الفيدرالي الأميركي نيويورك يعلن استمراره في ضخ السيولة بصورة يوميَّة حتى الـ10 من أكتوبر (تشرين أول) 2019، أتى هذا الإعلان في اليوم الرابع من بدايّة تدخله في الأسواق وتوفير السيولة عبر (آليَّة اتفاقيَّة إعادة الشراء)، وهي اتفاقيَّة التمويل قصير الأجل مقابل أصول مضمونة وذات مخاطر متدنيَّة، يطلق عليه الريبو Repurchase Agreement Operation. الطلب على سيولة الفيدرالي من البنوك في آخر ثلاثة أيام كان كالآتي: 80 مليار دولار، ثم 84 مليار دولار، ويوم الخميس تراجع الطلب إلى 75.6 مليار دولار.
الريبو هي آليَّة افتراض في أسواق الدين لأجل قصير، يجتمع فيه حملة السندات الذين يرغبون في تسييل هذه الأصول Assets monetization للاستفادة من السيولة في تمويل أنشطة يوميَّة، مثل التداولات أو الوفاء بالتزامات الاحتياطي وغير ذلك من احتياجات السيولة لصنّاع السوق أو للعاملين في القطاع المالي.
في المقابل أصحاب السيولة يبحثون عن الفرصة للحصول على عائد عن طريق إقراض قصير الأجل مقابل أصول مضمونة وذات مخاطر متدنيَّة، إذ يتعهد المُقترض بضمان السندات التي يمتلكها، وأن يقوم في اليوم الثاني بإعادة شراء السندات، لذا يطلق على العمليَّة Repurchase Agreement اتفاقيَّة إعادة الشراء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأسبوع الماضي ارتفعت الفائدة على الريبو USONRP في أسواق الدين الأميركيَّة بوتيرة سريعة، إذ بلغت 5٪، واستمر الارتفاع بدايّة الأسبوع الماضي لترتفع الفائدة على الريبو 10٪ قبل تدخل الفيدرالي. هذا التطور في أسواق الدين قصيرة الأجل "الريبو" دفع الفيدرالي بنيويورك إلى التدخل لأربعة أيام متتاليَّة، ويقوم بتوفير سيولة في هذه الأسواق للمرة الأولى منذ 11 عاماً، إذ قام بضخ 278.2 مليار دولار على مدار أربعة أيام بواقع 75 مليار دولار لثلاثة أيام متتاليَّة، وضخ 53.2 مليار دولار يوم الثلاثاء الـ17 من سبتمبر (أيلول) 2019، وفي اليوم الرابع الجمعة الـ20 من سبتمبر (أيلول) 2019 أعلن الفيدرالي بنيويورك استمرار هذه الآليَّة حتى الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019. تراجعت الفائدة على الريبو بعد تدخل الفيدرالي إلى 1.9٪ يوم الجمعة الـ20 من أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
الأسواق لم تعتد على هذا التدخل بعد العام 2008، ما أثار حفيظة المتداولين والمهتمين بالأسواق الماليَّة، وقفز سؤالٌ مقلقُ بشأن سبب نقص السيولة الذي دفع الفيدرالي بالتدخل للمرة الأولى منذ 11 عاماً، بعض التقارير أظهر أن هناك استحقاقات ضريبيَّة لبعض الشركات الأميركيَّة تبلغ 100 مليار دولار يجب سدادها في الـ15 من سبتمبر (أيلول) 2019، وهو اليوم الأخير للشركات في الوفاء بالتزاماتها الضريبيَّة الفصليَّة، ما يعني أن الارتفاع الأخير في الفائدة على الريبو USONRP قد تكون مرتبطة بمؤثرات موسميَّة تسببت في نقص السيولة.
وعلق غيروم باول رئيس الفيدرالي الأميركي، بأن نقص السيولة "ليس مصدراً للقلق على الأسواق"، ربما تكون أكثر حذراً حتى تتأكد بأن الذي حدث الأسبوع الماضي من نقص السيولة هو حدثٌ عارضٌ، وليس مرتبطاً بمخاطر كبيرة في أسواق المال. ما حدث في الأسواق الأميركيَّة الأسبوع الماضي شبيه بالذي حدث في أسواق الدين الصينيَّة قبل 6 سنوات، عندما ارتفعت الفائدة على الريبو في الـ20 من يونيو (حزيران) 2013 إلى 30٪ من المتوسط السنوي حينها كان 2.5٪.
أهميَّة الريبو للنظام المالي
يتجاوز حجم أسواق الريبو عالمياً الـ15 تريليون دولار، يتوزّع في كل من أميركا وأوروبا واليابان والصين وأسواق أخرى، حجم هذا السوق حسب بيانات الفيدرالي بنيويورك يتجاوز الـ4 تريليونات دولار بأميركا، تلعب هذه الصيغة من الاقتراض دوراً مهماً في توفير سيولة سريعة لأجل قصير وبتكلفة منخفضة، مثلا تلجأ إليها البنوك وصناديق التحوّط لتمويل عمليات التداول اليوميَّة وصناعة السوق.
الفيدرالي يستخدم هذه الآليَّة للتحكّم في المعروض من الاحتياطي وإبقاء الفائدة ضمن النطاقات المستهدفة. عبر الريبو يقوم الفيدرالي بشراء السندات والأوراق الماليَّة المدعوم برهون عقاريَّة مقابل زيادة الاحتياطي، وفي الريبو العكسي يبيع هذه السندات والأوراق الماليَّة، ويُعلي دوراً محورياً في المحافظة على مستويات السيولة في النظام المالي، وكذلك إبقاء أسعار الفائدة ضمن النطاق الذي يستهدفه.
العوامل التي تؤثر في الريبو
السياسة النقديَّة وشراء السندات من العوامل المهمة التي تؤثر في آليَّة إعادة الشراء "الريبو"، انخفاض سعر الفائدة يؤثر في أسعار الفائدة، وكذلك على تحديد تكلفة الاقتراض قصير الأجل، ومن جانب آخر شراء البنوك المركزيَّة السندات الحكوميَّة يقلل من توفر أصول عاليَّة القيمة تستخدم كضمان في إتمام اتفاقيَّة إعادة الشراء "الريبو". العامل الثالث هو تأثير سياسات البنك في حجم احتياطي البنوك عند البنك المركزي، مثلاً بعد الأزمة الماليَّة العالميَّة في 2007 قام الفيدرالي الأميركي باعتماد سياسات تيسيريَّة، خفَّض سعر الفائدة إلى مستوى قريب من الصفر، واشترى سندات أو أوراقاً ماليَّة بـ3.5 تريليون دولار. كان يهدف بهذه العمليَّة إلى خفض تكلفة الاقتراض، وأيضاً أن يوجَّه السيولة إلى الاستثمار والتدفق إلى قطاعات اقتصاديَّة أخرى غير القطاع المالي، والذي حدث هو ارتفاع احتياطي البنوك عند الفيدرالي، وعندما بدأ الفيدرالي في دورة تشديد السياسة النقديَّة، وبدأ في رفع أسعار الفائدة انخفضت هذه الاحتياطيات، ولا تزال منخفضة بعد أن بدأ الفيدرالي عمليَّة خفض الفائدة، التي وصفها بأنها "تصحيح للمسار، وليست دورة جديدة من الخفض".