ملخص
من خلال تجاهله مشورة بايدن وإجباره على القول علناً إن الولايات المتحدة لن تدعم غزواً شاملاً لرفح فقد سمح نتنياهو للزعيم الأميركي بتغيير الحدود المقبولة في الخطاب بين البلدين
لم يكن هناك ود متبادل بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الإطلاق، فكل منهما لا يعجب الآخر. ولكن، حتى هذا الأسبوع، كان يمكن للمرء عادة، أن يقول بقدر كبير من الثقة إن علاقتهما الشخصية المختلة كانت تأتي من ناحية الأهمية في المرتبة الثانية بعد التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
إلا أن هذا لم يعد ممكناً بعد الآن.
كان نتنياهو، وهو صاحب أطول ولاية كرئيس للحكومة في إسرائيل منذ 75 عاماً، يقابل بنوع من اللامبالاة من جانب بايدن بعد عودته إلى الحكومة. وكان الرئيس الأميركي حذراً من نظيره الإسرائيلي بسبب جهود الأخير وحزب الليكود لإعادة بناء القضاء الإسرائيلي وتحويله إلى كيان أكثر امتثالاً وأشد ضعفاً وله صبغة سياسية أقوى، مما سيجعله أقرب إلى القضاء في دولة كالمجر بقيادة فيكتور أوربان أو كبولندا في ظل حزب القانون والعدالة. وكان تاريخ نتنياهو الطويل في استعداء القادة الأميركيين المنتخبين من الحزب الديمقراطي وإضعاف هيبتهم، معروفاً جيداً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثم وقعت الهجمات الإرهابية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. إن الوحشية الصرفة لاعتداء "حماس"، والتهديد الوجودي الذي تشكله هذه الجماعة المسلحة لإسرائيل، كانا يفوقان ما قد وصفه مساعدو بايدن بأنه ارتياب صحي [من قبل الرئيس الأميركي] في نيات الزعيم الإسرائيلي. من ثم كان هناك بعض التقارب بين الزعيمين.
ويقول المقربون من الرئيس بايدن إن ميله الطبيعي إلى دعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، حظي بالأولوية على اقتراح ديمقراطيين بارزين باتباع مقاربة الواقعية السياسية في إدارة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وكان من شأن استراتيجية كهذه أن تجعل بايدن يتخذ مواقف أكثر صرامة في شأن غزة. ولقد تصور كثر في حزب بايدن أن الرئيس قد يستخدم المساعدات العسكرية كوسيلة ضغط لفرض تغييرات على كيفية عمل قوات الدفاع الإسرائيلية في المنطقة.
إن القيام بذلك كان يمكن أن يشكل خروجاً ملحوظاً عن السياسة الأميركية المعتمدة من عقود. ولكنه كان ليكون أيضاً أكثر انسجاماً مع تفضيلات عديد من الناخبين الأميركيين، الذين يدعمون حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، ولكنهم لا يريدون أيضاً رؤية المدنيين الفلسطينيين يقتلون بصورة جماعية، بحسب ما تفيد استطلاعات الرأي.
وقد قدر بايدن أنه، مهما كانت الظروف، فإن القيام بما اعتبره هو الشيء الصحيح، أي دعم جهود الحرب الإسرائيلية بقوة، بدلاً من القيام بالشيء المفيد سياسياً [له]، من شأنه أن يؤتي ثماره في النهاية.
بيد أن نتنياهو جعل الأمور مستحيلة بالنسبة إلى الرئيس.
فالزعيم الإسرائيلي، الذي يقاوم في الوقت الحالي اتهامات بالفساد قد تؤدي إلى زجه في السجن إذا تخلى عن السلطة أو أجبر على ترك منصبه، اختار اتباع الخط المتشدد الذي يفضله المتطرفون اليمينيون ممن يدين لهم بعودته إلى رئاسة الوزراء. وبين هؤلاء المتشددين بعض الوزراء الذين دعوا إلى تطهير قطاع غزة والضفة الغربية عرقياً من الفلسطينيين من أجل إعادة توطين اليهود الإسرائيليين فيهما.
وكان نتنياهو يحرص في كل مناسبة، على الاستهزاء ببايدن، على رغم المجازفة السياسية التي أقدم عليها الزعيم الأميركي حينما احتضنه. والآن، برفضه الاستجابة لنصيحة الرئيس بالبقاء خارج رفح، فقد أجبر بايدن على اتخاذ إجراء.
وهكذا أعلن بايدن في مقابلة متلفزة ليل الأربعاء أن الولايات المتحدة لن تزود إسرائيل بأنواع الأسلحة التي يمكن استخدامها لتنفيذ مذبحة جماعية لسكان رفح. وفي المقابلة، التي أجرتها معه إرين بورنيت، وهي مقدمة الأخبار على شبكة "سي أن أن"، أقر بايدن بإيقاف شحنات القنابل. وإذ أكد مدى سعادته بمساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فهو ذكر أن المساعدة في مقتل المدنيين لا تجعله يشعر بالسعادة.
وقال "لقد قتل مدنيون في غزة نتيجة [لاستعمال] تلك القنابل وغيرها من الطرق التي يستهدفون بها المراكز السكانية". وأضاف في موقع آخر أنه "من الخطأ" التسبب في أزمة إنسانية في المنطقة.
وتابع "نحن لا نتخلى عن [مسؤولياتنا] حيال أمن إسرائيل. نحن نتخلى عن [دعم] قدرة إسرائيل على شن حرب في تلك المناطق".
إن وضع شروط على المساعدات هو تغيير مهم في الاستراتيجية. ومع ذلك، فإن كلا الجانبين يتصرف علناً وكأن هذا التطور هو مجرد جعجعة بلا طحين.
وفي مقطع فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي بعد وقت قصير من مقابلة بايدن، قال نتنياهو "لا يستطيع أي قدر من الضغط" أن "يمنع إسرائيل من الدفاع عن نفسها". وأعلن "إذا أجبرت إسرائيل على أن تقف بمفردها، فإن إسرائيل ستقف بمفردها".
وذكر مستشار بايدن لشؤون اتصالات الأمن القومي، جون كيربي، للصحافيين الخميس، إن البيان الأخير للرئيس لا ينذر بأي تغيير كبير في سياسة الولايات المتحدة. كما تعهد كيربي بأن الولايات المتحدة "لن تبخل في إنفاقها" للتمويل الذي خصصه الكونغرس للدفاع عن إسرائيل.
غير أن الضرر قد حصل. ومن خلال إجبار بايدن على القول علناً إن الولايات المتحدة لن تدعم غزواً شاملاً لرفح بعد إظهار تجاهله مشورة الرئيس، فقد سمح نتنياهو للزعيم الأميركي بتغيير الحدود المقبولة في العلاقة بين البلدين.
لقد جعل الآن ممكناً إلزامه هو أو من يخلفه، التقيد بالقواعد ذاتها المفروضة على أي شخص آخر عند استخدام الأسلحة الأميركية.
© The Independent