Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا تقول أزياء الافتتاح في طوابير الأولمبياد؟

بعضهم يراها من أشكال الدبلوماسية وليس فقط التعبير عن الوطنية خلال أكبر عرض متنوع الأعراق

بعثة فرنسا خلال افتتاح أولمبياد بكين (رويترز)

ملخص

على رغم أن قواعد اللجنة الدولية الأولمبية تنص على عدم السماح بأي نوع من التظاهرات أو الدعاية السياسية أو الدينية أو العنصرية، إلا أن الأزياء التي يرتديها الرياضيون الأولمبيون تمرر أحياناً رسائل سياسية بطريقة بارعة وغير مباشرة.

خلف 206 أبواب عمل مكثف وإبداع محلق وتركيز معمق للخروج بالأكثر إثارة والأعمق رمزية والأعلى جاذبية في طابور عرض أولمبياد باريس.

أحذية ذهبية وبيجامات مطاطة وجاكيت كلاسيكي مع بنطلون مزين بورود حمراء وقمصان مخططة تنافس "عصابة القناع الأسود" في روايات "ميكي"، وفساتين وتنانير "وطنية" أقرب ما تكون إلى أوراق الجرائد، أم ما قل ودل من خطوط ترفع رأيه السهل الممتنع؟

ذوق رفيع وألوان متسقة أو حتى متناقضة ولكن تناقض الفوضى الخلاقة، ورمزية وطنية من دون إفراط، ومواكبة لروح العصر من دون جنون أو شطحات، بينما مليارات البشر في الكوكب تنتظر ما سيسفر عنه فتح الأبواب الـ206 رسمياً في الـ 26 من يوليو (تموز) المقبل، إذ بدأت ملامح أولية لما يجري خلف بعض الأبواب تلوح في الأفق.

الدول ودور الأزياء

أفق الصين فيه تعاون مع "برادا" وتوقعات بغلبة الأسود والأزرق والأحمر، وفرنسا اختارت "برلوتي" يعكس الأناقة والرقي المرتبطين بالأسلوب الفرنسي في الموضة، وأستراليا اختارت الأخضر والذهبي في مظهر يشبه كثيراً طلاب المدارس الداخلية الخاصة، ولا يخلو من لمحات مستوحاة من مشاهد غروب الشمس الباريسية المميزة.

وبالأزرق والأخضر والأبيض والتطريز الذهبي ستباهي بعثة كازاخستان عبر أزياء تركز على الملابس الوطنية بالبوريك، غطاء الرأس الوطني للرجال، والساليكي، غطاء الرأس الوطني للعروس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما إيرلندا فاختارت مصممتها لورا فيبر لتصمم أزياء بعثتها عبر علامتها التجارية "غل دبليو بيرل"، وهي الأزياء التي تمزج بين التقاليد الإيرلندية والاتجاهات المعاصرة، وبعثتا روسيا وبيلاروس لن يشغلا بالهما كثيراً بملابس العرض لأنهما محرومتان من المشاركة باسم بلديهما، وبالتالي لن يسير أعضاء البعثة في طابور العرض، إذ لا أعلام للبلدين أو النشيد الوطني، وفقط سيرتدي اللاعبون الزي الرياضي في كل لعبة يمارسونها كلاعبين مستقلين تحت علم أنتجته اللجنة الأولمبية خصيصاً لهذا الغرض.

طابور العرض

الغرض من طابور العرض، كما يعكس الاسم، استعراضي، وهو استعراض للرياضيين والرياضيات وللدول المشاركة وعددها، واستعراض لمصلحة الدولة المنظمة وقدرات ومهارات وتفردات الدول في ابتداع أزياء خاصة بها، وأحياناً يكون استعراضاً لرسائل سياسية بعينها غالباً تنقلها أزياء اللاعبين واللاعبات المشاركين في الطابور الاحتفالي الذي يعد حلم كل رياضي على وجه الأرض، بل إنه الطابور الأشهر في عالم الرياضة.

مؤرخ الدورات والألعاب الأولمبية الألماني الراحل كارل لينارتز كتب أن "الدورة الأولى للألعاب الأولمبية التي أقيمت في أثينا عام 1896، وكذلك تلك التي أقيمت في باريس عام 1900 أو دورة سانت لويس في الولايات المتحدة الأميركية عام 1904، لم يكن هناك طابور عرض، بل لم يكن هناك حفل افتتاح من الأصل.

لماذا وكيف بدأ الطابور؟

الطريف أن أحداً لا يعرف على وجه التحديد لماذا وكيف أصبح طابور العرض حدثاً أولمبياً محورياً تنفق على أزيائه المليارات وتعمل معظم الدول المشاركة على جذب الانتباه إليها وللاعبيها عبر هذه الأزياء.

والمؤكد أنه في الـ 22 من أبريل (نيسان) 1906 شهدت الألعاب الأولمبية طابور عرض للرياضيين بدأ بالبعثة الألمانية، وسار الرياضيون والرياضيات في صفوف من أربعة رياضيين خلف حامل علم بلادهم في إستاد "بناثينيك" في اليونان، وكان هناك ما بين 15 و20 وفداً من كل قارة، ودخل رياضيو اليونان ورياضياتها في آخر مرحلة باعتبارها الدولة المضيفة، وهو ما أصبح تقليداً متبعاً في كل الدورات.

 

وفي دورات مطلع القرن الماضي لم تكن أزياء البعثات الرياضية تهم كثيراً، فقد كان الرياضيون والرياضيات يسيرون في العرض وكل منهم يرتدي ما يشاء أو ما يختاره مدربه أو رئيس البعثة من زي رياضي أو غير رياضي، وكثيراً من أعضاء البعثة الرياضية يختارون أن يرتدوا زياً مشابهاً، لكن زي العرض لم يكن أمراً مهماً أو جديراً بالانتظار والترقب أو داعياً إلى نقد "شرطة الموضة" من أفراد واختصاصيي الموضة، وأخيراً جماهير الـ "سوشيال ميديا"، كما هي عليه الحال خلال العقود القليلة الماضية.

والطريف أن مسألة الملابس برمتها كانت اختيارية في مسابقات الماضي الرياضية، ويرجح مؤرخون أن الرياضيين في اليونان القديمة مارسوا الرياضة من دون ملابس من الأصل.

الهوية الوطنية

أستاذة تصميم الأزياء في "جامعة إنديانا" الأميركية جويونغ تشين أكدت في دراسة عنوانها "يرتدون الهوية الوطنية: الزي الرسمي للألعاب الأولمبية" (2014) أن هناك علاقة وثيقة بين الزي الرسمي للفرق الوطنية المشاركة في الألعاب وبين الهوية الوطنية، فهذه الملابس تستخدم لتكون وسيلة بصرية لعرض هويتهم الوطنية، والمطلوب من الزي الرياضي للدول في هذه الدورات هو الإشارة إلى الاختلافات الثقافية والجغرافية وتمثيلها بصرياً في الملابس.

بعضهم بات يعتبر أزياء الرياضيين والرياضيات في طابور العرض، سواء في افتتاح أو ختام أي دورة، شكلاً من أشكال الدبلوماسية وليس التعبير عن الوطنية فقط، وأصبح كثيرون يرون طابور العرض الأولمبي "أكبر عرض أزياء متنوع الأعراق والجنسيات في العالم"، لكنه ليس كأي عرض، فهو عرض يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأوضاع السياسية والاقتصادية وبالعوامل الجيوسياسية، وكثير منها يحمل عدداً من انعكاسات التيارات السياسية العالمية السائدة في الكوكب.

أزياء أميركا صنعت في الصين

وهل هناك على ظهر الكوكب من لا يعرف أن حرباً خفية حيناً وزاعقة أحياناً بين الصين والولايات المتحدة الأميركية تدور رحاها منذ عقود؟ فالمؤكد أن الغالبية تعرف أبعاد هذه الحرب "غير العسكرية"، والغريب والطريف في آن أن دورة الألعاب الأولمبية التي انعقدت في لندن عام 2014، وكذلك دورة الألعاب الشتوية التي استضافتها مدينة سوتشي الروسية عام 2014، شهدتا الزي الرسمي لبعثة الولايات المتحدة الأميركية وقد "صنع في الصين"، وتسبب هذا في غضب شديد داخل أوساط سياسية وشعبية أميركية عدة، وعلى رغم أن التصميم جاء من بيت الأزياء العالمي "رالف لورين" لكنه "صنع في الصين".

دورات الألعاب الأولمبية تتأثر بالقضايا السياسية التي تطغى على التيار السياسي العالمي، بحسب ما تشير مقالة منشورة في مجلة "فوربس" تحت عنوان "دبلوماسية الأزياء في الأولمبياد الشتوية 2018: حين تتنافس الأزياء"، وتشير المقالة إلى أنه في كل دورة أولمبية تطفو السياسة على السطح، "من المقاطعة إلى التحية بقفاز واحد، وتاريخ الألعاب مليء بالأمثلة التي تدلل على استخدام الألعاب أحياناً كدعاية سياسية".

ويضيف، "الرياضة تتعلق بالأداء وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدبلوماسية والأزياء، فاستضافة الألعاب والمشاركة فيها تشكل جزءاً من إستراتيجية دبلوماسية ناعمة تعمل على تحسين المكانة الوطنية للدولة المضيفة في الخارج وصدقيتها السياسية في الداخل، وهناك ضغط متزايد على الدول المشاركة لتقديم الزي الرسمي الذي لا ينسى، وربما أيضاً الذي يمكن أن يترجم إلى نجاح تجاري محتمل".

تجارة وسياسة

وبين نجاح تجاري محتمل ورسائل سياسية مؤكدة تدور أزياء البعثات الرياضية، وعلى رغم أن قواعد اللجنة الدولية الأولمبية تنص على عدم السماح بأي نوع من التظاهرات أو الدعاية السياسية أو الدينية أو العنصرية، إلا أن الأزياء التي يرتديها الرياضيون يمكنها أحياناً أن تمرر رسائل سياسية بطريقة بارعة وغير مباشرة، فخلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي أقيمت في كوريا الجنوبية عام 2018 سار لاعبو الكوريتين الشمالية والجنوبية تحت علم واحد وارتدوا جاكيت أبيض واحد، كما شارك فريق هوكي الجليد النسائي كفريق واحد، وهي المرة الأولى في تاريخ الأولمبياد التي تلعب فيها الكوريتان في فريق واحد، وهو ما اعتبر رسالة سياسية بليغة.

 

وخلال الدورة نفسها شارك الرياضيون الروس وهم يرتدون ملابس يغلب عليها اللون الرمادي المحايد من دون أي عبارات وطنية، وذلك بسبب اتهامات تتعلق بتعاطي منشطات وجهت لعدد من اللاعبين الروس.

الشركة التي صممت أزياء اللاعبين الروس اتبعت التعليمات التي وجهت لها بأنه لا شعارات ولا إشارات وطنية تدل على روسيا، فقط "رياضي أولمبي من روسيا".

ألوان العلم

الرياضيون الأولمبيون من أميركا وبريطانيا ومصر والسعودية وإسبانيا والهند وإيطاليا والمكسيك وغيرها من الدول غالباً يرتدون أزياء في طابور العرض فيها ألوان من العلم الوطني، أو نجوم أو خطوط وغيرها إن وجدت. وأحياناً يلجأ المصمم إلى الخروج بزي يعكس طبيعة الدولة أو ما تشتهر به مثل ألوان مزركشة أو صيفية أو شتوية وغيرها، ويبقى الزي منصة تأمل في أن تنشر أو تؤكد معالم الدولة الوطنية، ولو كانت سمعتها كرائدة موضة وأناقة في عالم الأزياء.

ووجدت مؤرخة الأزياء البريطانية جيرالدين بيدل بيري في دراسة عنوانها "الملابس المثالية الأولمبية البريطانية"، إن تصميم زي موحد لاحتفالات الدورات الأولمبية، ولا سيما حامل العلم الذي يسير في المقدمة ويكون محور أنظار ملايين البشر، ويضع البعثة الرياضية ومصمميها في موقف بالغ الصعوبة، فهم مسؤولون عن اتخاذ قرار محوري هو كيفية تجسيد الأمة، وهل يكون من منطلق التاريخ والثقافة أم الحداثة أم كليهما.

ويضاف إلى هذا ضرورة وضع العوامل الجوية والطقس والكلفة والأشكال المختلفة لأجساد الرياضيين والرياضيات، وهو ما يجعل مهمة تصميم أزياء طابور العرض للدول مهمة شاقة وحساسة.

ويشار إلى أن عدد الدول المتوقع مشاركتها في الدورة الأولمبية المقبلة في باريس والذي يبلغ 206 دول يفوق عدد دول العالم، وعدد الدول 195 دولة بينها 193 دولة أعضاء في منظمة الأمم المتحدة، والدولتان الباقيتان هما الفاتيكان وفلسطين، وكلتاهما لها صفة مراقب.

أما بقية الدول غير المعترف بها في المنظمة الأممية ومنها كوسوفا وتايوان وأبخازيا وقبرص الشمالية وأوسيتيا الجنوبية وبرمودا وجزر كايمان وغيرها.

المزيد من تحقيقات ومطولات