ملخص
أبدى بعضهم استغراباً من فكرة توزيع كعك العيد، بخاصة أن غزة ما زالت حزينة وتعيش حرباً دامية، لكن وفاء ترى أنه مع امتداد الحرب لفترة طويلة لا يمكن الاستمرار في الاستسلام للحزن والأسى.
خلف فرن صغير مصنوع من الطين الأحمر تجلس وفاء وتدندن بصوتها الشجي "العيد فرحة وأجمل فرحة"، بينما تراقب اللهب الذي يلفح حبات الكعك وتستعجل في إخراجه من النار لتقدمه وهو ساخن إلى ضيوفها.
بعد أداء صلاة العيد مباشرة زار خيمة وفاء التي تقيمها في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، شقيقها فارس الذي حضر برفقة أولاده في محاولة منه للتعايش مع أجواء العيد على رغم الحرب التي تشهدها مدينته وبسببها اختفت ملامح الاحتفال بالفطر السعيد.
تعايش مع الحرب
وكما الشقيق فارس يحاول التأقلم مع الحرب ومواصلة حياته الاجتماعية، فإن وفاء هي الأخرى تفعل ذلك، وأعدت الكعك احتفالاً بعيد الفطر، وبينما كانت الضحكة تبدو على ملامح السيدة وهي تمشي بخفة نحو أخيها لتقدم له حلويات العيد هز المنطقة انفجار ضخم من طائرة إسرائيلية.
قلب هذا الانفجار أجواء العيد وظهر التوتر على ملامح وفاء، لكن فارس سارع باحتواء الموقف ومن جيبه أخرج ورقة نقدية قيمتها 50 شيكل (15 دولاراً) وسلمها إلى أخته التي احتضنته على الفور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد دقائق عادت وفاء لفرن الطين وجلست تشرف على استواء حبات الكعك التي صنعتها من أجل الحفاظ على تقليد صنع كعك العيد الذي فاحت رائحته ووصلت إلى الخيام التي تحيط بفرن وفاء.
في زاوية إلى جانب فرن الطين كانت وفاء جلبت مكونات إعداد الكعك وبدأت بتحضير كمية جديدة، وكانت تمزج الدقيق والسميد وبعض المطيبات والبهارات ثم تضيف السمن النباتي لصنع العجينة.
مبادرة تطوعية
وبعد تجهيزها تقوم بحشوها بعجوة التمر، وتوضح أن "الاحتفالات التقليدية التي اعتادها سكان غزة في أيام العيد غابت بعدما دمر الجيش الإسرائيلي القطاع وفرض علينا النزوح وأبعدنا من عائلاتنا".
أعدت وفاء الكعك ووزعت كمية كبيرة منه على جيرانها النازحين مثلها، وتقول "أعيش أوضاع النازحين نفسها وأشعر بأوجاعهم لذلك قدمت لهم أطباق الكعك للاحتفال بالفطر وهذه مبادرة تطوعية".
تدرك وفاء القيمة المعنوية الكبيرة لتقديم علبة من الكعك إلى أسرة نازحة في العيد، وتعتقد بأن أي نشاط يعيد للنازحين أملهم في إمكان العودة للحياة، ولو بصورة موقتة وعبر هدية رمزية مثل الكعك.
وأبدى بعضهم استغراباً من فكرة توزيع كعك العيد، خصوصاً أن غزة ما زالت حزينة وتعيش حرباً دامية، لكن وفاء ترى أنه مع امتداد الحرب لفترة طويلة لا يمكن الاستمرار في الاستسلام للحزن والأسى، مما يستدعي العودة لمظاهر الحياة العادية في إشارة إلى التصميم على تحدي الواقع.
صلاة ودعوات بانتهاء الحرب
ومن مظاهر العيد الأخرى التي حافظ عليها سكان غزة، أداء تكبيرات وصلاة العيد، لكن هذا العام أقاموا هذه المظاهر وسط ركام المساجد المدمرة وفي ساحات مدارس الإيواء ووسط معسكرات النزوح.
يقول يحيى "ذهبت إلى صلاة العيد على أنقاض مسجد مدمر وكانت حجارة ركامه تحيط بي، إذ إن الحرب غيبت أجواء الاحتفال بالعيد وصلاته التي كانت تمثل تجمعاً عائلياً لسكان القطاع".
شاهد يحيى ملامح سكان غزة الذين ذهبوا إلى صلاة العيد وكانت تبدو عليها مشاعر الإحباط والفرح في الوقت نفسه، لكنه يؤكد أن لسان حالهم يقول "عيد بأي حال عدت يا عيد".
خلال صلاة العيد امتزجت دعواتهم وأمنياتهم بانقشاع الحرب، وسط قلق وترقب لما سيحدث تالياً، خصوصاً بعد تحديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موعد العملية العسكرية في رفح من دون الإفصاح عنه.
زيارة مقابر
بعد أداء صلاة العيد، توجهت ريماس وعائلتها إلى مقبرة دفن فيها 19 فرداً من عائلتها بينهم أبوها وأمها، وهناك جلست على حافة القبر وراحت تبكي وتردد عبارات تهاني العيد على الراحلين.
لا تعد زيارة المقابر من طقوس العيد في قطاع غزة، لكن بسبب الحرب التي راح ضحيتها أكثر من 35 ألف شخص، بحسب إحصاء وزارة الصحة الفلسطينية، نشطت هذه العادة.
وتقول ريماس "لا يوجد لي أقارب من عائلتي الممتدة، جميعهم قتلوا، وأنا أرفض الاستسلام لهذا الواقع، جئت إلى المقابر في محاولة مني للاحتفال بالفطر السعيد، هذا طقس جديد ظهر في غزة بسبب كثرة أعداد الضحايا".
سيرك أطفال
جميع هذه المظاهر جرت في جنوب قطاع غزة، أما في النصف الشمالي فنشط فريق السيرك الفلسطيني الذي يترأسه مسعود مشتهى وراح ينفذ مبادرات تطوعية هدفها إدخال الفرحة إلى قلوب سكان المنطقة الجائعين.
يقول مشتهى "نرسم الفرحة على وجوه الأطفال ليعيشوا أجواء العيد، لا يمكن الاستسلام للواقع، يجب أن نتعايش حتى لو كان الموت يحيط بنا، لقد شاهدت أطفالاً جائعين ويضحكون عندما نظمنا فعاليات السيرك".
على أطلال المنازل المهدمة يقدم مشتهى فقراته التي تتنوع بين ألعاب بهلوانية وألعاب خفة، واسكتشات ضاحكة يقدمها مهرج، ويتفاعل معها الأطفال وتتعالى ضحكاتهم، ويضيف أنه "عيد صعب لكنه ليس حزيناً من وجهة نظري".
لا ملابس ولا فسيخ
ملامح وطقوس العيد التي اختفت كثيرة جداً، وأبرزها ما تواجهه نوال التي اعتادت قبل الحرب أن تخرج مع أبويها لشراء ملابس جديدة للعيد، وتقول "لن يزورنا أحد هذا العام لأنهم ماتوا".
تفتح نوال هاتفها الذكي وتستعرض صور العيد الماضي وتشرح أن "هذه صورة لزحام الأسواق وهذه لقطة لبضائع العيد، وهذا صحن الفسيخ، طعام الإفطار المميز عند الغزيين، غاب السمك المملح عن بيوت أو خيام الغزيين بسبب الحرب".
كل ما يتمناه سكان غزة أن يحمل العيد أنباء عن توقف الحرب ولو في إطار هدنة إنسانية موقتة ليلتقطوا أنفاسهم، ويأملون في أن تنجح أطراف الوساطة بالوصول إلى ذلك خلال عيد الفطر.