ملخص
تميز معرض الرباط للكتاب في دورته ال29 بتركيزه على الابداع المغربي، في شتى ميادينه الأدبية والنقدية والعلمية. وكرم مبدعين لهم حضور بارز في الساحة الداخلية. واستضاف كتّاباً عرباً وأجانب، شاركوا في الندوات ووقعوا كتبهم الجديدة.
عاد المعرض الدولي للكتاب في المغرب، بدورته الـ29 إلى الثقافة المحلية، وأعطى الأولوية للأدب والفكر والنقد ومختلف الحقول المعرفية التي تنتج من لدن المبدعين والمثقفين المغاربة. فقد بات واضحاً الأثر الذي تخلفه الثقافة المغربية في الوسط الثقافي العربي خلال العقود الأخيرة، خصوصاً مع انفتاح التواصل وتيسير سبل وصول الكتاب المغربي ومعه الكاتب المغربي إلى القارئ العربي في جغرافيات مختلفة. وإذا كان النقد والفكر في المغرب حاضرين في المشرق قبل الأدب المغربي، فإن السنوات الأخيرة عرفت حضوراً موازياً للرواية والشعر، بعد تراكم أعمال روائية وشعرية غزيرة نشرها الكتاب والشعراء المغاربة في دور نشر عربية قادرة على الترويج للأدب في مختلف بلدان العالم العربي، فضلاً عن دور النشر المغربية التي تولي الأهمية منذ نشأتها للكتاب المغربي.
في كلمة افتتاح الدورة الجديدة أشار وزير الثقافة المغربي إلى أن المعرض الدولي للكتاب بالمغرب قد بلغ "سن الرشد والنضج العقلي" ببلوغ ذكراه الـ29، مؤكداً أن هذه الدورة بالتحديد "فرصة جديدة لعرض ثراء الإصدارات وإبراز الغنى الأكاديمي والثقافي والإبداعي المغربي". ويمكن ملاحظة هذا الكم الهائل في الندوات المخصصة للثقافة المغربية، وفي عدد الكتاب المغاربة الذين أثروا النقاش حول ثقافتهم وأدبهم وفكرهم وما عرفه من تحولات منذ نشأته إلى اللحظة الراهنة.
وفي هذا السياق تم توجيه الدعوة إلى 562 متدخلاً مغربياً في مختلف حقول الثقافة والمعرفة، مقابل 183 متدخلاً من خارج المغرب. وقد اختار المنظمون أن تكون الندوة الأولى بعنوان: "في جدوى الكتابة اليوم" شارك فيها الروائي عبدالقادر الشاوي والناقد شرف الدين ماجدولين والسوسيولوجي عبدالرحيم العطري والكاتب إدريس كسيكس وأدارتها الشاعرة وداد بنموسى. وتوقف المتدخلون عند تحولات شروط الكتابة في سياق الثورة الرقمية الراهنة، وما يفرضه الذكاء الاصطناعي من تحديات على الكاتب وعلى كتابته وعلى المتلقي أيضاً.
وتعاقبت الندوات المخصصة للثقافة المغربية على مدار أيام المعرض، وأبرزها "النقد المغربي، حصيلة الرواد وتطلعات الشباب"، "الدولة الثقافية من إشكاليات التصور إلى إكراهات البناء"، "سؤال النهضة في المغرب، المعالم والعوائق"، "فن العيطة في المغرب"، "الحسانية: الاستدامة وصناعة المستقبل"، "الحضور المغربي في الأدب العربي المعاصر"، "الترجمة الأدبية من الأمازيغية وإليها"، "الكتابة في التاريخ المحلي"، "السينما المغربية الجديدة، رؤى واتجاهات"، "الفرجة المغربية في الصحراء"، "فن الملحون بوصفه تراثاً لا مادياً"، "الإعلام الثقافي، قراءة في التجربة المغربية".
احتفاء برموز الثقافة المغربية
وفي سياق الاحتفاء بأسماء مغربية أسهمت في النهضة الثقافية بالبلاد تم تخصيص فقرات تضيء تجارب هؤلاء الكتاب في نوع من الاعتراف والتقدير أمثال الروائي أحمد المديني والسوسيولوجية عائشة بلعربي والشاعرة مليكة العاصمي والمفكر كمال عبد اللطيف. فضلاً عن تخصيص لقاءات حوارية مع كتاب لهم حضور وازن في الحياة الثقافية أمثال الروائي عبدالقادر الشاوي والروائية المغربية المقيمة في فرنسا ليلى سليماني والمفكر الجمال موليم العروسي والمفكر عبدالسلام بنعبدالعالي.
واحتفاء بكتاب مغاربة حصلوا على جوائز وطنية وعربية تم تنظيم فقرات خاصة بتقديم هؤلاء المتوجين للجمهور وفتح نقاش معهم حول تجاربهم في الكتابة، ومن بينهم شاعر الزجل أحمد لمسيح الحاصل على جائزة المغرب للكتاب في دورتها الأخيرة في فرع الشعر، والروائي عبدالإله رابحي الحاصل على الجائزة نفسها في فرع السرد، والكاتبان عبدالسميع بنصابر وياسين بهوش المتوجان بجائزة أدب الطفل، والكاتبان عبدالأحد السبتي والغالي أحرشاو الحاصلان على الجائزة نفسها في فرعي العلوم الإنسانية. كما تم تخصيص لحظات احتفائية بالناقد سعيد يقطين الحاصل على جائزة الكويت للتقدم العلمي في دورتها الأخيرة واللساني أحمد المتوكل الفائز بجائزة الملك سلمان والشاعر نبيل منصر الحاصل على جائزة فرناندو دالميدا العالمية للشعر والشاعرين نوفل السعيدي وعماد أفقير الفائزين بجائزة القوافي الذهبية، وعبدالكريم القلالي الفائز بجائزة قطر العالمية لحوار الحضارات، وأنور بنيعيش والحسين بنبادة الحاصلين على جائزة الشارقة للإبداع العربي، وفريد الخمال وسعيد أوعبو الفائزين بجائزة كتارا للرواية.
وعلى مدار أيام المعرض تم تنظيم لقاءات مع عدد من الكتاب المغاربة الذين أصدروا أعمالاً أدبية ونقدية وفكرية جديدة مثل: "صراع الصور" لعبدالفتاح كيليطو، "هل أنا ابنك يا أبي؟" لمحمد برادة، "رامبو وشهرزاد" لعبداللطيف اللعبي، "الخميس" لمحمد الأشعري، "الأشجار المروية للأطفال" للطاهر بنجلون،" الباشادور" لحسن أوريد، "الأرض الموبوءة" لمخلص الصغير، "بعيداً من الضريح" لعبدالغني أبوالعزم، "فكر الترجمة" لعبدالكبير الشرقاوي، "التاريخ والهوية" لجامع بيضا، "رؤيا إبداعية" لأحمد اليابوري، "مسافات حب" لمبارك ربيع، "الأنساق الرمزية" لمحمد آيت لعميم، "سيرك الحب" لعبدالإله الصالحي، "السرد الديني" لسعيد بنكراد، "في الثقافة النقدية" للمعطي قبال، "ذهبنا إلى الصين وعدنا من المستقبل" لعبدالحميد جماهري و"رجل اسمع الرغبة" لعائشة البصري.
أما استعادات هذه السنة فقد خصصت لكتاب رحلوا عنا في الفترة الأخيرة، مثل عباس الجراري الذي كان يحمل لقب عميد الأدب المغربي، والناقد والمترجم بنعيسى بوحمالة والروائي بهاء الدين الطود، والروائي إدموان عمران المالح، والإعلامي محمد باهي والشاعر أحمد الطريبق.
غير أن هذا الاهتمام بالثقافة الوطنية خلال الدورة الأخيرة لا يعني في الضرورة الانغلاق على المنتج المحلي، بل تم بالموازاة مع هذه الأنشطة تنظيم ندوات ولقاءات شارك فيها مثقفون من خارج المغرب أبرزهم: المفكر السنغالي سليمان بشير ديان والروائي العماني زهران القاسمي والكاتب الإيطالي أندريا أنجليس والمترجم الإسباني غونزالو فرنانديز باريلا والكاتب العراقي شاكر الأنباري والإماراتية عائشة سلطان والشاعرة التونسية حياة الرايس والروائي الفرنسي جان بابتيس أندريا والكاتب البينيني خوسيه بليا والشاعر الفلسطيني عبدالسلام عطاري والكاتبة السعودية أسماء الأحمدي والمصرية شيرين أبوالنجا، فضلاً عن المترجم السوري محمد عظيمة والكاتبة الإماراتية نجوم الغانم والكاتب الغابوني سوكا روزني، والروائي والشاعر الهايتي ماكنزي أورسل والكاتب العماني سعيد الطارشي والناقد الإماراتي الدكتور علي بن تميم والكاتب الفلسطيني عاطف أبوسيف والأردني معن البياري والشاعرة الكويتية سعدية مفرح والكاتب الأردني محمود الريماوي والكاتب الفلسطيني عمر شبانة وغيرهم من الكتاب الذين قدموا من جغرافيات مختلفة كأميركا وكندا وألمانيا والبرتغال وبلدان أفريقيا للحديث عن الثقافة الراهنة.
رهان على الحداثة
عرفت الدورة 29 مشاركة 743 عارضاً، منهم 290 عارضاً مباشراً، ينتمون إلى 48 دولة، قدموا فيه إلى زوار معرض الرباط ما يفوق 100 ألف عنوان ينتمي معظمها إلى الثقافة الحديثة، وحلت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة الـ"يونيسكو" ضيف شرف لهذه السنة، ويبدو أن هذا الاحتفاء جاء في سياق الاعتراف العالمي من لدن الـ"يونيسكو" بعدد من العناصر الثقافية المغربية التي تم إدراجها في الفترة الأخيرة ضمن قائمة التراث العالمي.
ونظم المعرض في دورته الجديدة 241 فعالية ثقافية، ما بين ندوات وحوارات وتقديم إصدارات جديدة وفقرات تكريم، إضافة إلى ورشات موسعة لفائدة الأطفال، وقد استفاد منها عدد كبير من تلاميذ المدارس من داخل العاصمة ومن خارجها. وفي ما يشبه ظاهرة استثنائية بمعرض الرباط هذه السنة استُدعي 10 مبدعين هم من أشهر كتاب القصص المصورة في العالم، من أجل تحقيق لقائهم مع الأطفال والشباب وتنظيم ورشات مفتوحة لتعلم هذا النوع من الإبداع.
واللافت هذه السنة هو تراجع الكتب التراثية لصالح الأدب المعاصر والثقافة الحديثة، إذ لم يشارك سوى 17 عارضاً متخصصاً في الكتاب الإسلامي والتراثي، مقابل 170 عارضاً مختصاً في الأدب واللغات والعلوم الإنسانية. اللافت أيضاً أن 94 في المئة من الكتب المعروضة خلال الدورة الأخيرة نشرت ما بين سنتي 2020 و2024، ولم يعرض من الكتب التي نشرت قبل هذا التاريخ سوى ستة في المئة، مما يؤكد أن معرض الرباط صار يراهن على الثقافة الحديثة ومواكبة تحولات العصر والتفاعل مع الأجيال الجديدة.
وقد أثار حضور الممثل المصري محمد رمضان لمعرض الكتاب بالرباط كثيراً من الجدل، إذ رأى كثر أن تجوال رمضان برفقة وزير الثقافة ووفد وزاري بين أروقة المعرض لا يعكس أي صورة إيجابية للثقافة، وأنه يدخل فقط في سياق الافتعال الإعلامي. كما استغرب كثر حالات التدافع والإغماء التي وقعت خلال حفلة توقيع إصدارات الكاتب السعودي أسامة المسلم الموجهة للشباب الذين حجوا إليه بأعداد غفيرة اضطر معها أمن المعرض إلى توقيف حفلة التوقيع حفاظاً على سلامتهم.
وبالموازاة مع أنشطة معرض الرباط تم تخصيص أمسية احتفائية بالشاعر والمترجم الفلسطيني سامر أبوهواش الفائز بجائزة سركون بولص للشعر في دروتها الجديدة. وقد تحدث الشاعر والناشر العراقي خالد المعالي عن سمات تجربة أبوهواش سواء في الكتابة الإبداعية أو في الترجمة، واصفاً إياه بالكاتب والمترجم الذي يشتغل بشكل دؤوب وبجدية كبيرة. وقد بدا سامر أبوهواش متأثراً وهو يلقي كلمته، خصوصاً أن هذا التتويج جاء تزامناً مع ما يعرفه قطاع غزة من أوضاع سيئة، بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر. وقرأ قصيدة مطولة تصور ما يقع الآن في فلسطين وتحمل رسائل إلى العالم بصورة عميقة ومؤثر.