Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تفرض التصدعات الداخلية حلولا خارجية لأزمة السودان؟

يستبعد البعض تدخل مجلس الأمن بالقوة بموجب الفصل السابع بدليل النأي بالنفس في حالات مشابهة في سوريا وليبيا واليمن وأفغانستان

توافق الفرقاء السياسيين السودانيين سيسهل من مهمة الوساطة والمساهمين الدوليين لإنهاء الحرب (أ ف ب)

بينما تشتد قساوة الظروف التي يكابدها السودانيون جراء استمرار الحرب وتمددها، ما زال الانقسام والتشرذم والصراعات تهيمن على الساحة السودانية الداخلية بلا أفق قريب للتوافق، على رغم ارتفاع وتيرة التحذيرات الدولية والإقليمية من مغبة انهيار البلاد ومخاوف وصول القتال بين الجيش و"الدعم السريع" لنقطة اللاعودة، بينما بدأ دور القوى الدولية والإقليمية أكثر بروزاً وتصاعداً، فهل بلغ التشظي الداخلي درجة استحالة التوافق الفرقاء السودانيين بما يضع الحل في أياد خارجية لتفرض حلولاً خارجية لحرب السودان؟

تحرك أممي

وحض الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، المجتمع الدولي على تكثيف جهوده من أجل وقف الحرب المدمرة في السودان التي أدت إلى مقتل الآلاف وعرضت نصف السكان لوضع إنساني خطر، إذ يواجه أكثر من 18 مليون شخص خطر المجاعة.

ودعا غوتيريش، في منشور على صفحة الأمم المتحدة بمنصة "إكس"، الأطراف المتحاربة إلى الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، تتبعه عملية سياسية تشمل المجموعات النسائية والشبابية، وتعهد تقديم الأمم المتحدة دعمها الكامل في هذا المسعى.

أميركياً، أكد المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بريلييو، أن بلاده ستواصل استخدام سلاح العقوبات للمساهمة في وقف القتال والحل في السودان، مشيراً إلى أن العقوبات هي أسلوب ضمن صندوق كبير، ولن تقتصر على المؤسسات فحسب بل ستطال الأفراد أيضاً، بحيث تؤثر في أعمالهم في مختلف الدول.

ولفت بريلييو، خلال لقائه مجموعات سودانية في العاصمة الكينية نيروبي ضمن جولته الأفريقية الأخيرة، إلى أن "وجود أنصار النظام المعزول في المشهد الحالي يمثل مشكلة كبيرة لنا وللسودانيين"، مضيفاً "نعلم أن هناك مقاتلين منهم داخل الجيش وهناك من جاءوا من خارج البلاد وانضموا للحرب".

وعلى خلفية إعلان الخارجية الأميركية منتصف أبريل (نيسان) الماضي استئناف مفاوضات منبر جدة لوقف الحرب بالسودان خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، بحث وليد الخريجي نائب وزير الخارجية السعودي، مطلع هذا الأسبوع مع بريلييو توم بالرياض تطورات الأوضاع في السودان.

أمل الوساطة الخارجية

في السياق، استبعد أحمد المفتي مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان، ورئيس الحركة الجماهيرية السودانية، أن تكون هناك حلول خارجية للأزمة السودانية عبر تدخل مجلس الأمن بالقوة بموجب الفصل السابع، مستشهداً بعدم تدخل المجلس في حالات مشابهة في سوريا وليبيا واليمن وأفغانستان، لكنه يرى أن الحل المتاح سيكون عبر الوساطات والتسهيلات الخارجية مثل منبر جدة، مشدداً على أنه كلما كان هناك توافق بين الفرقاء السياسيين السودانيين، سيسهل ذلك من مهمة الوساطة والمساهمين الدوليين.

لا يعتبر المفتي مطالبة منظمة "هيومان رايتس ووتش" لمجلس الأمن بإرسال بعثة جديدة لحماية المدنيين بالسودان مؤشراً لتدخل دولي جديد، مستدلاً بفشل تجربة بعثة "يوناميد" الأممية السابقة التي دخلت لحماية المدنيين في دارفور بموجب الفصل السابع بعدد 30 ألف جندي أممي، لكنهم لم يفعلوا شيئاً حتى انتهاء أجل البعثة، بل كانوا يطلبون الحماية من الجيش.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثقل أميركي

ويشير المفتي إلى أنه وعلى رغم التصدع وعدم التوافق السائد بين الفرقاء السياسيين في البلاد حالياً، لكن "لا استقرار سياسياً مستداماً في السودان إلا بتوافق وطني ولو استغرق ذلك 100 عام".

من جانبه توقع السفير حيدر بدوي أن تشهد الأيام القليلة القادمة نشاطاً ملحوظاً من الولايات المتحدة الأميركية في شأن حرب السودان، وهو تحرك يربط هذه القضية بما يجري في كل منطقة الشرق الأوسط.

وأشار بدوي إلى أن واشنطن مقبلة على الدخول في ملف أزمة السودان بكامل ثقلها، ليس من أجل استغلاله بل من أجل أن يكون السودان له معها علاقة متكافئة، ولأن حرب السودان أخطر على مصالحها من الحرب الروسية - الأوكرانية، وذلك يتم من خلال اتصالات وتواصل بين مسؤولين أميركيين ونشطاء ومتخصصين من السودانيين داخل الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ضياع وطن؟

أما المندوب الدائم السابق للسودان في الأمم المتحدة السفير عبدالمحمود عبدالحليم، فأعرب عن أسفه لحال السياسيين السودانيين الذين يعولون على مساعدة الخارج.

وأردف "هذا بلد يبدو كأنه لا بواكي عليه، فالخارج أو المجتمع الدولي ليس منظمات خيرية ولكل أجندته الخاصة، وما لم يوطن السودانيون حلولهم داخلياً ويتعاملوا بمسؤولية مع أزمات البلاد، فإني أرى وطناً يتسرب من بين أصابعنا".

ويضيف عبدالحليم، أن "تدخلات الولايات المتحدة في كافة قضايا العالم تحكمها المصالح الأميركية أولاً وأخيراً"، وعليه يرى المندوب الدائم السابق أن تزايد الاهتمام الأميركي بأمن السودان يتم لأغراض انتخابية من أجل تحسين صورة الرئيس الحالي.

تحالف مع روسيا

من ناحية أخرى، قلل المحلل السياسي والأمني، اللواء عبدالهادي عبدالباسط، من جدية الجهود الغربية والأميركية في التعامل مع إنهاء الحرب بالسودان، لافتاً إلى أن زيارة المبعوث الروسي الأخيرة للبلاد هي التي حركت الجهود الإقليمية والدولية، منتقداً بطء تعامل الحكومة السودانية مع الملف الخارجي كأحد المعضلات ونقاط الضعف بصورة لا تخدم قضية البلاد الراهنة.

ودعا عبدالباسط، الحكومة السودانية إلى المضي قدماً في طريق تقوية العلاقات مع روسيا إلى النهاية، لأن هذه الحرب تكاد تكون على وشك الانتهاء متى توفر السند الخارجي القوي القادر على لملمة بقية أطراف الحرب وإنهائها. وتابع "توقف الحرب يتطلب من الحكومة تطوير عمل خارجي جاد بإيجاد حليف قوي يسند موقفها في مجلس الأمن، مما يعني ضرورة تمتين علاقتها والتحالف مع روسيا بتوقيع اتفاقيات قوية، والأخيرة تبدو قادرة على لملمة أطراف هذه الحرب عبر الضغوط الدولية، ومن دون ذلك ستظل حرب الاستنزاف هذه مستمرة".

تداعيات وعواقب

حذر اللواء من أن استمرار وتمدد الحرب بالوتيرة ذاتها ستترتب عليه عواقب وخيمة من التردي الاقتصادي وانهيار قدرة المواطنين على الصمود أكثر من ذلك، بعد أن باتت المعاناة غير محتملة، ويحتاج الوضع الاقتصادي إلى معالجات عاجلة لا سيما مع غياب أي دولة داعمة للحكومة اقتصادياً.

في الأثناء، تعتزم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" عقد مؤتمرها التأسيسي بمشاركة أكثر من 600 مشارك في أديس أبابا نهاية الشهر الجاري، بغرض استكمال تكوين الجبهة المدنية الأوسع لإنهاء الحرب.

ووقع رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك، في العاصمة الكينية نيروبي السبت 18 مايو (أيار) الحالي، إعلاناً سياسياً مشتركاً مع كل من عبدالعزيز الحلو، "رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال"، وعبدالواحد محمد نور، رئيس "حركة تحرير السودان"، بهدف إنهاء الحرب والعمل على إنجاز تحول مدني ديمقراطي شامل.

المحور الغربي

على الصعيد نفسه، توقع المتخصص في العلاقات الدولية، عبدالمجيد عبدالله، أن يكثف المجتمع الدولي جهوده لتحقيق تسوية سلمية للحرب السودانية، بعد أن أصبح الوضع ينطوي على مهددات تمس مصالحه الاقتصادية والأمنية في منطقة شمال شرقي أفريقيا والبحر الأحمر.

وأشار عبدالله إلى أن الغرب يتحسب من خلال تحركاته التي نشطت في الفترة الأخيرة لنشوء تحالف غير مرغوب فيه بالنسبة إليه تقف خلفه كل من روسيا وإيران والصين، بالتالي تعريض مصالحه وحلفائه بوجود تلك المنظومة على سواحل البحر الأحمر بإضافة مهدد جديد لحرية الملاحة الدولية.

وشدد الأكاديمي على ضرورة تجاوز القوى السياسية والمدنية الداخلية لحالة التشرذم والانقسامات والاصطفاف الجهوي والقبلي والطائفي، لتفادي خطر تحول الحرب إلى أهلية تقضي على آمال البلاد في التحول إلى الحكم الديمقراطي، مما يفاقم معاناة الشعب.

وكان الاتحاد الأوروبي قد أكد بذل قصارى جهده لإنهاء الحرب في السودان وتقليل حجم المعاناة المتفاقمة التي يعيشها المدنيون بسبب تصاعد أعمال العنف بين طرفي النزاع.

إنقاذ السودان

داخلياً، طالبت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، بوقف فوري لإطلاق النار، وفتح مسارات المساعدات الإنسانية لمئات الآلاف من المتضررين، داعية الجهات الفاعلة إلى اتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء الكارثة الإنسانية في السودان بصورة فورية.

ودعا بيان للنقابة القوى المدنية كافة التي لها مصلحة في إنهاء الحرب، الدخول في حوار سياسي شامل من أجل التوصل إلى حل سلمي ينهي الصراع ويحقق العدالة والسلام، لافتاً إلى أن مسؤولية إنقاذ السودان تقع على عاتق الجميع.

وكشفت اللجنة عن إحصاءات محدثة، تشير إلى مقتل ما لا يقل عن 30 ألف شخص وإصابة ما يزيد على 70 ألفاً، مع نزوح ما يزيد على تسعة ملايين شخص ولجوء نحو ثلاثة ملايين لدول الجوار في ظروف اقتصادية وإنسانية بالغة التعقيد، منذ بداية الحرب المستعرة بين الجيش و"الدعم السريع" في أبريل من العام الماضي.

تفاقم خطر

ومع تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان بصورة خطرة يفتقر نحو 15 مليون شخص للرعاية الصحية، بعد خروج 80 في المئة من المرافق الصحية عن الخدمة، وتدمير نحو 80 في المئة من مؤسسات التعليم العام والعالي كلياً وجزئياً، وحرمان ما يقارب 19 مليون طفل من الدراسة وفق لجنة أطباء السودان.

وأشار البيان إلى مقتل 53 عاملاً في مجال الصحة، وتعرض 21 مستشفى للقصف، وإخلاء 22 مستشفى بصورة قسرية وتسجيل 248 حادثة اعتداء على المرافق الصحية والكوادر الطبية العاملة.

وبحسب التقرير، تقدر خسائر الاقتصاد السوداني بسبب الحرب بنحو 120 مليار دولار، ما يعادل موازنة البلاد لمدة 12 عاماً.

المزيد من تقارير