Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانتحال الإلكتروني بالذكاء الاصطناعي يعقد تطبيقات المواعدة

مع تقدم التكنولوجيا يتزايد الاحتمال بأن يتعرض البشر للخداع متى قرروا البحث عن الحب

سيزداد رصد الانتحال الإلكتروني صعوبة على تطبيقات المواعدة وسط التطور المستمر لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي (غيتي/ أيستوك)

ملخص

مع تطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أصبح الاحتيال الإلكتروني في العلاقات الغرامية أوسع وأكبر وأكثر تعقيداً

سيكفيك التحدث إلى أي شخص يخوض حالياً غمار تجربة مجنونة تتمثل بمحاولة البحث عن الحب على الإنترنت ليخبرك بأنها تجربة كئيبة إلى حد يصعب تصوره تتمثل بمسح الشاشة مراراً وتكراراً وباستبعاد كم هائل من الشركاء المحتملين، وفي حال جمعه [تطبيق تعارف] بأحد الأشخاص الذين يكون قد تطابق معهم، فلن يرد هذا الأخير على رسائله يوماً، أو سيبادله أطراف الحديث لأيام، ومن ثم يختفي عن وجه الكرة الأرضية، ناهيك بسلسلة من اللقاءات الغرامية الواعدة التي سينتهي بها المطاف باختفاء مفاجئ للشريك، من دون أن يعطي أي تفسير. واليوم، أضف إلى ذلك خطراً جديداً، سيجعل المسألة حتماً أقل متعة حتى مما مضى.

ولنتصور مشهداً: ها أنك تطابقت مع شخص على أحد التطبيقات، وتبين لك أنه فعلاً إنسان طبيعي وجذاب. فتبدأ بمراسلته، وبدلاً من أن يتركك من غير إجابة لأيام متواصلة، تراه يرد عليك بسرعة، وفي كل المرات. ومن ثم يطرح أسئلة - الحمد لله! - ويبدو مهتماً فعلاً بك وبحياتك. وعندما تطلب منه إرسال مزيد من الصور وحتى مقطع فيديو، تراه يستجيب لطلبك على جناح السرعة. حتى إنه يقبل بإجراء جلسة دردشة معك عبر الفيديو، فتخال نفسك في حلم... مع أنه الواقع حتماً، أوليس كذلك؟ وكيف لا يكون واقعاً؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من خلال الذكاء الاصطناعي - بكل بساطة. فنحن شاهدون منذ الآن على ازدهار منقطع النظير للذكاء الاصطناعي، وعلى تطوره بوتيرة قد تبث الذعر في نفس أي شخص يفرط في مشاهدة أفلام تجري أحداثها ضمن إطار "مستقبل بائس". ونرى أن الذكاء الاصطناعي يترك، منذ الآن، تداعيات هائلة على نمط عيشنا. فاليوم، باتت أدواته، ومن بينها "ميدجورني" Midjourney و"دريمستوديو" DreamStudio، قادرة على استحداث أعمال فنية جديدة كلياً، فقط بالاستناد إلى وصف مبهم. وكذلك، تسعى منصة "تشات جي بي تي" لاجتذاب جيل كامل من الطلاب، وتدفعهم إلى تسليم مهمة كتابة بحوثهم وفروضهم الإنشائية لجهاز كمبيوتر، بدلاً من أن يعدوها بأنفسهم. بالتالي، لا شك في أن التقدم المتواصل لهذا النوع من التكنولوجيا سينطوي على تداعيات قاتمة، ستطاول عالم الحب والرومانسية على شبكة الإنترنت.

ومن جهة، سيركض بعض الأشخاص خلف أضغاث أحلام، ويسعون إلى إنشاء علاقة - وبالفعل، ومنذ إطلاق منصة "تشات جي بي تي"، كشفت بيانات موقع "غوغل ترندز" Google Trends ارتفاعاً بنسبة 2400 في المئة في كميات البحث عن عبارة "صديقة من الذكاء الاصطناعي". وكذلك، كشفت عن إجراء 49 ألف عملية بحث عن الموضوع عينه خلال شهر واحد. ومن ثم، قد يبدي أشخاص غير مرتبطين رغبة في استخدام الذكاء الاصطناعي لـ"تحسين" صورتهم على تطبيقات المواعدة. والأرجح أنهم لن يعتبروا الموضوع حتى انتحالاً إلكترونياً، بل مجرد طريقة لزيادة حظوظهم [بالمواعدة] في سوق تنافسية.

وفي هذا الإطار، حذرت الدكتورة جيسيكا باركر، حاملة وسام برتبة الإمبراطورية البريطانية MBE، التي ألفت كتاباً بعنوان: "القرصنة: الأسرار الخفية للهجمات السيبرانية" Hacked: The Secrets Behind Cyber Attacks وشاركت في تأسيس شركة الأمن السيبراني "سايجنتا" Cygenta بالقول: "إن الانتحال الإلكتروني باستعمال الذكاء الاصطناعي في ارتفاع، ومن المتوقع أن يتزايد أكثر بعد"، مضيفة "أما الأسباب، فقد تراوح ما بين سعي الناس، ببساطة، لتحسين حظوظهم بالنجاح على التطبيقات، وبين مساع خداعية فيها تلاعب عميق، وينجم عنها قدر كبير من الخداع المؤذي".

والحال أن الانتحال الإلكتروني Catfishing - وهو انتحال هوية مغايرة على الإنترنت - كثيراً ما اعتبر مشكلة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يتواصلون عبر منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة. وفي هذا السياق، أظهر استطلاع في عام 2020 أن 41 في المئة من الأشخاص الراشدين في الولايات المتحدة أكدوا أنهم وقعوا ضحية انتحال إلكتروني في مرحلة ما من حياتهم - في زيادة بنسبة 33 في المئة عن عام 2018 – وفي المملكة المتحدة، أقرت نسبة 27 في المئة من الراغبين بالمواعدة على الإنترنت بأنهم وقعوا ضحية الانتحال الإلكتروني.

ولكن، في حين أن تقنيات موثوقة كانت متوافرة في ما مضى، وكان يمكن الاعتماد عليها لمحاولة رصد ما إذا كان الشخص الذي تتحدث إليه حقيقياً - من خلال إطلاق بحث عكسي عن الصور مثلاً، أو عبر الإصرار على إجراء اتصال مباشر باستعمال خاصية الفيديو - فإن تطور الذكاء الاصطناعي قد يقضي على ذلك تماماً. فبين شهري يناير (كانون الثاني) 2023 وفبراير (شباط) 2024، ظهر 187160 بحثاً عبر "غوغل" عن كلمات على صلة بـ"الذكاء الاصطناعي لإنشاء صفحة شخصية للمواعدة"، ناهيك بزيادة بنسبة 212 في المئة في أحجام البحث عن 18 مصطلحاً من هذا القبيل. وفي موازاة ذلك، سًجلت زيادة بنسبة 2000 في المئة في أحجام البحث عن عبارة "منشئ صفحات شخصية للمواعدة مجاناً".

وقد تكون الأذية أكبر حجماً بسبب وجود خطر فعلي وملموس بأن يتزايد الاحتيال في العلاقات الرومانسية (أو الاحتيال العاطفي)، فيتعرض أشخاص للخداع بعد أن يقنعهم معجب على الإنترنت بأن يعطوه مالهم. وشرحت باركر الأمر قائلة: "يلجأ المحتالون إلى الانتحال الإلكتروني باستخدام الذكاء الاصطناعي، لتعجيل وتيرة علاقتهم الغرامية الاحتيالية، وتوسيع مداها، وإتقانها". وقالت أيضاً: "بمساعدة الذكاء الاصطناعي، بات المخادعون قادرين على التلاعب بعدد أكبر بكثير من [الأشخاص] المستهدفين، وبمزيد من السرعة والسهولة". وكذلك، حذرت من أن كشف الانتحال الإلكتروني قد يزداد صعوبة، لأن "القدرة على الاستعانة بالتكنولوجيا الخداعية تجعل النصائح الماضية، والتوصيات بالتأكد من صحة التفاصيل حول أي شريك غرامي محتمل، باتت أقل صدقية".

ومن ثم، فإن استخدام النماذج اللغوية الكبيرة (LLM) - وهي نماذج تعلم آلية قادرة على فهم لغة البشر واستحداث نصوص باستعمالها، على غرار منصة "تشات جي بي تي" - تسمح للمخادعين باستحداث صفحات مواعدة متعددة وبإجراء أكثر من محادثة في آن، وتخولهم العمل بفاعلية على إزالة أي حاجز لغوي ممكن، بيد أن ما يغير قواعد اللعبة فعلياً هو تطوير أدوات تستخدم خاصية الفيديو بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، على غرار أداة "سورا" Sora.

وهذا البرنامج الثوري، الذي أطلقته شركة "أوبن أي آي" OpenAI في فبراير الماضي، قادر على استحداث لقطات واقعية قد تصل مدتها إلى دقيقة كاملة، بالاستناد إلى أمر كتابي بسيط، وينصاع لتعليمات المستخدمين حول الأسلوب المطلوب، وكذلك حول الموضوع. وما يثير الدهشة أكثر حتى - وكذلك القلق متى نظرنا إلى احتمال حصول انتحال إلكتروني - هو أن البرنامج قادر أيضاً على استحداث مقطع فيديو بالاستناد إلى صورة جامدة، أو على إضافة مضمون جديد إلى لقطات مصورة موجودة أصلاً. بالتالي، عندما يرسل لك حبيب محتمل مقطع فيديو عن نفسه لتأكيد هويته، من سيضمن أنه لم يكتف بتحميل صورة - فعلية أو من تصميم الذكاء الاصطناعي - إلى البرنامج؟

ومن جانبه، يؤكد خبير العلاقات ستيف فيليب - والر، من موقع الإنترنت "إعادة تفكير واعية" A Conscious Rethink المعني بالتطوير الشخصي، قائلاً: "إن أداة ’سورا‘ هي سيف ذو حدين"، كونها "تثبت، من جهة، التقدم الكبير الذي أحرزه الذكاء الاصطناعي، مع أنها تفاقم خطر الوقوع في فخ الانتحال الإلكتروني والخداع، الذي يطغى أصلاً على عالم المواعدة عبر الإنترنت. ومن ثم، تشير البيانات بوضوح إلى أن الناس يستخدمون منذ الآن منصة ’تشات جي بي تي‘ والذكاء الإلكتروني لتزوير صفحاتهم الشخصية على الإنترنت". بالتالي، فهو يشجع الراغبين في المواعدة على الإنترنت على "توخي الحذر أكثر من ذي قبل عند إطلاق هذه التكنولوجيا، للتحقق من أن الشخص الذي يواعدونه هو فعلاً كما يعتقدون".

وفي بعض الأحيان، يسهل رصد الصفحات الشخصية التي جرى التلاعب بها باستخدام الذكاء الاصطناعي. ومن أكثر ما يبرز فيها هو اللغة والمصطلحات الرائجة، التي تشتمل على كثير من المبالغة، أضف إلى ذلك ما يعرف بـ"الهلوسات" في الصور، كأن تظهر فيها مثلاً أصابع إضافية على أيادي الناس. لكن الوضع ليس دوماً كذلك، لا سيما في ظل وتيرة التطور السريع لتكنولوجيا تزداد تقدماً وتعقيداً على الدوام. لكن أقله، ولحسن الحظ، أن تطبيقات المواعدة مدركة اليوم لهذه المشكلة - وهي تعمد في بعض الحالات إلى تصعيد جهودها لمحاربة الصفحات الشخصية الزائفة أو لتعزيز سلامة المستخدمين. وعلى سبيل المثال، أعلن تطبيق "بامبل" Bumble عن إطلاق أداة "رصد الخداع" في فبراير الماضي، للمساعدة على التخلص من الانتحال الإلكتروني، عبر حظر الصفحات الشخصية الاحتيالية، وملفات المستخدمين الزائفة. وبدوره، عمد تطبيق "تيندر" Tinder أخيراً إلى إطلاق خاصية جديدة لتعزيز أمنه، اسمها "شارك موعدي" Share My Date، تخول المستخدمين مشاركة مشاريعهم الغرامية - كموقع [الموعد الغرامي] وتاريخه وتوقيته، إلى جانب صورة الشخص الذي تطابقوا معه – وإرسالها إلى أصدقائهم وأحبائهم من التطبيق مباشرة.

ويبقى الحرص واجباً مع التقدم السريع للذكاء الاصطناعي. وفي هذا الصدد، تنصح باركر بالتنبه إلى "الهلوسات" في الصور أو مقاطع الفيديو أو صفحات المواعدة الشخصية التي تحوي نبذة شخصية سبق أن رأيتموها [في مكان آخر]. وأضافت بالقول: "إن كنت تلقى رداً مباشراً على كل رسالة تبعث بها، فقد يشير ذلك إلى أنك تتحدث مع روبوت". وكذلك، "احترس فعلاً إن كان شريكك على الإنترنت يرفض دوماً التحدث إليك عبر الهاتف أو لا يريد إجراء دردشة حية عبر خاصية الفيديو، أو إن لم يشاركك صوراً بريئة وعفوية عن نفسه - لكن تنبه أيضاً من أنه بوجود أدوات الذكاء الاصطناعي، أصبح التزييف والانتحال أسهل بكثير بنظر المخادعين، بالتالي، لا يمكن الاعتماد [على كل ما سبق] بالكامل".

وكذلك، أوصت بالحذر من الروايات التي يخبرك بها الشخص الذي تواعده عبر الإنترنت. فإن ظل يرفض التحدث إليك عن نفسه، وفضل دوماً الكلام عنك، فقد يكون في ذلك إنذار، وكذلك الحال إن بقي أحدهم يناديك بألقاب حيوانات أليفة بدلاً من اسمك الأصلي، لأنه "تكتيك يلجأ إليه المخادعون كي لا يكونوا مجبرين على حفظ واستعمال أسماء الأشخاص الكثيرين الذين يستهدفونهم".

وكذلك، فإن الإغراق المفاجئ في الحب - حيث يظهر أحدهم اهتمامه ومشاعره بشغف وقوة كبيرين - هو تكتيك آخر غالباً ما يعتمده المخادعون لتسريع وتيرة العلاقة، إلى جانب اقتراحهم بأن يرسلوا إليك الهدايا، "فيراودك شعور بأنك مدين لهم". ومن ثم، فإن الطريقة الثانية معتمدة أيضاً كحيلة لابتزازك، كي تشاركهم معلوماتك الشخصية، ما قد يؤدي إلى اختيال وانتحال شخصية، بيد أن أكثر ما يفضح أمر من يلجأ إلى الانتحال الإلكتروني باستخدام الذكاء الاصطناعي هو أن الحديث سينساق حتماً إلى موضوع المال في لحظة من اللحظات.

وتابعت باركر بالقول إنهم "غالباً ما يمضون وقتاً طويلاً على ترويض أهدافهم، ويتصرفون بطريقة تجعل العلاقة تبدو حقيقية". وأضافت أنه "مع ذلك، سيأتي وقت يحاولون فيه الفصل بينك وبين المال، فإما يطلبونه منك مباشرة، أو يحثونك على الشعور بالتعاطف معهم (ويضعونك في موقف يحثك على عرض المال، وتظن أنها فكرتك أنت)، أو يشاركونك تفاصيل عن "فرصة استثمار" مفترضة معك (يستعملونها فعلياً لخداعك)".

ولمزيد من الحماية، يوصي فيليبس - والر بالتأكد من عدم وصل صفحة المواعدة الشخصية الخاصة بك بأي منصة تواصل اجتماعي أخرى. ويقول "إنك قد تتوق للقيام بذلك لأنه عملي، كونك ستكتفي بالدخول إلى تطبيق المواعدة عبر حساب "فيسبوك" الخاص بك، أو عبر حسابك الرئيس على موقع "غوغل"، أو عبر رابط موصول بصفحتك على تطبيق "إنستغرام". ومع ذلك، يوصى بشدة بعدم القيام بذلك، كونه قد يضع خصوصيتك على المحك. وهنا، يكفي التفكير في أنك تقوم بوصل صفحة مصممة للأصدقاء والعائلة، بمنصة ستستعملها للتواصل مع عدد كبير من الأشخاص الذين لا تعرفهم". وكذلك، أوصى بأن تتجنب تزويد صفحتك على تطبيق المواعدة بصورك المنشورة في مواقع أخرى على شبكة الإنترنت. وحذر قائلاً: "إن بحثاً عكسياً عن الصور يخول أياً كان استغلال صورك على صفحة المواعدة واستعمالها ضدك"، مضيفاً أنه "بهذه الطريقة، سيسهل اكتشاف معلوماتك الشخصية، حتى لو لم تدرجها على صفحة المواعدة الخاصة بك".

وإن دخلنا في صلب الموضوع، فسنرى أن الانتحال الإلكتروني باستخدام الذكاء الاصطناعي لا يختلف كثيراً عن تجنب جملة أشخاص يجتاحون تطبيقات المواعدة لتضييع وقتنا، فممن يكثرون من الوعود ولا يفون بها. بالتالي، مهما كانت المراسلة جيدة، ومهما كان الرابط عظيماً بينك وبين الشخص الآخر، اعرف أنه في حال بقي يختلق الأعذار لعدم لقائك على أرض الواقع - فالاحتمال كبير بأن يكون من تواعده هو منصة "تشات جي بي تي".

© The Independent

المزيد من منوعات