Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

منع الهواتف الذكية في المدارس  البريطانية فكرة رهيبة

لا شك في أن تثقيف أبنائنا على تمييز "الأخبار الكاذبة" والتضليل مسألة حيوية اليوم أكثر من أي وقت مضى وذلك يتعذر عليهم مع التجهيل والتعتيم

"'لو أردت لأبنائك حياةً خالية من الشاشات- ووددت أن يكنوا لك بعض الاحترام- فلا مجال للمواربة: تخل عن هاتفك أولاً قبل أن تحاول منع هواتفهم عنهم" (غيتي/آي ستوك)

ملخص

حظر الهواتف في المدارس البريطانية يحرم اليافعين من حقوقهم الديمقراطية ويحول دون اكتسابهم مهارات التمييز بين الأخبار الكاذبة والأخبار الفعلية

اضطرت نحو ثلاثة آلاف مدرسة في المملكة المتحدة أثناء جولة الانتخابات الأخيرة أن توقف تعليم الأطفال كي تفتح أبوابها للبالغين وتتيح لهم استخدام مبانيها كمراكز اقتراع يمارسون فيها حقهم الديمقراطي بالتصويت. لكن ماذا عن حقوق الأطفال الديمقراطية؟

يبدو النظر في امتلاكهم هذه الحقوق مستهجناً بعض الشيء- على رغم أن زهاء خُمس السكان، أي أكثر من 14 مليون شخص، هم تحت سن التصويت القانوني وهو 18 عاماً.

وأرى أن أبلغ مظاهر قلة احترامنا لتلك الحقوق هو فكرة منع الهواتف الذكية لليافعين- وهي فكرة سوف تتداول فيها الحكومة قريباً. فهل تسعى إلى معرفة آراء الأشخاص الذين سيتأثرون بهذا المنع، أم ستأتي زمرة من البالغين المتحمسين جداً لكي تطغى على أصواتهم؟ أعتقد أن الاحتمال الأخير هو الوارد. 

باعتباري والد طفلين بعمر السادسة والتاسعة، أُقحمت في مجموعات متعددة ومنظمة بشكل مفاجئ على "واتساب" تنشط في السعي إلى حظر الهواتف الذكية [في أيدي اليافعين]. وأكثرها تميزاً مجموعة طفولة خالية من الهواتف الذكية التي تتبع كتابات عالم النفس الأميركي جوناثان هايدت، وهو شخص يحظى بتأييد [رئيس الوزراء البريطاني] سوناك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وما يفاجئني ليس فقط شدة حماسة أعضاء المجموعة بل نفاق البالغين الذين يجتمعون على هواتفهم ووسائل التواصل الاجتماعي بهدف حرمان أطفالهم من الامتياز نفسه. لا يقترح أيٌ من هؤلاء الآباء التخلي عن هواتفهم الخاصة على رغم انتشار الوعي بشأن قدرة الهواتف الذكية على إلحاق الضرر بحياة البالغين والأطفال على حد سواء.

من وجهة نظر الصغار، يتكلم الكبار عن العالم الافتراضي بشكل ملؤه النفاق. فهم يستمعون إلى كلام البالغين المتواصل عن أخطار منصات التواصل الاجتماعي مثلاً، فيما يشاهدوننا ونحن نستخدمها مع ذلك بشكل مهووس. وغالباً ما تقتصر مساهمتهم فيها على وجودهم البحت واستخدامهم كمحتوى ظريف [تناقل نوادر الأطفال وصورهم] من دون الحصول على موافقتهم.  

طرحت وزيرة التكنولوجيا ميشيل دونلان احتمال رفع الحد الأدنى للعمر المسموح عنده باستخدام التواصل الاجتماعي، من 13 إلى 16 سنة. وما يعنيه ذلك هو أنه يحق لشخص بالغ تحميل آلاف الصور للطفل خلال حياته على حساب علني على "إنستغرام"، بينما لا يحق للطفل أن يكون له رأي في الموضوع. والأسوأ أنه سيُمنع على الطفل دخول الحساب ومعرفة ما يقوله البالغون عنه على الإنترنت. 

أين العدالة والإنصاف في هذا؟

على المستوى الأخلاقي، أشمئز من أي شخص مستعد أن ينشر صورة طفل على منصة يُمنع على الطفل أن يدخلها. فهذه إهانة لحق الطفل بالخصوصية وأنا متأكد أن أطفالنا سوف يحاسبوننا عندما يدركون في نهاية المطاف ما الذي نشرته أمهم أو أبوهم من أجل حصد "الإعجاب".

إن أطفال اليوم هم ناخبو الغد، لكن كيف سيكوّنون آراءهم عندما يحصلوا في النهاية على حريتهم لو ظلوا في حال في التعتيم والتجهيل؟ 

يشكل اعتبار الصحافة "السلطة الرابعة" جزءاً من دستورنا بحكم الواقع. لكن الحقيقة المحزنة هي أنه من دون هواتف، سوف تُقيد إمكانية اطلاع الأطفال على الإعلام أو تُقلص بشكل جذري- وهذا أحد حقوقهم التي تكرسها اتفاقية اليونيسيف لحقوق الطفل.    

كيف سيتعلمون التمييز بين الأخبار الحقيقة و"الأخبار الكاذبة" بسرعة ودقة إن لم يفتح أمامهم المجال للاطلاع على مصادر إخبارية موثوقة عن طريق الهواتف الجوالة إسوةً بالبالغين؟

أناشد كل ناشط في هذا المجال أن يخبرني كيف يمكن لذهن في طور التكوين اكتشاف النقاش السياسي المتوازن والقراءة عن القضايا والفعاليات التي تشكل نظرتنا السياسية- بل كيف سيتعلم الاهتمام بالسياسة من الأساس- من دون هاتف ذكي.

يدرك كثير من الآباء وجود نزعة عجرفة وإطلاق أحكام ترتبط بموضوع الأطفال ومدة استخدامهم للشاشة. ليس مستبعداً أن تواجه مواقف تحمل قدراً من السخرية والتمييز الطبقي تجاه من يُعتقد بأنهم "يدللون" أطفالهم عبر السماح لهم باستخدام الشاشات. عليكم أن تحترموا قرارات الآباء الآخرين، سواء أعجبتكم أم لم تعجبكم- وذلك يسري على الهواتف الذكية وعلى التوقيت المناسب لكي يقتنيها الأطفال برأي كل أسرة.

والنقطة الأهم هي أنه هذا الأسبوع، صرح إيان راسل- والد مولي راسل التي انتحرت للأسف بعد اطلاعها على محتوى على "إنستغرام متعلق بالاكتئاب وإيذاء الذات والقلق- باعتقاده أن منع الهواتف سيأتي بنتائج عكسية فيضر أكثر مما ينفع. ويرى أن هذا المنع لن يحل المشكلات الأساسية وسوف يؤدي إلى انهيار الثقة بين الأطفال وآبائهم إن كان هؤلاء يستطيعون مراقبة استخدام طفلهم للإنترنت.     

أنا أوافقه الرأي تماماً. احترموا خياراتهم. وأنشأوهم بحيث يصبحوا أصحاب فكر مستقل. واستقلالية شخصية. ورجاحة عقل ورشد. والأهم أنه عليكم التحدث إليهم عن أخطار "المبالغة في التواجد على الإنترنت" وتعليمهم سبل حماية أنفسهم.

كلنا في النهاية في الخندق نفسه: أولئك الذين يرغبون بمنع الهواتف جهاراً والآخرين (مثلي) الذين لا يريدون ذلك. فجميعنا ننشد الأفضل لأطفالنا. ويمكننا أن نتفق أيضاً على أن العالم الافتراضي يمكن أن يكون مكاناً مقرفاً ومتوحشاً وشديد العداء للمجتمع- لكن البالغين هم الذين يتسببون بهذه الأضرار وعليهم هم أن يعانوا وليس الأطفال.

أما بالنسبة إلى تقديم مثال يحتذي به الأطفال، فالموضوع بسيط جداً: علينا أن نمتنع عن النفاق.

لو أردت لأبنائك حياةً خالية من الشاشات- ووددت أن يكنوا لك بعض الاحترام- فلا مجال للمواربة: تخل عن هاتفك أولاً قبل أن تحاول منعهم عن هواتفهم.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات