ملخص
لا يؤمن باول سوليفان بمصطلح الطاقة النظيفة ويعتبره غطاء لممارسات لا علاقة لها بالاستدامة، وبكل وضوح، يقول إن النفط باقٍ معنا لفترة طويلة وكل ما عليك فعله لتقتنع هو أن تنظر من حولك، واحسب كم من الأشياء تعتمد على النفط، الرعاية الصحية والنقل، وبعض الأدوية التي قد تضطر إلى استخدامها، ومعجون الأسنان، بل حتى الآيس كريم بنكهة الفانيليا.
باول سوليفان، أكاديمي أميركي دفعته اهتماماته البحثية في مجال الطاقة والبيئة إلى التعمق في دراسة الشرق الأوسط، وبلورة رؤى مستقلة بمنأى عن نسق التحليل السائد في بلاده. أفكاره واضحة ورؤيته للمنطقة تشكلت على مدى عقود عدة طاف فيها خمس قارات، إذ درَّس في جامعات الدفاع الوطني في واشنطن وجورج تاون وييل، والجامعة الأميركية في القاهرة، وحطت رحاله أخيراً لتدريس أمن الطاقة والبيئة في "جونز هوبكنز".
"اندبندنت عربية" التقت سوليفان في إطار برنامج "حوارات أميركية"، لمناقشة مواضيع مثل مستقبل النفط والتحول نحو الطاقة المتجددة، فلم يتردد عن مشاركة أفكار يعتبرها كثر من مواطنيه مثيرة للجدل، بل وربما تجعله في مرمى سهام نشطاء المناخ، فهو لا يؤمن بمصطلح الطاقة النظيفة، ويعتبره غطاء لممارسات وقطاعات لا علاقة لها بالاستدامة، ويحذر من مطالب هؤلاء النشطاء لكونها ستؤدي إلى "إفقار" العالم.
مستقبل النفط
وبكل وضوح، يقول سوليفان إن النفط باقٍ معنا لفترة طويلة وكل ما عليك فعله لتقتنع هو أن تنظر من حولك، إلى مكتبك، ممشاك اليومي، واحسب كم من الأشياء تعتمد على النفط، الرعاية الصحية والنقل، وبعض الأدوية التي قد تضطر إلى استخدامها، ومعجون الأسنان، بل حتى الآيس كريم بنكهة الفانيليا، والسيارات الكهربائية. وقطاع التغذية على وجه الخصوص يستهلك كميات كبيرة من النفط، سواء من خلال الأسمدة أو المبيدات الحشرية.
يضيف سوليفان، "يعيش نحو ملياري شخص بفضل الأسمدة الصناعية. لا يمكن التحول إلى الطاقة المستدامة كما يتمنى بعضهم بسرعة. غالباً ما ألتقي أشخاصاً يقولون، "علينا التوقف عن استخدام النفط الآن"، لكن هل يدركون أن ذلك "سيؤدي إلى إفقار العالم؟".
ويرى أن التحدي الأبرز الذي يواجه البلدان المعتمدة على النفط مثل دول الخليج هو"التحول عن النفط وفي الوقت نفسه المحافظة على ارتفاع دخولها، وقوة صناديقها السيادية بما يكفي لرعاية شعوبها". لكن هناك من يتساءل كيف يمكن القيام بذلك في ظل الحملات الشرسة التي يشنها "نشطاء المناخ"، وهل من الممكن إقناعهم بأهمية النفط في كثير من تفاصيل الحياة اليومية؟
يجيب، "هناك كثير من الأحكام السابقة المتطرفة ضد العرب. كثر في الغرب لا يستمعون للقادة العرب عندما يتحدثون عن انتقالهم إلى مصادر طاقة أنظف. عندما تحاول أن تشرح للنشطاء البيئيين مساعيك إلى إحداث التغيير يطلقون رد فعل مضاداً". ويستشهد بما حدث في مؤتمر "كوب 28" عندما تعرض رئيس المؤتمر الإماراتي سلطان الجابر لحملة انتقادات غربية بسبب رئاسته المؤتمر وهو رئيس شركة نفطية. وقال ، "انتقد كثر هذا الأمر بشدة، وتساءلوا "كيف يمكن أن يكون رئيس مؤتمر كوب رئيساً لشركة نفط عربية. لقد ثار آل غور قائلاً ’كم هو أمر فظيع أن نختار هذا الشخص‘". لكن ما أغفله المنتقدون هو أن "هذا الشخص واعٍ بالبيئة ويدعم الأنشطة البيئية في الإمارات"، مضيفاً "ليس من الواضح أين تتجه الدول العربية المنتجة للنفط، لكنها أحرزت بعض التقدم في ضوء جهود الإمارات والمبادرة الخضراء التي أطلقتها السعودية، ولكن بصراحة، كثر في الغرب لا يريدون إلا أن يسمعوا أن النفط العربي يسرق الأموال من الولايات المتحدة. أولاً وقبل كل شيء، لم نعُد نستورد كميات كبيرة من النفط من الدول العربية، فأكبر مصدر للنفط لنا هي كندا".
واستحضر سوليفان مثالاً من تجربته الأكاديمية وقال، "كنت أصحح ورقة لأحد طلابي أخيراً، حيث كتب ’علينا معالجة اعتمادنا على واردات النفط‘، فكتبت له تصحيحاً ’أي اعتماد؟! نحن أكبر منتج للنفط في العالم، وأكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، وأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. لم نعُد في السبعينيات‘. سأرى كيف سيرد على ذلك، لكن ما قلته صحيح. لو قام بواجبه فسيفهم. لا يزال كثير من الأميركيين يفكرون في علاقتنا بالدول العربية النفطية خصوصاً منظمة "أوبك" السابقة، وليس "أوبك+"، كما لو كانت لا تزال في التسعينيات".
العوامل المؤثرة في السوق
يقول الأكاديمي في جامعة "جونز هوبكنز" إن البعض يحاول تفسير سعر النفط بعامل واحد، فإما يستخدمون الشرق الأوسط أو الصين أو تباطؤ الاقتصاد الأميركي، بينما هناك حرفياً آلاف العوامل المؤثرة في السعر، وهو ما أخصص له أسبوعين من محاضراتي لتوضيحه".
تؤثر توترات الشرق الأوسط في أسواق الطاقة، فعدد قليل جداً من الناقلات تمر عبر قناة السويس، مما يزيد مسافة السفر وكلفة النقل، لكن أسواق الطاقة بحسب الباحث أكثر تعقيداً من الصورة التي تحاول وسائل الإعلام رسمها، وتحديداً التلفزيون الأميركي الذي يركز على التقلبات اليومية البسيطة.
وعلى نحو مشابه، انتقد وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان في يونيو (حزيران) الماضي تكهنات وسائل الإعلام وحذر من التلاعب بالسوق، وهو ما يدعم الفكرة نفسها التي يطرحها سوليفان، مضيفاً، "وزير الطاقة السعودي متخصص بالأسواق، ومثله نظيره الإماراتي. واجتماعات ’أوبك+‘ غزيرة بالمعلومات. هؤلاء الرجال خبراء جادون، وليس من الحكمة التقليل من شأنهم. يمكن التلاعب بالأسواق عبر الأخبار الكاذبة أو المحرفة، خصوصاً من مجلات وصحف الأعمال الكبرى. لقد عملت سابقاً على مقالات لمثل هذه الوسائل الإعلامية، وعادة ما يطلبون مقالات تراوح ما بين 900 و1500 كلمة في غضون ثلاثة أيام وهي فترة لا يمكن أن تُجرى خلالها أبحاث حقيقية".
الابتكار في مجال الطاقة
وعن تأثير التقنيات الأميركية المتطورة في خفض كلف استخراج النفط الصخري، يقول إن "الولايات المتحدة دولة مبتكرة للغاية، وإذا كنت تعتقد بأنك تعرف ما يجري الآن، فلن تعرف ما الذي سيحدث خلال عامين أو ثلاثة أو أربعة. ومع دخول الذكاء الاصطناعي لقطاعي النفط والغاز فكل شيء ممكن. التصوير بالموجات فوق الصوتية وتقنيات الحفر الموجه أصبحت مستخدمة لاكتشاف النفط والغاز".
ويسترسل سوليفان:
"الأمر يعتمد على من يسيطر على الابتكارات المستقبلية ومن يتحكم بالذكاء الاصطناعي الذي سيغير مشهد الطاقة على جميع المستويات، وليس فقط في مجال النفط والغاز، بل في الكهرباء والتقنيات الجديدة التي يطلق عليها بعضهم ’طاقة نظيفة‘ أنا شخصياً لا أسميها ’نظيفة‘. لا يوجد شيء اسمه طاقة نظيفة. أعتقد بأنه يجب إزالة هذه الكلمة من مفرداتنا تماماً حتى نتمكن من معالجة المشكلة بوضوح.
إذا نظرت إلى سلاسل التوريد الخاصة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها مما يُطلق عليه ’الطاقة النظيفة‘، ستجد أنها تعتمد على التعدين الملوث وتستخدم النفط والغاز والفحم. الإنتاج الصيني للتقنيات ’النظيفة‘ يعتمد في الغالب على الفحم. هل يعتبر ذلك نظيفاً؟ إذا أخفيت حقيقة أنهم يستخدمون الفحم، فكل شيء يبدو رائعاً. يشبه الأمر دعوة شخص ما إلى منزلك، ثم تقول لعائلتك ’لا تسمحوا له بالدخول إلى هذه الغرفة، فهي ليست نظيفة‘. سيخرج الضيوف وهم يعتقدون بأن المنزل بأكمله نظيف! لا، الطاقة النظيفة ليست نظيفة، وشركات الطاقة تعلم ذلك".
هناك فرصة لاستغلال الطاقة الحرارية الجوفية في السعودية، عبر توظيف تقنيات الحفر والهندسة وخبرة السعودية في مجالي النفط والغاز. توجد أراضٍ بركانية قرب مكة والمدينة وفي أجزاء كبيرة من شمال غربي البلاد. يمكنكم رؤية هذه البراكين الخامدة، وإذا حفرتم في تلك المناطق فيمكن توليد حرارة كافية لتوليد الكهرباء والطاقة. حتى في الرياض يمكنكم استخدام الطاقة الحرارية الجوفية مباشرة تحت البيوت والمباني لتوفير كلف التبريد.
جدوى العقوبات
يصف الباحث العقوبات الأميركية على النفط الإيراني بأنها غير فعالة، لأن الصين تستورد كميات كبيرة من طهران لدعم صناعاتها، ومعظم الأميركيين لا يدركون أن حتى الألعاب البلاستيكية التي يشترونها في "وول مارت" مصنوعة في الصين بفضل النفط الإيراني.
ويرى أن العقوبات المفرطة يمكن أن تؤدي إلى تقليل حجم التجارة بين الدول، لكنها لن تضعف الدولار، إذ لا يزال أقوى عملة احتياط وغالبية أزواج العملات الرئيسة تشمل الدولار، 75 في المئة إلى 78 في المئة من التعاملات. كما أن أكثر من 60 في المئة من احتياطات البنوك المركزية حول العالم بالدولار. وتابع، "إذا أرادت أي دولة الانتقال إلى اليورو أو الريال البرازيلي أو الروبل، فلتجرب، لكنها ستخسر كثيراً. الدولار هو العملة الأقوى بمعدلات مستقرة".
واعتبر سوليفان أميركا الشمالية والخليج "مركزي القوة والطاقة في المستقبل"، محذراً من المراهنة على الاقتصاد الأوروبي الذي يعاني فرط القوانين والتوجه السريع نحو ما يسمى "الطاقة النظيفة".
اتفاق نووي بين السعودية وأميركا؟
وعما إذا كان الاتفاق النووي بين السعودية والولايات المتحدة ممكناً، قال إن "التوصل لاتفاق أصبح أكثر صعوبة بعد الاضطرابات في شرق البحر الأبيض المتوسط"، ولفت إلى فرص التعاون في مجال التعليم وإرسال طلاب سعوديين إلى أميركا لدراسة الطاقة النووية وفهم قضايا الانتشار النووي. وعن اتفاق 123 الذي يشكل عقبة أمام التعاون بين الدولتين كون واشنطن تلزم الدول الموقعة عليه على عدم التخصيب داخل أراضيها، أوضح، "يجب أن تكون هناك طريقة للسيطرة على التخصيب"، محذراً من الاعتماد على التقنية الصينية أو الروسية التي يعتبرها "غير موثوقة"، على حد رأيه.