ملخص
شهدت إثيوبيا منذ وصول رئيس الوزراء آبي أحمد للسلطة عام 2018 على أكتاف ثورة شعبية، سلسلة من الاغتيالات السياسية التي استهدفت عشرات الشخصيات البارزة ذات التأثير في المشهد السياسي والثقافي والفني.
كشفت رسالة من منظمة حقوق الإنسان الإثيوبية (EHRC) موجهة إلى حكومة ولاية أوروميا الإقليمية، عن "أن اللجنة التي شكلتها المنظمة للتحقيق في اغتيال القيادي في جبهة تحرير الأورومو باتي أورجيسا، أجبرت على الاستقالة".
وقالت المنظمة "بعد ثلاثة أيام من بدء تحقيقاتها في مدينة ميكي بمنطقة شوا الشرقية، وتمكنها من جمع شهادات الشهود في موقع الحادثة التي أودت بحياة السياسي البارز، وأظهرت سلسلة من الأنشطة التي تشير إلى احتمال تورط بعض العناصر من قوات الأمن الحكومية في عملية الاغتيال، تم إجبار المحققين على إنهاء عملهم".
وكشفت رسالة منظمة حقوق الإنسان الإثيوبية التابعة للدولة، والموجهة إلى مكتب رئيس ولاية أوروميا الإقليمية، ومكتب لجنة الشرطة الإقليمية، ومكتب المدعي العام الإقليمي، ومكتب الإدارة والأمن الإقليميين، أنه "بمجرد شروع خبرائها في إجراء تحقيقات معمقة حول ملابسات عملية الاغتيال عطلت أعمالهم، مما دفعهم إلى تقديم استقالتهم الجماعية".
واستناداً إلى المعلومات والأدلة التي جمعها فريق المحققين، فإن المنظمة توصلت إلى أن ثمة مؤشرات إلى تورط عناصر من قوات الأمن في عملية اغتيال مسؤول الملف السياسي في جبهة تحرير الأورومو.
ملاحقات واعتقالات
وأضافت الرسالة أن محققيها على مدى يومين من التحقيق المضني جمعوا معلومات مهمة تساعد السلطة القضائية في التوصل إلى الجهات الضالعة في اغتيال باتي، وأوضحت "في اليوم الثالث حاول الخبراء الاتصال بالشهود الذين تحدثوا إليهم في وقت سابق لطرح أسئلة إضافية، لكنهم اكتشفوا أن الشرطة ألقت القبض عليهم، في حين قالت الشرطة إنها احتجزت الشهود حفاظاً على سلامتهم، ومع ذلك منع المحققون من التحدث إليهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء في رسالة اللجنة الإثيوبية أيضاً أنه على رغم أن اللجنة بذلت "جهوداً كبيرة لضمان سلامة شهودنا" أثناء عملية التحقيق، فإن الشرطة لم تعتقل الشهود أنفسهم الذين تحدث إليهم محققو اللجنة فحسب، بل عندما كان فريق اللجنة يتجول في المدينة لإجراء التحقيق، طارد مجهولون سيارات خبراء التحقيق وعطلوا الحركة. علاوة على ذلك اعتقلت الشرطة أيضاً أفراد عائلة باتي الذين كانوا يتعاونون مع تحقيقات لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية".
وأضافت المنظمة "لذلك ومن أجل ضمان سلامة خبراء التحقيق والشهود والأشخاص المشاركين في التحقيق، أجبرت اللجنة على التوقف عن عمل جمع الأدلة الذي كانت تقوم به"، مطالبة السلطات الإقليمية بتوفير التعاون اللازم لعملها على النحو المنصوص عليه في القانون لضمان "عدم وجود أية عقبة في تحقيقاتها". كما طلبت أيضاً زيارة الشهود المحتجزين الذين تعاونوا في تقديم المعلومات إلى اللجنة والاجتماع بهم فوراً، إضافة إلى المتابعة المناسبة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان في حق عائلات الضحايا والمشتبه بهم الآخرين المحتجزين لدى الشرطة".
وأبلغت المنظمة السلطات الإقليمية في أوروميا بأنها "مستعدة للتشاور" مع المسؤولين المعنيين لمعالجة التحديات في غضون 10 أيام عمل، قبل أن تنشر رسمياً التقرير الخاص بنتائج التحقيق وتوصياته.
سجال الحقيقة
من جهتها اتهمت حكومة إقليم أوروميا في بيان نشرته الصحف المحلية، "بعض الكيانات السياسية بمحاولة استغلال عملية اغتيال باتي لتعويض خسائرها السياسية"، مؤكدة أن ثمة محاولات لتحميل الحكومة مسؤولية القتل، ورافضة أي اتهامات تسبق التحقيقات التي تقوم بها القوات الأمنية حول ملابسات القضية الجنائية.
وفي حين لم يرد بيان الحكومة على رسالة المنظمة الإثيوبية لحقوق الإنسان بشكل مباشر، فإنه حاول تقديم بعض الحجج حول الاعتقالات الواسعة التي استهدفت الشهود، مؤكداً أن "إيقاف بعضهم هدف بالأساس إلى حمايتهم".
بدورها ناشدت جبهة تحرير أورومو، جميع منظمات حقوق الإنسان والأشخاص المحبين للسلام في العالم إلى المطالبة بإجراء تحقيق فوري محايد وغير متحيز حول واقعة الاغتيال، وألقت باللائمة على حكومة الإقليم في تعطيل عمل اللجنة التابعة لمنظمة حقوق الإنسان الإثيوبية.
وأصدرت دول عدة، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، دعوات مماثلة تدعو إلى التحقيق في جريمة القتل. وأصدر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور الأميركي بن كاردين بياناً قال فيه إن "مقتل باتي أورجيسا كان حادثة صادمة ومزعجة، وأحث السلطات الإثيوبية على السماح لهيئة دولية محايدة وذات صدقية بإجراء تحقيق شامل في وفاة باتي".
قصة الاغتيالات
وشهدت إثيوبيا منذ وصول رئيس الوزراء آبي أحمد للسلطة عام 2018 على أكتاف ثورة شعبية، سلسلة من الاغتيالات السياسية التي استهدفت عشرات الشخصيات البارزة ذات التأثير في المشهد السياسي والثقافي والفني، لعل أبرزها اغتيال الفنان والناشط السياسي الأورومي هاشالو هونديسا في يونيو (حزيران) 2020، الذي أعقب مظاهرات عارمة راح ضحيتها 80 قتيلاً بينهم اثنين من رجال الشرطة، وعلى رغم الوعود التي أطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي بسعي حكومته الحثيث إلى عدم إفلات الضالعين في الجريمة من العقاب، فإن القضية انتهت بحفظها من دون التوصل إلى الأطراف التي خططت لعملية الاغتيال، مما دفع عائلته إلى الاعتقاد بأن هناك تستراً على الجريمة، والمعروف أن المغني الذي اغتيل في العاصمة أديس أبابا كان سجيناً سابقاً نظراً إلى نشاطاته المعارضة وأدائه أغنيات شعبية توجه انتقادات لاذعة لحكومة آبي أحمد.
في مايو (أيار) من العام الماضي نفذ مجهولون عملية اغتيال القيادي الأمهري جرما شيطلا وخمسة من مرافقيه في إقليم الأمهرة المضطرب، ولا تزال التحقيقات جارية حول ملابسات الاغتيال، في حين وجهت الحكومة الفيدرالية أصابع الاتهام نحو ميليشيات "الفانو" المتمردة في الإقليم.
كما تم في الشهر ذاته بإقليم العفر اغتيال السياسي العفوي رئيس فرع حزب الازدهار الحاكم عمر لما، ولم يتمكن القضاء الإثيوبي من الوصول إلى مرتكبي الجريمة، ويعتقد أن الملف تم حفظه أيضاً بحجة قلة الأدلة الموجهة إلى المتهمين.
العدالة المسيسة
بدورها ترى الناشطة الحقوقية الإثيوبية هيرمونا نجا أن معظم الاغتيالات التي استهدفت شخصيات معارضة للنظام الحاكم تم حفظ التحقيق فيها بحجج مختلفة، في حين جرى توجيه اتهامات كيدية في معظم الاغتيالات التي استهدفت شخصيات محسوبة على النظام.
وتوضح نجا أن الأزمة تكمن في اختلال مبدأ "الفصل بين السلطات" الذي ينص عليه الدستور الفيدرالي، من دون أن يجد تطبيقاً فعلياً على الأرض، فالسلطة القضائية لا تتمتع بالاستقلالية الكافية، كما أن أجهزة الشرطة المكلفة إجراء التحقيقات الجنائية لا تقوم بالمهمات الدستورية، بل تخضع بشكل مباشر لتعليمات السلطة التنفيذية، مشيرة إلى أن الأمر لا يقتصر على هذا الجانب، بل إن الشرطة تتعامل بعنف مفرط في أعقاب وقوع الاغتيالات ضد المظاهرات السلمية المنددة بالجريمة.
وتضيف الحقوقية الإثيوبية أن "دستور البلاد يكفل الحق في التظاهر وحرية التعبير، لكن لدى وقوع أي اغتيالات فإننا نخشى عن تداعياتها، فاغتيال الفنان هوديسا أعقب مقتل نحو 80 مدنياً، معظمهم قضى نحبه برصاص الشرطة الفيدرالية".
وترى نجا أن الإعلان الأخير لمنظمة حقوق الإنسان الإثيوبية بإيقاف تحقيقاتها حول اغتيال القيادي باتي، يكشف بوضوح عن أن الأجهزة الأمنية غير جادة في الوصول إلى الحقيقة، وأن ثمة استهدافاً لأي تحقيقات نزيهة، حتى تلك الجهود التي تقوم بها جهات تابعة للدولة.
وتضيف أن الناشطين الحقوقيين الإثيوبيين طالبوا مراراً بضرورة تطبيق البند الدستوري المتعلق بالفصل بين السلطات واستقلال جهاز العدالة وتطهير جهاز الشرطة الفيدرالية، بخاصة في ظل المشاريع الإصلاحية التي يبشر بها رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد في ما يسمى بإصلاح القضاء والعدالة الانتقالية.
وتشير إلى أنه "في كثير من الحالات السابقة عجز المحققون عن أداء مهماتهم لأسباب تتعلق بسلامتهم الشخصية وسلامة الشهود، إذ لا توفر الدولة شروط الحماية القانونية بشكل كاف.
إرث الحكومات
من جهته يرى القيادي في حزب الازدهار الحاكم داني مجريسا أن الاستقطابات السياسية الحادة التي تشهدها البلاد تلقي بظلالها على معظم الجهود المتعلقة بالتحقيقات الفيدرالية في ملف الاغتيالات السياسية، مشيراً إلى أن "الاتهامات دوماً توجه للحكومة الإثيوبية فور وقوع حادثة اغتيال من دون إجراء تحقيق قانوني من الجهات المختصة، وذلك ناتج من الاستقطابات السياسية، إذ تحاول أحزاب المعارضة استغلال الاغتيالات التي تقع بين الحين والآخر لصالح مشاريعها السياسية، من دون مراعاة الجانب القانوني والإنساني لهذه الحالات".
وحول أسباب حفظ التحقيق في معظم القضايا المتعلقة بتصفية المعارضين السياسيين، قال إن "ذلك عائد لتقدير السلطة القضائية المستقلة، إذ لا يمكنها الحكم من دون توفر أدلة كافية تدين المتهمين"، مؤكداً أن ذلك يؤكد استقلالية جهاز العدالة وليس العكس، ومنوهاً بأن المتهمين الذين تقدمهم أجهزة الشرطة والادعاء العام تتم تبرئتهم من القضاء لعدم كفاية الأدلة، في حين أن من مصلحة النظام غلق هذا الملفات من خلال الحكم عليهم.
ونوه إلى أن عدداً من الحالات المتعلقة باغتيال شخصيات مؤيدة للنظام واجهت المصير ذاته، مما يؤكد أن الحسم القضائي الإثيوبي يعمل بشكل مستقل. وفي تعليقه على بيان المنظمة الإثيوبية لحقوق الإنسان واستقالة خبرائها قال مجريسا، "لا شك في أن هناك ممارسات مرفوضة من بعض العناصر في أجهزة الأمن والشرطة، وذلك نتيجة الممارسات التي اعتادت عليها هذه الأجهزة كجزء من إرث الحكومات السابقة"، مضيفاً أن "الحزب الحاكم لديه رؤية واضحة لتطهير أجهزة الأمن وإرساء دعائم جديدة للعمل المهني في هذا الجهاز".