يحمل كلا البلدين بالصدفة حرفي U و K. أحدهما في حالة من الاضطراب السياسي فيما يعاني سكانه حالة من الانقسام الحاد ويواجهون مستقبلًا غامضا، والآخر هو أوكرانيا.
كانت تلك الزيارة الأولى لوزير الدولة البريطاني الجديد لشؤون أوروبا كريستوفر بينشر إلى الدولة الواقعة في أوروبا الشرقية. لقد ذهب إلى هناك حاملا معه نصيحة بالحاجة إلى الاستقرار السياسي، وضرورة التزام السياسيين بسيادة القانون وأهمية التحالفات الأوروبية في ضمان الأمن والازدهار.
يُعد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي طموحا لا مثيل له بالنسبة للكثيرين في أوكرانيا، التي لاتزال ترزح تحت وطأة حرب أهلية، لكن لها رئيس يتمتع بأغلبية حاكمة بعد الانتخابات الأخيرة. وتدعم الحكومة البريطانية بقوة هذا الطموح الأوكراني، وهو ما أكده وزراء بريطانيون مراراً، رغم أنهم لا يفوتون فرصة دون إعلان ضرورة تحرر بريطانيا من عبودية بروكسل.
ظل الوزير بينشر وفياً بشدة لهذا الخط لدى حضوره مؤتمر يالطا للاستراتيجية الأوروبية الذي عقد في كييف خلال نهاية الأسبوع الماضي. كان هناك تغيير طفيف في اللهجة التي استخدمها، إذ أعلن تمديد الدعم البريطاني ليشمل أي علاقات عبر الأطلسي قد تسعى إليها أوكرانيا. لكنه شدّد على أن الحكومة البريطانية تقف بقوة وراء تطلعات كييف في الاتحاد الأوروبي.
كان نص خطابه شبيها بتصريحات وزراء سابقين، بمن فيهم الذين أقالهم بوريس جونسون ـ، في المحافل الدولية، وهو أن "بريطانيا بصدد مغادرة الاتحاد الأوروبي، وليس أوروبا،" وأن "المملكة المتحدة مصممة على لعب دور ريادي في الدفاع الأوروبي،" وأن "بريطانيا ستواصل لعب دور شامل في الشؤون الأوروبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لن يكون من الإجحاف القول إن كثيرين ممن حضروا المؤتمر، ناهيك عمن كانوا في أوكرانيا نفسها، لم يسمعوا عن الوزير بينشر من قبل. لقد استمعوا إليه بصمت مهذب وقليل من التصفيق وهو يقول إن بريطانيا ستدافع عن أوكرانيا ضد العدوان الروسي.
لم يُجبْ على أية أسئلة من الحضور الذين لاحظوا كيف أنه نطق اسم بلادهم "ذي أوكرانيا" وليس "أوكرانيا." ومع أن ذلك قد يبدو نقطة ثانوية، فهو أمر مهم هنا. فقد أصبح الاسم الرسمي للدولة هو "أوكرانيا" منذ استقلالها في عام 1991، ويعتبر العديد من الأوكرانيين أن استخدام أداة التعريف "ذي" يدل على تجاهل اعتيادي لرغبتهم في تغيير اسمهم مما كان عليه إبان العصر السوفياتي.
قال بينشر خلال الجلسة إنه مسرور لوجوده في كييف، بغرض الحديث عن موضوع المؤتمر الذي هو "السعادة الآن،" وإمكانية الانطلاق منه للتركيز على كيفية تحقيق الأمم لسعادتها في مثل هذه الظروف العصيبة.
كانت مؤتمرات يالطا في الأصل تُعقد في مدينة يالطا الواقعة في شبه جزيرة القرم قبل أن تضمّها روسيا. كنت في القرم خلال عملية الضمّ وشاهدت المكان الذي تعقد فيه المؤتمرات وهو قصر ليفاديا، حيث وقع روزفلت وستالين وتشرشل إعلان يالطا الذي أُقيم نصب تذكاري له يرمز لانتصار الدبلوماسية الروسية.
من المقرر أن تبدأ حكومة الرئيس الأوكراني الجديد فولوديمير زيلينسكي محادثات مع موسكو قريبًا، بعدما قام الطرفان بتبادل الأسرى في عملية مثقلة بالرمزية، وسط آمال لم تتبلور بعد، للتوصل إلى تسوية محتملة للنزاع. قد يكون الرئيس زيلينسكي ممثلا كوميديا محترفا سابقا، على نقيض بعض زعماء الدول الكوميديين الهواة حاليا، كما أشارت إحدى النكات في المؤتمر. لكن حكومته الجديدة حريصة على إثبات نيتها الجادة للغاية بالسعي إلى نيل العضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
وخلال المؤتمر قال بينشر إنه "بالنظر إلى كل ما يحدث في لندن، فإن الخروج من لندن يجعلني سعيدًا.. وكذلك سيجعل بعض زملائي البرلمانيين." ثم انتقل للتحدث باسم بريطانيا معتبراً وسط صمت الحضور أن "ما سيجعل الشعب البريطاني سعيدًا هو نهاية البريكست."
ثم راح الوزير يشرح ما الذي يمكن أن يجعل أوكرانيا دولة سعيدة، مشيرا إلى أن أحد المقومات الحيوية لذلك هو "حكم القانون، الذي هو الأساس الصلب لجميع الديمقراطيات." لقد أراد التأكيد على ضرورة صيانة "حقوق اللجوء إلى القانون والحق في رفع دعاوى أمام المحكمة."
وأشاد الوزير بالحكومة الأوكرانية على الحجم الكبير للنشاط البرلماني منذ توليها السلطة، مشيرا بنوع من الغبطة إلى "عدد 188 تشريعًا الذي لا يمكننا مضاهاته في وستمنستر." في تلك اللحظة حركت نائبة جديدة في البرلمان الأوكراني "رادا" تجلس بجانبي رأسها متسائلة "ألم تكن حكومته هي التي أغلقت البرلمان؟"
وسُئل وزير شؤون أوروبا عما إذا كان يدرك التناقض في دعم المملكة المتحدة لطلب أوكرانيا الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي فيما "تستميت" حكومته للخروج من الاتحاد. فأجاب قائلاً إننا "بصدد مغادرة الاتحاد الأوروبي وليس أوروبا،" مصيفا أن "الشعب صوت لمغادرة الاتحاد الأوروبي، ومن واجب الديمقراطيين تنفيذ إرادة الشعب." وأردف "أنا واثق من أننا نستطيع إبرام صفقة؛ نحن نعمل جاهدين للتوصل إلى اتفاق، ونحن نفعل ذلك."
وأشار الصحافي الذي كان يدير الجلسة، وهو فريد زكريا، إلى أن كُلاً من الاتحاد الأوروبي والحكومة الأيرلندية قالا إن لندن لم تقدم بديلاً عمليا لحاجز الأمان الخلفي الإيرلندي. أما الوزير فأصرّ على أن تصريحات رئيس الوزراء الإرلندي ليو فارادكار كانت مشجعة للغاية في مؤتمره الصحفي الأخير. لكن الكثيرين في الغرفة رأوا عكس ذلك.
كما لفت زكريا إلى أن البرلمان البريطاني قد صوت ضد خروج من دون صفقة، لكن بوريس جونسون وأنصاره هدّدوا بتجاهل تصويت البرلمان. ولفت زكريا إلى أن "هذا يحدث في أم البرلمانات،" متسائلا "ما الدرس الذي يرسله هذا إلى ديمقراطية ناشئة مثل أوكرانيا؟" أما بينشر فحاول مجدداً طمأنة الحضور بالقول إن رئيس الوزراء يعمل جاهدا لتأمين صفقة مع الاتحاد الأوروبي.
وسئُل بينشر أيضا عن التناقض الغريب الكامن في حثّ السياسيين الأوكرانيين على التمسك بحكم القانون بينما بوريس مستعد لخرقه، كما يقول البعض في الحكومة البريطانية. وعندما خاطبه زكريا قائلا إن "أكبر منتهك للقانون هو رئيس وزرائك،" كان رد الوزير بينشر أن لا وجود لأي تناقض في الأمر.
وتابع زكريا قائلا "لم أكن أدرك أن رئيس الوزراء يستطيع انتقاء القوانين التي سيتّبعها أو سيخالفها." وكان رد بينشر هذه المرة أن "النقاش لم يعد مجديا، دعونا ننتقل...،" ثم أكدّ مجددًا دعم بريطانيا لأوكرانيا واحتمال إبرام صفقات تجارية بين البلدين في المستقبل وتقديم الدعم لمواجهة التدخل الروسي في السياسة الأوكرانية.
لكن الوزير سُئل أيضا عن مزاعم التدخل الروسي في استفتاء البريكست وفي المشهد السياسي داخل بريطانيا، فأجاب أنه "لا يوجد دليل على أن ذلك أثر بشكل كبير على الانتخابات البريطانية" رغم إقراره بالحاجة إلى اليقظة والحذر في قضايا مثل الحرب الإلكترونية والتضليل المعلوماتي.
وأضاف الوزير بينشر مخاطبا زكريا في نهاية كلامه بعبارات لا تخلو من السخرية "أنا سعيد لأنك لم تسألني عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي." فقال زكريا "كنتَ تعلم أن تلك الأسئلة قادمة". ووفقًا لمصادر دبلوماسية فقد فوجئ وزير الشؤون الأوروبية باستجوابه المكثف حول الموضوع.
وبعد انتهاء مداخلة الوزير استمر الحديث عن بريكست، لكن هذه المرة مع توني بلير. هنا أشار رئيس الوزراء الأسبق بأن بريكست "يسير وفق الخطة المرسومة، لكن يبقى من غير الواضح من هو صاحب تلك الخطة، إذ أن البرلمان مغلق، وأعتقد أنه سيكون هناك تمديدٌ وهذا التمديد يجب أن يأتي من أوروبا، لكن الجميع يريدون حلاً."
وأعاد بلير طرح وجهة نظره التي عبّر عنها أخيراً، وهي ضرورة إجراء تصويت ثانٍ على مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي قبل تنظيم انتخابات أخرى لتوضيح موقف الشعب بعد ثلاث سنوات من الاستفتاء.
وقال بلير " يجب ألا يُثار موضوع بريكست في الانتخابات، التي يجب أن تكون حول قضايا مثل الاقتصاد والتعليم وكيفية إدارة البلاد، في حين يمكن للمرء أن يسأل (في استفتاء) هل ترغب في الاستمرار في البريكست ؟.. إن بريكست سيؤثر على أجيال كثيرة في المستقبل، إنها مسألة تخص الأجيال. لقد صوّت ثلثا البالغين الذين تزيد أعمارهم على 65 عامًا لصالح البريكست، بينما صوّت ثلثا الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا لصالح البقاء. إن إجراء استفتاء آخر مسألة ديمقراطية تمامًا."
ثم تحدث بلير عن التنامي المقلق للشعبوية والهدف المعلن لبعض المتشددين المؤيدين لبريكست لتحريض الشعب ضد البرلمان. وأشار إلى أن النواب المحافظين ممن لا يشغلون مناصب رسمية وينتقدون الحكومة إنما يؤدون بواجبهم. وزاد "إنهم يدرسون تفاصيل ما هو مقترح. لكن إذا صدّقت البعض، مثل الصحف اليمينية، فإن هؤلاء النواب المحافظين الذين يقومون بواجبهم هم ‘خونة‘ بطريقة أو بأخرى.. إن هؤلاء الناس يتخلون عن وظائفهم، ولا يمكنني التفكير في التزام أعلى بالمبادئ من التخلي عن مصدر رزقك لتصحيح شيء خاطئ يجري فعله لبلدك."
ومع انتهاء الجلسة، قالت النائبة الأوكرانية الجالسة بجانبي "إن بوريس جونسون هو من طرد النواب المحافظين، أليس كذلك؟ هذا الوزير البريطاني بينشر كان يجب أن يُسأل عن ذلك."
ثم توقفت قليلا وقالت "إنه لأمر مضحك.. نحن نجلس في أوكرانيا ونسمع عن حربكم الأهلية في المملكة المتحدة. لكن ربما يكون صباح أحد الأيام كافياً لذلك، بيد أننا كنا سنبقى هنا طوال اليوم لو كان علينا مناقشة الحرب داخل حزب المحافظين أيضا."
© The Independent