توقع تقرير بريطاني ارتفاع الخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن التغير المناخي من 250 مليار دولار سنوياً في السنة المالية 2024-2025 إلى 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.
ويرى التقرير الصادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية، ومركزه العاصمة البريطانية لندن، أن الكوارث الطبيعية كالفيضانات والجفاف والأعاصير وحرائق الغابات من أهم وأكبر الأخطار التي تهدد قطاع التأمين العالمي اليوم، مبيناً أن "الخسائر الاقتصادية العالمية المتوقعة سترتفع من 250 مليار دولار سنوياً في 2024-2025 إلى 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030"، مضيفاً أن "الخسائر المؤمنة التراكمية الناجمة عن الأحداث المتعلقة بالمناخ سترتفع إلى 1.5 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، مما يضع ضغوطاً مالية هائلة على شركات التأمين".
وبحسب التقرير، فإن شركات التأمين وإعادة التأمين تواجه قدراً أكبر من عدم اليقين وسط ارتفاع كلف إدارة أخطار الكوارث، إذ يؤدي الاعتماد المتزايد على سندات الكوارث وحلول إعادة التأمين إلى تراجع الربحية وتعرض المحافظ الاستثمارية لشركات التأمين للخطر.
ويتوقع أن ترتفع قيمة الخسائر المؤمن عليها سنوياً من 100 مليار دولار في 2024 إلى 150 مليار دولار في غضون السنوات الخمس المقبلة.
ومع تزايد وضوح الأخطار المناخية وتعديل شركات التأمين نماذج التسعير الخاصة بها، فإن أقساط التأمين سترتفع من ثلاثة في المئة خلال 2024 إلى سبعة في المئة خلال عام 2030، أما في بعض الدول فقد ترتفع النسبة إلى 20 في المئة بسبب ضغوط شركات إعادة التأمين وأخطار المناخ.
ضغوط متزايدة
وتحدث تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية عن الأثر السلبي للتغير المناخي في الاستدامة المالية طويلة الأمد في قطاع التأمين، فعدد من شركات التأمين العالمية تستثمر في العقارات والبنى التحتية والأصول الأخرى التي يمكن أن تنخفض قيمتها أو تصبح عالقة بسبب التأثيرات المناخية. وقد تفقد العقارات في المناطق الساحلية، على سبيل المثال، قيمتها بسبب ارتفاع منسوب سطح البحر، أو قد يؤدي تكرار حرائق الغابات في مناطق معينة إلى تراجع قيمة العقارات السياحية الموجودة فيها.
وترتفع المسؤوليات القانونية التي تتحملها شركات التأمين كل عام، إذ تسعى الشركات والأفراد إلى تحميلها مسؤولية الإسهام في التعويض عن الأضرار وتغطية الخسائر التي يتسبب بها التغير المناخي.
ويقلل هذا الأمر من الهوامش الربحية لشركات التأمين، ويؤثر سلباً في علاقتها مع شركات إعادة التأمين التي قد ترفض تجديد عقودها معها لعدم تمكنها من تغطية عملائها ضمن الفترات المحددة.
التحول نحو الاقتصاد الأخضر
وبحسب التقرير البريطاني، فإن التحول الكبير في المسؤوليات الملقاة على شركات التأمين دعا الحكومات والهيئات التنظيمية في جميع أنحاء العالم إلى إصدار لوائح تنظيمية جديدة تركز فيها بصورة كبيرة على التحول نحو الاقتصاد الأخضر وخفض الانبعاثات، مما يعني أن شركات التأمين قد تواجه تراجعاً في الاستثمارات من قبل الشركات العاملة في الوقود الأحفوري والصناعات ذات الصلة.
وتشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) إلى أن الأصول العالقة في قطاع الوقود الأحفوري يمكن أن تصل إلى 10 تريليونات دولار أميركي بحلول عام 2050، مما يشكل أخطاراً كبيرة على شركات التأمين التي لديها استثمارات كبيرة في هذه القطاعات.
إلى ذلك، وتشير التوقعات إلى أن الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغير المناخي قد تخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 25 في المئة بحلول نهاية القرن، مما يؤثر بصورة كبيرة في الأداء المالي للاستثمارات التي تحتفظ بها شركات التأمين. ويتطلب الأمر الانتقال إلى بدائل أكثر مراعاة للبيئة وتعديلات في اللوائح التنظيمية الخاصة بشركات التأمين كالإفصاح عن قدراتها على الصمود ضد أخطار المناخ، واستراتيجياتها الدقيقة في ممارسة الاكتتاب والاستثمار بما يتناسب مع هذه المتغيرات.
ففي الاتحاد الأوروبي، يتطلب نظام الإفصاح عن التمويل المستدام (SFDR) من شركات التأمين الكشف عن كيفية دمج أخطار الاستدامة، مما يزيد من كلف الامتثال بنسبة 10-20 في المئة.
أما على مستوى العالم، فإن كلف امتثال شركات التأمين باللوائح التي تفرضها الهيئات التنظيمية الدولية قد ترتفع من 10 في المئة إلى 25 في المئة سنوياً خلال عام 2030، خصوصاً في ما يتعلق بالمعايير البيئية والاجتماعية والإدارية.
دور مهم للذكاء الاصطناعي
وأشار تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية إلى أن أخطار التغير المناخي قد أسهمت في تغيير النظرة لملفات تعريف الأخطار، إذ تقوم بعض شركات التأمين العالمية اليوم بتطوير نماذج جديدة وموثوقة تمكنها من التنبؤ بالأخطار المستقبلية غير المسبوقة الناجمة عن التغير المناخي.
وبحسب التقرير، برز أخيراً الدور المهم للذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات وتحليلها باستخدام صور الأقمار الاصطناعية ونمذجة الأخطار، مما يتطلب استثمارات كبيرة في القدرات والبنى التحتية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتوقع التقرير أن ترتفع استثمارات شركات التأمين في تكنولوجيا تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي وحلول تكنولوجيا التأمين لتحسين تقييم الأخطار وتجربة العملاء من 20 مليار دولار سنوياً إلى 30 مليار دولار بحلول 2030، إذ بات التحول الرقمي عاملاً حاسماً في الاستراتيجية التنافسية لشركات التأمين حول العالم.
وأسهمت حملات التوعية الحكومية حول أهمية الحفاظ على البيئة وتقليص الانبعاثات في تزايد اهتمام كل من الأفراد والشركات بالحصول على منتجات تأمين تعالج الأخطار المناخية وتعزز مفهوم الاستدامة.
وأصبح عدد من شركات التأمين العالمية اليوم ملزماً بتخصيص مبالغ مالية كبيرة للبحث والتطوير لتحقيق ذلك الهدف، وإلا فإنه سيكون أمام عواقب قانونية تؤثر في سمعته وثقة عملائه.
فرص واعدة على رغم التحديات
وتحدث تقرير المركز العالمي للدراسات أيضاً عن إسهام واعد للأسواق الناشئة في آسيا والمحيط الهادئ وأميركا اللاتينية في دعم قطاع التأمين الذي يحقق نمواً سنوياً مركباً ومستقراً عند مستوى خمسة في المئة، مبيناً أن بعض شركات التأمين نجح في تحويل التغير المناخي من تحد حقيقي إلى فرص مهمة وواعدة لقيادة التحول نحو اقتصاد عالمي أكثر استدامة ومرونة.
وبدأ عدد من شركات التأمين العالمي اتباع استراتيجيات جديدة للتخفيف من أخطار تغير المناخ كاعتماد النهوج الاستباقية في تحديد الأخطار وتطوير منتجات جديدة ومحافظ استثمارية تتوافق مع مستقبل أكثر استدامة، وتنفيذ نماذج تسعير ديناميكية يمكنها ضبط أقساط التأمين في الوقت الفعلي بناءً على البيانات المناخية الناشئة ومؤشرات الأخطار.
وتشارك عدد من شركات التأمين في مبادرات الصناعة والتعاون، التي تهدف إلى معالجة تغير المناخ، وتتبنى حملات توعية لتثقيف أصحاب السياسات في شأن الأخطار المناخية وأهمية تدابير المرونة، مثل الدفاعات ضد الفيضانات وتحديث كفاءة استخدام الطاقة.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
وتطرق التقرير البريطاني إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، موضحاً أنها تتعرض بين عام وآخر إلى آثار واضحة للتغير المناخي، إذ يتسبب ذلك في فياضانات وجفاف وارتفاع كبير في درجات الحرارة، ينجم عنه أضرار جسيمة في الممتلكات وزيادة في مطالبات التأمين.
وبحسب التقرير، فإنه من المرجح أن تشهد الأعوام المقبلة مزيداً من الأخطار المناخية التي سترفع من أقساط التأمين بالنسبة إلى الشركات والأفراد بنسب متفاوتة قد تصل إلى 25 في المئة.
وتواجه المدن الساحلية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أخطاراً كبيرة نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر والظواهر الجوية القاسية، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية وتأمينية كبيرة.
لذا تركز الحكومات في هذه المنطقة على الاستدامة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ من خلال مبادرات وخطط تنموية تسعى إلى تسهيل التحول نحو الاقتصاد الأخضر كرؤية السعودية 2030، واستراتيجية النمو الأخضر في الإمارات، مما يؤدي إلى لوائح أكثر صرامة لقطاع التأمين.
وتستخدم شركات التأمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تقنيات النمذجة المتقدمة، لتحليل البيانات وصور الأقمار الاصطناعية والنماذج المستندة إلى الذكاء الاصطناعي لتقييم الأخطار وتسعيرها بصورة أفضل، مما أدى إلى تحسين دقة نماذج الاكتتاب الخاصة بها بصورة كبيرة.
وتعمل شركات التأمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تطوير منتجات تأمين ضد الفيضانات، مصممة خصيصاً لتناسب الأخطار المناخية المحددة في المنطقة، مما يوفر تغطية للمنازل والشركات في المناطق المعرضة للفيضانات.
وبحسب التقرير، فإن تقليل الآثار السلبية لتغير المناخ يستوجب أن تعمل بعض شركات التأمين في المنطقة على تحويل استثماراتها نحو السندات الخضراء ومشاريع الطاقة المتجددة لتحقيق أهداف الاستدامة، وتحدث التقرير البريطاني عن أهمية هيكلة المحافظ الاستثمارية لبعض شركات التأمين بما يتوافق وأهداف المرونة والاستدامة على المدى الطويل، مبيناً أن معالجة هذه التحديات بصورة مباشرة، سيمكن شركات التأمين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تخفيف أخطار المناخ، وتحويلها إلى فرص تمكنها من قيادة التحول نحو اقتصاد عالمي أكثر استدامة ومرونة.