ملخص
حصل في عدة مناسبات أن توافق الحزبين "الديمقراطي" و"الاتحاد" وهما يمثلان المحورين الإيراني والأميركي، في الملف العراقي ضمن صيغة تكافؤية حول قضايا سياسية وأمنية عدة رغم علاقاتهما المتوترة على مختلف المستويات في منطقة الشرق الأوسط.
عقب مشاورات موسعة خاضها مع القيادات العراقية في بغداد، أنهى رئيس إقليم كردستان نائب رئيس الحزب "الديمقراطي" نيجيرفان بارزاني زيارة بدأها، الأحد الماضي، إلى طهران وصفت بـ"المهمة" التقى خلالها المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي وكبار المسؤولين الإيرانيين.
وتشكل الزيارة تحولاً في العلاقة بين أربيل وطهران، إذ تزامن ذلك مع مباحثات بدأها شريكه في حكومة الإقليم زعيم حزب "الاتحاد الوطني" بافل طالباني في واشنطن، الذي أجرى أيضاً بعد نيجيرفان مباحثات مماثلة في بغداد.
وجاء هذا الحراك في وقت اشتد فيه الخلاف بين الحزبين حول انتخابات برلمان الإقليم المقررة في 10 يونيو (حزيران) المقبل، حيث يسعى حزب بارزاني إلى تأجيلها مجدداً بينما يصر حزب طالباني على إجرائها في موعدها، وسط تساؤلات حول مدلولات تزامن توقيت الزيارتين وعلاقتهما بالخلافات المزمنة داخل "البيت الكردي" على مستويات عدة آخرها التقاطع حول الانتخابات، ومدى توافر شروط تحقيق مساومة بين أربيل لطي صفحة التوتر التي سادت بينهما خلال السنوات القليلة الماضية وانعكاسات ذلك على الإقليم الكردي وفك عقدة خلافاته مع بغداد.
وتكمن أهمية الزيارتين في كون الملف العراقي خاضع لمعادلة محوري واشنطن وطهران، وحصل في عدة مناسبات أن توافق المحوران في هذا الملف ضمن صيغة تكافؤية حول قضايا سياسية وأمنية عدة رغم علاقاتهما المتوترة على مختلف المستويات في منطقة الشرق الأوسط، علماً أن انقسام القوى السياسية العراقية والكردية الفاعلة على المحورين يمثل السمة الأبرز منذ نشوء العملية السياسية الجديدة بعد الاحتلال الأميركي للبلاد في 2003.
تحول سياسي
ويعود محرك هذا التحول إلى رفض حزب بارزاني مع قوى الأقليات المسيحية والتركمانية خوض الانتخابات الكردية التي تكرر تأجيلها لثلاث مرات بسبب الخلاف بين الحزبين، بعد قرارات صدرت عن المحكمة الاتحادية العليا على كون نتائجها "أعدت سلفاً بدوافع سياسية" تقف خلفه القوى الشيعية الموالية لإيران "بغية تقويض سلطة أربيل".
ويجمع مراقبون وسياسيون أن موضوع تأجيل الانتخابات الكردية يعد أحد محفزات خطوة نيجيرفان لما تملكه طهران من نفوذ للتأثير على القرار السياسي في بغداد وحزب "الاتحاد" في تلبية مطلب "الديمقراطي" على صعد عدة، منها الحد من قرارات المحكمة الاتحادية ضد أربيل وإيجاد مخرج للإشكالات المتعلقة بالموازنة والمرتبات، إضافة إلى وقف الهجمات الصاروخية الإيرانية وتلك التي تشنها الميليشيات الشيعية العراقية على الإقليم.
وفي المقابل، فإن لطهران شروطاً أيضاً منها ما يتعلق بتنفيذ اتفاق طرد الجماعات الكردية الإيرانية من الإقليم، والحصول على ضمانات للحد "من الأنشطة الإسرائيلية في الإقليم" وفق ما تزعمه طهران، وضرورة انتهاج الحزب "الديمقراطي" سياسة متوازنة "تجاه القوى الشيعية العراقية الموالية لها".
زيارة تصالحية
ورغم نفي نيجيرفان تطرقه مع الإيرانيين إلى أزمة الانتخابات، فإن تحقيق التقارب معهم سينعكس إيجاباً على توجهات حزبه في هذا الجانب على وفق رأي محللين، إذ يعتقد الباحث في الشأنين العراقي والكردي ياسين طه أن "الزيارتين كانتا مقررتين سلفاً، وأجريت لهما تحضيرات مسبقة، وبالطبع فإن أجندتهما لا تخلو من تناول الانسداد السياسي والقانوني القائم في الإقليم".
وأردف طه أن "زيارة نيجيرفان تأتي بعد فترة طويلة من تدهور علاقة حزبه مع طهران التي قصفت أربيل لمرتين بالصواريخ الباليستية بحجة تحولها إلى وكر للموساد الإسرائيلي، وعقب صدامات سياسية على أعلى المستويات خلال الفترة السابقة، مما يضفي على الزيارة طابعاً تصالحياً وأشبه ما يكون بكسر الجليد بين الجانبين، ويبدو أن نيجيرفان تمكن من إقناع الإيرانيين لدعم أجندته الرامية إلى تأجيل الانتخابات الذي بات واقعاً بعد قرار المحكمة الاتحادية الأخير، وكذلك في ملف الخلافات المزمنة بين أربيل وبغداد".
وبلغ التوتر بين الإقليم وطهران الذروة عندما قصفت الأخيرة بالصواريخ الباليستية منزلاً في أربيل يعود لرجل أعمال كردي مقرب من عائلة بارزاني في مطلع العام الحالي وأدى لمقتله وطفلته مع صديقه وعامل خدمة، وهو ثاني هجوم من نوعه بعد قصف مماثل كان طاول رجل أعمال كردي بارز في مجال النفط في مارس (آذار) 2022، كما نفذت ميليشيات شيعية عراقية موالية لطهران هجمات متكررة بواسطة الطائرات المسيرة على القواعد الأميركية والمطارات في الإقليم، وكذلك مواقع لآبار ومصافي النفط، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي.
محاولة لفك الطوق
وتنظر أوساط في حزب بارزاني بأهمية إلى خطوة نيجيرفان للخروج من المأزق في مجمل الملفات ذات العلاقة مع الإيرانيين، وبكونها أيضاً مفتاحاً للتأثير على القوى الشيعية الموالية لطهران، التي باتت تشكل أداة مؤثرة لتقويض نفوذ الحزب "الديمقراطي" في الساحة العراقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول طه، إن "الزيارة تحمل أهمية للاتحاد الذي اصطف في وقت ما مع الإطار الشيعي في الانقسامات السياسية العراقية، وقد حاولت آلة الخصوم الإعلامية إلحاق الحزب بمحور طهران غير المرغوب به أميركياً وغربياً، وهنا يحاول طالباني استعادة بعض من أمجاد والده الراحل الرئيس العراقي السابق جلال طالباني المعروف بانفتاحه وصلاته مع عواصم القرار من خلال مخاطبة الأوساط السياسية والجهات الأميركية الفاعلة بصفته طرفاً رئيساً في المعادلة الكردية".
وأشار الباحث الكردي إلى أن "تزامن الزيارتين يمكن اعتباره محاولة لتصدير أزماتهما نحو الأطراف الخارجية الفاعلة، بعد أن وصل الطرفان إلى طريق مسدود في شأن قضايا تعد مفصلية مثل الانتخابات، وكذلك في شكل العلاقة مع بغداد".
وكان ملف الانتخابات الكردية حاضراً في لقاءات بافل مع المسؤولين الأميركيين، فبحسب بيان لحزب "الاتحاد" فإن بافل أكد خلال لقائه وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط باربارا ليف "أهمية إجراء انتخابات كردستان في موعدها لتطوير العملية الديمقراطية الكفيلة بتحقيق انتقال سلمي للسلطة".
تفاؤل حذر
وتذهب بعض الأصوات المتفائلة في الوسط السياسي الكردي إلى أن علاقة حزب بارزاني مع الإيرانيين تتجه صوب التطبيع وتعد ناجحة سلفاً، إذ أثمرت عن تحديد الرئيس الإيراني موعداً لزيارة العراق نهاية الشهر الجاري، بعد أن تمكنت طهران من محاصرة الحزب بمساهمة من حليفها بافل الذي تمكن، أخيراً، من الاستحواذ على دفة القرار في حزبه، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الإيرانيين لا يرغبون بتصاعد نفوذ بافل من دون سقف محدد نتيجة تدهور علاقته مع أنقرة التي تضغط سياسياً وعسكرياً على نطاق نفوذ حزبه بتهمة التعاون مع حزب "العمال" الكردستاني.
ووفق وسائل إعلام كردية، فإن أولى بوادر نجاح جهود نيجيرفان جاءت مبكرة حتى قبل انتهاء زيارته، مع رفع رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني دعوى لدى المحكمة الاتحادية بإيقاف إجراءات مفوضية الانتخابات للمضي في انتخابات الإقليم، والاستجابة السريعة من المحكمة لصالح الدعوى، في خطوة تمثل تراجع الحزب "الديمقراطي" عن مواقفه السابقة من الوضعية القانونية للمحكمة باعتبارها "مشابهة لمحكمة الثورة" سيئة الصيت إبان حكم النظام العراقي السابق، وقد سارع حزب "الاتحاد" إلى تقديم دعوى إلى المحكمة ضد الطعن المقدم من حكومة مسرور واصفاً إياها "بمنتهية الصلاحية" رغم أنه شريك رئيس فيها.
وعن تقييمه الزيارة اعتبر المحلل الكردي سامان نوح أنها "نجحت في إعادة الروح للعلاقات بين الحزب (الديمقراطي) والقوى الشيعية النافذة، بالتالي تغيير المعادلة السياسية في الإقليم التي كانت تمضي لصالح حزب (الاتحاد)، بعد صدور الأمر الولائي للمحكمة الاتحادية الذي يعطل عملياً إجراء انتخابات لصالح الحزب (الديمقراطي) الساعي لكسب الوقت بغية إعادة ترتيب أوراقه نتيجة للوهن الذي أصاب نفوذه بفعل سلسلة من التطورات". وتابع أن "قرار المحكمة في الطعن المقدم مهما كان سواء بإبقاء الوضع كما هو عليه أو إعادة توزيع مقاعد المحافظات ومنح حصة للأقليات، فإن الأمر يصب في صالح الديمقراطيين إذا ما ترتب عنه تأجيل الانتخابات".
الأهداف تتخطى الانتخابات
وقد تتجاوز خطوتي نيجيرفان وبافل أزمة الانتخابات الكردية ولا يمكن اعتبارها المحفز الرئيس للحراك الحاصل، وفق رئيس مركز التفكير السياسي في العراق إحسان الشمري الذي يرى أن "لزيارة نيجيرفان ملفاتها بخاصة على الجانب الأمني وما يرتبط بعمليات القصف التي تستهدف المقومات الاقتصادية للإقليم، كما أن نيجيرفان يطمح في أن تؤثر طهران على صناع القرار في بغداد لإبداء مرونة أكبر تجاه المطالب الكردية، وكذلك تطبيق الاتفاق الأمني المشترك بما لا يجعل العلاقة متوترة على اعتبار أن الإيرانيين ما زالوا ينظرون سلباً تجاه أربيل".
وأوضح الشمري أن "أربيل تحتاج إلى تحقيق استقرار ولن تتردد في إبداء فن التنازل في عدد من الملفات، وقد يكون أهمها ملف وجود المعارضة الكردية الإيرانية في الإقليم بغية طمأنة الإيرانيين".
ويعتقد الشمري أن التحضير الإيراني الكبير للزيارة "يدل على وجود تفاهمات أولية، ويعطي علامة على إدراك طهران لأهمية حزب بارزاني وشخص نيجيرفان، سواء في الإقليم أو على صعيد العملية السياسية في العراق".
وقال رئيس مركز التفكير السياسي، إن زيارة بافل "تهدف لتعزيز علاقة حزبه بالإدارة الأميركية، وما يمكن أن تحقق للحزب ثقلاً أكبر على مستوى القرار الكردي وعلى ألا يتفرد حزب بارزاني بهذه العلاقة، لذلك يحاول خلق توازن مع الأميركيين، هذا إلى جانب أن الاتحاد يواجه تحديات خارجية بعد توتر علاقته مع أنقرة بسبب ملف حزب (العمال) الكردستاني، ويطمح إلى خلق معادل دولي، وداخلياً إلى إعادة تقسيم السلطة مع الحزب (الديمقراطي) بالتالي حسم الخلافات حول أسلوب إدارة الحكم في الإقليم".
ووفق المعطيات يتوقع أن يتم تأجيل الانتخابات إلى العام المقبل، مع إعلان المفوضية الخاصة بالانتخابات تعليق إجراءاتها لحين حسم الطعون، لتدخل لاحقاً في مرحلة ولايتها خلال يوليو (تموز) المقبل.