ملخص
تمكنت سوق الفلاحين التي انطلقت عام 2010 من إعادة الشكل التقليدي والقديم للسوق وحالة البيع والشراء التي كانت سائدة في معظم القرى والبلدات الفلسطينية قبل عقود.
في فلسطين، اشتهرت مدن الضفة الغربية والقدس منذ القدم بأسواقها الشعبية المتنقلة، وكانت تمثل محطات تجمع مهمة ومراكز نشطة لبيع مختلف البضائع والسلع المصنعة محلياً، وتعد امتداداً لأسواق قديمة كانت تأخذ أسماء شعبية مختلفة، ولكل منها طابعها الخاص الذي يميزها، كسوق الفلاحين وسوق الحرجة وسوق السكاكيني في مدينة رام لله، وسوق البابورية في بلدة بيرزيت شمال المدينة، وتمتاز تلك الأسواق المتنقلة بجودة بضائعها وبأسعارها الأقل من الأسواق العادية والمجمعات التجارية، وهي تمثل مصدر دخل جيداً للباعة والمزارعين الصغار، وفرصة أيضاً لمن يبحث عن بضائع بأسعار منخفضة.
سوق الحرجة (الحرفيين)
تهدف تلك السوق الشعبية التي تنظمه بلدية رام لله منذ 13 عاماً، يوم الجمعة، بشكل أساسي، لاستضافة حرف ومصنوعات يدوية تقليدية، كفن الخزف والقش والفخار والتطريز وصناعة الزجاج والحفر على الخشب وغيرها، لتعريف الجمهور الفلسطيني بغنى الموروث الثقافي وتنوعه وجمالياته، والترويج له وحمايته من السرقة، عبر تشجيع الحرفيين على الاستمرار بتلك المهن والصناعات اليدوية، التي باتت تواجه خطر الاندثار، وإيجاد جو ثقافي مجتمعي حيوي في منطقة البلدة القديمة لتنشيطها اقتصادياً وسياحياً، كجزء من الحفاظ على المنطقة، التي كان تقام عليها سوق الحرجة منذ أربعينيات القرن الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما يحرص المنظمون لهذه السوق على تنظيم فعاليات وورش للأطفال وتعليمهم كيفية صناعة الحرف اليدوية، لضمان نقلها من جيل إلى آخر، إضافة إلى فتح مساحات رحبة لأصحاب المشاريع الصغيرة لا سيما التي يديرها الشباب، ودعمهم تطوير الإنتاج الحرفي المرتبط بالتراث الثقافي الفلسطيني.
مديرة دائرة التنمية الثقافية في بلدية رام الله سالي أبوبكر، قالت لـ"اندبندنت عربية"، إن هذه الأسواق التي تشهد إقبالاً من كل المدن الفلسطينية باتت تشكل جزءاً من ثقافة ومعالم المدينة، مشيرة إلى أن الحرفيين والمستهلكين على حد سواء، يتلهفون لهذه السوق لما فيها من مساهمة فاعلة في التنمية الاقتصادية المحلية للمدينة.
سوق الفلاحين
تجمع تلك السوق في صباح كل يوم سبت عشرات المزارعين من مختلف مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية مع المستهلكين بشكل مباشر، حيث تعمل مراكز ثقافية مختلفة في مدينة رام لله على إتاحة ساحاتها أسبوعياً بشكل مجاني للمزارعين، بهدف تسويق وبيع منتجاتهم الزراعية من دون وسيط، وهو ما أسهم بحسب المنظمين للسوق، في إنعاش الوضع الاقتصادي الصعب للمزارعين وتعزيز صمودهم لطرح منتجات غذائية جديدة تنافس المستوردة بالطعم والجودة والسعر.
وتمكنت سوق الفلاحين التي انطلقت عام 2010 من إعادة الشكل التقليدي والقديم للسوق وحالة البيع والشراء التي كانت سائدة في معظم القرى والبلدات الفلسطينية قبل عقود، وتحويل الزراعة لفعل مجد مادياً، وتشترط أسواق الفلاحين في المشاركين أن يكونوا من صغار المزارعين، وليس لديهم حيازات زراعية كبيرة، إلى جانب أن يكونوا مزارعين وليسوا تجاراً. وتعمل السوق على تشجيع الزراعات العضوية وتدعو المزارعين إلى استصلاح الأراضي والمحافظة على التربة باستخدام البذور البلدية الأصلية والاستغناء عن الإسرائيلية المعدلة جينياً، التي تتطلب زراعتها كميات كبيرة من المياه والمواد الكيماوية.
ويرى صاحب مبادرة شراكة التي تنظم "سوق الفلاحين" فريد طعم الله، أن أجمل ما في تلك السوق أنها "أعادت الشباب إلى الأرض وأنعشت حبهم للزراعة وزادت من ثقة الفلسطينيين بالمنتجات الغذائية المحلية العضوية وأهميتها وفوائدها الصحية". وأضاف "الشراء يدعم المزارعين للبقاء في أراضيهم ومنحهم المال الكافي الذي يعينهم على الاستمرار والإبداع في صنع المنتجات المختلفة".
مما يميز سوق الفلاحين التي تحظى بشهرة واسعة بين الفلسطينيين، أنها دائمة التجدد تبعاً للمواسم، فخلال يوليو (تموز) تعج السوق بمنتجات التين المختلفة من ثمر مجفف ومربى، فيما تتلون أكشاك المزارعين في أغسطس (آب) بمنتجات العنب من زبيب وعصائر ومخلل وورق العنب وغيرها، وتتنوع المعروضات لتشمل منتجات الأجبان والألبان والخضراوات والفواكه والمخللات والعسل والأكلات الشعبية التقليدية كالمفتول وخبز الطابون، إلى جانب منتجات الصابون من مواد طبيعية، كما تتميز السوق بتقديم ورشات عمل تجمع المزارعين والمستهلكين المهتمين بالزراعة حول ثقافة الطعام وتقنيات التجفيف ومعالجة المواد الغذائية، كما يتم تدوير المزارعين المشاركين في السوق ليشمل أكبر عدد منهم من كل المناطق.
سوق البابورية
تجمع "سوق البابورية" كل يوم سبت في البلدة القديمة بين سوقي الفلاحين والحرجة، حيث تعرض المنتجات الزراعية والغذائية إلى جانب الحرف اليدوية والأعمال الفنية، وتضم السوق فعاليات فنية غنائية وموسيقية فولكلورية وشعبية كالدبكة الفلسطينية، وفعاليات للأطفال والعائلة، وأعيد إطلاق السوق عام 2020، وكانت تقليداً في البلدة منذ سبعينيات القرن الماضي.
تقول إحدى المشاركات في السوق، "بعد جائحة كورونا وتسريحي من وظيفتي، تعزز شعوري تجاه الأرض وحب الزراعة في حديقة المنزل لقضاء وقت الفراغ، وتطور الأمر تدريجاً لتصبح منتجات حديقتي الصغيرة مصدر رزق جيداً لي ولعائلتي". وتضيف "كنت أعتقد أنه لا جدوى من العودة إلى الزراعة في ظل هيمنة المنتجات الأجنبية والمستوردة بأسعار منافسة ورخيصة، إلا أن الأسواق التي أتنقل بينها لعرض منتجاتي كسوق البابورية والحرجة والفلاحين وغيرها، بينت مدى حاجة المستهلكين للعودة إلى المنتجات الطبيعية واليدوية المميزة".
أسواق شابة
مع تسريح أكثر من 90 في المئة من العاملين الفلسطينيين في إسرائيل والمستوطنات وتراجع الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين خلال الربع الرابع من العام الماضي بنسبة تصل إلى 33 في المئة، وتفاقم البطالة في صفوف الخريجين الجامعيين، يرى كثيرون أن الحاجة إلى مثل تلك الأسواق التي تتبناها البلديات والمراكز الثقافية المختلفة بشكل مجاني، أصبحت ملحة، مطالبين باعتمادها طوال العام، لإتاحة الفرصة للشباب بإيجاد عمل، خصوصاً بعد الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتخوفات من ارتفاع معدل البطالة في الأراضي الفلسطينية إلى 70 في المئة مع فقدان أكثر من 182 ألف وظيفة في قطاع غزة، و208 آلاف وظيفة في الضفة الغربية على خلفية القيود المفروضة على حركة البضائع وعلى العمال الفلسطينيين.
وقدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقرير، ارتفاع معدل الفقر في الأراضي الفلسطينية لأكثر من 38.8 في المئة، مشيراً إلى أن الحرب شكلت صدمة "عنيفة" للاقتصاد الفلسطيني.