ملخص
بات كثيرون ينظرون إلى الاعتراف بدولة فلسطين كأداة للمساعدة في كسر الجمود السياسي حول وضع فلسطين.
مع إعلان إسبانيا وإيرلندا والنرويج الاعتراف بدولة فلسطين بحلول الـ28 من مايو (أيار) الجاري، دخل الثلاثي الأوروبي في صدام متوقع مع إسرائيل، إذ تأتي الخطوة رداً على قتل وتشريد مئات آلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة.
القرارات الأوروبية أثارت غضباً عارماً في إسرائيل، فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وصف قرارات الدول الثلاث بأنه "مكافأة للإرهاب"، وزعم أن منح الفلسطينيين دولة يعني "تكرار مذبحة السابع من أكتوبر مراراً"، واستدعت الخارجية الإسرائيلية سفراء إسبانيا وإيرلندا والنرويج.
خطوة الاعتراف بفلسطين من دول أوروبية ليست هي الأولى، ففي عام 2014 أصبحت السويد أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تعترف بفلسطين. وفي أواخر الثمانينيات قبل انضمامهم للكتلة، اعترف عدد من الدول الأوروبية، بما في ذلك بلغاريا وقبرص وجمهورية التشيك والمجر وبولندا ورومانيا، بفلسطين.
ومع ذلك فإن الخطوة الأخيرة من إسبانيا وإيرلندا والنرويج تمثل ضغوطاً إضافية على حكومة نتنياهو التي يواجه رئيسها احتمال بصدور مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، وتواجه حكومته اتهامات بارتكاب جرائم حرب لدى محكمة العدل الدولية.
كسر الجمود السياسي
القرارات المتزامنة من دولتين في الاتحاد الأوروبي والنرويج تولد زخماً للاعتراف بالدولة الفلسطينية من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وربما تثير مزيداً من الضغوط داخل الأمم المتحدة، مما يؤدي بدوره إلى تعميق عزلة إسرائيل، مما يثير تساؤلات في شأن تداعيات القرار دولياً، وعما إذا كان إعلان الدول الثلاث سيعد مدخلاً لاستقطاب اعترافات أخرى بدولة فلسطين، وسط تعاطف دولي متزايد مع الأزمة الإنسانية التي يعيشها سكان غزة جراء الحرب.
وحتى الآن تعترف نحو 140 دولة، معظمها خارج أوروبا الغربية، بالدولة الفلسطينية، بحسب الموقع الإلكتروني للسلطة الفلسطينية. ولا تشمل هذه الدول الولايات المتحدة، الحليف الأكثر أهمية لإسرائيل، أو بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا. ويقول مراقبون إنه في حين لم تعترف دول الاتحاد الأوروبي والنرويج بدولة قائمة، بل فقط بإمكان الاعتراف بها، فإن الرمزية تساعد في تعزيز الوضع الدولي للفلسطينيين وتزيد من الضغط على إسرائيل لفتح مفاوضات لإنهاء الحرب، كما أن هذه الخطوة تضفي أهمية إضافية على القضية قبل انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في الفترة من السادس إلى التاسع من يونيو (حزيران) المقبل.
وإضافة إلى ذلك فمن شأن الخطوة أن تمثل كسراً للوضع الذي تمسكت به الدول الغربية طويلاً الخاص بشرط الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة فقط من خلال مفاوضات السلام مع إسرائيل، إذ بات كثيرون ينظرون إلى الاعتراف كأداة للمساعدة في كسر الجمود السياسي حول وضع فلسطين.
وطرحت أستراليا أخيراً إمكان تأييد قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضاً إن مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية من دون سلام من طريق التفاوض لم تعد "من المحرمات بالنسبة إلى فرنسا". وصرح دبلوماسي عربي لهيئة الإذاعة البريطانية بأن "هذا أمر مهم للغاية، إنه يعكس الإحباط الأوروبي من رفض الحكومة الإسرائيلية الاستماع، وهذا بدوره يفرض ضغوطاً على الاتحاد الأوروبي ليحذو حذوه."
ووفق زميل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية هيو لوفات فإن اعتراف الدول الثلاث بفلسطين يمهد الطريق نحو إقامة الدولة، "الاعتراف خطوة ملموسة نحو مسار سياسي حقيقي يؤدي إلى تقرير المصير الفلسطيني". ويشير إلى أن "هذا شرط أساسي لتأمين المشاركة العربية لدعم وقف إطلاق النار المستدام في غزة، وكجزء من خطة الرؤية العربية لتنفيذ حل الدولتين، ودعت دول مثل السعودية إلى اعتراف الولايات المتحدة وأوروبا بفلسطين."
تأثير الدومينو
وفي إطار الضغوط الدبلوماسية المتزايدة على إسرائيل مع دخول الحرب ضد "حماس" شهرها الثامن، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الـ11 من مايو (أيار) الجاري على منح "حقوق وامتيازات" جديدة لفلسطين، في إشارة إلى الدعم الدولي المتزايد للتصويت على العضوية الكاملة لفلسطين لتتمتع بحق التصويت، إذ تتمتع السلطة الفلسطينية حالياً بوضع مراقب. ومع ذلك يرفض المراقبون القفز بالتوقع إلى تأثير الدومينو في شأن الاعتراف بفلسطين من مزيد من الدول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينما لم يعرب أستاذ العلاقات الدولية والسياسة لدى جامعة نورث إيسترن جلال أوركيزان عن تفاؤل كبير في شأن تأثير إعلان الدول الثلاث على العواصم الأوروبية الأخرى، فإنه يتفق على أن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية سيلعب دوراً بناء نحو تسوية سلمية محتملة وحل الدولتين.
وقال "أعتقد أن هذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو محاولة لتحقيق تكافؤ الفرص إلى حد ما، وهذه المرة لصالح الشعب الفلسطيني"، وأضاف "إذا أردنا التوصل إلى حل مستدام، فلا بد أن يكون هناك تناسق في القوى إلى حد ما. ليست علاقة مثالية، ولكنها في الأقل علاقات قوة متناظرة نسبياً بين شخصين حتى يتمكنوا من التوصل إلى حل وسط."
في حين ترى كريستين كوش، نائب مدير صندوق مارشال الألماني منظمة بحثية أميركية أوروبية، أن اعتراف الدول الثلاث بفلسطين يحمل قيمة رمزية وليست قانونية، إلا أنها تمثل رسالة أمل للفلسطينيين بأن حل الدولتين سيظل مقنناً باعتباره الهدف المشروع الوحيد لأية عملية سياسية مستقبلية يتعين تنفيذها، ولو ببطء وتدريجية، بمجرد توقف القتال.
ويعتبر المنتقدون أن الاعتراف مجرد لفتة قصيرة الأجل تكافئ السلطة الفلسطينية "الفاسدة وغير الخاضعة للمساءلة وتضفي عليها الشرعية"، بالتالي تقلل من حافزها للإصلاح. وفي الوقت نفسه تقول كوش إن الانتظار حتى يتوصل إلى تسوية متفق عليها على أساس الدولتين للاعتراف بفلسطين يعطي إسرائيل حق النقض على الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. ويقول المؤيدون إن الاعتراف المنفرد من الدول بفلسطين يمكن أن يساعد في دفع الديناميكية إلى الأمام من خلال تكريس التزام المجتمع الدولي بحل الدولتين بشكل لا رجعة فيه في القانون الدولي.
تقول مديرة مركز الشؤون الدولية والثقافات العالمية في جامعة نورث إيسترن مايا كروس إن الأمر "أكثر من مجرد رمزية خالصة"، وتضيف أن الإعلانات الفردية لدعم الدولة الفلسطينية بين الدول الغربية، على رغم أنها لا تتماشى مع السياسة الرسمية للاتحاد الأوروبي، لكنها قد تؤدي إلى فتح قنوات دبلوماسية أو تجارية بين القادة الفلسطينيين وتلك الدول، وتضيف "قد نرى مزيداً من الدول تتقدم وتعترف بالدولة الفلسطينية، لكننا بالتأكيد سنرى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لا تفعل ذلك".
اتفاق مونتفيديو
في أعقاب إعلان بريطانيا أنها تعتزم إنهاء ولايتها على فلسطين في عام 1947، وضعت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة تقسيم دعت إلى إنشاء دولة يهودية إلى جانب الدولة الفلسطينية، وفي حين وافقت إسرائيل وأعلنت الاستقلال عام 1948، لكن الفلسطينيين والعالم العربي الأوسع رفضوها لأنها كانت ستمنحهم أقل من نصف الأرض.
ويجادل منتقدون بأن فلسطين ليس لديها دولة بالمعنى الكامل أو وفقاً للشروط القانونية لتحديد وضع دولة، بموجب اتفاق مونتفيديو لعام 1933 الذي حدد التعريف التقليدي للدولة بموجب القانون الدولي، فإن الدولة يجب أن تستوفي أربعة مؤهلات، وهي وجود سكان دائمين وأراض محددة وحكومة والقدرة على إقامة علاقات مع الدول الأخرى.
ويقول مراقبون إن الضفة الغربية وقطاع غزة يفيان بالشرط الأول الخاص بالسكان الدائمين، لكنهما يعجزان إلى حد ما عن تحقيق الثلاثة الأخرى، حكومة وحدود إقليمية محددة والقدرة على الدخول في اتفاقات. وبموجب اتفاقات السلام التي توصل إليها في أوائل التسعينيات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، كلف كيان يسمى السلطة الفلسطينية بحكم ذاتي فلسطيني محدود، لكنه لم يكن لديه مطلقاً سيطرة على كامل الضفة الغربية، فيما فقدت السيطرة على قطاع غزة بالكامل لصالح حركة "حماس" في عام 2007. ومنذ ذلك الحين كان هناك كيانان فلسطينيان يحكمان فعلياً، واستمر الإسرائيليون في السيطرة على المجال الجوي والبحري لغزة.
ومع ذلك تختلف آراء المراقبين في شأن ما إذا كانت الأراضي الفلسطينية تتناسب مع التعريف القانوني للدولة، فبينما يعتبرها بعضهم لا تستوفي الشروط المنصوص عليها في اتفاق مونتفيديو، فإن آخرون يرون أن أفضل أمل للفلسطينيين في إعلان دولتهم هو من خلال الاعتراف الدولي.