Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأردن... جهود الأمن تلتقي بالتحديات الجيوسياسية

الموقع الجغرافي حول البلاد إلى دولة مواجهة مع الإرهاب والتهريب وتعرضت إلى ثلاث موجات لجوء خلال 100 عام

الموقع الجغرافي للأردن يفرض عليها مجموعة أخطار أمنية (أ ف ب)

ملخص

الجغرافيا المعقدة مكنت الأردن من لعب أدوار إقليمية وتاريخية في الصراعات والحروب على رغم الموارد المحدودة والمساحة الصغيرة والإمكانات المتواضعة، منها الدور المحوري في التحالف الدولي ضد "داعش" وعمليات التسلل وتهريب المخدرات من الأراضي السورية التي باتت تشكل حلقة في سلسلة التحديات الأمنية.

لطالما شكل موقع الأردن الجغرافي ومحيطه المتوتر تحديات كبيرة لأمنه الداخلي، فهو يقع في قلب الشرق الأوسط، ويعد جسراً بين الشرق والغرب، مما جعله عرضة لتأثيرات سياسية وثقافية متنوعة.

ومنذ القرن الماضي كان الأردن أحد أطراف الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لاعتبارات عديدة، فأصبح طرفاً في أي مشروع لتسوية القضية الفلسطينية وحل الصراع العربي - الإسرائيلي، وشكل ذلك عبئاً سياسياً ودبلوماسياً على المملكة.

لكن الحرب الأهلية في سوريا ضاعفت هذه الأعباء، وأدت إلى تدفق ملايين اللاجئين إلى الأردن، بما حمله ذلك من ضغط على البنية التحتية وتهديد ديموغرافي وأمني.

قبل ذلك بسنوات كان الأردن يستقبل موجة لجوء جديدة من العراق المجاور على فترتين، وفي أعقاب حرب الخليج الأولى والثانية.

ووسط ذلك كله لم يسلم الأردن من ارتدادات التطرف والإرهاب، فكان مسرحاً لعمليات الجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وتنظيم "داعش".

خطر التسلل والمخدرات

أما اليوم فإن عمليات التسلل وتهريب المخدرات من الأراضي السورية باتت تشكل الحلقة الأحدث في سلسلة التحديات الأمنية التي فرضها جوار الأردن الملتهب.

ويعتقد مراقبون أن ثمة اضطرابات اجتماعية داخلية يمكن أن تنشأ بسبب العبء الاقتصادي الذي ترتب على تدفق اللاجئين، كما أن تصاعد البطالة والفقر، يمثل بيئة خصبة لنمو التطرف، ويؤثر في قدرة المملكة على التعامل مع التحديات الأمنية، على رغم تعزيز الأمن الحدودي ومكافحة الإرهاب وتنفيذ إصلاحات اقتصادية عدة.

لكن هذه الجغرافيا المعقدة مكنت الأردن من لعب أدوار إقليمية وتاريخية على رغم الموارد المحدودة والمساحة الصغيرة والإمكانات المتواضعة.

ومع ذلك حاول الأردن تحصين نفسه وفق مراقبين بالوجود العسكري الأميركي على أراضيه، ومن خلال اتفاق الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة الأميركية الذي وقع في 2022 على رغم سخط شعبي وبرلماني.

وتشير تقديرات إلى وجود 3 آلاف جندي أميركي، و مئات من المدربين الأميركيين الذي يقدمون تدريبات ومشورات عسكرية للجانب الأردني.

 وبحسب الاتفاق، بإمكان القوات الأميركية الوجود بحرية داخل 11 قاعدة عسكرية في طول البلاد وعرضها.

الهوية الوطنية الأردنية

 يقول المحلل السياسي حسين رواشدة إن الحرب على غزة كشفت كثيراً في الداخل الأردني، وأظهرت حجم الخطر الذي يهدد الأردن مما يدعو إلى تعريف المصالح العليا للدولة، وإعادة تعريف المصالح الوطنية، وبناء جبهة أردنية موحدة ومحصنة، وفتح نقاش عام هادئ ومسؤول، حول ملف اللجوء في الأردن وتأثيراته أمنياً وسياسياً واجتماعياً.

ويضيف المحلل السياسي "الأردن البلد الوحيد في محيطنا العربي الذي يترتب عليه أن يكون مشروعاً للحرب والمقاومة على الجبهات ثم يحملونه مسؤولية أي تقصير".

يؤكد الرواشدة أن الأردن مقبل على تحولات سياسية لها استحقاقاتها، سواء على صعيد الداخل أم الخارج، وهو ما يحتاج إلى دولة قوية تحسم تعريف خياراتها ومصالحها، بـجبهة داخلية متماسكة.

 تهديدات ناشئة

 لكن وزير الإعلام السابق محمد المومني يضيف الخطر الإيراني إلى قائمة الأخطار التي يفرضها الموقع الجغرافي للأردن، مشيراً إلى أن بلاده تعاملت بحكمة وصرامة مع الهجمات الإيرانية على إسرائيل عبر الأجواء الأردنية، في موقف سيادي واضح عنوانه رفض تحول الأراضي الأردنية إلى ساحة حرب في المنطقة.

يقول الباحث محمد برهومة إنه وبعد النجاح الأردني طوال السنوات الماضية، في مواجهة خطر المجموعات الإرهابية على الحدود مع سوريا والعراق، تنظر عصابات تجارة المخدرات العابرة للدول إلى الأردن ليس كمنطقة عبور إلى دول أخرى فقط، بل إلى ساحة مستهدفة بهذه التجارة غير المشروعة.

كما أن التهديدات الناتجة من انتشار الجماعات المسلحة في المنطقة تعتبر تهديدات ناشئة وغير تقليدية، من شأنها أن تترك تأثيراتها الواضحة في خرائط الجغرافيا السياسية الجديدة في المنطقة.

وهو ما دفع الجيش الأردني في 2022 إلى تغيير قواعد الاشتباك على الحدود مع سوريا للمرة الأولى، بعد أن أصبحت محاولات تهريب المخدرات منظمة ومتطورة.

ووفقاً لبرهومة انتقل التهديد البارز الذي يواجهه الأردن عبر حدوده الشمالية من الإرهاب إلى المخدرات، والخشية أن التحولات الديموغرافية التي شهدتها سوريا خلال السنوات الـ10 الماضية، من حيث تمركز مجموعات وقوى مسلحة موالية لإيران، تطرح تحديات وتهديدات جديدة للأمن الوطني الأردني.

تداعيات الجغرافيا

يصف دبلوماسي أردني في حديث لـ"اندبندنت عربية" واقع الجغرافيا الأردنية أنها جعلت المملكة دولة "مواجهة" رغماً عنها، وهو ما يفاقم مشكلاتها الأمنية يوماً بعد آخر، ويعتقد محللون أن الموقع الجغرافي للبلاد ألقى بظلاله على الاستقرار والأمن المائي له، إذ تسيطر إسرائيل على معظم الحصص المائية المشتركة.

بينما يؤكد آخرون أن الحدود الشرقية والجنوبية والشمالية للأردن سهلة ومكشوفة، وتفرض تحديات أمنية كبيرة حيث الصحراء المتصلة مع دول الجوار.

والأردن هو الدولة العربية الوحيدة التي تشترك بأطول حدود مع إسرائيل، ففيما يبلغ طول الحدود مع إسرائيل نحو 560 كيلومتراً يبلغ طول الحدود المشتركة مع العراق 181 كيلومتراً ومع سوريا 375 كيلومتراً.

ويؤكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مراراً أن القضية الفلسطينية تمثل قضية أمن وطني للأردن، كونها تمس بشكل مباشر المصالح الحيوية للأردن بخاصة في ما يتعلق بالوصاية الهاشمية على المقدسات وملفات الحل النهائي كالقدس واللاجئين وحق العودة والمياه.

وشكلت الجغرافيا قلقاً للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي قال في 2022 خلال مقابلة مع الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر، إن "الفراغ الذي تركه الروس في الجنوب السوري سيملأه الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا".

وكان العاهل الأردني قبل ذلك بسنوات وتحديداً في 2004 أول من حذر من خطر "الهلال الشيعي" وتمدد إيران في الدول العربية، مبدياً خشية بلاده من وكلاء طهران في الدول المجاورة.

  سياسة خارجية متوازنة

يعتقد مراقبون أن سر صمود الأردن في وجه ما يحدث من تحولات كبيرة في المنطقة هو السياسة الخارجية المتوازنة التي ينتهجها الأردن الرسمي، والقائمة على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى ورفض التدخل في شؤون الأردن الداخلية ومبدأ حسن الجوار.

 ووفقاً للكاتب فايز الفايز بدأ الأردن منذ فترة سياسة استراتيجية لإبقاء الأجواء الجيوسياسية في حال تبريد لإبعاد أي خطر أمني قادم من دول الجوار، مشيراً إلى عودة أردنية للتنسيق مع الجانب السوري الرسمي لوقف تهريب المخدرات، والانفتاح على التيارات السياسية العراقية كافة.

ولعب الأردن دوراً محورياً في التحالف الدولي ضد "داعش"، وأثار زحف مقاتلي التنظيم في العراق وسوريا قلقاً كبيراً في الأردن، وخوفاً من أن يتسلل هؤلاء المقاتلون عبر الحدود العراقية - الأردنية أو السورية شمالاً.

ويطرح الباحث محمد سلمان سيناريوهات عدة للخروج من التداعيات التي يفرضها موقع الأردن الجغرافي وسط جواره الملتهب، من بينها تعزيز التعاون الأمني الإقليمي والدولي لمواجهة ومكافحة الإرهاب.

ويدعو سلمان إلى تعزيز الأردن لقدراته الأمنية الداخلية، وتحقيق الاستقرار الداخلي سياسياً واقتصادياً وتنموياً لقطع الطريق على أية محاولة للعبث، فضلاً عن التعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لمساعدة اللاجئين وتخفيف الضغوط على البنية التحتية والموارد الطبيعية للبلاد.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي