Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حال الاقتصاد... في الانتخابات الأميركية

كيف يمكن استكمال بناء اقتصاد ناجح لمصلحة الجميع

جو بايدن في منشأة جديدة لتصنيع أشباه الموصلات بنيو ألباني في ولاية أوهايو، سبتمبر 2022 (جوشوا روبرتس/ رويترز)

ملخص

على رغم انتعاش الاقتصاد إلا أن أميركيين كثراً لا يشعرون بهذه الإيجابيات ومعها فإنهم يعبرون عن سخطهم من بايدن لأن المطلوب هو حل المشكلات الهيكلية للاقتصاد وعدم الاكتفاء بمعالجة الأعراض

يضع الرئيس جو بايدن سجله الاقتصادي في قلب مساعيه لتولي ولاية رئاسية ثانية. وشدد خطابه عن حالة الاتحاد الذي ألقاه في مارس (آذار) الماضي على إنجازات إدارته. قال: "ورثت اقتصاداً يقف عند حافة الهاوية. والآن بات اقتصادنا موضع حسد العالم". وعلى رغم أن استطلاعات الرأي تظهر أن كثيراً من الأميركيين يشككون في زعم كهذا، تشير البيانات إلى أن الاقتصاد الأميركي في حال جيدة. فلا يزال معدل البطالة منخفضاً عند 3.9 في المئة، وتراجع معدل التضخم إلى 3.5 في المئة من ذروته التي بلغت 9.1 في المئة في يونيو (حزيران) 2022، وينمو الإنفاق الاستهلاكي بقوة حتى مع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بوتيرته المحمومة عام 2023.

يمكن أن يشير بايدن إلى عدد من التشريعات التي صُودِق عليها خلال ولايته والتي تساعد في تفسير هذا النجاح النسبي. ويعود بعض الفضل في الأقل في المكاسب الاقتصادية الأخيرة لقانون "خفض معدل التضخم" Inflation Reduction Act (IRA) وقانون الرقائق والعلوم CHIPS and Science Act (CHIPS) ومشروع قانون البنية التحتية الذي أعده الحزبان، فهذه التشريعات أدت إلى ضخ القطاع العام استثمارات بلغ مجموعها نحو 537 مليار دولار وإلى تحفيز التزامات استثمارية من قبل القطاع الخاص تُقدر بنحو 866 مليار دولار ويُتوقع أن تنمو إلى تريليونات الدولارات، في حين أضاف الاستثمار في التصنيع نحو 0.4 في المئة إلى الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي. وتأتي هذه الموجة من التمويل الحكومي في حين تواصل الحكومة البريطانية وغيرها من الحكومات الأوروبية مقاربة التقشف حتى مع تخلف أدائها الاقتصادي عن أداء الولايات المتحدة. وتمثل استثمارات بايدن الواسعة النطاق في السياسة الصناعية خروجاً عن سياسات الإدارات السابقة وقد أحدثت تغييراً كبيراً في محادثات السياسات محلياً وعالمياً.

لكن على رغم الإحصاءات، كثير من الأميركيين لا يشعرون بأن الاقتصاد يعمل بصورة جيدة لمصلحتهم، ذلك أن نقاط الضعف البنيوية المستمرة، بما في ذلك قوانين العمل الضعيفة ونقص الاستثمار في خدمات التعليم والرعاية الصحية المتيسرة ومعدلات المديونية المرتفعة جداً والتفاوت المتزايد في الدخل والثروة، تعني أن معظم الأميركيين لا يلمسون مكاسب التعافي الحالي. ولن يحقق الاستشهاد بأرقام مجردة لإقناع الجمهور الذي لا يزال يمارس التقشف إنجازات كبيرة على صعيد كسب الناخبين المتشككين الذين لا يثقون بأن النظام ينجح في صورة مفيدة لهم.

لإقناع الأميركيين بأن ولاية ثانية لبايدن ستسمح لهم بجني الفوائد الكاملة لسياسة الرئيس الصناعية الجديدة، يجب على الإدارة إحراز تقدم في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة لزيادة حجم الاقتصاد الأميركي حقاً من "الوسط إلى الطرف ومن الأسفل إلى الأعلى" [أي تعزيز إمكانات الطبقتين الوسطى والدنيا أولاً]، وفق وصف البيت الأبيض طموحه الاقتصادي في يونيو 2023. وسيتطلب ذلك نهجاً أوسع نطاقاً وأكثر جرأة – نهجاً لا يخجل من وقف التمويل الثقيل لقطاع الشركات في البلاد.

عودة السياسة الصناعية

منذ تولي إدارة بايدن الحكم عام 2021، اتبعت أجندة للتجديد الاقتصادي تسعى صراحة إلى الابتعاد من كل من الافتراض القديم بأن المنافع الاقتصادية سوف "تتدفق" دائماً إلى الأميركيين العاديين والميل إلى خفض العجز وممارسة التقشف وهو ميل اجتاح العالم في أعقاب الأزمة المالية عام 2008. لقد تبنت الإدارة النمو المستند إلى الاستثمار، إلى حد كبير من خلال إجراءات تتعلق بجانب العرض، بما في ذلك المنح والقروض والمزايا الضريبية وغير ذلك من الحوافز. ويمثل تركيز بايدن على السياسة الصناعية تحولاً ملحوظاً. وعلى رغم أن التدخل الحكومي في الاقتصاد ليس أمراً جديداً – في الواقع، لم يكُن "وادي السيليكون" ليرى النور من دونه – يتجنب قادة الولايات المتحدة منذ فترة طويلة السياسة الصناعية باعتبارها تتعارض مع الحكمة المقبولة بأن الدولة يجب أن تؤمن فقط الظروف المناسبة لنجاح الأسواق وإصلاح إخفاقات الأسواق عند حدوثها وعدم التدخل في الأمور الأخرى. أما بايدن، فمن خلال جعل السياسة الصناعية محوراً لاستراتيجيته الاقتصادية، جعل من الممكن إجراء نقاش سياسي مدروس حول نوع النمو الذي تريده الولايات المتحدة والجهات التي يجب أن تستفيد منه.

وتظهر استراتيجية بايدن الصناعية من خلال تشريعات مثل قانون خفض معدل التضخم وقانون الرقائق والعلوم ومشروع قانون البنية التحتية الذي أعده الحزبان وخطة الإنقاذ الأميركية، مع التركيز على رفع القدرة الإنتاجية للاقتصاد الأميركي وعلى الاستثمارات التي تأخذ في الحسبان حاجات المناطق المستهدفة، لا سيما المناطق المتعثرة اقتصادياً. وتعكس هذه الإجراءات رغبة في تعزيز الإدماج الاقتصادي ورفع مستويات المعيشة وخفض انبعاثات غازات الدفيئة.

 لن تنجح أي سياسة صناعية إذا تجاهلت مصالح العاملين

ويُعَد بناء اقتصاد أكثر شمولاً واستدامة معركة شاقة – لكنها حيوية. وتواصل أنظمة حوكمة الشركات في البلاد إعطاء الأولوية إلى مصالح المساهمين على حساب مجموعة أوسع من الجهات الفاعلة التي تولد قيمة اقتصادية. لقد انفصلت الأسواق المالية عن الاقتصاد الحقيقي، إذ تتركز الاستثمارات في الغالب على شركات التمويل والتأمين والعقارات. وعلاوة على ذلك، تنفق الشركات الناشطة في الاقتصاد الحقيقي، مثل تلك العاملة في مجال المستحضرات الصيدلانية والتصنيع، من المال على عمليات إعادة شراء الأسهم أكثر مما تنفق من المال على الأنشطة الإنتاجية مثل تدريب العاملين والبنية التحتية وتحديث التكنولوجيا والبحث والتطوير.

وكانت عمليات إعادة شراء الأسهم في الولايات المتحدة (تعيد الشركات من خلالها شراء أسهمها لتضخيم أسعار الأسهم) في ارتفاع لأعوام عدة، فوصلت إلى 795.1 مليار دولار في 2023، ومن المتوقع أن تزيد هذا العام. وأنفقت الشركات أكثر من أربع تريليونات دولار خلال العقد الماضي على عمليات إعادة شراء الأسهم. تعزز إعادة شراء الأسهم أسعار وخيارات الأسهم وتعزز نتيجة لذلك أجور المسؤولين التنفيذيين، في حين يتزايد التفاوت في الدخل والثروة في الولايات المتحدة. وانخفضت عضوية النقابات بصورة مطّردة من أكثر من 30 في المئة من القوة العاملة في خمسينيات القرن الـ20 إلى نحو 10 في المئة اليوم، ويتخلف معدل الأجور عن معدل الإنتاجية منذ سبعينيات القرن الـ20، وارتفعت الحصة من الدخل الوطني في صفوف أعلى واحد في المئة من أصحاب الدخل من نحو 10 في المئة في منتصف سبعينيات القرن الـ20 إلى نحو 20 في المئة اليوم. ومما يثير القلق بالقدر نفسه أن تحسن الأوضاع الاقتصادية بين جيل والجيل التالي له دخل في مرحلة ركود. وهذه الاتجاهات الاقتصادية تساعد في تفسير القلق والغضب اللذين يعززان موقف منافس بايدن، الرئيس السابق دونالد ترمب.

عقد اجتماعي جديد

لكي تعود السياسة الصناعية الأميركية بالنفع الحقيقي على العاملين، يجب أن تساعد في تحقيق عقد اجتماعي جديد بين الدولة وقطاع الأعمال وبين رأس المال والعمالة يركز على المصلحة العامة وعلى استعادة ثقة الجمهور بالدولة. فيمكن للسياسة الصناعية إعادة تعريف شروط هذه العلاقات. ويمكن للحكومات أن تجعل الوصول إلى تمويل القطاع العام والمزايا الأخرى التي تمنحها الدولة مشروطاً بتصرف الشركات بطرق تزيد من القيمة العامة. مثلاً، قد يُطلَب من شركة تتلقى قروضاً أو مزايا ضريبية من الدولة ضمان بقاء البضائع والخدمات والتكنولوجيات التي تنتجها متاحة وبأسعار ميسورة ومشاركة ملكيتها الفكرية مع غيرها. تستثمر الحكومة الأميركية أكثر من 40 مليار دولار في ابتكار العقاقير من خلال المعاهد الصحية الوطنية، لكنها لم تعمل بعد لضمان عدم فرض أسعار مفرطة على دافعي الضرائب الذين يمولون تطوير العقاقير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى رغم أن شروطاً كهذه لم تكُن بصورة لافتة جزءاً لا يتجزأ من إنتاج "فايزر-بيونتيك" لقاح "كوفيد-19" الخاص بها، كانت كذلك في إنتاج لقاح "أوكسفورد-أسترازينيكا" لأن باحثي جامعة أوكسفورد اشترطوا توفير إمكان الوصول إلى اللقاح في المستقبل لكي يتعاونوا في البحوث المعنية. وينبغي أن ترافق تمويل القطاع العام أيضاً أحكام تتطلب من الشركات التي تتلقى أموالاً من القطاع العام أن تتقاسم جزءاً من أرباحها مع هذا القطاع وأن تشجع على إعادة استثمار أرباح أعمالها في أنشطة إنتاجية مثل تدريب العاملين والبحث والتطوير.

ويُحسَب لإدارة بايدن أنها بدأت تتحرك في هذا الاتجاه. فيفرض قانون الرقائق والعلوم، مثلاً، شروطاً على الشركات التي تتلقى دعماً من القطاع العام. ولا تستطيع الشركات المشاركة استخدام الأموال التي تتلقاها في إجراء عمليات إعادة شراء للأسهم ويطلب منها وضع خطط لتدريب العاملين، وأحكام لتعزيز وصول العاملين إلى خدمات رعاية الأطفال والتزامات بممارسات تصنيع مستدامة. ومع ذلك، يشير معارضون في نقابات عمالية بقلق إلى أن هذه الإجراءات مرنة للغاية ولا تمضي بعيداً بما فيه الكفاية. هي، مثلاً، لا تحدد المعايير الدنيا للأجور في الشركات المتلقية كلها، أو تمنع إعادة شراء الأسهم تماماً، أو تتطلب إبرام اتفاقات في مجال المنفعة المجتمعية تساعد في خدمة السكان في المناطق المحرومة اقتصادياً، أو تحمي حق العاملين في الانتساب إلى نقابات.

ويزعم معارضون آخرون أن إجراءات كهذه تطمس الخطوط الفاصلة بين السياسة الصناعية والسياسة الاجتماعية ويصرون على أن الهدف الأساسي لاستثمار القطاع العام يجب أن يكون ببساطة زيادة الإنتاج والإنتاجية. لكن الشركات لا تزال حريصة على تلقي الدعم من خلال قانون الرقائق والعلوم: اعتباراً من فبراير (شباط)، تلقت الحكومة أكثر من 600 رسالة اهتمام من شركات تعمل في 42 ولاية.

ولا يسمح تضمين الأحكام الاجتماعية والبيئية في استثمارات السياسة الصناعية بأن يحقق مال القطاع العام نجاحاً أفضل من أجل المصلحة العامة فحسب، إذ يمكن لهذه الأحكام أيضاً أن تعزز فاعلية السياسة الصناعية. مثلاً، يمكن أن تساعد الأحكام المتعلقة بالأهداف المناخية، إذا صُممت بصورة جيدة، في تسريع التحولات التي ستجعل الصناعات الأميركية أكثر قدرة على المنافسة عالمياً (كما كانت حال قطاع الصلب الألماني الذي استفاد من تمويل القطاع العام المشروط بالحد من انبعاثات الكربون الناتجة من إنتاج الصلب). وتساعد حماية مصالح العاملين في الحفاظ على علاقات جيدة بين مالكي الشركات وعامليها، وفي تجنب الاضطرابات التي تتسبب بها الإضرابات مثل إضراب "عاملي السيارات المتحدين" العام الماضي. هذا لا يعني أن السياسة الصناعية ينبغي أن تصبح وسيلة للنهوض بالأولويات الاجتماعية والبيئية كلها. علاوة على ذلك، يجب أن تُصمم العقود بين القطاعين العام والخاص بصورة مدروسة وخلاقة لوضع معايير وأهداف واضحة من دون الإفراط في التضييق على سبل تلبية الشركات لها، مما قد يخنق الإبداع.

لن تنجح أي سياسة صناعية إذا تجاهلت مصالح العاملين الأميركيين. وفق الرأي الذي عبرتُ عنه [المؤلفة الأولى مازوكاتو] في مقالة سابقة نشرتها "فورين أفيرز"، أكد إضراب "عاملي السيارات المتحدين" أهمية حقوق العاملين وتمثيلهم وتعويضهم العادل خلال التحول إلى الاقتصاد الأخضر. وإذا كان العاملون الذين ينتجون بطاريات للسيارات الكهربائية يكسبون أجوراً أقل من المعايير المعتمدة في الصناعة، لن يكون التحول الأخضر تحولاً منصفاً – ومن دون دعم العاملين والجمهور، سيتوقف. وعد بايدن في مناسبات عدة بأن يكون الرئيس الأكثر تأييداً للعاملين والنقابات في تاريخ الولايات المتحدة. وعلى رغم أنه قدم دعماً رمزياً قوياً (في سبتمبر/ أيلول 2023، أصبح بايدن أول رئيس في منصبه ينضم إلى اعتصام)، هو يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد في ما يتعلق بالسياسة. وإضافة إلى توفير أجور منصفة وتدريب للعاملين ووصول إلى مزايا مثل خدمات رعاية الأطفال (في حالة قانون الرقائق والعلوم)، يمكنه أن يطلب من الشركات التي تتلقى دعماً من القطاع العام، مثلاً، السماح بتمثيل العاملين في مجالس إدارتها – وهو نهج أكثر شيوعاً في أوروبا ويمكن أن يعزز رؤية بعيدة الأجل في الإدارة ويضمن وجهات نظر قيمة في عمليات اتخاذ القرار تكون مرتكزة على فهم مباشر لعمليات الشركة.

للمضي قدماً في تحول أوسع نطاقاً – تحول يطاول الشركات كلها، وليس فقط تلك التي تتلقى دعماً مباشراً من القطاع العام – ينبغي على الإدارة إعطاء الأولوية إلى إصلاحات قانون العمل والنظر في أدوات مثل المساومة القطاعية لتمكين العاملين وكبح جماح السياسة التي تعطي الأولوية إلى المساهمين. عادة، يجري التفاوض على عقود العمل بين شركات معينة وعامليها. أما المساومة القطاعية فتتطلب أن يجلس العاملون والشركات والحكومة معاً للتفاوض على معايير مشتركة لقطاع بأكمله أو صناعة بأكملها – مما يضمن للشركات التي تعامل عامليها بصورة جيدة ألا يكون موقفها غير مؤات. هذا النهج موجود بالفعل في بعض الولايات، مثل كاليفورنيا وكولورادو ومينيسوتا التي أصدرت قوانين لإنشاء مجالس تتألف من ممثلين عن العمالة والأعمال والحكومة وتُكلف وضع معايير تطاول القطاع ككل.

تبلور شكل السوق

يمكن للسياسة الصناعية أيضاً أن تحقق هدفاً أوسع نطاقاً. ليس دور الحكومة تعزيز النمو من أجل النمو، بل توجيه النمو ليكون مفيداً لمزيد من الناس وليكون مستداماً. وبالمثل، لا يقتصر دورها فقط على معالجة إخفاقات الأسواق، بل يشمل أيضاً تشكيل الأسواق. يمكن للاستراتيجية الصناعية الأميركية أن تحدث تغييراً إيجابياً هائلاً في كثير من المجالات، بما في ذلك الرعاية الصحية والإسكان والجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ. وسيتطلب القيام بذلك اتخاذ إجراءات أكثر جرأة. حتى الآن، اعتمدت السياسة الصناعية الأميركية بصورة كبيرة على الإجراءات الضريبية، مثل تلك المضمنة في قانون خفض معدل التضخم. لكن للمضي قدماً، إذا فاز بايدن بولاية ثانية، يجب أن تعتمد السياسة الصناعية على المجموعة الكاملة من السلطات الحكومية لتنمية مجموعة أوسع من أدوات السياسة ومن المؤسسات.

خذوا، مثلاً، الأموال الضخمة التي في متناول البلاد. تُعَد الحكومة الفيدرالية الأميركية كبرى الجهات الشارية في العالم، إذ تنفق أكثر من 630 مليار دولار سنوياً على المنتجات والخدمات، مما يجعل المشتريات العامة أداة قوية لتشكيل الأسواق. من خلال الاختيار الحكيم للمنتجات والخدمات التي تشتريها والجهات التي تشتريها منها، يمكن للحكومة الأميركية توليد فرص سوقية جديدة للشركات وتحفيز استثمار وابتكار يتماشيان مع أهداف السياسة الصناعية والأهداف المجتمعية والبيئية. لقد بدأت الحكومة بالفعل الاستفادة من هذه الموازنة لإنشاء أسواق من شأنها أن توجه الابتكار في الصناعات الحيوية، هي تتطلب، مثلاً، أن تعطي مشتريات القطاع العام لمواد البناء الأولوية إلى الخيارات المنخفضة الكربون. ويجب على الإدارة النظر في توسيع نطاق هذه المبادرة لتحفيز الحد من انبعاثات الكربون في أسواق مثل الزراعة والطيران والشحن وغيرها من القطاعات التي تصعب فيها إزالة الكربون. ويمكنها أيضاً أن توسع نطاق استخدام المشتريات الاستراتيجية لتشمل أهدافاً أخرى. مثلاً، يمكن للحكومة أن تجعل المشتريات من شركات المستحضرات الطبية مشروطة بضمان الوصول إلى منتجاتها بأسعار معقولة.

إن من شأن إنشاء مصرف تنموي وطني جديد وأخضر أن يمكن أيضاً من التوسع الأسرع في مشاريع الطاقة النظيفة والإنتاج المنخفض الكربون. ثمة مصارف تنموية وطنية حول العالم. يُذكر أن المصرف التنموي الوطني الألماني، أي "مؤسسة الائتمان لإعادة الإعمار" (كاي إف دبليو)، يؤدي دوراً حاسماً في جهود بلاده لإزالة الكربون من اقتصادها، إذ يقرض، مثلاً، شركات التكنولوجيا الخضراء ومشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. يمكن للحكومة الأميركية إنشاء مصرف وطني مماثل، بناء على الخطط الحالية لصندوق الحد من غازات الدفيئة الذي ترعاه وكالة حماية البيئة. ومن شأن مصرف كهذا، يعمل بالشراكة مع المصارف الخضراء على مستوى الولايات، أن يكمل قائمة الحوافز الضريبية والمنح وغيرها من إجراءات السياسة المعمول بها حالياً لتشجيع إزالة الكربون. مثلاً، يمكن للمصرف أن يصدر قروضاً بأسعار فائدة منخفضة للمساعدة في إزالة العوائق (المرتبطة إلى حد كبير بارتفاع الكلف الناجمة عن التضخم) التي تمنع حالياً التوسع في المرافق البحرية لطاقة الرياح.

على رغم قوة الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة منذ جائحة "كوفيد-19"، يتخلف بايدن عن ترمب، منافسه الجمهوري على الرئاسة، في عدد من استطلاعات الرأي الرئيسة. يلوم ترمب بايدن في شأن معاناة كثير من الأميركيين، لكن اللوم يجب أن يقع حقاً على المشكلات الهيكلية التي عالجها عدد قليل جداً من الرؤساء. يحتاج بايدن إلى أن يظهر أنه سيلاحق أسباب هذا الشعور بالضيق، وليس فقط أعراضه. وللقيام بذلك، يجب عليه إقناع الجمهور الأميركي بأن لديه خطة للبناء على النجاحات المبكرة لاستراتيجيته الصناعية بطريقة تفيد كل من الشركات والعاملين وتحقق اقتصاداً مرناً ومستداماً وشاملاً – فيوزع ليس الأخطار فحسب بل المنافع كذلك.

*ماريانا مازوكاتو أستاذة في كلية لندن الجامعية، والمديرة المؤسسة لمعهد الابتكار والأغراض العامة في الكلية، ومؤلفة كتاب "مهمة الاقتصاد: دليل طموح لتغيير الرأسمالية".

**سارة دويل رئيسة السياسات لدى المديرة الأستاذة مازوكاتو في معهد الابتكار والأغراض العامة بكلية لندن الجامعية.

مترجم عن "فورين أفيرز"، 6 مايو 2024

المزيد من آراء