Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وزير الصحة السوداني: الحرب ستعيد رسم خريطة صحية أكثر عدالة للبلاد

صرح لـ "اندبندنت عربية" أن طول أمد النزاع سيكون خطراً كبيراً يفاقم هجرة الكوادر الطبية

وزير الصحة الاتحادي السوداني هيثم محمد إبراهيم (إعلام وزارة الصحة السودانية)

ملخص

بلغ حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع الصحي في السودان بأكمله قرابة 11 مليار دولار، وطول أمد الحرب يشكل خطراً كبيراً على السودانيين.

تعرضت المنظومة الصحية في السودان بسبب الحرب إلى هزة عنيفة أفقدتها توازنها بخروج أكثر من 70 في المئة من مؤسساتها عن الخدمة، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وقال وزير الصحة الاتحادي السوداني هيثم محمد إبراهيم إن "الجميع كان يتوقع انهياراً كاملاً للنظام الصحي في السودان منذ الشهور الأولى للحرب، لكن تماسك القطاع والعاملين فيه والمؤازرة التي لقوها من الوزارات والشركاء أنقذت الموقف واستمر القطاع في تقديم خدماته ولو بشكل جزئي".

وكشف وزير الصحة السوداني في حوار مع "اندبندنت عربية" أن "التقديرات الأولية تشير إلى أن حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع في كل السودان بلغ نحو 11 مليار دولار".

وقدم إبراهيم تشخيصاً لأوضاع القطاع الصحي وواقعه الراهن ومستقبله في ظل الحرب المستعرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل (نيسان) 2024.

مدى الانهيار

و حول مدى الانهيار الذي تعرض له القطاع الصحي السوداني وفق ما تردد على لسان منظمات عالمية وأممية، وعن وضعه الحالي أوضح الوزير أن "كل التوقعات كانت تقول بأن النظام الصحي في الدولة السودانية سيشهد انهياراً كاملاً منذ الأشهر الأولى للحرب، بخاصة وأن شرارتها بدأت في مركز الدولة بالعاصمة الخرطوم، وسبقها تدهور اقتصادي نتيجة عدم الاستقرار السياسي خلال الفترات السابقة".

واستطرد الوزير أنه "إلى جانب تحديات الأوبئة التي ظهرت بصورة كبيرة واجهتنا تحديات أخرى في غاية الصعوبة في الإمداد والتشغيل الطبي، لكن بفضل تماسك القطاع الصحي وكوادره وتعاون الوزارات ذات الصلة والشركاء الذين حركناهم بصورة كبيرة جداً، لم ينهر النظام الصحي وسار بخطوات ثابتة على رغم الصعوبات المتعددة وقدم خدماته الصحية والطبية، وأستطيع القول إن معظم ولايات السودان استمرت في تقديم الخدمات بنسبة 50 في المئة من المستشفيات، إذ إن هناك 400 مستشفى من أصل 540 لا تزال تستقبل المرضى بصورة جزئية أو كلية، بما في ذلك إقليم دارفور والمناطق الواقعة تحت سيطرة ميليشيات الدعم السريع، فضلاً عن وصول خدمات التحصين والإمداد الدوائي إلى جميع الولايات، وإن كانت ليست بالصورة المطلوبة، لكن في الأقل هناك خدمات وصلت بالفعل على رغم كل الصعوبات في إيصالها إلى الولايات.


أضرار مليارية

ولدى سؤاله عن حجم الأضرار التي لحقت بالمرافق الصحية والأجهزة الطبية وبخاصة في المناطق الأكثر تأثراً بالحرب والقتال، وفق اللجنة العليا التي شكلت لهذا الغرض، أجاب الوزير بأن "هناك تقارير سابقة تحدثت عن جملة من الأضرار المباشرة التي أصابت تلك المرافق والمؤسسات، لكن الصورة الكلية لم تكتمل بعد بكل تفاصيلها، وهناك بعض الأرقام الكبيرة التي وصلت من الولايات بالأضرار التي لحقت بالمستشفيات والمؤسسات الصحية من نهب للسيارات الإدارية وعربات الإسعاف وتدمير مخازن الأدوية وسلاسل التبريد وغيرها من الأضرار المادية المباشرة التي طاولت حتى الأثاث والأجهزة الطبية، وقدرت في مجملها بنحو 11 مليار دولار في كل السودان، وتتابع اللجنة رصد وحصر التفاصيل لكنها لم تصدر تقريرها النهائي بعد، كما أن مواقع عدة تقع في مناطق لا يزال يدور فيها القتال ويصعب الوصول إليها للحصول على البيانات التفصيلية".

شلل الأورام

ويتابع الوزير أنه "من أصل 540 مستشفى هي جملة المستشفيات التي تديرها وزارة الصحة، خرج 120 منها عن الخدمة، غير أن من بينها المستشفيات المرجعية الأساس، وهي مستشفيات الذرة والأورام والمخ والأعصاب وجراحة القلب وغيرها، وهذا ما جعل البدائل صعبة فعلاً في الولايات الأخرى، ونسعى حالياً إلى تحسين الخدمات في بعض الولايات، وافتتح الشهر الماضي المركز الرئيس للجهاز الهضمي البديل لمركز الجزيرة الذي كان بدوره بديلاً لمركز ابن سيناء في الخرطوم، ولذلك فإن بعض الخدمات التخصصية مثل المخ والأعصاب انتظمت في عدد من مدن السودان إلى جانب جراحة العظام والجهاز الهضمي، لكن لا تزال هناك صعوبات في العلاج الإشعاعي للأورام، إذ لا يوجد إلا مركزين أحدهما في مدينة مروي الطبية والآخر في مدينة شندي يعمل بصورة جزئية"، لافتاً إلى أن "خروج مستشفيي الخرطوم و ود مدني للأورام أحدث شللاً كبيراً في خدمات هذا التخصص داخل البلاد، وبخاصة العلاج الإشعاعي، بينما توجد سبعة مراكز تقدم العلاج الكيماوي موزعة على عدد من الولايات".

إشكال المركزية

أما في شأن إشكال مركزية الخدمات الصحية في ولاية الخرطوم التي كشفت عنها الحرب وأسهمت في تفاقم الوضع، وكيف ستستوعب هذا الدرس مستقبلاً، فأوضح الوزير أن "قضية المركزية كانت واحدة من  المحاور محل الحديث قبل الحرب، وكان هناك برنامج معروف في هذا الشأن وهو برنامج توطين هذه الخدمات في السودان، والكشف الموحد للكوادر، وتوزيع الخدمات على ولايات البلاد المختلفة، لكن للأسف لم تكن تطبيقات هذا البرنامج بالصورة المطلوبة حتى اندلعت الحرب لتكشف المركزية الكبيرة للخدمات الصحية وبخاصة التخصصية منها، مثل خدمات القلب والجهاز الهضمي والخدمات المتخصصة في الكلى وجراحات المخ والأعصاب وغيرها، وهذا الوضع جعل الرؤية المستقبلية واضحة جداً لناحية إعادة بناء النظام الصحي لسودان ما بعد الحرب، كنظام لا مركزي قائم على عدالة توزيع الخدمات الصحية الأساس لكل إنسان في السودان، يرتكز على توزيع البلاد إلى قطاعات محددة تتمركز الخدمات الأساس والرئيسة في كل قطاع منها، على أن يشمل كذلك توزيع مواقع الإمداد والمخازن المرجعية المركزية في كل إقليم، وأيضاً الخدمات الأخرى التي يمكن أن يُعاد تشكيلها بصورة أفضل مما كانت عليه قبل الحرب"، مشيراً إلى أن "هذا الأمر لا ينطبق على مجال الصحة فقط، إذ كانت المركزية واضحة في كل قطاعات الدولة".

النداء العالمي

وعن النداء العالمي والإقليمي لإعمار المستشفيات التي دمرتها الحرب وأطلقه الوزير ومدى الاستجابة حتى الآن، قال إن "النداء الذي أطلقناه كان خاصاً بإعادة إعمار المستشفيات التي دمرتها الحرب والمتوقع عودتها للخدمة خلال الفترة المقبلة، وكنا أصدرنا بيانات عدة حول الوضع الصحي في البلاد وأطلقنا مطالبات ووفرنا قوائم بالمطلوبات الخاصة بالإمداد للمجتمعين الدولي والإقليمي، كما أطلقنا نداء سابقاً خاصاً بتغذية الأطفال وضرورة إيفاء المجتمعين الدولي والإقليمي بالتزاماتهم تجاه السودان، ثم نداء خاصاً لإعادة إعمار المستشفيات التي دمرتها الحرب، والسبب الأساس وراء ذلك هو أننا في الوقت الذي كنا نعمل فيه على تشغيل الخدمات الصحية بالمؤسسات القائمة وتوفير الأجهزة والإمداد الدوائي نحتاج إلى فتح الملف الآخر لإعادة إعمار المستشفيات قبل عودة المواطنين إلى مناطقهم".


تجاهل دولي

وأردف وزير الصحة السوداني، "لقد كشفت زياراتي الميدانية للوقوف على الأوضاع في مستشفيات العاصمة، مثل مستشفى أم درمان التعليمي ومستشفى الولادة ومستشفى الأطفال بأم درمان وغيرها من المستشفيات الكبيرة المرجعية، عن مدى التخريب والأضرار التي تعرضت لها تلك المؤسسات الصحية بواسطة ميليشيات الدعم السريع، وشملت المباني ونهب الأدوية وتخريب الأجهزة والمعدات الطبية، مما استدعى معالجات عاجلة وسريعة دفعتنا إلى إطلاق ذلك النداء".

لكن الوزير أكد "عدم تلقي الوزارة حتى الآن أية استجابة دولية للنداء، لكنه لقي تجاوباً محلياً طيباً، وكانت وزارة المالية من أول المبادرين إلى دعم صندوق إعمار المستشفيات بمبلغ مليون دولار، إلى جانب رجال أعمال سودانيين وبعض المنظمات والمجتمعات المحلية الذين تواصلوا مع الوزارة، مؤكدين رغبتهم في المساندة والدعم، بخاصة وأن النداء لا يقتصر على الدعم المادي فقط بل يشمل أيضاً الدعم العيني بالأجهزة والمعدات والأثاث الطبي وغيرها، إذ بلغت التقديرات الأولية للكلف نحو 2.2 مليار دولار، في وقت تعكف فيه لجان متخصصة على حصر الحاجات التفصيلية بالكميات المطلوبة لتقديمها لأي جهة راغبة في المساهمة".

كبح الأوبئة

وفي الحديث عن الوضع الوبائي في البلاد أقر الوزير بأن "عام 2023 شهد انتشار عدد من الأوبئة التي كان يتوقع ظهورها نتيجة تردي صحة البيئة وزيادة نواقل الأمراض، وتوقف العمليات الروتينية لمكافحتها بسبب الحرب، مما أدى إلى ظهور تلك الأمراض بصورة وبائية، لكن رغم التحدي الكبير الذي فرضه ظهور تلك الأوبئة إلا أن التعامل معها كان بصورة ممتازة وأسفر عن انخفاض ملحوظ في معدلاتها خلال الشهور اللاحقة على رغم زيادتها في أشهر الحرب الأولى من  مايو(أيار) وحتى ويوليو (تموز)، وذلك بفضل التدخلات في عمليات التطعيم ضد الكوليرا والحصبة التي انتظمت في عدد من الولايات، مما أدى إلى انخفاضها بشكل كبير، إذ لم تسجل الأسابيع الماضية سوى 20 حالة فقط من دون وفيات بالكوليرا، وكانت الحالات المسجلة ذات حدة أقل، ونتوقع القضاء على الوباء تماماً في عدد من الولايات، وكانت الكوليرا والحصبة وحمى الضنك انتشرت في 12 ولاية مختلفة تسجل جميعها الآن انخفاضاً مستمراً في عدد الحالات خلال الشهرين الأخيرين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


عودة الشلل

لكن شلل الأطفال عاد للظهور في البلاد مرة أخرى، وسرت أنباء عن حالات مؤكدة في مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر، فماذا يعني ذلك؟

وهنا نفى الوزير وجود أية حالات مؤكدة لشلل الأطفال في بورتسودان أو غيرها، مبيناً أنه "رصد ظهور الفيروس أو ما يسمى بالعينات البيئية الموجبة، ووجدت سبع عينات من الصرف الصحي في مستشفى الأطفال بالمدينة، لكن لم ترصد حالة موجبة للإصابة بشلل الأطفال في البلاد".

ووصف إبراهيم ذلك بأنه "أمر متوقع كلما طالت الفترة ونتيجة قلة التطعيمات بسبب التوترات، مما يؤدي إلى ظهور مثل هذه العيانات البيئية".

وأشار إبراهيم إلى أن "كشف هذه العينات يؤكد يقظة برنامج التحصين وحرصه على جمع عينات وتوصيل رسائل بشكل جيد ومستمر، وهو ما دفعنا إلى التعامل الفوري مع تلك العينات البيئية بالتحليل والفحص، والشروع فوراً في الحملات الوقائية بولاية البحر الأحمر خلال الأسبوع الماضي".

واعتبر الوزير أن "برنامج التحصين ضد شلل الأطفال من البرامج القوية جداً في البلاد، وأعلن السودان عام 2009 كواحد من الدول الخالية تماماً من شلل الأطفال، إذ ليس هناك سوى ثلاث أو أربع دول فقط يوجد فيها هذا المرض، ومنذ عام 2009 يمتلك السودان شهادة بالخلو من المرض، لكن في عام 2022 ونتيجة للتوترات التي أصابت البلاد بعد الثورة عام 2018، وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وجائحة فيروس كورونا وضغطها على النظام الصحي، ظهرت أيضاً حالات متحورة مثل الحالات الراهنة، وأمكن السيطرة على الوضع بتنفيذ حملتين في كل أنحاء السودان ليعود من جديد خالياً من شلل الأطفال، وكُرمت البلاد على جهودها الكبيرة، ونأمل أن نقوم هذا العام بالشيء نفسه، وبدأنا بالفعل بولاية البحر الأحمر".

الفجوة الدوائية

وعن حجم الفجوة في الإمداد الدوائي أشار الوزير إلى أن "معدلات الحاجة إلى الإمداد الدوائي في البلاد تبلغ 50 مليون دولار، وهذه توفر عبر القطاعين العام والخاص وعبر هيئة الإمدادات الطبية والمستوردين والمصنعين، لكن الحرب أثرت في الإمداد الدوائي من طريق القطاع العام ونهب الإمدادات الرئيسة، ووصلت قيمتها إلى مبالغ ضخمة تتجاوز 500 مليون دولار بعد نهب كل مخازن ولاية الجزيرة وتدمير أكثر من 26 مصنعاً للأدوية في ولاية الخرطوم، مما شكل عبئاً كبيراً جداً على القطاعين العام والخاص، لكن تحرك وزارة المالية لسد الفجوة لعب دوراً كبيراً في التخفيف من وقعها، إذ بلغ الدعم المقدم من جانبها للدواء خلال فترة الحرب أكثر من 30 مليون دولار عام 2023، وما يفوق 19 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الحالي وُزعت على كل الولايات البلاد، وكان ذلك جزءاً من قوائم المطلوبات التي عملنا عليها مع المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة لتسهم في توفير الإمداد الدوائي".

وفرة ضعيفة

وتابع الوزير، "أما بالنسبة إلى الوفرة الدوائية فلا تزال ضعيفة لمعظم الأدوية مثل الأمراض المزمنة والقلب والسكري والمضادات الحيوية وإن كانت أفضل حالاً من أدوية غسيل الكلى والأورام وعلاجات وأدوية المستشفيات والمحاليل الوريدية التي بلغت نسبة الوفرة فيها قرابة 60 في المئة، غير أن الأدوية التي تأتي عبر صيدليات المجتمع (القطاع الخاص) بدأت تنتعش تدريجاً بعد تحرك القطاع الدوائي للاستيراد عبر الشركات الخاصة من الدول التي يتعامل معها السودان، وتوسيع قاعدة الشركات التي تورد الدواء للسودان، ومع كل ذلك تظل الحاجة الدوائية متجددة ومستمرة وهي من التحديات التي تعمل عليها وزارة الصحة مع الشركاء بصورة منتظمة".     


خسارة الكوادر

وفي شأن هجرة الكوادر الطبية والصحية الكبيرة من السودان بسبب الحرب وتداعيتها ومعالجاتها المتوقعة، أوضح الوزير أن "الكوادر هي العمود الفقري للخدمات الطبية والصحية، فضلاً عن تميز الكوادر السودانية التي تعمل في معظم دول العالم العربية منها والأوروبية ودول أخرى، ومما لا شك فيه أن الهجرة المتزايدة والكبيرة لها آثارها السلبية على البلاد وستفقدها عدداً مقدراً من الخبرات والقدرات، على رغم أن الهجرة الطبيعية بأعداد معقولة قد لا تُعتبر فقداً أو خسارة للبلاد، لكن عندما تكون بأعداد كبيرة وبصورة قسرية بسبب الحرب فستكون لها آثارها السلبية الكبيرة جداً، وستخسر فيها البلاد عدداً كبيراً من الخبرات التي هي في أمسّ الحاجة إليها في مثل هذه الظروف".

وأضاف، "معظم الكوادر التي هاجرت لا تزال مرتبطة بأعمال والتزامات في الداخل، ومن الممكن أن تعود مرة أخرى في أية لحظة في حال تيسرت الأمور وعاد السلام والاستقرار والأمان للبلاد، وبالتالي فكلما طال أمد الحرب سيكون هناك خطر كبير على السودان والسودانيين، ونأمل بأن تقل هذه التداعيات وتكون المعالجات موجودة مع عودة السلام والمؤسسات الصحية للعمل"، لافتاً إلى "استمرار انتظام المؤسسات المنتجة للكوادر الطبية والصحية مثل مجلس التخصصات الطبية ومجلس المهن الصحية وأكاديمية العلوم الصحية وغيرها من المؤسسات التي يمكن أن يكون لها دور في سد الفجوة الناجمة عن الهجرة في الأعوام المقبلة".

اقرأ المزيد

المزيد من حوارات