من المقرر أن تنظر لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، الخميس المقبل، مصير الفائدة، وسط توقعات كثيرة باتجاه قوي نحو مزيد من الخفض، الذي بدأه "المركزي المصري" خلال اجتماعه في أغسطس (آب) الماضي.
التوقعات تشير إلى أن لجنة السياسة النقدية ستخفض أسعار الفائدة خلال الاجتماع المقرر يوم 26 سبتمبر (أيلول) الحالي بنحو 100 نقطة أساس، مدفوعة بالعديد من الأسباب، أهمها استمرار تراجع معدلات التضخم لتسجل أدنى مستوياتها منذ قرار تعويم الجنيه المصري وتحرير سوق الصرف بشكل كامل في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2016.
وتسببت الفائدة المرتفعة في موجة ركود عنيفة في السوق المصرية، والتي جاءت بعد استخدام البنك المركزي للفائدة كسلاح في مواجهة التضخم الذي سجل أعلى مستويات في تاريخ مصر عقب بدء الحكومة المصرية في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي وإعلان مجموعة قرارات تتعلق بهيكلة دعم الطاقة والكهرباء والمياه والسلع التموينية.
خفض محتمل بنحو 100 نقطة أساس
وفي تقرير حديث، توقعت "إتش سي" للأوراق المالية والاستثمار أن يخفض البنك المركزي المصري سعر الفائدة 100 نقطة أساس في اجتماعه الخميس المقبل.
وذكرت أن معدل التضخم السنوي استمر في الانخفاض على مدار ثلاثة أشهر متتالية بعد معدلاته العالية في مايو (أيار) عند 14.1%، حيث حقق التضخم الشهري قيمة أقل من التوقعات المقدرة بنسبة 1% على أساس شهري.
وتوقعت "مونيت دوس"، محللة الاقتصاد الكلي وقطاع البنوك بشركة "إتش سي"، أن "تنحسر الضغوط التضخمية بشكل كبير بعد قرارات رفع الدعم التي اتخذت في يوليو (تموز) الماضي".
وانخفض التضخم السنوي لأقل من 9% على أساس سنوي ليأتي في حدود التضخم المستهدف للبنك المركزي المصري عند قيمة 9% (± 3%) في الربع الرابع من 2020، مما يسمح للبنك المركزي بالاستمرار في سياسة التيسير النقدي لتحفيز النمو الاقتصادي ونشاط سوق المال.
علاوة على ذلك، وفي السياق العالمي للتيسير النقدي، وخفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة على الودائع بـقيمة 10 نقاط أساس لتصل لفائدة سالبة قيمتها -0.5% الأسبوع الماضي، ومع استمرار أذون الخزانة المصرية في تقديم عوائد جذابة وتشجيع التدفقات المستفيدة من فوارق الأسعار، توقعت "إتش سي" أن يخفض البنك المركزي المصري سعر الفائدة 100 نقطة أساس في اجتماعه المقبل.
وكانت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري قررت في اجتماعها الماضي الذي عُقد في 22 أغسطس (آب) الماضي، خفض سعر الفائدة بقيمة 150 نقطة أساس بعد الإبقاء عليه دون تغيير على مدار ثلاثة اجتماعات متتالية في أعقاب آخر خفض لسعر الفائدة تم في فبراير (شباط) الماضي بقيمة 100 نقطة أساس.
وتباطأ معدل التضخم السنوي ليبلغ 7.5% في أغسطس (آب) الماضي من 8.7% في الشهر السابق، حيث عكس التضخم الشهري زيادة في الأسعار بنسبة 0.7% مقارنة بنحو 1.8% في الشهر السابق، وذلك وفقا للبيانات التي أصدرها البنك المركزي المصري.
وتباطأ أيضا التضخم الأساسي في مصر ليصل إلى 4.9% في أغسطس (آب) الماضي من 5.9% في الشهر السابق، مع انخفاض مؤشر أسعار المستهلك الشهري بنسبة 0.36% مقارنة بنحو 0.11% زيادة في يوليو (تموز)، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.
هل الأجواء والمعطيات مواتية لخفض الفائدة؟
وتشير أغلب توقعات المحللين إلى أن هناك خفضاً جديداً لأسعار الفائدة بمصر وسط ظهور بعض الأرقام والأحداث التي ترجّح اتجاه البنك المركزي المصري إلى سياسة التيسير النقدي مع تحسن الأجواء والمعطيات التي تقود إلى هذا السيناريو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعد تراجع معدل التضخم من أبرز العلامات التي ترجّح احتمالية خفض آخر للفائدة، وكان من ضمن الأسباب الرئيسة التي دفعت المركزي إلى خفضها خلال اجتماع أغسطس (آب) الماضي.
وبحسب آخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، واصل معدل التضخم السنوي في مصر تراجعه مسجلاً أفضل مستوى له منذ 2013 في أغسطس (آب) الماضي، ووصل إلى مستوى 6.7% مقابل نحو 13.6% خلال نفس الشهر من العام الماضي، و33.2% في أغسطس (آب) من العام 2017، و10.9% في أغسطس (آب) 2013.
وتوقعت شركة "بلتون"، في مذكرة بحثية حديثة، خفضا جديدا لأسعار الفائدة بين 0.5 و1% خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل.
وقالت "بلتون" إن هدوء الضغوط التضخمية إلى جانب حالة الاقتصاد الكلي القوية سيسمحان باستمرار دورة التيسير النقدي خلال الفترة الحالية وستستمر بيانات سنة الأساس وقوة الجنيه في دعم قراءات التضخم العام حتى نهاية 2019، مما يحافظ على معدلات التضخم في نطاق مستهدف المركزي عند 9% (±3%) بنهاية عام 2020، بخاصة في ضوء غياب أية صدمات سعرية متوقعة.
وأضافت "أسعار الوقود المحلية سيتم مراجعتها بنهاية سبتمبر (أيلول) 2019، ونتوقع أن تظل دون تغير نتيجة ارتفاع سعر الجنيه، إلى جانب الانخفاض الحالي لأسعار البترول مما يقلّ عن السعر المقرر له في الموازنة عند 67 دولارا للبرميل".
اتجاه عالمي نحو سياسة التيسير النقدي لتلاشي الركود المحتمل
من بين الأسباب المهمة التي تدفع البنك المركزي إلى خفض معدلات وأسعار الفائدة، اتجاه أغلب اقتصاديات دول العالم إلى الفائدة المنخفضة وسط انكماش في الاقتصاد الدولي ومحاولات مستمرة لتلاشي الركود المتوقع، والذي بدأت ملامحه تظهر بالفعل في عدد من الاقتصاديات الكبرى، سواء في الولايات المتحدة أو الصين.
ويعد من أبرز تلك الدول اتجاه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى خفض الفائدة؛ حيث قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض معدل الفائدة الأميركية للاجتماع الثاني على التوالي.
وقال البنك المركزي الأميركي، في بيان السياسة النقدية الصادر الأربعاء الماضي، إنه قرر خفض معدل الفائدة الأساسي بمقدار 25 نقطة أساس لتصل إلى مستوى يتراوح بين 1.75% إلى 2%. وكان البنك المركزي الأميركي قد خفض معدل الفائدة في يوليو (تموز) الماضي للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية.
ويعدّ التوجه العالمي لخفض الفائدة من ضمن الأسباب الرئيسة التي دفعت السياسة النقدية إلى خفض الفائدة في اجتماع أغسطس (آب) الماضي. وذكرت "بلتون" في تقريرها أن استمرار تباطؤ معدل نمو الاقتصاد العالمي والتأثير السلبي للتوترات التجارية على آفاق النمو أسهما في تيسير الأوضاع المالية العالمية من خلال خفض أسعار العائد الأساسية لعدد من البنوك المركزية، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي بالولايات المتحدة.
العائد على أذون الخزانة المصرية يواصل تراجعه
في نفس الاتجاه، تشير نتائج أذون الخزانة المصرية التي تطرحها الحكومة إلى توقع المستثمرين استمرار المركزي المصري في التيسير النقدي وخفض الفائدة.
وأظهر آخر عطاء للبنك المركزي المصري نيابة عن وزارة المالية المصرية لبيع أذون خزانة أن العائد على الأذون ذات الآجال الأطول كان متراجعاً بشكل أكبر من العائد على الأذون ذات الآجال الأقل.
وواصل العائد على أذون الخزانة المصرية تراجعه لأدنى مستوى منذ تعويم الجنيه المصري خلال العطاء الذي تم في بداية الأسبوع الماضي، لتهبط أذون أجل 364 يوماً دون مستوى الـ16 بالمئة عند مستويات الـ15%.
ومع انخفاض العائد على أجل 364 يوماً بشكل ملحوظ خلال عطاء اليوم لمستوى الـ15.8%، قبلت مصر أكثر مما كانت تستهدف بيعه، حيث قبلت نحو 12.05 مليار جنيه (نحو 733 مليون دولار)، بفائدة تراوحت بين 15.85 و15.9% بمتوسط عائد 15.87%، وهو أدنى مستوى منذ تعويم الجنيه، حيث كانت تستهدف بيع 9.75 مليار جنيه (598 مليون دولار).
وفي المقابل، تم بيع أذون الخزانة لآجل 182 يوماً بقيمة 9.25 مليار جنيه (567.3 مليون دولار)، بفائدة تراوحت ما بين 16.2 و 16.42%، بمتوسط 16.38% وهو أدنى عائد لنفس الأجل منذ تعويم الجنيه.
لكن ما زال العائد على أدوات الدين المصرية مرتفعاً مقارنة بالعديد من الدول وأكثر جاذبية للمستثمرين.
الإصلاحات الاقتصادية تدعم ارتفاع معدلات النمو
على صعيد معدلات النمو، توقعت وكالة "موديز" أن تحقق مصر معدلات نمو خلال الأربع سنوات المقبلة ما بين 5 إلى 6% نتيجة الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة المصرية، والتي بدأت بقرار تحرير سعر الصرف وإقرار قوانين الاستثمار والإفلاس، لتبقي الوكالة على نظرتها للاقتصاد المصرى إيجابية خلال الفترة المقبلة.
وأوضح كوستنيس كوبريس، نائب رئيس مؤسسة "موديز"، خلال كلمته بمؤتمر "مستقبل الاستثمار في مصر... رؤية مجتمع الأعمال"، أن سداد الحكومة لمستحقات الشركات الأجنبية خلال الفترة الأخيرة أسهم في نمو قطاع النفط مدعوما بالاستخراجات النفطية الجديدة، الأمر الذي سيؤدي إلى تحسين ميزان المدفوعات وزيادة معدلات التصدير النفطية.
وأشار إلى أن مستويات الديون لمصر لا تزال مرتفعة وتمثل مخاطر على مستوى السيولة لكونها ديون قصيرة الأجل، إذ تسدد الحكومة سنويا ما بين 30 إلى 40% من الناتج المحلي الإجمالي بسبب سدادها لديون جديدة وسداد ديون سابقة، مما يجعل الاقتصاد هشاً أمام مواجهة الصدمات.
وأضاف أن الحكومة بدأت في اتخاذ خطوات صارمة لمقابلة الارتفاع الكبير في المديونية عبر تقليل نسبة الإنفاق الحكومي على الأجور إلى مستويات 5.5% من الناتج المحلي بدلا من 8.5% بجانب تخفيض مستويات الدعم، مطالبا الحكومة بضرورة استهداف الفئات الصحيحة من المواطنين الأقل دخلا أو الفقراء بشكل يضمن تحقيق أهداف إيجابية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي.
وأوضح أنه لا يزال يوجد عوائق هيكلية لزيادة إسهام القطاع الخاص في مصر لخلق بيئة عادلة بين القطاع الخاص والشركات الحكومية. واقترح منح القطاع الخاص حوافز بشكل يضمن زيادة معدلات التوظيف وتخفيض معدلات البطالة.
وذكر أن فاعلية الحكومة المصرية في السيطرة على الفساد لا تزال ضعيفة لكنها تحسنت نسبيا إثر الإصلاحات الأخيرة، لكنها تحتاج إلى مزيد من الإصلاحات لخلق مؤسسات أكثر قوة.