهب والسب، وهذا الفرق بينها والجيش الذي له تاريخ طويل وناصع في القتال، ويعرف كيف يدير المعارك، سواء في المدن أو الصحراء أو الغابات".
فرصة تاريخية
من جانبه، قال القيادي في حزب الأمة القومي صلاح جلال إن "ما حدث من استرداد إذاعة وتلفزيون أم درمان انتصار معنوي كبير للقوات المسلحة السودانية بعد تراجعات كبيرة على مستوى القطر خلال العام الماضي، ويجب على قوات الدعم السريع الاعتراف بشرف الهزيمة في هذه المعركة، كما كانت تعلن وتحتفي بانتصاراتها حلوة المذاق، إذ إن الحرب لا تبقى على حال، وما تم من نصر ليس نهاية لما يدور من قتال، فما زال النصر النهائي بعيداً جداً بالحسابات الواقعية، وإن كان ممكناً سيكون بكلفة كبيرة أشك في توفرها في زمن قريب".
وتابع جلال "كنت أتطلع من قيادة الجيش أن تستغل هذا النصر الكبير معنوياً بما يمثله مبنى الإذاعة والتلفزيون من رمزية سيادية للدولة والمحدود عسكرياً مقارنةً بخريطة الحرب الراهنة في العاصمة وبقية الأقاليم بالدخول في مفاوضات جادة لوقف هذه الحرب بشروط موضوعية وواقعية على الطرفين، وألا تفوت هذه الفرصة التاريخية بالانفتاح على مزيد من القتال، لأنه مغامرة غير مأمونة العواقب تحت تأثير نشوة زائفة، مما يعمق الجراح ويفتح أبواب تبادل النصر والهزيمة بين طرفي الصراع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزاد "في اعتقادي أن طريق الحسم الحربى ما زال طويلاً جداً وبعيداً ومكلفاً، وأن الطريق الأقصر للخروج من هذا المأزق الوجودي هو التفاوض لوقف القتال وإنهاء هذا الفصل الدامي من تاريخ البلاد وهي تواجه تحديات هشاشة الدولة وضعف تماسك المجتمع ونفاد الموارد، فهذه هي صورة الحقائق الواقعية وليست المتخيلة".
ومضى القيادي في حزب الأمة القومي في القول "ظللنا نردد وما زلنا نكرر أن هذه الحرب لن يكون فيها منتصر ومهزوم على أسنة الرماح مهما تطالت بالأدوات العسكرية، إذ ستجدد الحرب نفسها وتنفتح على نسخ متعددة لأنواع الحروب الأهلية، ولديها من المؤهلات للاستمرار المكلف لعشرات السنين المقبلة، مما يقضي على الأخضر واليابس في جسد منهك ومسخن بالغبائن وعلى القائد الشجاع اتخاذ القرار التاريخي الصحيح في اللحظات الحاسمة، والتوجه لتحقيق سلام الشجعان من خلال تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بتحقيق هدنة إنسانية في هذا الشهر (رمضان)، والانفتاح على مفاوضات جادة لوقف دائم للعدائيات والدخول في عملية سياسية تستعيد مسار الانتقال المدني الديمقراطي".
خرق الهدنة
بدوره أكد مستشار قوات "الدعم السريع" عمران عبدالله خسارة قواته مبنى الإذاعة والتلفزيون، مشيراً على حسابه في منصة "إكس" إلى أن "قوات الدعم السريع خسرت الإذاعة ولم تخسر المعركة برمتها"، بسبب ما سماه خرق الجيش لهدنة رمضان التي أقرها مجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي.
ونوه عبدالله إلى أن قيادة "الدعم السريع التزمت قرار مجلس الأمن من أجل تهيئة الظروف للمدنيين لصيام الشهر الكريم، ولتسهيل وصول المساعدات الإنسانية"، لافتاً إلى أن "الجيش ومن خلفه كتائب المؤتمر الوطني تنصلت من هذا العهد والالتزام الأخلاقي، وغدرت بقوات الدعم السريع وهاجمتها في محور الإذاعة، على رغم التزامها مسبقاً بوقف إطلاق النار".
وواصل مستشار "الدعم السريع" "بذلك لم تخسر قواتنا المعركة برمتها، وفي المقابل كسبت احترامها أمام الشعب السوداني والمجتمع الدولي والإقليمي".
معارك ضارية
وكان الجيش السوداني أعلن، أول من أمس الثلاثاء، سيطرته على مقر الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، بعد معارك ضارية قادها ضد "الدعم السريع"، تم فيها تدمير قوة عسكرية ضخمة كانت تخطط للهرب من المقر الذي ظل محاصراً لعدة أسابيع.
وبحسب بيان المتحدث باسم الجيش فإن "قواتكم المسلحة والقوات النظامية الأخرى وأبناء بلادنا الذين يعملون جنباً إلى جنب معها، تمكنوا اليوم من انتزاع مقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، ذاكرة ووجدان الأمة السودانية، من دنس ميليشيات آل دقلو الإرهابية، والمرتزقة من الدول الأخرى".
وبثت منصات للجيش السوداني والإعلام العسكري مقاطع فيديو وصوراً تظهر سيطرة الجيش على مقر الإذاعة والتلفزيون، وتدمير العشرات من مركبات "الدعم السريع" والاستيلاء على أخرى، كما ظهر بعض مسلحي القوات وهم يهربون من القذائف المدفعية والقنابل التي تطلقها الطائرات المسيرة.
كما استولى الجيش على أجهزة تشويش على المسيرات ومضادات طائرات، كان يستخدمها مقاتلو "الدعم السريع" المتحصنون في المبنى، وأظهر مقطع فيديو قائد منطقة أم درمان العسكرية اللواء الظافر عبدالرحمن وهو يرفع علم السودان على البوابة الرئيسة للمبنى وسط هتافات قواته.