تغيير جثة بأخرى... ليس مشهداً في فيلم رعب، إنما هو واقع مثير عايشته عائلات في الجزائر، في حوادث غريبة، قد تكون أقرب إلى الخيال، صدمت المجتمع الذي تسلل الخوف إليه، خشية تكرار هذا السيناريو مع الأحياء الرضع في مراكز التوليد والاستشفاء.
ففي الخامس عشر من شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، شهدت مصلحة حفظ الجثث في مستشفى "رزيق البشير"، الواقع في منطقة بوسعادة التابعة لمحافظة المسيلة، شرق الجزائر، تبديل جثة رجل في العقد الثامن من العمر بجثة رجل آخر.
الواقعة فجّرت جدلاً واسعاً في البلاد، بعدما كشفت عنها العائلة التي بثت مقطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، عبّرت فيه عن صدمتها مما حصل، وذلك إثر تقدمها إلى مصلحة حفظ الجثث لاستلام جثة الأب لدفنه، لتتفاجأ بأن الجثة نُقلت من طرف عائلة أخرى، لم تتحقق من هوية فقيدها، ما أثار غضب العائلة المعنية واستياءها. وشهد محيط المستشفى حالة هلع وفوضى، إذ قصد أقارب ومعارف المتوفى المستشفى، بعدما انتشرت الحادثة كالنار في الهشيم في المنطقة والمدن المجاورة لها.
وتحت ضغط العائلة، التي هدّد أبناؤها بإغلاق المستشفى ما لم يسترجعوا جثة والدهم، دخلت إدارة المستشفى في سباق مع الزمن، للتواصل مع عائلة المتوفى الآخر التي اكتشفت الخطأ، فيما فُتح تحقيق أمني في الحادثة الغريبة.
ليست المرة الأولى
هذه الحادثة التي أثارت كثيراً من التساؤلات ليست الأولى، ففي أغسطس (آب) 2018، فتحت مصالح الأمن الجزائرية في مدنية غرداية، جنوب البلاد، تحقيقاً معمّقاً حول تغيير جثة رضيع حديث الولادة أثناء تسليمه لذويه، إذ شهد المستشفى ثلاث حالات وفاة لتوأمين حديثي الولادة ورضيع.
وبسبب خطأ ارتكبته موظفة التسجيل، سُلّمت جثة أحد التوأمين لغير أسرته.
وقبلها، ندّدت إحدى العائلات في محافظة سيدي بلعباس، غرب البلاد، بحادثة استبدال جثة امرأة بامرأة ثانية من محافظة أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يعتقد البروفسور محمد بقاط بركاني أنّ استبدال الجثث ناجم عن أخطاء إدارية تقع على مستوى مصلحة الطب الشرعي، مشيراً إلى أن عمال المصلحة قد يسهون عن تدوين اسم المتوفى الذي يتم إدخاله إلى غرفة التبريد بغرض تشريحه لمعرفة أسباب وفاته.
وأضاف لـ"أندبندنت عربية" أن تحديد هوية المتوفى بوضع اسمه على رجله، أمر بديهي، ويُعتبر أول ما يجب على عمال مصلحة حفظ الجثث فعله، لأنه من المؤكد أن تسترجع العائلات الجثث لدفنها.
ووفق بركاني، فإن عملية تشريح الجثة تمر بمراحل وتأتي بأمر من وكيل الجمهورية، بعد أن يتسلم شهادة المعاينة من طبيب أرفقها بملاحظة أنّ الوفاة مشكوك فيها. وهناك نوعان من التشريح، الأول قضائي متعلق بحالات الموت العنيف أو الاعتداءات، والتشريح العلمي بطلب من عائلة الفقيد عند الشك، لمعرفة الأسباب الحقيقية للوفاة.
القانون واضح
يوضح القانون الجزائري قواعد حفظ الصحة في ما يخص الدفن ونقل الجثث وإخراج الموتى من القبور وإعادة دفنها، وفقاً لمرسوم صادر عام 1975، ينص في مادته السادسة على أنّ "قبول إدخال جثمان شخص ميت إلى غرفة جنائزية يتوقف على تقديم طلب مكتوب من رب العائلة أو من كل شخص آخر مؤهل بتحضير الجنازة، ويجب أن يسجل في الطلب اسم ولقب المتوفى وعمره ومسكنه"، ما يعني أن المعلومات عن المتوفى متوفرة ولا مجال للخطأ، إلاّ في حالة التقصير، كما يعتقد الناشط حسين بولحية الذي يؤكد أن الحوادث المتعلقة باستبدال جثة بأخرى، هي نتيجة الإهمال الذي تعيشه بعض المصالح في المستشفيات الجزائرية.
ويشير المحامي مصطفى مراح إلى أن هذه الحوادث التي تشهدها بعض مصالح حفظ الجثث، "تشكل جريمة الإهمال الواضح الفعل المنصوص والمعاقب عليه بنص المادة 119 مكرر من قانون العقوبات الجزائرية"، وقد يصل الحكم على من تثبت مسؤوليته إلى الحبس النافذ من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية نافذة من 100 ألف دينار (نحو 950 دولاراً) إلى 500 ألف دينار (4800 دولار تقريباً)، إضافةً إلى العقوبات التأديبية المهنية.
الرضع
مع تكرار حوادث استبدال الجثث، نتيجة أخطاء إدارية، اندلع نقاش آخر، إذ طرح عدد كبير من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، أسئلة عن إمكانية حدوث هذا السيناريو على مستوى مصالح الولادة، علماً أنّ الجزائر عاشت حادثة شبيهة قبل نحو أربع سنوات، بعد إيداع عائلة تقطن في محافظة عنابة، شرق البلاد، شكوى مفادها باستبدال رضيعها الذكر، بمولود آخر لكن أنثى، قبل أن تفتح الجهات الأمنية المختصة تحقيقاً في القضية، لكن إدارة المستشفى نفت وجود نية في اختطاف أي رضيع أو استبداله. ووفق التحقيق الذي أجرته إدارة المستشفى بعد اكتشافها الخطأ الذي وقع في "السوار"، تبيّن أن الخطأ وقع نتيجة العجلة.
في هذا السياق، يقول البروفسور بقاط بركاني، "لا يمكن التشكيك في الأطفال الرضع، على اعتبار أنّ مصالح التوليد هي من أكثر الأقسام حساسية. وبالتالي، لا يمكن وقوع أخطاء تتعلق باستبدال المواليد". ويعتبر أنه "قد تبقى حالات معزولة نتيجة الأخطاء، لكن المؤكد أنّ أهل المهنة يدركون خطورة هذا الفعل، إلاّ إذا كان مرتكبها يحركه الحس الإجرامي".