ملخص
السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر روداكوف يقول إن السلاح الذي يدخل إلى لبنان عبر سوريا خارج اختصاصي وهذه الأمور لا تحل بالضغط بل بالحوار. و"امتلاك ’حزب الله‘ السلاح حساس للغاية بالنسبة إلى المجتمع اللبناني ولا بدّ من البحث عن سبل لحل هذه المشكلة من دون تدخلات خارجية".
لم تكن صدفة زيارة وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر إلى موسكو، وهو في طريقه إلى الولايات المتحدة الأميركية لصياغة نص اتفاق وقف إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل.
هي لحظة الانتخابات الأميركية التي أعادت الرئيس دونالد ترمب، والتي التقطها الإسرائيليون لإعادة تعزيز العلاقة مع روسيا ولعب دورٍ بين البلدين، انطلاقاً من ملف لبنان أو ملف قطع طرق الإمداد العسكرية لمصلحة "حزب الله" من الأراضي السورية.
حتى أن وسائل إعلام إسرائيلية تقصّدت الحديث عن احتمال لعب موسكو دور الوسيط بين تل أبيب وبيروت لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار.
وبعد التطورات الميدانية المتسارعة في سوريا، بات السؤال: هل كان لروسيا فعلاً دور غير معلن في وقف الحرب على لبنان؟ وكيف يقرأ سفيرها لدى بيروت المشهد في منطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من لبنان؟
بين روسيا ولبنان
في الثالث من أغسطس (آب) الماضي دخلت العلاقات الدبلوماسية بين روسيا ولبنان عامها الـ80، وكان الاتحاد السوفياتي من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال لبنان، لكن العلاقة بين البلدين لم تخلُ من تحديات تتعلق بالمتغيرات الإقليمية والدولية، ولعل أحدثها حصل خلال الحرب في سوريا، إذ كان لروسيا دور أساس في دعم دمشق ونظام بشار الأسد، مما أثّر بصورة غير مباشرة في لبنان، نتيجة القرب الجغرافي والتداعيات الإنسانية والسياسية لهذه الحرب.
في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية" وصف سفير روسيا لدى لبنان ألكسندر روداكوف العلاقات بين البلدين بأنها تتمتع بالدفء والثقة والودّ و"عمل دبلوماسيونا في بيروت منذ عام 1839، لذا فإن تاريخ تفاعلنا قوي للغاية".
وتنظر موسكو إلى "بيروت الرسمية" في المرحلة الحالية على حدّ تعبيره، كشريك بنّاء في الشؤون الدولية، معترفاً بأن الأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 2019 تسببت بإعاقة تطوير التعاون بين البلدين بصورة كبيرة.
دور مساعد غير معلن
متجنباً الدخول في التفاصيل تحدث روداكوف بدبلوماسية عن دورٍ لبلاده في الظروف العسكرية والسياسية التي يعيشها لبنان، وقال "يعتبر حوارنا الراسخ مع جميع اللاعبين الإقليميين، أحد الأصول الروسية الرئيسة لبيروت، لقد استخدمنا هذه الأصول بانتظام للدفاع عن مصالح لبنان سواء في الاتصالات الثنائية أو على المنصات المتعددة الأطراف".
ونفى تدخل بلاده في شؤون السيادة اللبنانية مضيفاً "لكن في حال تلقي أي طلبات محددة من السلطات اللبنانية، وفي سياق الأحداث العسكرية والسياسية الحالية، سنكون على استعداد للنظر فيها بعناية فائقة وتقديم الدعم اللازم في أسرع وقت ممكن".
وأكد السفير الروسي الانفتاح على أي مقترحات من الشركاء اللبنانيين لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية، معبراً عن قناعته بأن "التعاون الثنائي متبادل المنفعة، ويمكن أن يسهم بصورة كبيرة في جهود إعادة الإعمار في لبنان بعد انتهاء الصراع".
روسيا تساعد سوريا لمكافحة الإرهاب
ورداً على سؤال عن استعداد روسيا للضغط على النظام السوري لضبط الحدود مع لبنان ومنع دخول الأسلحة أجاب، "هذه المسألة تتجاوز نطاق اختصاصي الدبلوماسي بصفتي سفير روسيا لدى لبنان، أنا على اقتناع بأن مثل هذه القضايا لا ينبغي حلها من خلال الضغط، بل من خلال بناء حوارٍ مفتوح قائم على الاحترام المتبادل بين اللاعبين الإقليميين كافة، أما موسكو فتظل، بدورها، مستعدة على الدوام لتقديم المساعدة اللازمة لأصدقائنا اللبنانيين والسوريين".
وعن اتفاق وقف إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل أمل روداكوف أن تكون ذروة المواجهة قد توقفت مع التوصل إلى وقف لإطلاق النار، معتبراً أن "التطبيع الكامل سيتطلب كثيراً من الجهد، سواء من اللبنانيين أنفسهم أو من الشركاء الدوليين"، وأضاف "أننا ننطلق من حقيقة أن الاستقرار الشامل في لبنان يتوافق مع مصالح جميع الأطراف المعنية على الإطلاق".
ورأى السفير الروسي أن عدداً من العمليات التي تجرى في لبنان وسوريا مترابطة، وأكد أن روسيا تقدم المساعدة المباشرة لسلطات سوريا في مكافحة الإرهاب الدولي على أراضي هذا البلد، نافياً اتخاذ بلاده موقف المراقب غير المبالي للعمليات التي تجرى في لبنان "لكن في الوقت نفسه، نظل دائماً منفتحين للتعاون المثمر مع الشركاء الدوليين ذوي التفكير البناء في حل أية مشكلات مدرجة على جدول الأعمال الدولي".
حل لسلاح "حزب الله"
وتمسك السفير الروسي روداكوف بالحوار الوطني للتوافق حول كل القضايا اللبنانية في رده على المطالبات بنزع سلاح "حزب الله"، لكنه، وفي موقف منسجم مع قوى المعارضة اللبنانية، شدد على "التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المعروفة والملزمة عالمياً"، مضيفاً "نحن ندعم بقوة أية مبادرات يتفق عليها اللبنانيون أنفسهم، وتهدف إلى تعزيز الدولة من خلال إنشاء عملية فعالة لجميع المؤسسات الحكومية، بما فيها الجيش اللبناني، أما بالنسبة إلى ’حزب الله‘، فقد مرت هذه الحركة اللبنانية منذ نشأتها بمسار تحول كبير، في هذه الأيام إذا تركنا مسألة السلاح جانباً للحظة، فإن الحزب هو حزب سياسي يدخل ممثلوه بصورة دورية في الحكومات المشكلة حديثاً ويتم انتخابهم لعضوية برلمان البلاد، ويمثلون مصالح جزء كبير من المجتمع اللبناني، نحن نفهم أن موضوع امتلاك ’حزب الله‘ السلاح حساس للغاية بالنسبة إلى المجتمع اللبناني المتعدد الأديان، ولا بد من البحث عن سبل لحل هذه المشكلة من دون تدخلات خارجية ومن دون تهميش أي من القوى السياسية اللبنانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تغييرات
وبحذر ملفوف بالانتقاد يقرأ السفير الروسي عودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض ويعتبر أنه "يتمتع بسمعة سياسي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته كونه يتّبع أساليب غير تقليدية في حل عدد من المشكلات الدولية"، واعتبر أن ذلك يعود ربما إلى خبرته الغنية في الأنشطة التجارية التي يسعى إلى تطبيقها في المجال السياسي والدبلوماسي، من دون أن يستبعد أن يواجه الشرق الأوسط تغيرات جديدة مع وصول ترمب، لكنه أمل "أن يتمكن شاغل البيت الأبيض الجديد من تخفيف التوتر المتراكم في المنطقة وحلّ المواجهة العربية-الإسرائيلية في نهاية المطاف، لأنه من الضروري تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط المضطرب برمته".
حل عادل
واتهم الدبلوماسي الروسي الولايات المتحدة الأميركية بمنع المبادرات الإنسانية التي تهدف إلى إنهاء معاناة السكان المدنيين الفلسطينيين "من الضروري أن نكرر، مرة أخرى، أنه لا يمكن تحقيق السلم والاستقرار في الشرق الأوسط من دون التوصل إلى حلّ عادل للدولتين في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ومن الضروري، هذه المرة، أن يسترشد فريق دونالد ترمب الجديد بهذه الفرضية".
ماذا عن إيران؟
لا ينظر روداكوف إلى إيران النظرة نفسها التي ينظر بها إلى أميركا، هو يعتبر أن طهران تسعى جاهدة إلى القيام بدور إيجابي في الشأن اللبناني، وتتعاون وبيروت بصورة وثيقة في حل القضايا السياسية والتجارية والاقتصادية الإقليمية، ناهيك عن العلاقات الثقافية والإنسانية والدينية، ويرى أن طهران مهتمة بالسلام في لبنان وتوازنه سياسياً وطائفياً، وبأنها تعارض أي صراع واسع النطاق في "أرض الأرز"، معبراً عن ثقته "باستعدادها لتقديم الدعم المالي لإعادة إعمار البنى التحتية المدنية، وفي المقام الأول المباني السكنية، التي دُمرت نتيجة الأعمال العدائية".