Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

ماكرون - شي واستحالة تكرار لعبة ماو - نيكسون

الظروف تغيرت وموازين القوة الاقتصادية والعسكرية اختلفت وأوروبا ليست أميركا

الصين اليوم قوة عظمى اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً (أ ف ب)

ملخص

أوروبا تجرب تكرار اللعبة الاستراتيجية التي لعبتها أميركا والصين في السبعينيات من القرن الماضي

أوروبا تجرب تكرار اللعبة الاستراتيجية التي لعبتها أميركا والصين في السبعينيات من القرن الماضي، وهذا ما بدأ يتبلور بوضوح خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى باريس ومحادثاته مع الرئيس إيمانويل ماكرون، وهو ما سبقته مقدمات عدة بينها زيارة المستشار الألماني أولاف شولتز للصين والزيارة المشتركة التي قام بها ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى بكين. لكن الظروف تغيرت وموازين القوة الاقتصادية والعسكرية اختلفت، فأوروبا ليست أميركا، وصين شي جينبينغ ليست صين ماو تسي تونغ، وروسيا التي جددت للرئيس فلاديمير بوتين ولاية خامسة ليست الاتحاد السوفياتي وماكرون ليس الجنرال ديغول الذي يروي الرئيس ريتشارد نيكسون في كتاب "ما وراء السلام" أنه قال له "فرنسا لم تكُن مرة هي نفسها الحقيقية إلا عندما دخلت في مغامرات عظيمة".

في أوائل السبعينيات، جرى صدام عسكري بين قوات سوفياتية وأخرى صينية عبر الحدود عند نهر ميسوري، وكانت الغلبة للسوفيات، فغضب ماو وأراد أن يثأر عسكرياً، واستدعى عدداً من الجنرالات القادة في الجيش الشعبي الصيني وطلب منهم إعداد خطة لضرب قوات سوفياتية، لكن القائد الأعلى بين الجنرالات قال له بصراحة "نحن أضعف منهم عسكرياً ولن نربح معركة معهم". كان من الصعب على ماو الذي يفكر استراتيجياً أن يسلّم بالواقع من دون العمل لتغييره وما فكّر فيه كان حرباً من نوع آخر، إذ استدعى صديقه الأميركي الصحافي جون سنو المقرب منه مثل طبيبه الخاص الدكتور جورج حاتم اللبناني، وطلب منه أن يبلغ الإدارة الأميركية بإشارة إلى رغبته في علاقات مع واشنطن. الرئيس نيكسون التقط الإشارة وأرسل مستشاره الدكتور هنري كيسينجر في زيارة سرية إلى بكين، كما ظهرت إشارة أخرى في ما سميت "دبلوماسية كرة الطاولة"، ثم كانت زيارة نيكسون الرسمية.

كانت أميركا في مأزق على وشك أن تخسر فيتنام، وفي حرب باردة مع الاتحاد السوفياتي ضمن استراتيجية "الاحتواء" التي دعا إليها الدبلوماسي الشهير جورج كينان وكانت بكين في نزاع مع موسكو منذ أواخر أيام ستالين، ومقطوعة العلاقات مع أميركا التي تعترف بـ"الصين الوطنية" في تايوان وتعطيها مقعد الصين في الأمم المتحدة.

المصالح الاستراتيجية التقت، وفي أي لعبة بين ثلاثة يكفي أن يلتقي اثنان لكي يخسر الثالث، فأميركا اعترفت بالصين الشعبية وأعادت لها مقعدها في المنظمة الدولية والصين اصطفت إلى جانب واشنطن في الحرب الباردة، كما استفادت من التكنولوجيا الأميركية، خصوصاً في مرحلة دينغ شياو بينغ الانفتاحية على التطور الاقتصادي، واستمر التعاون إلى ما بعد نهاية الاتحاد السوفياتي والحرب الباردة.

والمشهد اليوم مختلف تماماً، إذ إن الصين وروسيا في "شراكة بلا حدود"، وأوروبا تواجه بقيادة أميركا هجوماً روسياً على أوكرانيا. وإذا كان ماكرون يلعب معادلة العداء مع روسيا ومغازلة الصين، فإن شي يدعو إلى عمل صيني- أوروبي لتفادي "الحرب الباردة الجديدة". أما تفاهم أميركا والصين في الماضي، فإن من أهدافه ربح الحرب الباردة، لا بل إن شي الذي يعرف تماماً وزن أوروبا، يعلن بوضوح "أن العلاقة بين الصين والولايات المتحدة هي الأهم في العالم، والطريقة التي تتوافق فيها الصين والولايات المتحدة ستحدد مستقبل البشرية ومصيرها".

اقرأ المزيد

فضلاً عن أن شو إن لاي رئيس الوزراء التاريخي في الصين أيام ماو قال بصراحة للرئيس نيكسون "أنا صيني أكثر مما أنا شيوعي". أما شي، فإنه يركز على الالتزام الأيديولوجي ويطور نوعاً من "الماركسية الوطنية" التي هي اليوم "الجوهر والأداء في سياسات الصين الاقتصادية والسياسة الخارجية"، كما كتب كيفن رود في مقالة نشرتها "فورين أفيرز"، لا بل إن شي "دفع السياسة إلى اليسار اللينيني والاقتصاد إلى اليسار الماركسي والسياسة الخارجية إلى اليمين القومي".

وليس سراً أن شي الرئيس وزعيم الحزب الشيوعي يعتقد بأن ما وراء سقوط الاتحاد السوفياتي ليس الاقتصاد وسباق التسلح بحسب النظرية الشائعة، بل "الانحلال الأيديولوجي"، وهو يرى أنه "إذا جرى خرق الدفاع الأيديولوجي، فمن الصعب صمود الدفاعات الأخرى، وعلينا تعميد الكادرات بالأيديولوجيا والسياسة".

صحيح أن روسيا التي تعاني أزمة ديموغرافية خائفة من الديموغرافيا الصينية كما من عودة الصين لطموحات إمبراطورياتها السابقة، وصحيح أيضاً أن البروفيسور زبيغنييف بريجينسكي مستشار الأمن القومي خلال رئاسة جيمي كارتر، اعتبر الخيار أمام روسيا هو "أن تكون شريكة للغرب أو خادماً للصين". لكن الصحيح أيضاً وأيضاً أن الشراكة الروسية- الصينية هي قدر عند الطرفين، لا سيما بالنسبة إلى بوتين المتورط في حرب أوكرانيا والحاكم على بلد قوي عسكرياً وضعيف اقتصادياً، في حين أن الصين اليوم قوة عظمى اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً. ولا يبدل في الأمر واقع عبّر عنه مايكل شومان في مجلة "أتلانتيك" بالقول "إن المعجزة الصينية هي في جزء كبير منها انتصار للمبادئ الاقتصادية الأساسية في الغرب وسرقة التكنولوجيا من أميركا".

وبكلام آخر، فإن من الصعب رؤية الصين تلعب مع أوروبا كما لعبت في الماضي مع أميركا، ففي الماضي كانت في نزاع مع الاتحاد السوفياتي ولها مصلحة في حليف أميركي ضده. أما اليوم، فلا مصلحة للصين في فك الشراكة مع روسيا، ولا قدرة لأوروبا على تشكيل ما سماها ماكرون "قوة ضاربة تحت المظلة النووية الفرنسية" لمواجهة العداء الروسي. ولا فرق، سواء كان بوتين صادقاً أو لا في القول "ليست لدينا أية خطط لمهاجمة أي دولة في الحلف الأطلسي، وليست لدينا نيات عدائية تجاه هذه الدول". وماكرون يحب المغامرات من أجل دور فرنسي على طريقة ديغول، ولكن الدنيا تغيرت.

المزيد من تحلیل