توفي الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي بعد ظهر يوم الخميس في أحد المستشفيات بالسعودية، حيث كان يقيم برفقة عائلته منذ إطاحة نظامه في الرابع عشر من يناير (كانون الثاني) 2011، بحسب ما أعلنته وزارة الخارجية التونسية في بيان صدر عنها.
وفاة بن علي سبقها، قبل أيام عدة إشاعات تحدثت عن تردي حالته الصحية والتي ترافقت مع موعد الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية.
ولد في 3 سبتمبر (أيلول) 1936، تولى الحكم بعد الإطاحة بالزعيم الحبيب بورقيبة في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1987 وبقي في الحكم 23 سنة، وأجبر على التخلي عن الحكم إثر انتفاضة شعبية أطاحت بنظامه.
تسع سنوات على رحيله عن الحكم لم تكن كافية لغلق ملف الضغائن والقضايا التي تعلقت بسنوات حكمه والتي ما زالت عالقة في رفوف المحاكم.
من ضابط مغمور إلى رئاسة الجمهورية
لم يحالف الحظ بن علي في إتمام تعليمه الثانوي، لكن الحظ حالفه بدخول الجيش التونسي عند التأسيس، حيث كان من النواة الأولى لهذا الجيش بعد استقلال تونس 1956.
ساعدته الظروف وزواجه من نعيمة ابنة الجنرال محمد الكافي أول رئيس أركان للجيش التونسي فتح له أبواب التدرج في الوصول إلى رئاسة جهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش، التي فتحت له أبواب الانتقال من السلك العسكري إلى السلك الأمني، إثر أحداث 26 يناير 1978 عندما شهدت تونس اضطرابات كبيرة بين حكومة السيد الهادي نويرة واتحاد نقابات العمال بقيادة الزعيم النقابي الحبيب عاشور.
أزمات صنعت مستقبله
بعد ثلاث سنوات قضاها في رئاسة جهاز الأمن الوطني، أبعد بن علي في عام 1981 إلى سفارة تونس في بولونيا حيث عين سفيراً هناك وبقي في منصبه إلى أن أعادته أزمة جديدة شهدتها تونس في الثالث من يناير 1984 بعد إعلان رئيس الحكومة التونسية آنذاك محمد مزالي رفع أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل كبير، مما فجر انتفاضة شعبية عرفت بثورة الخبز، فأعيد بن علي على عجل ليتولى منصب المدير العام للأمن الوطني مرة أخرى، وينجح في البقاء في منصبه على الرغم من كل الأزمات السياسية التي كانت تشهدها تونس حينها في حرب خلافة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.
الاقتراب من أعلى هرم السلطة
مع توالي الأزمات والصراعات التي كانت على أشدها بعد إبعاد الوزير الأول محمد مزالي وهروبه للجزائر من منصبه في أبريل (نيسان) 1986. بدأ بن علي يصعد في التدرج السياسي وعيّن وزيراً للداخلية عام 1986، وأسهمت الصدامات التي شهدتها تونس مع جماعة الاتجاه الإسلامي التي كانت تريد الاستيلاء على الحكم مع اهتزاز مؤسسات الدولة جراء كبر سن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، في مزيد ظهور نجمه بعد نجاحه في مهمته وتم تعيينه وزيراً أول في أكتوبر 1987 خلفاً لرشيد صفر الذي تولى المهمة بعد إقالة محمد مزالي.
الطريق إلى قصر قرطاج
بين تعيينه في بداية أكتوبر 1987 وقيامه بإبعاد الرئيس الحبيب بورقيبة عن الحكم في السابع من نوفمبر 1987 لينهي فترة حكم دامت واحد وثلاثين عاماً حكم فيها الرئيس بورقيبة تونس كزعيم أوحد.
إبعاد بورقيبة عن الحكم حينها، استقبله الشعب التونسي بسعادة بعد فترة صعبة عاشتها تونس على المستويين الاقتصادي والأمني وهدد استقرار تونس لفترة طويلة جراء الصراع بين أجنحة الحكم حينها والتي حسمها بن علي رفقة عدد من المخلصين له بتولي السلطة حينها في تونس.
الحكم وعشق السلطة
بعد سنوات قضاها برفقة فريق من الوزراء والمستشارين، نجح الرئيس زين العابدين بن علي في إخراج تونس من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها وحققت في السنوات الخمس الأولى تطوراً اقتصادياً مهماً اعتبر ثمرة جهد وعمل دؤوب لفريق حكمه.
الصدام مع الإسلاميين
سيبقى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مديناً لبن علي طوال حياته لأن الحكم بإعدامه الذي صدر قبل إبعاد الرئيس بورقيبة عن الحكم كان سينفذ في أيام قليلة، لو لم يقم بن علي بالاستيلاء على السلطة، لكن هذا التقارب والتصالح مع جماعة الاتجاه الإسلامي والتي تحولت في ما بعد إلى حركة النهضة لم يدم طويلاً، إذ عاد الصدام بين الطرفين بشكل أكثر عنفاً ودموية أدى للزج بالمئات من عناصر الحركة بالسجون وفرار زعيمها راشد الغنوشي رفقة العشرات من ناشطيها خارج تونس.
الاستبداد والمقاربة الأمنية
الرئيس بن علي وبعد التخلص من الإسلاميين، اعتبر أن قوته صارت تسمح له بالسيطرة والهيمنة على الحكم، الذي تحول بمرور الوقت لحكم استبدادي، وتسبب لتونس بعديد الأزمات مع المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان.
الأمن صار منذ تلك المرحلة وحتى سقوط النظام في 14 يناير 2011 المحرك الرئيسي لكل أجهزة الدولة التي تحولت لدولة بوليسية بامتياز، وحتى الانتخابات التي أجريت كانت بمجملها غير شفافة، وفاز فيها رفقة حزبه التجمع الدستوري الديمقراطي بغالبية مقاعد مجلس النواب.
أسباب انهيار نظامه
زواج بن علي من ليلى الطرابلسي عام 1992 كان المنعطف الكبير الذي غير مستقبل الرجل، خصوصاً أن عائلتها الكبيرة العدد هيمنت بشكل لم تعرفه تونس من قبل على مؤسسات اقتصاد الدولة من دون استثناء، كما أن الحديث عن محاولة توريث الحكم لأحد أنسبائه والأزمة الاقتصادية التي شهدتها تونس وارتفاع نسبة العاطلين من العمل، خصوصاً في صفوف الشباب خريجي الجامعات دفع بالأزمة إلى الانفجار إثر إقدام أحد الشباب على حرق نفسه في مدينة سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر 2010.
يناير شهر الصعود وشهر السقوط
ارتبط شهر يناير تاريخياً في تونس بالأزمات الكبيرة التي تهز أسس الدولة، وشهد شهر يناير 1978 بداية صعود زين العابدين بن علي الذي عين في 26 يناير مديراً عاماً للأمن الوطني وليعاد بعد ست سنوات وفي الشهر نفس عام 1984 تعيينه مرة أخرى بنفس المنصب، الذي فتح له باب الوصول إلى سدة رئاسة الجمهورية بعد أربع سنوات.
بن علي وبعد ثلاث وعشرين عاماً في رئاسة الجمهورية يسقط نظامه يوم الرابع عشر من يناير 2011 ليسجل خاتمة مرحلة امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً بين أول منصب في أجهزة الدولة ورحيله عن الحكم.
سيدفن في مكة
أعلن محامي عائلة الرئيس الراحل منير بن صالحه، على صفحته الرسمية على "فيسبوك" إثر خبر وفاة الرئيس الراحل، أنه أوصى بأن يدفن في مكة وأن عائلته ستلتزم بوصيته.
وكان عدد من السياسيين التونسيين وفي مقدمهم محسن مرزوق رئيس حزب مشروع تونس، أصدر بياناً تمنى فيه أن يتم دفنه في بلده على الرغم من وصيته بأن يدفن في مكة.
الرئيس الراحل زين العابدين بن علي المولود في 3 سبتمبر (أيلول) 1936 توفي في الشهر ذاته، وتوفي عن 83 سنة، تزوج مرتين وله ستة أبناء خمس بنات وولد.