Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أنفاق غزة... خنادق حرب تهدد بخدش "سلام" مصر وإسرائيل

تل أبيب تكيل الاتهامات للقاهرة بأنها مصدر أسلحة الفصائل الفلسطينية والأخيرة ترفض إقحام اسمها في "تبرير قصور أداء أي طرف"

تخطط إسرائيل لبناء جدار تحت الأرض مضاد للأنفاق على محور "فيلادلفيا" بين قطاع غزة ومصر (أ ف ب)

ملخص

أفادت هيئة البث الإسرائيلية في ديسمبر الماضي بأن وزير الدفاع يوآف غالانت قال في جلسة سرية إن إسرائيل تبحث مع مصر إنشاء حاجز متطور معزز بوسائل تكنولوجية للحد من تهريب الأسلحة من سيناء إلى قطاع غزة.

سلط هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وما أعقبه من حرب في قطاع غزة الضوء على "غزة الأخرى" التي تقع تحت الأرض، وهي شبكة الأنفاق التي أطلق عليها الإعلام الإسرائيلي والغربي اسم "مترو غزة"، والتي فوجئ العالم بإحكام حفرها وتشعبها لتشمل مختلف مناطق القطاع، لكن النظر إلى التاريخ القريب لأهالي غزة قد يزيل ذلك التعجب، فقد ربطوا أنفسهم بالخارج عبر شبكات أنفاق على مدار العقود الماضية وفق بعض التقديرات، استخدمت لتهريب كل شيء بدءاً من السجائر وحتى الأسلحة، مروراً بالبشر.

ومنذ اندلاع الحرب في غزة، لم تنقطع الاتهامات الإسرائيلية الرسمية أحياناً والإعلامية في أحيان أخرى لمصر بأنها مصدر الأسلحة التي استخدمتها الفصائل الفلسطينية في هجمات السابع من أكتوبر، وما تلاها من معارك في القطاع، وذلك عبر أنفاق تربط بين غزة وشبه جزيرة سيناء، لكن مصر دأبت على نفي تلك المزاعم التي لم تقدم تل أبيب دليلاً عليها.

اتهامات إسرائيلية

الاتهامات خرجت بداية من وسائل إعلام محسوبة على التيار الديني المتشدد في إسرائيل، إذ زعم موقع "بحدري حرديم" في الـ13 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 أن معظم ترسانة "حماس" هربت من مصر عبر الأنفاق، بما في ذلك أسلحة متطورة ومضادة للدبابات، وبعد نحو شهر نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مسؤول أمني لم تسمه بأن تل أبيب تخطط لبناء جدار تحت الأرض مضاد للأنفاق على محور صلاح الدين (فيلادلفيا) بين قطاع غزة ومصر، مضيفاً "توجهنا لمصر في هذا الشأن، وهم يتفهمون الحاجة الأمنية لذلك".

وفي الـ26 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن وزير الدفاع يوآف غالانت قال في جلسة سرية، إن إسرائيل تبحث مع مصر إنشاء حاجز متطور معزز بوسائل تكنولوجية للحد من تهريب الأسلحة من سيناء إلى قطاع غزة.

 

 

محور صلاح الدين أو "محور فيلادلفيا" هو شريط ضيق داخل غزة يمتد بطول نحو 14 كيلومتراً على طول الحدود بين القطاع ومصر، وتوجود به قوات حرس الحدود المصرية وفق اتفاق بين القاهرة وتل أبيب وقع عام 2005 بعد انسحاب إسرائيل من غزة.

ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محور فيلادلفيا بـ"الثغرة" التي لن تنهي تل أبيب الحرب من دون سدها، حيث قال في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي إنه "من دون سد هذه الثغرة، فسوف نقضي على (حماس)، وننزع سلاح غزة، وبعد ذلك سيدخل مزيد من الأسلحة عبر هذه الثغرة الجنوبية".

مصر ترد

إزاء تصاعد التصريحات الإسرائيلية، ردت مصر ببيان لرئيس هيئة الاستعلامات ضياء رشوان، نفى فيه تهريب أسلحة عبر أنفاق إلى غزة. وقال في الـ22 من يناير الماضي، إن التصريحات الإسرائيلية "مزاعم وادعاءات باطلة"، موضحاً أن مصر قضت نهائياً على الأنفاق بين القطاع وسيناء، ودمرت أكثر من 1500 منها، وأقامت أيضاً منطقة عازلة بطول خمسة كيلومترات من مدينة رفح المصرية وحتى الحدود مع غزة، وقامت مصر بتقوية الجدار الحدودي مع القطاع الممتد لـ14 كيلومتراً، عبر تعزيزه بجدار خرساني طوله ستة أمتار فوق الأرض ومثلها تحت الأرض، مما يعني وجود ثلاثة حواجز بين سيناء ورفح الفلسطينية، "يستحيل معها أي عملية تهريب لا فوق الأرض ولا تحت الأرض"، مؤكداً أن مصر لديها السيادة الكاملة على أرضها، وتحكم السيطرة بشكل تام على كامل حدودها الشمالية الشرقية، سواء مع قطاع غزة أو مع إسرائيل.

البيان المصري أشار إلى أن القاهرة "عانت كثيراً" من تلك الأنفاق خلال "المواجهة الشرسة مع المجموعات الإرهابية في سيناء عقب إطاحة نظام الإخوان في يونيو (حزيران) 2013 وحتى 2020"، موضحة أنها كانت تمثل وسيلة لتهريب المقاتلين والأسلحة إلى سيناء لتنفيذ عمليات إرهابية راحت ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف قتيل من الجيش والشرطة والمدنيين وأكثر من 13 ألف مصاب.

وحذرت القاهرة تل أبيب من أي تحرك لاحتلال محور فيلادلفيا، باعتباره سيؤدي إلى تهديد خطر وجدي للعلاقات المصرية الإسرائيلية، مؤكدة أنها لن ترهن مصالحها "في أيدي مجموعة من القادة الإسرائيليين المتطرفين ممن يسعون لجر المنطقة إلى حالة من الصراع وعدم الاستقرار"، بحسب البيان.

وعلى رغم من الرد المصري تواصلت الاتهامات الإسرائيلية من جانب مسؤولين إسرائيليين، حيث حمل وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش القاهرة مسؤولية هجمات السابع من أكتوبر، قائلاً في الـ12 من فبراير (شباط) الماضي، إن إمدادات حركة "حماس" من الذخيرة تمر عبر الحدود المصرية "إلى حد كبير"، وهو ما وصفه المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد أبوزيد بأنها تصريحات "غير مقبولة جملة وتفصيلاً"، وأن مصر لا تسمح بإقحام اسمها من أي طرف في "محاولة فاشلة لتبرير قصور أدائه".

 

 

وتكررت على مدار الأشهر الماضية تصريحات رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية حول ضبط مصر لحدودها وإتمام السيطرة عليها، بخاصة عند الحديث عن اجتياح إسرائيلي محتمل لمدينة رفح الفلسطينية، التي يحتمي بها نحو مليوني نازح من مناطق شمال ووسط غزة.

بدأت منذ عقود

فصل البداية لقصة الأنفاق من قطاع غزة أرجعته دراسة أجرتها جامعة بيرزيت الفلسطينية إلى ما بعد النكبة 1948، إذ استخدمه الفلسطينيون لتهريب احتياجاتهم من إسرائيل ومصر. وأشارت الدراسة التي نشرت عام 2014 تحت عنوان "ظاهرة الأنفاق في غزة: الاقتصاد المدمر.. الزواج الكاثوليكي والحصاد المر"، إلى أنه بعد انسحاب إسرائيل من سيناء عام 1982 تطبيقاً لمعاهدة السلام المصرية -الإسرائيلية، ظهرت الأنفاق بين غزة والمناطق التي استعادت مصر السيطرة عليها، لتهريب البضائع وبعض الأسلحة، واكتشفت إسرائيل بعض الأنفاق عام 1983 ودمرتها، وتزايد التدقيق الإسرائيلي مع انطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الانطلاق الحقيقي لعمل الأنفاق جاء في أعقاب الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة، إثر سيطرة حركة "حماس" على السلطة في القطاع عام 2007، فإزاء إغلاق تل أبيب معابرها الستة مع غزة والمدد الطويلة لتعليق العمل في معبر رفح مع مصر، وجد الفلسطينيون في الأنفاق ضالتهم لإدخال الاحتياجات الأساسية من طعام ودواء ووقود من مصر.

إلا أن الأمر تطور لاحقاً وما كان نفقاً بدائياً أصبح في ما بعد مزوداً بالكهرباء والاتصالات، ويحفر باستخدام التقنيات الحديثة والمعدات الآلية، وأصبحت بعض الأنفاق تنقل سيارات وماشية، وتحولت الأنفاق إلى المنفذ لخروج أو دخول قطاع غزة.

تضاعف الأنفاق

انهيار الاقتصاد في غزة وغموض أفق المصالحة الفلسطينية جعل من تجارة الأنفاق أكثر القطاعات ربحية، وبحسب ما أدى لتضاعفها خلال وقت وجيز، فتشير بعض التقديرات إلى أن عدد الأنفاق ارتفع من 20 في منتصف 2007 إلى نحو 500 نفق في نوفمبر 2008، يتراوح طولها بين 200 متر وكيلومتر واحد وعرضها بين نصف متر ومترين، وبأعماق تصل إلى 15 متراً تحت الأرض، وبلغت كلفة حفر النفق بين 20 و100 ألف دولار.

وبحسب تقارير إعلامية مصرية وفلسطينية، فإن الأنفاق تنحصر بين منطقتي تل زعرب وحي البرازيل وحي العبور في مدينة رفح الفلسطينية، على مسافة أربعة كيلومترات بسبب الأرض شبه الطينية المتماسكة في تلك المنطقة على الحدود الفلسطينية المصرية التي تبلغ نحو 12 كيلومتراً، والتي تضم جماعات من العشائر ذات صلات قربى وعملوا في مجال التهريب لفترات طويلة.

وذكرت الدراسة التي نشرتها جامعة بيرزيت أن حجم التهريب السنوي من مصر إلى أكثر من 650 مليون دولار سنوياً قبل 2013، فيما قدرتها تقارير إعلامية بنحو مليار دولار، من خلال التجارة التي عمل بها 13 ألف شخص على جانبي الحدود.

عصر مبارك

وعلى رغم الحديث المصري الرسمي عن تدمير الأنفاق بهدف القضاء على الإرهاب بعد إطاحة الإخوان المسلمين في 2013، فإن البحث في تاريخ التعامل الرسمي مع الأنفاق يشير إلى جهود سابقة على ذلك، وإن كانت أقل حدة وكثافة.

بعد أشهر قليلة من سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة، أعلنت سلطات الأمن المصرية في يناير 2008 عن اكتشاف وتدمير خمسة أنفاق تربط بين مدينة رفح المصرية والجانب الفلسطيني من الحدود، في وقت كانت تواجه فيه اتهامات إسرائيلية بالتراخي في التعامل مع تهريب مزعوم للأسلحة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية.

وفي أغسطس (آب) 2009 ذكرت وكالة "معاً" الفلسطينية أن السلطات المصرية كشفت خلال ذلك العام أكثر من 350 نفقاً للتهريب، وضبطت كميات كبيرة من البضائع قبل تهريبها لقطاع غزة عبر الأنفاق تقدر قيمتها بملايين الدولارات.

 

 

الموقف المصري من الأنفاق في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك تحول من التبرير إلى الرفض، ففي الاحتفال بعيد الشرطة في يناير 2009، قال مبارك إن الأنفاق نتيجة للحصار الإسرائيلي على غزة، مضيفاً أن إسرائيل روَّجت لموضوع التهريب والأنفاق وأبرمت اتفاقاً مع الولايات المتحدة لمراقبة تهريب السلاح، لكنه "لا يلزمناً في شيء"، رافضاً وجود مراقبين أجانب على الجانب المصري من الحدود، وأعرب عن التمسك "بأن تبتعد أي ترتيبات إسرائيلية دولية عن أرض مصر وسمائها ومياهها الإقليمية"، ولم يمنع ذلك الخطاب خروج تقارير عن بناء مصر جداراً فولاذياً تحت الأرض في 2009.

لكن لهجة مبارك تغيرت في خطابه بنفس المناسبة في العام التالي 2010، حيث قال إن مصر لا تقبل بالاستهانة بحدودها أو "استباحة أرضنا"، مضيفاً أن مصر لا تقبل الضغوط أو الابتزاز ولا تسمح بالفوضى على حدودها.

وبعد خروجه من السلطة وخلال إدلائه بالشهادة في قضية محاكمة قيادات الإخوان بتهمة "اقتحام السجون" خلال ثورة يناير 2011، قال مبارك إن مصر حاولت التخلص من أنفاق التهريب على الحدود المصرية مع غزة، وتم بالفعل تدمير أنفاق كثيرة في عهده. وأشار إلى أن حركة "حماس" كانت تدير الأنفاق لحسابها، موضحاً أن الأنفاق كانت تستخدم في التهريب وكانت تنتهي إلى المنازل أو المزارع في رفح، رافضاً الإسهاب في الحديث أمام المحكمة لأن الأمر "حساس".

وترى "حماس" أن مبارك تعمد ترك الأنفاق مفتوحة لدعم الشعب الفلسطيني، وفق ما قاله عضو المكتب السياسي للحركة محمود الزهار، في تصريحات تلفزيونية عام 2013، مضيفاً ''أتمنى أن تغلق الأنفاق غداً، لو كان هناك بديل''.

موقف الإخوان

وخلال حكم جماعة الإخوان الذي دام عاماً واحداً، أثير ملف أنفاق التهريب بقوة بعد مقتل 16 من قوات حرس الحدود المصرية في أغسطس (آب) 2012، في هجوم لمسلحين إرهابيين في سيناء، قالت القاهرة إن بعضهم عبر عن طريق أنفاق غزة وهو اتهام نفاه الفلسطينيون، لكن السلطات المصرية عملت بعد الحادثة على تدمير عشرات الأنفاق وإغراقها بالمياه.

وصدر حكم قضائي في فبراير 2013 يلزم الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي وحكومته باتخاذ الإجراءات اللازمة لهدم جميع الأنفاق غير الشرعية بين مصر وغزة، التي ذكرت الدعوى أنها تبلغ 1200 نفق بواقع 450 نفقاً رئيساً و750 نفقاً فرعياً.

وفي مقابلة مع وكالة "رويترز" في فبراير 2013، قال مساعد الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي للشؤون الخارجية، عصام الحداد، إن مصر لن تتسامح مع تدفق الأسلحة المهربة من قطاع غزة وإليه حيث يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار في سيناء، موضحاً أن القوات المصرية أغرقت أنفاق تحت الحدود.

وكان الأمن المصري قد ضبط في الأسابيع الأولى من ذلك العام طنين من المتفجرات مخبأة في شاحنة تقل شحنة فاكهة وخضر متجهة إلى سيناء، وفي واقعة منفصلة تم ضبط ستة صواريخ مضادة للطائرات والدبابات في سيناء.

تكثيف الهدم

بعد إطاحة حكم الإخوان في الـ30 من يونيو 2013، كثفت مصر عمليات هدم الأنفاق تزامناً مع تصاعد الهجمات الإرهابية، إذ أعلن المتحدث باسم الجيش المصري، أحمد علي في مارس (آذار) 2014 عن تدمير 1370 نفقاً.

 

 

وفي أكتوبر 2014 نقلت وسائل إعلام مصرية عن مصادر "سيادية" أن قوات الصاعقة بدأت مداهمات داخل الأنفاق، في ما أطلق عليه عملية "اصطياد الفئران"، بالتوازي مع عمليات هدم للأنفاق وغارات على معاقل للإرهابيين في شمال سيناء.

وبحلول مايو (أيار) 2015، كانت مصر قد نجحت في هدم نحو 80 في المئة من الأنفاق، وفق ما أعلنه الرئيس المصري الذي كشف عن أن بعض الأنفاق وصل طولها إلى ثلاثة كيلومترات، وفي سبتمبر من العام نفسه، قال السيسي إن الإجراءات الأمنية التي تتخذها السلطات المصرية على امتداد الحدود الشرقية، أي مع قطاع غزة، تهدف إلى "الحفاظ على الأمن القومي المصري والفلسطيني.

وترافق ذلك مع أنباء عن ضخ كميات كبيرة من مياه البحر المتوسط في الأنفاق عبر مواسير ضخمة، ما حول الأنفاق إلى مناطق من البرك الممتدة، وذلك على الرغم من تأكيدات متكررة من مسؤولي حماس بأن جميع الأنفاق تم هدمها.

واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبوزيد، إغراق الأنفاق "حقاً سيادياً وواجباً دولياً من أجل الدفاع عن حدود مصر، وتأمينها ضد جميع أنواع التهريب غير المشروعة"، مضيفاً في تصريحات صحافية عام 2015 أن ذلك "جاء نظراً إلى كون هذه الأنفاق سرية وخفية لوجودها تحت الأرض، مما يجعلها بعيدة عن السيطرة والتحكم، ومن ثم كانت هناك حاجة ملحة للإسراع نحو ضخ المياه".

كما أصدر الرئيس المصري تعديلاً على قانون العقوبات في 2015، بحيث يعاقب بالسجن المؤبد كل من يحفر نفقاً على حدود البلاد أو يساعد على ذلك أو لم يبلغ السلطات بوجود نفق أو مشروع لحفره.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير