Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحلى التونسية بين فكي الندرة واشتعال الذهب

البنك المركزي خفض حصة المصنعين إلى النصف والمصانع العصرية عصفت بهم

ملخص

أصبح عدد كبير من الصناعات اليدوية وموروثا كاملاً من تراث الحلي مهدداً بالاندثار في البلاد

ارتفعت أسعار الذهب في السوق التونسية في الأشهر الأخيرة، امتداداً لسلسلة من صعود المعدن الأصفر، مستفيداً من مكانته كأحد أبرز الملاذات الآمنة في فترات الكوارث والحروب والأزمات.

لكن هذه المرة، تخطت تداعيات اشتعال أسعار المعدن النفيس في سوق الذهب التونسية، لتطاول صغار المصنعين المتخصصين في تصنيع المصوغ والمشغولات الذهبية (الحرفيين) حتى امتد الأثر إلى الأسر التونسية.

على إثر ذلك، أصبح عدد كبير من الصناعات اليدوية وموروثاً كاملاً من تراث الحلي مهدداً بالاندثار، وفقاً لما أكده متخصصون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية".

بحسرة شديدة، أقر المتخصصون في الصناعة إن ثمة تغييرات كبرى شهدتها سلسلة إنتاج الحلي والمصوغات عصفت بصغار المصنعين، بل وكبدتهم خسائر جمة مما جعلهم الحلقة الأضعف داخل هذه المنظومة، في ظل عدم اكتراث السلطة المعنية بمعاناتهم وحرفهم المهددة بعد غزو الآلات المصنعة للذهب.

إلى ذلك، يشهد القطاع ركوداً أدى إلى إغلاق عدد من التجار والصناعيين محلاتهم بسوق الذهب بالعاصمة التونسية وهو ما يطلق عليه "سوق البركة" والاتجاه إلى تغيير النشاط، بعد أن أفلس بعضاً منهم.

"هناك تغييرات جدت على أسواق الذهب في تونس منذ ستينيات القرن الماضي إلى الآن"، هكذا بدأ التاجر الحبيب ماقورن حديثه إلى "اندبندنت عربية"، مضيفاً "هناك تراجع في الإقبال مع ارتفاع سعر الذهب من 2.5 دينار (0.8 دولار) حنى ستينيات القرن الماضي، إلى 240 ديناراً (77.4 دولار) كأدنى سعر في 2024".

وأشار ماقورن إلى ارتفاع كلف العمل اليدوي المعتمد في إصلاح الأطقم والقطع الذهبية من دينار واحد (0.3 دولار) الى أكثر من ستة دنانير (1.9 دولار)، لافتاً إلى أن ذلك أدى إلى تحول السوق إلى مغازات مقفرة بعد طفرة في الماضي.

وقال التجار إن "اقتناء الذهب في الماضي ارتبط بمواسم موزعة على كامل فترات السنة من دون انقطاع، إضافة إلى إقبال السياح الأجانب على اقتناء المصوغ التونسي التقليدي"، مرجعاً خضوع السعر إلى تداولات الذهب بالسوق العالمية بفعل الحروب المتتالية، واصفاً حرب الخليج الثانية بالمنعرج الذي أثر في النشاط سلباً من دون رجعة.

 20 في المئة معدل ارتفاع الأسعار

من جانبه، قال نائب أمين سوق المصوغ (هيئة نقابية مستقلة) عبدالمنعم خوجة الخيل، أن "تراجع الإقبال على اقتناء الذهب في تونس يعود إلى تآكل القدرة الشرائية للتونسيين"، مضيفاً أنهم "أتجهوا إلى اقتناء المصوغ المُصّنع من الفضة أو المعدن العادي غير النفيس، أما الفضة فهي من صنع تونسي أو مستورد من بلدان آسيوية، وفي كلتا الحالتين لا يحصل المشتري على فاتورة".

وأكد خوجة الخيل أن "الإقبال على المصوغ انخفض في العامين الأخيرين بنحو 70 في المئة، بعد ارتفاع سعر بيع غرام قيراط (عيار) 18 إلى 260 ديناراً (83.8 دولار)، مما رفع سعر الطقم الذهبي المتوسط مختوماً رسمياً إلى 3.5 ألف دينار (1.12 ألف دولار)، على رغم أنه لا يزيد على ثمانية غرامات من الذهب".

وحول الأطقم المرصعة بالأحجار النفيسة، قال خوجة الخيل إنها "تتجاوز الـ15 ألف دينار (4.8 ألف دولار) ولذلك هي حكراً على أصحاب الدخول المرتفعة"، لافتاً إلى أن معدل ارتفاع أسعار الذهب سنوياً 20 في المئة، وبلغ سعر الغرام 190 ديناراً (61.2 دولار) و200 دينار (64.5 دولار) العام الماضي، بينما لم يزد غرام الذهب قيراط 18 عند البيع في عام 2010 على 10 دنانير (3.22 دولار) و11 ديناراً (3.5 دولار)"، مشيراً إلى أن هذا انعكاس بديهي لتأثر المعدن الأصفر بسعر تداوله بالسوق العالمية"، مستدركاً "لكن يخضع كذلك لطبيعة السوق التونسية وتختلف أسعار الأطقم وفق موديل صنع المصوغ في معظم الأحيان، إذ تختلف كلفة تصنيعه نتيجة جمال القطع من عدمه وتختلف كلفة صنع الغرام في هذا الصدد بين 25 ديناراً (ثمانية دولارات) و70 ديناراً (22.5 دولار).

 خفض حصة الذهب

يشار إلى أن عدد متخصصي المصوغ من المصنعين يدوياً يصل إلى 1600 مُصنعاً يتوزعون بين 400 بتونس العاصمة، بينما ينتشر بقية الناشطين بأسواق المصوغ بالمدن الأخرى، وهم من حاملي الختم القانوني ما يتعارف عليه في تونس بـ"طابع العرف"، ويحصلون وفق القانون التونسي على حصتهم الدورية من الذهب من البنك المركزي التونسي.

وخفض البنك المركزي التونسي من حجم حصة الذهب الدورية الممنوحة للمصنعين من 200 إلى 100 غرام.

وعن ذلك، قال أمين مال "الغرفة الجهوية" لصانعي المصوغ بتونس زهير البجاوي، إن "الكمية تراجعت من 200 غرام قيراط 24 إلى 100 غرام، ويمتد التأخير في التزود إلى شهرين ويفترض التزويد بصفة دورية شهرية".

وأشار إلى أن قرار خفض الكمية إلى 100 غرام أُتخذ منذ عامين، في حين أضحى التأخير في التزود متكرراً منذ 2011.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشار إلى أن في الفترة السابقة لذلك التاريخ دأب البنك المركزي التونسي على مد الصناعيين بـ200 غرام من الذهب قيراط 24 بصفة شهرية منتظمة، مما زاد من المصاعب التي تواجه الصناعيين، إذ يصاحب خفض الحصة تراجع النشاط وبالتالي الإيرادات، وهو ما ترتب عنه عجز في تغطية كلفة الإنتاج ونسبة أرباح منخفضة.

ويقتني الصناعي حصته من البنك المركزي بسعر244 ديناراً (78.7 دولار) للغرام الواحد من قيراط 24، ويحول إجبارياً للتصنيع إلى قيراط 18 بسعر يصل إلى 181 ديناراً للغرام (58.3 دولار) وبإضافة كلفة التصنيع التي تتراوح ما بين 25 ديناراً (ثمانية دولارات) و30 ديناراً (9.6 دولار) للغرام يرتفع السعر إلى 220 ديناراً (70.9 دولار).

وبناء على هذا الأساس يصل سعر البيع لدى التاجر من 230 ديناراً (74.1 دولار) وحتى إلى 270 ديناراً (87 دولاراً) وهي نسبة أرباح منخفضة لدى الصناعي.

عن ذلك قال أمين سوق المصوغ بتونس (هيئة نقابية رقابية منتخبة) عز الدين الجراية، إن "هذا الأمر يهدد باندثار نشاط صناعة الذهب اليدوية في تونس"، مضيفاً "هذا علاوة على ارتفاع نسبة الضرائب وطرق احتسابها"، مشيراً إلى تحول نشاط الصناعة اليدوية للمصوغ إلى مهنة مهجورة من قبل الشباب بسبب إفلاس أصحابها، واصفاً عملية احتساب الضرائب بغير المستقرة والمتغيرة من عام إلى آخر، في حين ينفرد الصناعيون بالانضباط الضريبي بحكم إدراجهم في قائمة المتزودين بالذهب من البنك المركزي التونسي مباشرة.

الضرائب

إلى ذلك، تحتسب نسبة الضرائب في تونس انطلاقاً من حصة الذهب الإجمالية الممنوحة للصناعيين قبل مرحلة الإنتاج، بقيمتها المالية مرتفعة بحكم ارتباطها بسعر الذهب مما يرفع من حجم الأداء الذي يتجاوز حجم الأرباح.

أما الإشكال الثاني الذي يواجه تلك الصناعة، هو انفراد المصانع الحديثة للذهب بالقطاع وتغولها، إذ يلجأ صانعو المصوغ إلى تحويل حصتهم من الذهب إلى المصانع لتصنيع المصوغ على الطريقة العصرية بدافع عدم قدرتهم على مجاراة الصناعة العصرية لقلة ذات اليد وافتقارهم للأدوات.

ولا يزيد عدد هذه المصانع على أربعة وحدات صناعية عصرية ترتكز بمدينة صفاقس (جنوب شرقي تونس) تعتمد الطباعة ثلاثية الأبعاد في صناعة الحلي وتقدم أجود المنتجات ما مكنها من السيطرة على السوق والتحكم في مصير الصناعيين الصغار، في حين تنتشر عشرات المصانع العشوائية غير المرخصة تزاحم بدورها الناشطين.

تلك العوامل جميعها تجتمع مهددة لمهنة مرتبطة بحفظ التراث التونسي الأصيل، إذ إن الصناعة اليدوية للمصوغ التقليدي النفيس الذي يختزن أفخم الموديلات العاكسة للموروث المهدد بالضياع، قبل أن تتحول إلى الحلقة الأضعف في سلسلة الإنتاج بسبب اختلال المنظومة التي تحتاج إلى إصلاح هيكلي يضمن استعادة توازنها.