ملخص
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فاجأ الجميع بإعلانه الصريح عن استعداد موسكو لإجراء مفاوضات جادة لحل النزاعات وبخاصة في أوكرانيا بالوسائل السلمية، وأكد أنه لا يجب أن تكون هذه المفاوضات فرصة للعدو لالتقاط الأنفاس وإعادة التسلح.
اختلف الساسة والمحللون والخبراء في رسم سيناريوهات متعددة لكيفية تطور وانتهاء الحرب المحتدمة في أوكرانيا، بعدما دخلت عامها الثالث على التوالي في 24 فبراير (شباط) الماضي، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فاجأ الجميع، بإعلانه الصريح عن استعداد موسكو لإجراء مفاوضات جادة لحل النزاعات وبخاصة في أوكرانيا بالوسائل السلمية، وأكد أنه لا يجب أن تكون هذه المفاوضات فرصة للعدو لالتقاط الأنفاس وإعادة التسلح.
جزء من كل
وقال بوتين في مقابلة مع الصحافي دميتري كيسيليوف لقناة "روسيا-1" و"روسيا سيفودنيا" في 13 مارس (آذار) الجاري، إن أي مفاوضات من هذا النوع ليست فاصلاً من أجل إعادة تسليح كييف، وإنما يجب أن تكون محادثات جادة لضمان أمن روسيا.
ولفت بوتين إلى أن روسيا تعرف الخيارات المختلفة التي تتم مناقشتها وتدرك "الجزرات والمغريات التي يتم الحديث عنها من أجل إقناعها بأن وقت التفاوض قد حان".
وأردف قائلاً "ما نريده، وأكرر مرة أخرى، حل جميع النزاعات، وهذا النزاع وذاك الصراع بالوسائل السلمية. ونحن مستعدون لهذا ونريده، ولكن يجب أن تكون هذه محادثات جادة تضمن الأمن للجانب الآخر أيضاً، في هذه الحالة، نحن مهتمون في المقام الأول بأمن روسيا الاتحادية وسننطلق من هذا".
وبخصوص أوكرانيا تحديداً، أكد الرئيس الروسي استعداد بلاده للتفاوض على أساس الوقائع الحالية على الأرض، وليس على أساس الرغبات بعد استخدام العقاقير النفسية، وأضاف "هل نحن مستعدون للمفاوضات؟ نعم، نحن مستعدون، ولكن فقط للمفاوضات، وليس على أساس بعض الرغبات بعد استخدام مؤثرات عقلية، ولكن على أساس الحقائق التي تطورت على الأرض، كما يقولون في مثل هذه الحالات، على الأرض".
دخلت روسيا وأوكرانيا العام الثالث من الصراع العسكري، وتظهر استطلاعات الرأي أن انتهاء الأعمال العدائية هو التوقع الرئيسي للروس اعتباراً من 2024، لكن الملاحظ من تصريحات بوتين الأخيرة، أن الحرب الدائرة في أوكرانيا، هي جزء من ربط نزاع أوسع وأكثر عمقاً بين روسيا وحلفائها من جهة، وبين الغرب عامة وحلف شمال الأطلسي وحلفائه، من جهة ثانية، مما يعني أن ربط عمليات الكرّ والفرّ الحربية في أوكرانيا، بالصراع العام مع الغرب يجعل من أفق الحل أكثر تعقيداً وأطول وقتاً، وأشد صعوبة وتشابكاً.
سيناريوهات الخبراء في الغرب
مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وصف في توقعاته لعام 2024، ثلاثة سيناريوهات يفكر بها الغرب لتطور الأحداث بالنسبة لأوكرانيا، وصنفها باسم السيناريوهات "الجيد والوسطي السيئ والشرير الشرس".
السيناريو الجيد، وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، يتضمن استمرار المساعدات العسكرية لكييف من الغرب، وبفضل هذا ستتمكن أوكرانيا من إعادة التسلح والتعافي في فشل هجومها المضاد الصيف الماضي، بما يمكنها من شنّ هجوم جديد واستعادة بعض الأراضي المفقودة.
ووفقاً للتقييم المتفائل لمدير إدارة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية لأوروبا وروسيا، ماكس بيرغمان، ستكون أوكرانيا قادرة على مقاومة روسيا طوال عام 2024 واتخاذ "موقف قوي" في 2025 إذا استمرت الولايات المتحدة وأوروبا في تقديم المساعدات العسكرية والمالية لكييف، بخاصة إذا تلازم هذا مع زيادة أوروبا إنتاجها من الذخيرة.
وبحسب الخبير، من الضروري أيضاً تعزيز القدرات العسكرية لأوكرانيا من أجل دفع روسيا التي تمتلك ميزات وتفوقاً عسكرياً إلى المفاوضات، وتسعى جاهدة لتحقيق النصر في ساحة المعركة. ويرى بيرغمان أنه إذا أقنعت دول الناتو موسكو بأن الدعم الغربي لأوكرانيا لن يتوقف، فإن الجانب الروسي سيبدأ على "المدى الطويل" في البحث عن طريقة للخروج من الوضع.
ويتوقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن التخفيض الحاد أو التوقف الكامل للمساعدات الأميركية على التوالي هو سيناريو سيئ بالنسبة لأوكرانيا، وفي مثل هذا الوضع، لن تتمكن البلاد من مقاومة تقدم القوات الروسية، الأمر الذي سيجعل انهيارها "حتمياً" ومن أجل منع الخسائر الإقليمية "الكارثية" يتعين على كييف أن توافق على السلام بشروط روسيا، كما جاء في هذه التوقعات.
وفي السيناريو "الشرير" الذي يعتبره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "مرجحاً للغاية" سيظل الجمود على الجبهة قائماً، حيث يستمر الجانبان في شن هجمات محلية وتنفيذ ضربات بعيدة المدى، لكن خط المواجهة لن يتحرك، والتسليم المتوقع لمقاتلات "أف-16" الأميركية، بحسب المحللين، لن يساعد أوكرانيا على تغيير قواعد اللعبة، كما لم تساعد الأسلحة الغربية مثل صواريخ "جافلين" و"هيمارس" ومجمعات "باتريوت" ودبابات "أم1" و"ليوبارد" في ذلك.
إضافة إلى النتائج الواضحة للأعمال العدائية انتصار أحد الأطراف أو مفاوضات السلام يفكر خبراء مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أيضاً في الخيار الرابع والأكثر خطورة لإنهاء الصراع وهو استخدام الأسلحة النووية، ومع ذلك، قال نائب الرئيس الأول لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية سيث جونز، إن الأخطار المرتبطة بكسر هذا المحظور من المرجح أن تفوق أي فوائد.
من جهتها، تحدثت مجلة "بوليتيكو" عن أن الاتحاد الأوروبي قادر على التعجيل بإنهاء الأعمال العدائية في أوكرانيا من خلال تشديد العقوبات ضد روسيا وتوجيه ضربات لها "حيثما يكون الأمر مؤلماً وممكناً حقاً". وبحسب رأي المجلة، فإن نقاط الضعف بالنسبة للاقتصاد الروسي تتمثل في ضرب الصناعات النفطية والمعدنية والنووية، وإمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا والواردات الموازية من السلع المحظورة إلى روسيا عبر دول ثالثة، ومع ذلك، فإن "بوليتيكو" تقدر احتمالية فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات أكثر صرامة على هذه القطاعات بأنها منخفضة، لأن مردودها سينعكس سلباً على القارة العجوز أيضاً.
أما خبراء مركز دراسات آخر هو "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" فيبنون تقييماتهم على افتراض أن الصراع سيكون طويلاً، ووفقاً للمحللين، فإن أوكرانيا ستكون قادرة على شن هجوم جديد في 2025، ومع ذلك، سيتعين عليها أولاً بناء "دفاع فعال في العمق" للحد من فقدان القوة البشرية والذخيرة، وتناوب القوات وتجنيد المزيد من الشباب في الجيش، وبالتالي يجب أن يكون 2024 حاسماً بالنسبة لصمود كييف، كما يقول هؤلاء الخبراء.
ووفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ستكون روسيا قادرة على مواصلة القتال في أوكرانيا لمدة عامين أو ثلاثة أعوام أخرى على الأقل. وترد استنتاجات مماثلة في تعليقات خبيري المعهد الملكي للدراسات الدفاعية المتحدة، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، وفي رأيهما ستكون القوات الروسية قادرة على "الحفاظ على وتيرة مستقرة للهجمات" خلال عام 2024، وتعتزم تحقيق النجاح بحلول 2026. وكتب محللو المعهد الملكي للخدمات المتحدة "إن نظرية النصر الروسية تكون معقولة إذا فشل شركاء أوكرانيا الدوليين في تزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالموارد بشكل صحيح".
المتداول في روسيا
لا يميل الخبراء العسكريون الروس عموماً إلى التنبؤ بنهاية مبكرة للصراع، لكن الافتراضات الأكثر جرأة تصدر عن قائد مفرزة "أخمات" للقوات الخاصة الشيشانية، نائب قائد فيلق الجيش الثاني للقوات المسلحة الروسية، أبتي علاء الدينوف الذي صرّح قائلاً "أعتقد أن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا ستنتهي في سبتمبر (أيلول) المقبل على أبعد تقدير".
وقال الدينوف لـوكالة "ريا نوفوستي" في 19 فبراير الماضي "بحلول الانتخابات في أميركا في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ستجف المساعدات المقدمة لأوكرانيا؛ وعلى أي حال، ينبغي أن تنخفض" على أقل تقدير.
ولم يستبعد حدوث "ميدان" جديد في أوكرانيا بسبب فشل الهجوم المضاد الصيف الماضي وتغيير القيادة العسكرية وتعبئة الناس "مباشرة من الشوارع".
وبحسب قائد أخمات، لن يكون لدى الولايات المتحدة وقت لزيارة كييف على خلفية الانتخابات الرئاسية المقبلة والمشكلات الداخلية، وأشار إلى أن الجيش الروسي يتقدم إلى الأمام ببطء ولكن بثبات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلص للقول "كل هذا معاً يجب أن يؤدي إلى النتيجة التي أتحدث عنها: انتصارنا في منطقة العملية العسكرية الخاصة سيكون في سبتمبر 2024 تقريباً، أي في أقرب وقت ممكن من موعد الانتخابات في أميركا"، وختم علاء الدينوف "أعتقد أن توقعاتي هذه ستصبح حقيقة واقعة على الأرض".
وتعليقاً على هذه التنبؤات، قال وزير السياسة الوطنية الشيشاني، أحمد دوداييف، إن علاء الدينوف لديه "مصادر معلومات ممتازة"، وليس هناك سبب لعدم الثقة في تصريحاته.
لكن رئيس تحرير مجلة "الدفاع الوطني" إيغور كوروتشينكو، وصف تقييم علاء الدينوف بأنه "مؤذٍ"، وقال "نحن بحاجة إلى تقييم قدرات العدو والغرب الذي يعارضنا بشكل رصين، ستكون هذه حرباً طويلة، لن ينتهي شيء هذا العام".
وبحسب الخبير، فإن العملية العسكرية قد تنتهي عندما تتحقق شروط الانتقال للسيطرة على كامل جنوب شرقي أوكرانيا على طول حدود نهر الدنيبر، إضافة إلى منطقتي أوديسا ونيكولاييف، ومن المؤكد أن المفاوضات "لا يمكن أن تحدث" حتى يتم الانتهاء من هذه المهمة.
يعتقد الرئيس السابق للمديرية الرئيسة للتعاون العسكري الدولي بوزارة الدفاع، الجنرال المتقاعد ليونيد إيفاشوف، أن روسيا يجب أن تسيطر على كامل الضفة اليسرى لأوكرانيا، وهو ما لن يتحقق "بالطبع هذا العام"، وكذلك "اللحاق بالغرب تقنياً" من أجل صد هجمات الطائرات من دون طيار الجوية والبحرية بشكل أكثر فعالية.
ويضيف "لن تكتمل العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا إلا بعد أن تتوقف قوات كييف عن مهاجمة روسيا بطائرات من دون طيار، ويعتقد إيفاشوف أن هذا قد يستغرق وقتاً طويلاً جداً.
ويوافق فلاديمير إيفسيف، الخبير العسكري في معهد بلدان رابطة الدول المستقلة على أن العملية العسكرية "لن تنتهي بسرعة"، وأشار إلى أنه "لا يرى حتى الآن أي شروط موضوعية لانتهائها قبل صيف 2025".
وأوضح إيفسيف أن السكان الأوكرانيين "لا يقبلوننا بعد" و"يأملون في الحفاظ على حياتهم القديمة". وبالنسبة للجيش الروسي "ليس هناك أي معنى للقيام بهجمات واسعة النطاق" حتى الآن، لأن القوات المسلحة الأوكرانية لا تزال تحتفظ بقدرات قتالية.
ويعترف بعض الخبراء الروس بأن الصراع في أوكرانيا سوف يتجمد، لكنهم يؤكدون أن مثل هذا السيناريو غير مناسب لروسيا، ويعتقد الخبير في الجامعة المالية التابعة لحكومة الاتحاد الروسي دينيس دينيسوف أنه في مواجهة المشكلات المتعلقة بتمويل وإمدادات الأسلحة الغربية "لن يكون مجرد تجميد، بل هدنة في مصلحة أوكرانيا"، وبرأيه، لا توجد شروط مسبقة لتجميد روسيا الصراع.
بدوره، يرى نيكولاي كوستيكين، الخبير في مكتب التحليل العسكري السياسي، أن وقف إطلاق النار من شأنه أن يناسب روسيا ويمنحها "سلطة غير مسبوقة"، لكنه يرى أن التجميد لن يكون ممكناً إلا إذا حدث تغيير في الإدارة الأميركية بعد الانتخابات في نوفمبر 2024.
التوقعات في أوكرانيا
يقول الخبراء الأوكرانيون أيضاً إنه ليست هناك حاجة لانتظار نهاية الأعمال العدائية هذا العام أو في العام المقبل، ويوضح الرائد في القوات المسلحة الأوكرانية المسؤول الصحافي في أول لواء منفصل للقوات الخاصة، تاراس بيريزوفتس "حالياً لا نتحدث عن إنهاء الحرب قبل نهاية عام 2024، هذه الحرب طويلة، وبالنظر إلى إمكانات الاتحاد الروسي، لا ينبغي للمرء أن يتوقع نتيجة سريعة".
وفي رأيه أن الأعمال العدائية لن تنتهي في السنوات المقبلة، وأضاف بيريزوفتس أن السلطات الأوكرانية لم تتخل عن رغبتها في استعادة حدود الدولة التي استقلت بها عام 1991، وهذه المهمة "يجب أن تكون على هذا النحو مهما طال الزمن".
وفي أوكرانيا يرفضون خيار تجميد الصراع، على رغم أنهم لا ينفون احتمال أن يكون مثل هذا التطور للأحداث وارداً. ويقول نائب رئيس أركان القوات المسلحة الأوكرانية السابق الجنرال في قوات الاحتياط، إيغور رومانينكو، إن الغرب يخشى التصعيد واستخدام أسلحة الدمار الشامل، لذا فهو يساعد أوكرانيا "بالقدر الضروري بالضبط حتى لا تتعرض للهزيمة"، وفي الوقت نفسه يضع نصب عينيه روسيا وقدراتها ومستقبل العلاقات معها.
ويتوقع أنه في هذه الحالة، يمكن أن تستمر الأعمال العدائية لفترة طويلة، وحدد رومانينكو المهمة الرئيسة للجيش الأوكراني لعام 2024، وهي تنفيذ "عملية دفاعية استراتيجية"، والتي، بحسب قوله، من الضروري لنجاحها تعبئة ما لا يقل عن 300 ألف شخص، ومن الممكن شن هجوم جديد من قبل القوات المسلحة الأوكرانية، وفقاً للجنرال الاحتياطي، "في أحسن الأحوال" في النصف الثاني من العام، بشرط تراكم الموارد اللازمة لذلك.
ويضيف "حتى الآن، كل شيء يشير إلى أن الحرب قد تستمر لعدة سنوات، وبطبيعة الحال قد تكون هناك ظروف غير متوقعة تغير الوضع، ولكن بشكل عام الاتجاه هو هذا، والاعتقاد السائد هو أن الحرب يمكن أن تستمر لسنتين أو ثلاث سنوات أخرى على الأقل".
أما نائب قائد الفوج 14 المنفصل للقوات المسلحة الأوكرانية يفغيني كاراس، فأعرب عن مخاوفه من أنه إذا تم تجميد الصراع، فإن الغرب سيخفض الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا، وهو سيناريو كارثي لأنه سيغرق البلاد في "مذبحة داخلية".
وأشار وزير الخارجية الأوكراني السابق بافيل كليمكين إلى أن الصراع في عام 2024 "لن يتطور نحو تغيير الأمور بشكل جذري". وفي رأيه، يحتاج الأوكرانيون في هذه المرحلة إلى "أن يكونوا أكثر نجاحاً" وأن يتوصلوا إلى "استراتيجية مشتركة جديدة مع الغرب".
وأشار كليمكين إلى أن رؤى كييف والغرب بشأن ما يشكل نهاية للأعمال العدائية "تختلفان جذرياً"، فبالنسبة لأوكرانيا، نهاية الأعمال العدائية ممكن بعد "تحرير الأراضي والقضاء على التهديد الذي تشكله روسيا في المستقبل".
وخلص كليمكين إلى القول ما إذا كان من الممكن تحقيق ذلك في عام 2024، "فلن يقدم أحد إجابة شافية"، ولكن بالنسبة للغرب يمكن وقف الحرب إذا ما تمكنت روسيا والولايات المتحدة من التوصل إلى تسوية ترضي الطرفين، حتى لو كانت على حساب طرف ثالث.
سيناريوهات دموية
في بداية الحرب الروسية- الأوكرانية، قبل عامين ونيّف كان بوسع المرء أن يجد رواية في وسائل الإعلام الغربية تتنبأ بسقوط كييف في غضون أسابيع قليلة، ومع ذلك بعد مرور عامين، تواصل أوكرانيا بدعم من الغرب، النضال من أجل سيادتها وسلامة أراضيها ونجحت في صد هجمات القوات المسلحة الروسية، لكنها لم تتمكن بعد من استعادة الأراضي التي خسرتها ولا تزال تخسرها.
قبل ستة أشهر، توقف تمويل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية في الكونغرس، واضطرت القوات الأوكرانية إلى تقليص استخدام الذخيرة أثناء محاولتها الدفاع المستميت عن أراضيها، وعلى رأسها منطقتي خاركيف وخيرسون.
وعلى رغم النجاح الواضح في البحر الأسود وأماكن أخرى، واجه الهجوم الأوكراني المضاد عام 2023 دفاعات صعبة في الأراضي التي استولت عليها روسيا بناءً على نظام من حقول الألغام والهياكل المحصنة، مما أدى إلى شبه طريق مسدود على الجبهة.
كان وما زال من الصعب التنبؤ بنتائج هذه الحرب التي تقلق أوروبا وأميركا والعالم أجمع، لا سيما مع استمرار عدم اليقين بشأن مستوى الدعم الذي قد يقدمه اللاعبون الغربيون الرئيسيون لأوكرانيا، وبخاصة في خضم عام مزدحم بالانتخابات.
وعلى جانبي المحيط الأطلسي، يحاول كبار الخبراء والباحثين تحليل الوضع، وتقديم سيناريوهات وتوصيات لاحتمالات تطوره، بخاصة في واشنطن، في المعهد الأميركي للمؤسسات، وفي لندن في "تشاتام هاوس". وفيما يحاول المحللون الأميركيون والبريطانيون تحديد ورسم سيناريوهات محتملة ومختلفة لإنتهاء الحرب وعواقبها، إلا أنهم يجمعون على أن هناك محاولات مستمرة لشن هجوم من قبل الجيش الروسي على طول خط المواجهة بأكمله في شرق أوكرانيا لاستغلال ضعف القوات المسلحة الأوكرانية التي "لا تزال في حالة يرثى لها بسبب التأخير في تقديم المساعدة العسكرية الأميركية".
كما أن الافتقار إلى التعزيزات من المعدات والذخيرة أجبر الأوكرانيين على اتخاذ موقف دفاعي بالكامل، وهذه مشكلة لأنها تعني أن الروس، في جوهر الأمر، يمكنهم اختيار أين ومتى وكيف يهاجمون بقوة، وإذا حقق الروس نجاحاً كبيراً هنا، فإن خط المواجهة سيبدأ بالتحول غرباً مع الكثير من سفك الدماء.
الحرب في أوكرانيا تحولت حقاً في الأشهر الأخيرة إلى "حرب استنزاف" مع تفوق روسي واضح، فمن وجهة النظر العسكرية تهدف "حرب الاستنزاف" إلى تدمير أكبر عدد ممكن من قوات العدو وأصوله، مع الحفاظ على أكبر عدد ممكن من القوات وأصولها تمهيداً لشن هجوم شامل يحدث تغييراً استراتيجياً على أرض الميدان.
كلا الجانبين يحاولان حالياً استعادة القدرة على المناورة في ساحة المعركة، ولهذا السبب فإن مساعدة الولايات المتحدة والغرب لأوكرانيا تكتسب أهمية خاصة، لأنها ستساعدها على تعزيز قدرة قواتها على مناورة الدفاع في ساحة المعركة وتجنب هزيمة ماحقة على أقل تقدير، وإن كانت غير كافية لتأهيلها من أجل شنّ هجوم مضاد على غرار ذلك الذي شنته الصيف الماضي، وأدى لسفك المزيد من الدماء من دون تحقيق نتيجة تذكر.