منذ بداية الأزمة النفطية الحالية التي تشهدها أسواق النفط العالمية جراء الاستهداف الذي طال 5% من إمدادات الطاقة العالمية من خلال استهداف مصفاتي أرامكو في بقيق وخريص السبت الماضي، والذي عطل نصف الطاقة الانتاجية السعودية، والحديث يتصاعد حول إمكانية السعودية في امتصاص الصدمة والمحافظة على موثوقيتها كمصدر آمن غير منقطع للطاقة بغض النظر عن الظروف السياسية.
هذه الصدمة التي بدأت بالانعكاس على أسعار الطاقة تلتها أحاديث وتصريحات رسمية وأخرى شبه رسمية لمحاولة طمأنة السوق واحتواء ردة فعله التي بدأت بالفعل بالتلاعب بالأسعار، إذ سجلت أسعار النفط ارتفاعاً مع مطلع الاسبوع الحالي 16 سبتمبر (أيلول) بنسبة%20 على خلفية الهجوم، وهي الأكبر منذ حرب الخليج في عام 1991، إذ وصلت العقود الآجلة لخام برنت إلى 71.95دولار للبرميل، قبل أن تتراجع الأسعار قليلا فيما بعد.
وسعت أرامكو ووزارة الطاقة إلى استيعاب الصدمة من خلال التصريح بقدرة الشركة على تأمين الإمدادات رغم توقف الانتاج بشكل جزئي في المصفاتين من خلال احتياطيات الشركة القادرة على سد الفجوة لأسابيع إضافةً إلى عدم تضرر الطلب الداخلي كالوقود أو انتاج الكهرباء أو حاجات الشركات الصناعية للقيم، إلا أن المؤتمر الصحفي الذي جمع وزير الطاقة السعودي ورئيس شركة أرامكو ورئيس مجلس إدارتها أمس حمل حديثاً مختلفاً حول ضمانات استمرار الامداد، إذ تحدث وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان في معرض إجابته عن تساؤل أحد الصحفيين حول حجم الاحتياطيات التي تستند عليها أرامكو لتجاوز الأزمة أن الدولة تمتلك كميات غير قابلة للإفصاح من المنتجات النفطية ضمن مشروع يدعى "الخزن الاستراتيجي" وهو المشروع الذي لعب دوراً فاعلاً في هذه الأزمة بحسب تصريحه، فما هو مشروع الخزن الاستراتيجي وما الفرق بينه وبين مخزونات الطاقة الاحتياطية التي تمتلكها أرامكو ؟
الخزن الاستراتيجي
منذ تعرضت مصادر الطاقة السعودية وامداداتها للخطر للمرة الأولى في منتصف الثمانينات فترة حرب الناقلات التي تم فيها استهداف ناقلات النفط الخليجية في مياه الخليج من قبل القوات الإيرانية فترة الحرب العراقية - الايرانية، بدأت السعودية تشعر بأن عملية الصناعة النفطية وتصديرها لم تعد عملية آمنة كما كانت عليه قبل ذلك التاريخ وأن إمدادات النفط ومشتقاته أصبحت هدفاً عسكرياً قابلاً للاعتداء، لذا بدأت السلطات السعودية في حينها دراسة الخيارات المتاحة لتأمين الانتاج النفطي وعملية التصدير وضمان استمرار توليد الطاقة من خلال مشروع وطني ضخم تجاوز في أهدافه عملية التأمين النفطي إلى عملية تأمين مصادر الحياة من منتجات نفطية وغذائية ومائية والذي باشرته وزارة الدفاع السعودية.
إلا أن ما يخص الجانب النفطي فقد وقع الاختيار على شركة ABV Rock group السويدية لبناء مواقع تخزين آمنة وذات سعات تخزينية كبيرة ودعمهما بشبكات أنابيب بحيث يمكنها الوفاء بمتطلبات السوق المحلي وتفادي أي نقص قد يؤدي إلى اختلال العملية الإنتاجية، وباشرت الشركة بدراسة المواقع المقترحة ومن ثم بناء هذه المخازن بعد أن وقع الاختيار على خمسة مواقع استراتيجية بكل من الرياض وجدة وأبها والمدينة المنورة والقصيم ليتم تجهيزها بمناطق تخزين تحت الأرض ومرافق مساندة فوق الأرض مدعومة بشبكة من الأنابيب لربط الموقع بمراكز الإنتاج والتوزيع. كما تم إنشاء مختبر معملي مزود بأحدث الأجهزة والمعدات بأحد المواقع في الرياض وذلك للتأكد من جودة المنتجات وعدم تغير خصائصها بمرور الوقت، للتثبت عن طريق الفحص المخبري من سلامة وجودة ما يتم تخزينه عن طريق بعض العينات المأخوذة من المصافي بعد فترة تخزين دورية، كما أعلنت مصادر رسمية في حينها.
ومع شح المعلومات حول المشروع يعلق الخبير النفطي عائض آل سويدان في حديثه لـ"اندبندنت عربية" في ذات السياق أنه يجب التفرقة بين الخزن الاستراتيجي الذي تولته الدولة في هذا المشروع والخزن التجاري الذي تتولاه أرامكو "الخزن الاستراتيجي يكون عادة للاستخدام المحلي لمواد تكريريه تتلخص في الوقود كديزل وبنزين وزيوت تشحيم وغيرها من المحروقات وهدفه ضمان عدم تعطل توليد الطاقة محلياً في الحالات الطارئة التي تتعرض لها الدولة"، في حين أن المخزونات الاحتياطية الذي تتولاه أرامكو هو خزن للنفط الخام "الخزن الاحتياطي أو التجاري كما يسمى هو مخزون نفطي خام تؤثر كميات ارتفاعه وانخفاضه عن مستويات معينة على الاسواق بشكل مباشر ويستخدم في سد حاجات الاسواق للمشترين الدوليين في مثل هذه الظروف وتملك الشركة مخزونات تصل إلى 185 مليون برميل في مستودعات خاصة بها سواءً داخل السعودية أو خارجها كهولندا واليابان ومصر"، قبل أن يؤكد وزير الطاقة أن الاستهداف المتكرر لأرامكو خلال الأشهر الماضية دفع بالدولة للطلب من ارامكو أن تشارك في توظيف وفرة الانتاج لديها في تزويد الخزن الاستراتيجي بكميات من النفط الخام وهو ما رفض الافصاح عن حجمه.
وفيما يتعلق بحجم المخزون يعلق آل سويدان "لا أحد يملك معلومة حول حجم المخزون الذي تحيط به السرية لكن لو اخذنا بالاعتبار الدول التي تلمك عضوية في الوكالة الدولية للطاقة فيتعين على الدول الأعضاء الإبقاء على مخزون نفطي احتياطي يكفي الدولة لـ90 يوم بحجم ما تستهلكه شهرياً وهو ما يمكن اعتباره حد أدنى للمخزون الاستراتيجي المحلي"، مشيراً إلى الاتفاق الذي تلى تأسيس الوكالة الدولية للطاقة عقب أزمة النفط التي نجمت عن قطع السعودية للإمدادات النفطية في 1973 والذي دعت فيه الدول الصناعية للالتزام بتخزين جزء مما تستورده لتجنب صدمات مشابه للصدمة التي تعرضت لها الصناعة الدولية جراء انقطاع الطاقة المفاجئ.
وتتولى أرامكو في الوقت الحالي مهمة إدارة مشروع الخزن الاستراتيجي التي أوكلت لها المهمة في فترة تلت عملية الإنشاء، ويجدر الذكر بأن المخزون النفطي في مشروع الخزن الاستراتيجي يختلف تماماً عن المخزونات الاحتياطية لشركة ارامكو التي تبلغ وفق مصادر رسمية قبل توظيفه في سد الفجوة التي تلت عملية تعطل المنشأتين 185 مليون برميل والذي يفترض أن يكون قادراً على سد فجوة الانتاج لقرابة الشهر وهي الفترة المتوقعة لانتهاء عمليات إصلاح الأضرار.