Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معاهدات السلام... معارك على موائد الصلح

لم تنل واحدة منها قديماً أو حديثاً إجماع الناس على فاعليتها في حقن الدماء مما ألقى بظلال من الشكوك حول جدواها

يأخذ اتفاق "كامب ديفيد" أهميته من كونه محاولة من جانبين معاصرين لإنهاء نزاع الشرق الأوسط الحديث على أرض فلسطين (رويترز)

ملخص

تسببت بعض المعاهدات في ازدياد كراهية الناس للسلام الوهمي الناتج من بعضها، التي يقول كثيرون إنها نجحت في أحسن الأحوال بتأجيل الصراع سنوات عدة، ولكن من دون أن تنجح في حسمه أو نزع فتيله نهائياً.

على رغم الجهود المضنية التي يخوضها السياسيون لإبرامها لم تنجح أشهر معاهدات السلام التي عقدت منذ القدم وحتى وقتنا هذا في اكتساب السمعة الحسنة، إذ لم تنل معاهدة أو اتفاق صلح واحد إجماع الناس على فاعليتهما في حقن الدماء، مما أثر بشكل جذري في أهمية دورهما في إيقاف الحروب. بل إن كثيراً من المعاهدات واتفاقات الصلح في النزاعات الكبرى سببت حرجاً كبيراً لعصبة الدول الساعية إلى السلام وأعضاء الأمم المتحدة منذ لحظة إنشائها وإلى يومنا هذا.

والأخطر من ذلك هو تسبب بعض المعاهدات في ازدياد كراهية الناس للسلام الوهمي الناتج من بعضها، التي يقول كثيرون إنها نجحت في أحسن الأحوال بتأجيل الصراع سنوات عدة، ولكن من دون أن تنجح في حسمه أو نزع فتيله نهائياً.

أدراج الرياح

قبل معرفة الإنسان بالقانون الدولي وتنظيم شؤون الحروب والنزاعات بين الدول والممالك من خلال معاهدات السلام التابعة للأمم المتحدة، عقدت الأمم كثيراً من اتفاقات السلام التي ذهبت أدراج الرياح. وكان أشهر تلك الاتفاقات قديماً اتفاقات السلام بين الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية القرطاجية الأفريقية. ومن خلال المعاهدة الشهيرة بينهما بعد سلسلة من الحروب الأسطورية، سجلت الإمبراطوريتان تسمية جديدة من تسميات معاهدات السلام من خلال ما صار يعرف بـ"السلام القرطاجي"، وهو تعبير سياسي يرمز إلى نوع خاص من معاهدات السلام التي يجبر فيها المنتصر خصمه المهزوم على" سلام وحشي" يتحقق من طريق سحق العدو بالكامل. واستمرت تسمية معاهدات السلام ضمن هذه الصيغة حتى يومنا هذا بدءاً بالمعاهدات الموقعة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وحتى حروب معاصرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وغالباً ما يقع المدنيون ضحية في النزاعات الكبرى نتيجة لفشل كثير من معاهدات السلام في حسم المعارك بشكل نهائي، فالتجربة الإنسانية التاريخية تقول إن ملايين من الناس قتلوا بدم بارد بسبب الفجوة بين واقع الحروب الدموية التي تقود إلى الفوضى وتغيير الخرائط السياسية في العالم، وحقيقة معاهدات السلام التي يخوضها الدبلوماسيون بشكل خطابي حالم أو ساذج. إذ ينتج من السلام غالباً معاهدات صلح هشة واتفاقات غير ناجحة. وينظر كثير من الناس أخيراً إلى معاهدات السلام كونها عبارة عن مئات من الصفحات المكتوبة جزافاً، التي أوقف بعضها القتال لفترة وجيزة ليعود بعدها المتنازعون مجدداً للصراع.

حنق شعبي

تكمن مشكلة معظم معاهدات السلام في أنها تزيد أحياناً من الغضب الشعبي على من يوقعون الاتفاق من الطرفين عموماً والطرف المهزوم خصوصاً، وذلك كما حدث عقب توقيع اتفاق "فرساي" الشهيرة بعد الحرب العالمية الأولى، إذ حملت قوى التحالف المنتصرة في الحرب ألمانيا وحدها مسؤولية نشوب الصراع، وأجبرتها تحت التهديد بمزيد من الضربات العسكرية على تعويض خسائر الحرب. من جهة ثانية يتهم السياسيون دائماً بكونهم يتنافسون في إظهار براعتهم الخطابية والجدلية، بدلاً من التعجيل بإقرار السلام العادل والشامل.

 

 

يعرف القانون الدولي معاهدة السلام بأنها اتفاق بين دولتين مستقلتين أو أكثر يكون في العادة مكتوباً أو شفوياً وبموافقة ممثلي كل الدول، وتبدأ معاهدات السلام بين الدول المتنازعة حديثاً من خلال القنوات الدبلوماسية للبلدان المتنازعة، ومن المفترض أن تلك المعاهدات تنهي رسمياً حال الحرب أو ترسي شروطاً لإحلال السلام.

لكن التجربة الإنسانية المريرة في هذا المجال تؤكد أن جذور الحروب قديماً وحديثاً استمرت بعد عقد كثير من المعاهدات لتصبح تلك الاتفاقات أحياناً بمثابة حبر على ورق، وذلك بعد مرور وقت قصير على توقيعها، وتشمل معاهدات السلام وفق القانون الدولي اتفاقات التجارة وتبادل المجرمين الفارين من المحاكمة في بلادهم.

من جهة أخرى تطور مفهوم معاهدات السلام مع التجربة الإنسانية باستمرار ليشمل اتفاقات بين أطراف متنازعة ضمن الحروب الأهلية، وأنواع أخرى من الاتفاقات الثنائية بين البلدان.

معاهدة فرساي

يمكن التأريخ لمعاهدات السلام حديثاً من خلال معاهدة "فرساي" الشهيرة التي عقدت في قصر فرساي التاريخي الواقع في ضواحي العاصمة الفرنسية باريس عام 1918، وتقول مصادر تاريخية عديدة ورد ذكرها في موسوعات علمية مثل الموسوعة الأوروبية أن مفاوضات شاقة استمرت أشهراً عدة حينها، لكنها تمخضت عن 14 بنداً أساسياً مجحفاً كان أشهرها على الإطلاق بند (ذنب الحرب) الذي أصر فيه الحلفاء المنتصرون على إقرار ألمانيا بمسؤوليتها الكاملة عن الحرب وتعويض المتضررين. إذ مثل هذا البند عاملاً زاد من الغضب الشعبي ضد المعاهدة التي عدت بمثابة جرح للشرف القومي الألماني، التي أسهمت بشكل واضح في اندلاع الحرب العالمية الثانية بعد عقدين من الزمن.

ظهرت معاهدات السلام قبل ظهور القانون الدولي الحديث، بل إن عصبة الأمم في نواتها الأولى جاءت نتيجة تلك المحادثات الشاقة والعسيرة التي دارت في "فرساي"، التي تعد بمثابة الصلح الذي أسدل الستار على مذابح الحرب العالمية الأولى. مع ذلك نظر كثيرون إلى أشهر معاهدات السلام قديماً وحديثاً بوصفها مجرد هدنة طويلة تؤجل الصراع لمدة تصل إلى عقود من الزمن قبل اندلاعه مجدداً بشكل أكبر وأكثر دموية من ذي قبل.

قديماً جداً

لم تعرف الإنسانية صراعاً شرساً مثل صراع إمبراطورية روما القديمة مع الإمبراطورية القرطاجية الأفريقية، إذ استمر الصراع الدامي بينهما لأكثر من قرن من الزمان. وكانت أشهر نتائج ذلك الصراع انعكاساً على معاهدات السلام انتشار تسمية "السلام القرطاجي"، وإطلاقه لاحقاً على أية معاهدة سلام كاذبة عقدت منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.

فالسلام القرطاجي ما هو إلا نوع من المعاهدات التي يفرض فيها السلام بشكل وحشي، لأنه يتحقق من خلال سحق العدو بالكامل. وسبب تسمية المعاهدات من هذا النوع بهذه التسمية عائد لأن روما قامت بعد ثلاث حروب كبرى مع القرطاجيين (بين 164 - 264 ق. م) بفرض شروط صلح مجحفة بعد تدمير أرض قرطاج وجعلها غير صالحة للحياة مرة أخرى.

 

 

في تاريخنا المعاصر وصف سياسيون احتلال الحلفاء لألمانيا بعد الحرب العالمية بأنه تدمير ممنهج ومقصود. ووفق الرواية الفرنسية المتشددة ضد ألمانيا النازية باستمرار، كان تدمير ألمانيا عملية حربية ضرورية. فالفرنسيون عانوا منها كثيراً من خلال محاولات النازيين احتلال أرضهم.

وفي حين أن الاقتصادي الإنجليزي الشهير جون مينارد كينز وصف معاهدة "فرساي" بأنها "سلام قرطاجي" ركز على تدمير ألمانيا أكثر من الصلح، فإن المارشال الفرنسي فرديناند فوش (1851 - 1929) رآها "سلاماً متساهلاً للغاية". وردد فوش حينها عبارته التي صارت بمثابة مقياس لأية معاهدة سلام ناجحة قائلاً، "هذا ليس سلاماً، إنه فقط هدنة لمدة 20 عاماً".

كامب ديفيد

يأخذ اتفاق "كامب ديفيد" أهميته من كونه محاولة من جانبين معاصرين لإنهاء نزاع الشرق الأوسط الحديث على أرض فلسطين، إذ خاض الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات تجربته الشهيرة عام 1978 لإنجاز الصلح مع إسرائيل بمساهمة من الرئيس الأميركي جيمي كارتر. وجاء "كامب ديفيد" في إطار مشروع السلام الذي أعقب حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 ومن دون مشاركة الفلسطينيين، الأمر الذي دانته الأمم المتحدة وكثير من البلدان العربية حينها. ونتج من هذا الاتفاق فوز كل من السادات والزعيم الإسرائيلي مناحيم بيجن بجائزة "نوبل" للسلام في العام ذاته، فيما تحول "كامب ديفيد" إلى معاهدة سلام منفردة بين مصر وإسرائيل.

في 2015 عقد في المغرب "اتفاق الصخيرات"، وهو الاتفاق الذي حاول إنهاء الحرب الأهلية الليبية المشتعلة آنذاك، وشمل الاتفاق أطراف الصراع في ليبيا تحت رعاية الأمم المتحدة في محاولة للتقريب بين المؤتمر الوطني الليبي وحكومة الوفاق وبين مجلس النواب.

 

 

من جهة ثانية عقد في العاصمة السعودية في 2019 اتفاق الرياض ضمن معاهدة سلام واتفاق مصالحة بوساطة سعودية ومشاركة تحالف دعم الشرعية في اليمن، وكان الصلح بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، إذ جرى التوقيع على التزام الأطراف بحقوق المواطنة الكاملة ونبذ التمييز المذهبي والمناطقية ووقف الحملات الإعلامية المسيئة من الطرفين.

اتفاقات تاريخية

يمكن وصف الاتفاق الخاص بين الولايات المتحدة واليابان بأنه اتفاق تاريخي بامتياز، إذ تطور خلال ما يقرب من قرن من الزمن ضمن إطار عرف بالاتفاق الإداري الأميركي - الياباني. ووقع هذا الاتفاق في صورته الابتدائية منذ عام 1901، بينما روجعت بنوده وفصوله باستمرار حتى يومنا هذا.

ويعود ذلك لطبيعة الاتفاق الذي شمل حماية أعضاء القوات العسكرية الأميركية في اليابان، إذ تطور الاتفاق عام 1969 ليصبح معاهدة التعاون الأمني المتبادل. وفي عام 1995 وبعد حادثة اغتصاب شهيرة في أوكيناوا وافقت الولايات المتحدة على تسليم العسكريين قبل توجيه التهم لهم في جرائم خطرة، وفي 2017 وقعت اليابان وأميركا اتفاقاً تكميلياً بموجب اتفاق وضع القوات ذاته.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير