Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الفن" لغوته قصائد تروي مسيرة شاعر الفكر ومفكر الشعر

مفكر ألمانيا الكبير بهر نابليون فقال الجنرال الفرنسي عنه: هذا الرجل لو عجنني لحولني شعراً!

من رسوم غوته (موقع الأديب الشاعر)

ملخص

لماذا قال بعض المؤرخين إن غوته جعل من نفسه بفضل قصائده العقلانية "شاعر الفكر" و"مفكر الشعر"؟

يروى عن القائد الفرنسي نابليون بونابرت أنه ما تأثر في حياته بلقاء مع مفكر تأثره بلقائه مع الألماني وولفغانغ غوته. وينسب إليه أنه قال بعد أن التقاه خلال غزو نابليون الأراضي الألمانية: "عجيب أمر هذا الرجل فهو يحول كل ما يلمسه شعراً وفناً. لو عجنني أنا نفسي لحولني شعراً وفكراً رومانسيين!". قد تكون هذه الحكاية صحيحة وقد لا تكون. لكن دلالتها يمكن الموافقة عليها. فبالنسبة إلى غوته، صحيح أن الفعل يسمو على كل ما في هذه الحياة الدنيا، لكن الفن يبدو دائماً مرتبطاً بالروح ويتألق بالطابع الروحي وسموه، لكنه مع هذا مرتبط بالعقل ارتباطاً وثيقاً. مهما كان من شأن الفن، وحتى إن كان مغرقاً في الغرائبية والرومانسية، هو أولاً وأخيراً فن عقلاني. والحال أن مفكراً من طراز غوته ووزنه ما كان يمكنه أبداً أن يترك العقل جانباً حين يدخل محراب الفن. ومن هنا إذا كان غوته قد كتب عن الفن، كل أنواع الفن، كثيراً، ووصل أحياناً إلى وضع كتب تقنية حول الألوان والفن البصري وما إلى ذلك، فإنه خلف أيضاً نصوصاً إبداعية كثيرة، تكشف تلك العلاقة التي أقامها مع عقلانية الفن. ولعل من أبرز هذه النصوص مجموعة الأشعار، التي صدرت، تحديداً، في عنوان "الفن" لتضم مجموعة من قصائد كتبها الرجل خلال مراحل متنوعة من حياته، يمكن القول إن موضوع معظمها كان المسألة الفنية نفسها. وهي قصائد كتبت أولاها حين كان غوته لا يزال شاباً يافعاً يخطو في عالم الإبداع خطواته الأولى، كما كتب آخرها، قبل سنوات قليلة من موته.

الفن في زمن محدد

الأشعار التي تضمها هذه المجموعة هي أشعار حقيقية كتبت موزونة مقفاة، وحملت من الصور التعبيرية ما يمكن أن يحمله أي شعر من الأشعار، لكن ميزتها أن غوته جعل الفن، رسماً وغير رسم، والأدب، شعراً وغيره، مواضيعها الأساسية، معبراً في كل قصيدة عن موقفه من الفن ومن الفن في زمن محدد. ذلك أن من يقرأ الأشعار تبعاً لتواريخ كتابتها، ثم يقارن ذلك بتطور المراحل المتتالية من حياة غوته، سيكتشف تطور نظرة المفكر الشاعر إلى الفن، وتطويره في طريقه النظريات الفنية التي كانت سائدة في زمنه. بل إن بعض قصائد المرحلة المتوسطة من مسيرته يبدو أشبه بسجال مع منظرين وردود على شعراء، وتقويم لأعمال فنانين. ومع هذا يبلغ إبداع غوته درجة تبدو المعاني معها عصية على الوصول لو لم تكن قد صيغت شعراً. ومن هنا ما قاله بعض المؤرخين من أن غوته جعل من نفسه بفضل هذه الأشعار "شاعر الفكر" و"مفكر الشعر".

باكورة الشاعر

مهما يكن من أمر علينا هنا أن نشير إلى أن هذه المجموعة لم تصدر متكاملة في جزء واحد خلال حياة غوته، بل إن جزءاً منها صدر في إطار مجلد "الأشعار الكاملة" الذي صدر في طبعة أولى عام 1815، أما الجزء الآخر فنشر ضمن إطار الطبعات اللاحقة، ثم عقوداً بعد رحيل غوته، صدرت المجموعة كاملة. أما أولى قصائد هذه المجموعة وعنوانها "العابر" فكان غوته قد كتبها في عام 1772، حين كان في الـ23 من عمره. صحيح أن هذه القصيدة، وبحسب المؤرخين، ما كان ينبغي أن توضع في المجموعة لأنها، أكثر مما هي قصيدة عن الفن، نص في الغزل، ومع هذا بشيء من التساهل ضمت انطلاقاً من أنها، في ثناياها، تصور أولى مظاهر حماسة غوته الشاب للفن الكلاسيكي، كما تعكس رغبته المبكرة في ذلك الحين في المزج بين نظريات فنكلمان حول "المثال الأعلى الجمالي"، وابتكارات جان جاك روسو المدهشة حول موضوع الفن. في اختصار كانت أول التفاتة من غوته إلى المزج بين الكلاسيكية الصارمة والرومانسية الوليدة. بعد ذلك بسنتين، وكان غوته قد دخل مرحلته الهوميرية نسبة إلى تعلقه بأشعار هوميروس الملحمية، نراه يكتب قصيدة ستشتهر كثيراً لاحقاً هي "أغنية الفنان الصباحية" التي اتسمت بوصف مدهش للشعر البطولي القائم على مآثر الإنسان وسط صراعات الآلهة. غير أن غوته، ما إن مضت سنتان على نظم هذه القصيدة، حتى كان، كما يبدو قد ابتعد عن النزعة الملحمية المركزة على مفهوم البطولة، ليدخل مرحلة الارتباط بالطبيعة. وهكذا نراه يتحدث في قصيدته التالية "أنشودة إلى الفنان"، التي بعث بها إلى صديقه لافاتار في عام 1975، عن حاجة الفنان إلى أن يطلب من الطبيعة أن تعطيه ذلك الإلهام الذي يوسع من مداركه وموهبته، ويمكن وجوده الهش من أن يتحول بفضله إلى وجود أبدي. هنا كان غوته، إذاً، قد آمن بالمزج بين أقانيم الوجود الدنيوي الثلاثة: الفن والطبيعة والإنسان، ومن دون أن يبخس الفنان/ الإنسان قيمة عليا كانت أعطيت له هوميرياً، ضمن مفاهيم البطولة.

شيء من النسيان

طوال عقود بعد ذلك، وفي غمرة انشغاله بالفكر والكتابة حول الأخلاق والكتابة المسرحية والرواية، نسي غوته، كما يبدو، بعض الشيء ذلك التعبير الشعري عن مسائل النظريات الفنية، ليعود إليه، ولو في صورة متأخرة، في عام 1812 مثلاً، حين أرسل إلى صديقيه المفكرين هومبولدت ورينهاردت قصيدته "كم هي عظيمة ديانا الإيفيزية"، هذه القصيدة التي يقول عنها المؤرخون إنها أشبه بـ"سكيرزو" غرائبية، من دون أن تكون في الحقيقة غرائبية. أما هدف غوته من كتابتها، فكان الرد على كتاب كان الباحث جاكوبي قد أصدره في عنوان "عن الأمور الإلهية ونزولها". ويستنتج المؤرخون من رسالة نثرية بعث بها غوته إلى جاكوبي في ذلك الحين، أن غوته أراد من هذه القصيدة أن تكون احتجاجاً على إبدال جاكوبي لـ"ديانا التي أمضيت كل حياتي في تبجيلها" كما يقول غوته في رسالته بآلهة آخرين... وكان من الواضح أن موقف غوته هذا لم يكن يهدف إلى التطرق إلى أية أمور دينية إيمانية، بقدر ما كان يتوخى الاحتجاج، في صورة مواربة، على النزعة الصوفية الحلولية التي كانت قد بدأت تستبد بجاكوبي، بعدما كان بدوره عقلانياً، يدين إلى آلهة الأولمب بجزء كبير من أفكاره، كما كانت حال غوته. وفي عام 1822 ينشر غوته قصيدة "فنية" جديدة له، عنوانها هذه المرة "غزليات مهداة إلى فيلهلم تيخبين"، وهو الصديق الذي كان غوته قد أمضى بعض الوقت في رفقته حين قام بتلك الرحلة إلى روما التي يصفها ويصف رفقته تيخبين خلالها في كتاب رحلات له عنوان "رحلة إلى روما". واللافت هنا هو أن هذه "الغزليات" الشعرية، إنما كتبت في الأصل على صورة مقدمة لكتاب يضم رسوماً لغوته نفسه جمعها الناشر كارل أوغست شفرديغوبرت. أما مضمون هذه "الغزليات" فإنه يترجم، وبقوة تعبيرية استثنائية، حنين غوته إلى الفن التصويري، الذي نما بداخله طوال حياته، حين كان يرى وهو ما يقوله في القصيدة على أية حال أن هذا النوع من الفن كان يجب أن يكون هو طريقه في الحياة وهو أمر عبر عنه غوته على أية حال نثراً في كتاب شهير له هو "الشعر والحقيقة". ومفيد هنا أن نذكر كيف أن غوته يقول في هذه القصيدة، كما لاحقاً في الكتاب، وبكل وضوح إنه إذا كان قد عجز دائماً عن التعبير عن نفسه، رسماً أو نحتاً، أو في أي فن من الفنون البصرية، فها هو ذا يفعل في الشعر... "وما هذه القصيدة سوى الإشارة الواضحة إلى ذلك"، بمعنى أن غوته الفنان، إذا أردنا أن نبحث عنه لن نجده إلا داخل غوته الشاعر، وصاحب هذه الأشعار بالتحديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سيرة فنان مفكر

لكن فولفغانغ غوته 1749 - 1832، كان كما نعرف أكثر من شاعر وأكثر من رسام أو ناقد للفن. كان فناناً مفكراً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فهو خاض الفلسفة والكتابة المسرحية والنقد والأدب الروائي والقصصي، كما كتب في نظريات الفن، إلى جانب كونه شاعراً. وهذا كله ما جعل منه، بحسب استطلاعات الرأي، واحداً من أعظم 10 أدباء ومفكرين عرفتهم أوروبا في تاريخها إلى جانب شكسبير وهوغو وغيرهما. وسيتيقن من هذا، في الواقع كل من يقرأ كتب غوته الرئيسة، من "فاوست" إلى" أشجان الفتى فرنر" فـ"لوت في فايمار" إلى عشرات النصوص الأخرى وصولاً إلى "الديوان الشرقي للشاعر الغربي" الذي أورد فيه غوته أجمل قصيدة غربية كتبت في النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة