Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

التصميم المعياري تحول في أنشطة البناء وحل واقعي لأزمة السكن

السرعة والكلفة والاستدامة ثالوث يحتل عقول المصممين والمعماريين

وحدات ثلاثية الأبعاد للمبنى تنتج في المصانع وتجمع في الموقع (أن سبلاش)

ملخص

الحاجة إلى البناء المستدام والقابل للتكيف، إضافة إلى قضايا السكن والإيجار وفقدان عدد كبير من البشر مساكنهم جراء الحروب والكوارث والنزاعات، أعاد تنشيط نمط التصميم المعياري كتدبير فعال يرجى منه تقديم حلول عملية وفعالة لمشكلة السكن

ظل هاجس الوصول إلى نظام بناء يجمع ثالوث الكلفة والابتكار والكفاءة يحتل عقول المصممين والمعماريين وقتاً طويلاً إلى أن بدأت الحاجة إلى بناء المستدام والقابل للتكيف في تحفيز استكشاف طرق بديلة للبناء بكفاءة، إضافة إلى المستجدات الطارئة التي ولدت مجموعة قضايا يبدو كأنها تتفاقم مع الوقت، مثل السكن والإيجار وفقدان عدد كبير من البشر مساكنهم جراء الحروب والكوارث والنزاعات، مما أعاد تنشيط نمط تصميم قديم كتدبير فعال يرجى منه تقديم حلول عملية وفعالة لمشكلة السكن.

 

مفهوم قديم

وجذبت مجموعة الحلول التي يقدمها التصميم المعياري اليوم موجة من الاهتمام حوله وشدت إليه الأنظار كمجال واعد للاستثمار، والحقيقة أن هذا النمط ليس مفهوماً جديداً، إذ ظهر كخيار فعال من حيث الكلفة وحظي بسنوات ازدهار في فترة ما بعد الحرب في بلدان مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة، مع توقف المصانع ونقص الفولاذ الصلب وقلة العمالة الماهرة وتفاقم الحاجة إلى إعادة الإعمار بالسرعة القصوى، لكن شعبيته بدأت تخفت تدريجاً، إلى أن تضاءلت بعد انهيار برج سكني في المملكة المتحدة عام 1968، مما أثار جملة مخاوف في شأن مدى سلامة المباني الجاهزة.

واليوم، مع نمو الأدوات الرقمية وتسهيل تصميم الوحدات وتحسين لوجيستيات التسليم، برز التصميم المعياري بقوة معلناً عن أدواته ومستفيداً من التكنولوجيا لتبسيط عمليات البناء في البيئة المحيطة، بما في ذلك نقل المواد وخفض وقت التنفيذ وتقليل النفايات، كما أتاح التقدم في التصنيع الرقمي والطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات، دقة أكبر وقدرة أكبر في التعديل والتخصيص والتكييف حسب الحاجة، إضافة إلى تغير تصورات المستهلكين حول المساكن الجاهزة، مع تحسين مظهر التصاميم التي بدأت بالخروج عن الطابع الصناعي السابق مع تنوع خيارات مواد البناء.

ويعتقد أنه في حال رواجه يمكن أن يعطي دفعة هائلة من الإنتاجية ويساعد في حل أزمات السكن بنسبة جيدة ويعيد تشكيل الطريقة التي نبني بها اليوم بصورة كبيرة.

التصميم المعياري

والتصميم المعياري عبارة عن مبدأ يقسم المنظومة التصميمية الواحدة إلى أجزاء أصغر تعرف باسم الوحدات، ويصدرها على صورة قطع ثلاثية الأبعاد ليعاد تركيبها من قبل مقتنيها، ويطبق مفهوم التصميم المعياري في مجالات مختلفة مثل الهندسة المعمارية وتصميم المنتجات والتصميم الداخلي والأثاث وتصميم السيارات وأجهزة الكمبيوتر وغيرها، وتستخدم مصطلحات مثل "التصميم خارج الموقع" و"التصنيع المسبق" و"التصميم المعياري" بالتبادل، لتغطي مجموعة واسعة ومختلفة من الأساليب والأنظمة.

في العمارة، يتم إنتاج وحدات ثلاثية الأبعاد للمبنى (جزئياً أو كلياً) في مصانع ومنشآت خاصة خارج الموقع، لترسل إلى الموقع وتجمع هناك، وتأتي على صورة هياكل مرنة في التصميم وقابلة للتكيف بحيث تتماشى مع حاجة مستخدميها. وينطوي هذا النمط من التصميم على استخدام الوحدة نفسها في تكوينات متعددة، مع إمكانية استبدال أو إضافة أي وحدة من دون التأثير في بقية المجموعة، بالتالي توفير مجموعة متنوعة من التصاميم.

والتصميم المعياري يقوم حقيقة بتبسيط عملية التصميم، ففي حين يراه المصممون محدوداً جداً وتقتصر البراعة فيه على مراحله الأولية في التفكير بابتكار نظام أساس يمكن في ما بعد إخضاعه إلى تشكيلات عدة وفقاً للاحتياج المطلوب، يجد فيه آخرون فرصة لتمكين غير المصممين من المشاركة والمساهمة الجزئية في عملية التصميم، من خلال ما يطلق عليه المتخصصون "خفض عتبة المعرفة"، ويرون أن لهذا دوراً في إضفاء طابع الديمقراطية على عملية التصميم ككل وتحفيز للإبداع على المستوى العام.

اقرأ المزيد

مواد بمتطلبات خاصة

ويتم إنشاء الهياكل المعيارية عادة باستخدام مجموعة متنوعة من مواد البناء، بما في ذلك الهياكل الفولاذية المشكلة على البارد والهياكل الخشبية والأسمنت والفولاذ المدرفل على الساخن أو مزيج من هذه العناصر، نظراً إلى توافقها مع متطلبات التصنيع المسبق والنقل والتفكيك خارج الموقع.

كما يراعى في تحديد المواد المستخدمة الوصول إلى خيارات صديقة للبيئة من جهة وتعمل في الوقت ذاته بكفاءة مع متطلبات الأنظمة الميكانيكية التي تعمل وفقها، كالطي والتفكيك والتركيب وغيرها، مثل الفولاذ الصلب المعاد تدويره وخشب "سي أل تي" CLT وخيزران "البامبو"، إلى جانب أنظمة العزل الموفرة للطاقة. وغالباً ما تستخدم المواد المتوافرة محلياً في البيئة ذاتها، بحيث تنسجم مع ثقافة البلد وطابعه العام ونوع الحرف التقليدية المتوافرة فيه.

في متناول الجميع

وتسهم عميلة البناء في منشآت خاصة في تحقيق غاية مراعاة البيئة، إذ تعمل المكونات الموحدة التي تبنى خارج الموقع، على تقليل هدر المواد وتقليص الأخطاء وتسمح بإجراء فحص شامل للجودة، ما يؤدي إلى خفض الكلفة المالية والبيئية والوقت المطلوب من دون فقدان الجودة.

ويجعل هذا النهج التصميمات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، من خلال تكوين نماذج معدة مسبقاً ومهيأة لمواجهة مناخ معين وتلبية حاجات الطاقة السلبية والإيجابية، ويقلل التلوث ومخلفات البناء، إضافة إلى ميزة تجاوز أنشطة البناء في الموقع وما يرافقها من إشغال المنطقة وضجيج الآلات الثقيلة والنقل وتخزين المواد، وتوفيرها 50 في المئة من الوقت اللازم للتنفيذ مقارنة بالبناء التقليدي ضمن الموقع. وكذلك يؤمن هياكل مستدامة ومرنة، إذ يسمح نمط تصميمه المرن بتبديل أجزاء من المسكن في حالة التلف أو في حال توفرت خيارات أفضل، إضافة إلى تقديمه حلاً فعالاً لمشكلة نقص العمالة الماهرة، التي تشكل في حد ذاتها عاملاً أساساً في زيادة الكلف. ويحظى عامل القدرة على تحمل كلفه أهمية خاصة في سرعة انتشاره، كما يضمن توفير تصميم عالٍ الجودة في متناول جميع الطبقات الاجتماعية والاقتصادية، ويمكن القول إن فوائد السرعة والكلفة والاستدامة لهذه العملية يمكن أن تجعل البناء المعياري حلاً واقعياً لأزمات الإسكان في عديد من بلدان العالم.

سبيل لمواجهة أزمة الإسكان

والحقيقة أن الافتقار إلى الإسكان الميسور لا يزال يشكل مشكلة متنامية في جميع أنحاء العالم، بخاصة مع تناقص الموارد الطبيعية وتغير المناخ والأزمات الاقتصادية. وتشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن هناك أكثر من 100 مليون نازح قسري في جميع أنحاء العالم في عام 2023، رقم تضاعف ثلاث مرات على مدى السنوات الـ10 الماضية، ويمثل إيجاد حلول إسكان آمنة ومستدامة في حالات الطوارئ، لأولئك الذين يعانون نتيجة كوارث وصراعات عالمية، تحدياً يتفاقم مع الوقت. كما أن هناك ما يقدر بنحو 150 مليون شخص بلا مأوى في جميع أنحاء العالم (اثنان في المئة من تعداد السكان)، إضافة إلى أعداد قياسية من البشر الذين أوقعهم ارتفاع كلفة المنازل والإيجارات في براثن الفقر والحاجة، وبحسب الإحصاءات، من المتوقع أن يرتفع عدد الأسر المستأجرة في الولايات المتحدة مثلاً إلى 13.1 مليون بحلول عام 2025، وهذا أمر مقلق إذا ما علمنا أن أكثر من نصف دخلها يخصص لإيجار.

ويأتي التصميم المعياري حلاً مثالياً للذين يعيشون ظروفاً دراماتيكية طارئة وأولئك الذين يعانون كلف الإيجار المرتفعة، حاملاً معه مجموعة حلول بسيطة لمساحات معيشية أصغر وأعلى كفاءة باستخدام مواد أقل وأعلى مرونة وأكثر استدامة وبأسعار معقولة لمواجهة صعوبة المعيشة من جهة والتغير المناخي من جهة أخرى.

إلا أن الأنظمة المعيارية تواجه أيضاً عديداً من العقبات والمخاوف المتعلقة بقدرتها على تحمل الظروف البيئية المختلفة انطلاقاً من اعتبارات المتانة والسلامة الهيكلية، إضافة إلى كلف النقل والافتقار إلى اللوائح والشهادات الموحدة وعدم الإلمام الكبير بتقنياتها من قبل المهندسين ومحترفي البناء.

وعلى رغم هذه التحديات، أدى التركيز المتزايد على الاستدامة والمرونة إلى إعادة تقييم أساليب البناء، مع طرح البناء المعياري نفسه كحل قابل للتطبيق لمعالجة هذه القضايا الملحة، وكذلك أسهمت التطورات الحديثة في تكنولوجيا "البيم" BIM والروبوتات والأتمتة إلى تحسين دقة وكفاءة عمليات التصنيع المعيارية، مما أدى إلى معالجة المخاوف المتعلقة بالجودة والموثوقية.

المزيد من علوم