بعد أيام عاصفة، عاد الهدوء إلى سوق النفط، مع استمرار الحذر والترقب في الوقت الذي تواصل فيه السعودية تطمين السوق بشأن الإمدادات التي توقفت عقب الهجوم على منشآت تابعة لشركة النفط السعودية "أرامكو" صباح السبت الماضي.
وارتفع سعر برنت بفعل التوترات التي أبقت على حذر المستثمرين ليغير اتجاهه النزولي الذي طرأ عليه في وقت سابق، ونزلت الأسعار 6% أمس بعدما كشف وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن الرياض استطاعت العودة بإمدادات الخام إلى مستويات ما قبل هجمات مطلع الأسبوع على منشأتين لها، مما أدى إلى توقف 5% من الإنتاج العالمي للنفط. وصعد مزيج برنت 41 سنتا أو 0.6% إلى 64.61 دولار للبرميل بعدما هوت 6.5% في الجلسة السابقة.
وزادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي سبعة سنتات أو ما يعادل 0.1% إلى 59.41 دولار للبرميل بعدما خسرت 5.7% أمس الثلاثاء.
وزير الطاقة السعودي أوضح أن حجم الأضرار شملت انقطاع 5.4 مليون برميل من الزيت الخام من معامل بقيق، كما تعطل إنتاج 2 مليار قدم مكعب من الغاز المصاحب و500 مليون قدم مكعب من غاز الإيثان، ونحو 500 ألف من سوائل الغاز، وإجمالا تمثل هذا الأرقام نصف إنتاج السعودية، وتعادل 6% من الإنتاج العالمي.
وأشار إلى أن شركة أرامكو ستستمر في الوفاء بالتزاماتها لعملائها خلال هذا الشهر بالسحب من مخزوناتها، وسيعود إنتاج السعودية إلى 11 مليون برميل يوميا في نهاية سبتمبر (أيلول) 2019، وإلى 12 مليون برميل يوميا بنهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
وفي الوقت الذي من المؤكد أن يتأثر فيه اقتصاد السعودية بهذه الهجمات، لكن تقارير تحدثت عن امتداد تداعيات هذه العمليات التخريبية إلى الاقتصاد العالمي الذي يواجه بالفعل العديد من الأزمات في الوقت الحالي، أهمها التوقعات الخاصة بتراجع معدلات النمو العالمي، إضافة إلى تداعيات الحروب التجارية على حركة التجارة، والاتجاه إلى ركود عنيف.
وأمس، قال الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إنه لا يرى ضرورة للسحب من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي بعد هجمات على منشأتي نفط سعوديتين، مضيفا أن أسعار الخام لم تصعد كثيرا، وأوضح أنه مستعد للإفراج عن المخزون، "لكننا لسنا بحاجة إلى ذلك".
تحسن واضح في عودة الإمدادات السعودية
واليوم، أعلنت شركات البتروكيماويات السعودية تحسناً واضحاً في معدل الإمدادات والتي تضررت بشكل لافت جراء الهجوم على معملي بقيق وخريص التابعين لشركة أرامكو السبت الماضي. حيث قالت الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك"، في بيان على موقع "تداول"، إن النقص في إمدادات اللقيم (المواد الخام) من شركة أرامكو السعودية انخفض من 49% إلى متوسط تقريبي 30% متوقعة عودته للمستويات الطبيعية نهاية الشهر الحالي.
كما أعلنت شركة الأسمدة العربية السعودية "سافكو" عودة إمدادات مواد "اللقيم" لمصانع الشركة لمستوياتها الطبيعية بعد النقص الذي حدث. كما ذكرت شركة "كيان" السعودية للبتروكيماويات، أن نقص الإمدادات انخفض من 50% إلى 37% تقريبا. وقالت شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات "ينساب" إن النقص في الإمدادات انخفض بمتوسط تقريبي من 30% إلى 17%.
في السياق ذاته، كانت شركة "التصنيع" قد أعلنت أن نقص الإمدادات تقلص من 41 % إلى متوسط تقريبي 25%، متوقعة العودة للمستويات الطبيعية نهاية الشهر الحالي. وذكرت الشركة المتقدمة للبتروكيماويات أن النقص انخفض من 40% إلى 20% تقريباً، متوقعة العودة للمستويات الطبيعية نهاية الشهر الحالي. فيما أعلنت شركة رابغ للتكرير والبتروكيماويات "بترورابغ" أن النقص في إمدادات غاز الإيثان سيكون بنسبة 20%.
الدائرة تتسع إلى قطاعي البتروكيماويات والغاز
في بداية الأزمة، لم يستوعب العالم حجم الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تعطل إنتاج وتصدير النفط في السعودية بعد تعرض معملين كبيرين تابعين لشركة أرامكو للنفط، لهجمات إرهابية بطائرات مسيرة، أحدهما أكبر معمل لتكرير الخام في العالم، ولن تقف تأثيراته على الارتفاع الكبير في أسعار النفط، إذ ستتسع الدائرة لتصيب المشتقات النفطية وكذلك قطاعات البتروكيماويات والغاز، ومنها إلى بقية السلع.
وأثّر الهجوم على إنتاج 5 ملايين برميل يوميا من النفط، وهو ما يقترب من نصف إنتاج السعودية، ويشكل نحو 5% من إمدادات النفط العالمية، وكما كان متوقعا أصيبت الأسواق العالمية لدى افتتاحها الاثنين بهلع أدى إلى ارتفاع أسعار النفط بأكبر وتيرة منذ عام 1991، وصعدت أسعار النفط بنسبة 19% قبل أن تنخفض عن ذلك المستوى المرتفع.
في قطاع البتروكيماويات أو "اللقيم" المعتمد على أرامكو السعودية، فقد أعلنت شركات بتروكيماويات في بيانات لسوق الأوراق المالية السعودية "تداول"، عن نقص في إمدادات بعض مواد اللقيم (المواد الخام)، وضمت قائمة الشركات (سابك، كيان، ينساب، بتروكيم، والمتقدمة للبتروكيماويات، سبكيم العالمية، التصنيع الوطنية، صدارة للخدمات، المجموعة السعودية).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأفادت سابك بنقص في إمدادات بعض مواد اللقيم (بنسب متفاوتة ومتوسط تقريبي 49%) لبعض شركاتها التابعة في السعودية ابتداءً من السبت 14 سبتمبر (أيلول)، فيما أكدت الشركات أنها تعمل على تقويم الآثار النهائية لتحديد الأثر المالي على أن يفصح لاحقاً عن أي تطورات جوهرية، وفقاً للإجراءات واللوائح التنظيمية ذات العلاقة بالسوق المالية.
ولعل أكبر المتأثرين بالهجوم الإرهابي هي شركة سابك، التي تعتبر أكبر شركة صناعية غير بترولية في منطقة الشرق الأوسط، وواحدة من أكبر 10 شركات عالمية لصناعة البتروكيماويات، كما تعتبر سابك أكبر منتج في العالم للمنتجات: جلايكول الإثيلين الأحادي من (الوسطيات)، ومثيل ثالثي بوتيل الإيثر من (الكيماويات الأساسية)، واليوريا الحبيبية من (الأسمدة)، والبولي كاربونات من (البلاستيكيات المبتكرة)، والبولي فينيلين من (البلاستيكيات المبتكرة)، والبولي إيثرامايد من (البلاستيكيات المبتكرة)، وقد أعلنت تأثرها بسبب نقص اللقيم الذي تتسلمه من أرامكو السعودية.
إضافة إلى ذلك، أنتجت أرامكو 10.3 مليون برميل يوميا من النفط في العام الماضي مستفيدة من أقل تكلفة في العالم لإنتاج الخام، وهي 2.8 دولار للبرميل، وفقا لوثائق من الشركة. وأنتجت أيضا 1.1 مليون برميل من سوائل الغاز الطبيعي، و8.9 مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز الطبيعي يوميا.
كما تقوم أرامكو بعمليات لإنتاج وتكرير وتصدير النفط في السعودية، لكن لديها عمليات للتكرير في أنحاء العالم. وتملك "موتيفا انتربرايزيز" للتكرير التابعة لأرامكو بالولايات المتحدة معمل فورت أرثر في تكساس الذي تبلغ طاقته 607 آلاف برميل يوميا، وهو الأكبر في الولايات المتحدة.
وأعلنت أرامكو في عام 2017 عن خطط لضخ استثمارات بقيمة 18 مليار دولار في عملياتها بالأميركيتين خلال خمسة أعوام. كما توسع أرامكو أيضا طاقتها لتكرير وبيع الخام بالقارة الآسيوية، بخاصة في دول سريعة النمو مثل الصين والهند. وفي العام الماضي، بلغت طاقة التكرير الصافية للشركة 3.1 مليون برميل يوميا.
ماذا عن المخزون الاستراتيجي؟
توجهت الأنظار منذ الإعلان عن الهجوم الإرهابي الذي طال السعودية إلى مخزونات الدول الكبيرة التي تمتلك القدرة على تغذية السوق حتى تنتهي أرامكو السعودية من إصلاح الأضرار التي أصيبت بها المعامل، وتعود إلى كامل طاقتها الإنتاجية، إلا أن المشكلة الحقيقية التي تواجهها هي الفترة الزمنية التي تستطيع المخزونات الصمود فيها حتى تقنع الأسواق بقدرتها على توفير حاجة السوق.
وتأتي السعودية والولايات المتحدة والصين في صدارة مخزونات النفط لامتلاكها مئات الملايين من البراميل. وهذا المخزون هو الذي تحتفظ به الحكومة لمثل هذه الحالة تحديدا، لتعويض توقف غير متوقع في الإمدادات، ويستطيعون السحب من المخزون الاستراتيجي لتلبية الطلب وتهدئة التأثير على الأسعار. ونصحت وكالة الطاقة الدولية، التي تنسق سياسات الطاقة للدول الصناعية، جميع أعضائها بالاحتفاظ بمخزون يعادل صافي واردات 90 يوما.
هل نفط السعودية هو صمام أمان للعالم؟
الخبير والاستشاري النفطي، د. عبد السميع بهبهاني، يرى أن هناك 3 مصادر أساسية لتعويض النقص العالمي بعد الهجوم على مواقع أرامكو تغطي نحو 3 ملايين من الفاقد الذي بلغ نحو 5.7 مليون برميل، وهناك مخازن أخرى تغطي ما بين مليون إلى مليوني برميل في اليوم. وهناك أيضاً فائض عالمي متاح بالفعل، والسعودية تمتلك مخازن كبيرة وضخمة يمكنها تعويض أي نقص في الإمدادات.
وأوضح أن هناك دورا كبيرا للنفط السعودي في تأمين الإمداد العالمي، وبعد قرار الخفض في 2015 كان معدلها العام في الإنتاج 10.5 مليون برميل في اليوم بقدرة إنتاجية وصلت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى 12 مليون برميل في اليوم، كما تصدر السعودية من 7 إلى 8 ملايين برميل في اليوم، وتنتج غاز بمقدار 8 مليار قدم مكعب باليوم، ولديها مخزون يأتي من الطبقات الصخرية بمخزون يقدر بأكثر من 30 مليار قدم مكعبة، وهذه الأرقام تشير إلى أهمية السعودية في سوق النفط العالمية.
وفي آخر 3 سنوات انخفض إنتاج حقل الغوار، وتم تعويضها بحقول جديدة، والتي منها خريص وحقل الشيبة، وهو ما يشير إلى أن المتربص بالنفط السعودي يدرك جيداً ماذا يفعل، لأنه استهدف الحقول التي عوضت الانخفاض الكبير في إنتاج حقل غوار، ومنها كذلك بعض الحقول البحرية.
وكان لمنظمة أوبك دور مهم في ربط الإنتاج السعودي الذي كان يذهب في السابق إلى أوروبا وأميركا بالسوق الآسيوية التي أصبحت المستورد الأساسي للنفط السعودي.
يقول بهبهاني إن هناك مشاريع كبيرة أقامتها السعودية مثل مشروع واسط للغاز الصخري الحر، بخاصة وأنها تستهلك كميات كبيرة لتوليد الطاقة في السوق المحلية.
وأوضح الخبير النفطي أن شركة أرامكو تم تصميمها وجميع مواقعها ومنشآتها بطريقة عالمية وتعمل على تزويد العالم بالنفط، والسعودية فعلا صمام أمان عالمي لإمدادت الغاز، لكن إذا أخذنا المثلث تقريباً من الدمام أو الرياض إلى داخل المنطقة الجنوبية من طهران إلى شمال أربيل في العراق، فإن هذا المثلث يحوي نحو 65% من المخزون العالمي للنفط، إضافة إلى مخزون غاز عملاق يصل من 3 إلى 4 آلاف تريليون قدم مكعبة من الغاز، والسعودية تسيطر على الجزء الأكبر منه.
وذكر إن الرياض تستحوذ على مخزون عالمي وصممت آبارها ومراكزها ومخازنها ومصافيها لإنتاج قدرة احتياطية بنحو 2 إلى 3 ملايين برميل في اليوم في حال توقف إنتاج الحقول الأساسية، وهذه القدرة الاحتياطية متاحة وتسلم بعد شهر، ويمكن أن تخزن السعودية ما يمد العالم بنحو شهرين إلى 3 أشهر من النفط والغاز، ولم تتعرض هذه المخازن لعمليات هجوم.
وأوضح أن السعودية لديها دور كبير في أوبك وفي الاتفاق الذي تم بين المنظمة وبين دول من خارج المنظمة، وحتى الآن وعلى مدار العامين هناك تجانس كبير في قرارات خفض الإنتاج التي تقررها أوبك ويلتزم بها جميع المنتجين، سواء من أعضاء المنظمة أو من خارجها.
عودة كامل الإنتاج السعودي... ماذا يعني لاقتصاد العالم؟
في سياق متصل، أكد الدكتور صادق الركابي، مدير المركز العالمي للدراسات التنموية في لندن، أن عودة النفط السعودي لكامل طاقته الإنتاجية كان أمراً حاسماً بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، مشيراً إلى أن حالة الذعر التي أصابت الأسواق العالمية، والتي أدت إلى تغير في سعر صرف العملات وحركة الأسهم واستنفار الولايات المتحدة لاستخدام مخزونها الاستراتيجي، يثبت بما لا يدع للشك مكاناً أن نفط السعودية هو صمام أمان لاستقرار اقتصادات معظم دول العالم.
الخبير الركابي أوضح أن الاقتصاد العالمي الذي كان وما يزال يعاني من الآثار السلبية للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين سيتأثر بالمزيد من الضغوط التضخمية الناجمة عن ارتفاع كلفة الطاقة، وهو ما يؤثر سلباً في الإنتاج الصناعي وحتى في حركة التجارة الدولية، بالإضافة إلى ذلك فإن ارتفاع سعر النفط سينعكس سلباً على أداء الأسواق الناشئة التي تراجعت عملاتها بسبب ارتفاع الدولار وفاتورة الطاقة، وهو الأمر الذي سيترجم لاحقاً بعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية واتخاذها لمزيد من الإجراءات التقشفية أو مزيد من الرسوم الضريبية التي قد تؤدي إلى اضطرابات سياسية، كما يحدث في تركيا والأرجنتين.
وذكر مدير المركز العالمي للدراسات التنموية أن أوروبا التي ما تزال تعتمد بنسبة كبيرة جداً على النفط والغاز القادمين من الشرق الأوسط وأفريقيا تشعر بالقلق الكبير لاستهداف المنشآت النفطية السعودية، معتبرة أمن الحقول في السعودية ضماناً لأمن الطاقة العالمي. وكذلك هي الحال بالنسبة إلى دول شرق آسيا كالصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان، التي تستشعر خطورة الأوضاع بخاصة وأنها تعتمد بنسبة كبيرة على إمدادات النفط السعودية.
واستبعد الدكتور الركابي أن يكون لأي دولة القدرة التي تمتلكها السعودية في الإنتاج وتلبية حاجة السوق، مؤكداً أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على تعويض كامل النقص كونها تعاني من مشكلات واختناقات في البنى التحتية لتصدير النفط، وكذلك الأمر بالنسبة إلى روسيا التي لا تستطيع أن تزيد الإنتاج بمقدار خمسة أو ستة ملايين برميل دفعة واحدة، مبيناً أن الأمر سيتطلب أشهراً طويلة. أما العراق فهو أيضاً لديه مشكلات تتعلق بموانىء التصدير وزيادة الإنتاج للمستويات التي تعوض الأسواق عما فقدته.
ويؤكد الركابي أن الحفاظ على أمن الحقول النفطية في السعودية مسألة أمن دولي لأنها تشكل خطراً على الاقتصاد العالمي برمته.