ملخص
من أبرز أعراض ألزهايمر تكرار الكلام نفسه وإخفاء أشياء خاصة مع مشكلات في النطق والتلعثم، تليها مرحلة اضطرابات السلوك التي قد تصل حد العدوانية
قد لا يكون مريض ألزهايمر مدركاً لما يجري معه ومن حوله، ولا سيما إذا كان في مراحل متقدمة من المرض، لكن مما لا شك فيه أن تصرفات وسلوكيات المريض تكون مرهقة لأفراد أسرته وتؤثر فيهم معنوياً ونفسياً ومادياً أحياناً، وبخاصة إذا باتت تلك المعضلة الصحية تمثل خطراً على المريض، فدائماً ما نسمع في تونس عن هرب مريض ألزهايمر من بيته لتبدأ العائلة رحلة بحث مستمرة تقلب حياتهم رأساً على عقب.
وفي هذا الصدد يقول مهدي "كدت لا أصدق زوجتي عندما قالت لي إن أمي تتسلق حائط الحديقة الأمامية للمنزل وتخرج إلى الشارع إلى أن رأيت المنظر فذهلت، فكيف لسيدة في الـ80 من العمر أن تقوم بهذا الفعل إذا كانت قوتها البدنية لا تسمح بذلك؟".
ويواصل مهدي، "مرضت أمي بألزهايمر منذ عامين تقريباً وكانت أعراضه مقلقة لنا جميعاً، كانت تنسى كثيراً من التفاصيل اليومية وتتذكر أحداثاً ومراحل مر عليها الدهر"، متابعاً "كانت أمي تقوم بتصرفات لا تشبهها وترمي الأكل إذا لم يعجبها وتكسر الأواني".
ويتحدث سامي عن تجربته مع أمه التي كانت تتسلل إلى الشارع وعن حجم القلق الذي يصيب العائلة بأكملها عند البحث عليها من من منزل مجاور لآخر يسألون المارة عنها، وفي إحدى المرات وجدوها جالسة في حديقة الحي تلعب مع القطط، وتارة أخرى أبلغهم أحد الجيران أنه رآها في مكان قريب من المنزل.
وعن معاناة سامي وزوجته يقول، "كنا لا نتركها بمفردها، ولأننا نعمل ونغيب عن المنزل لفترات طويلة فقد قمنا بجلب مرافقة تراقبها كي لا تخرج إلى الشارع مما كلفنا كثيراً من المال، ولا سيما أن لدينا طفلين".
رحلة البحث
هذه واحدة من قصص آلاف العائلات التونسية التي تضم بين أفرادها مريض ألزهايمر، وفي هذا الصدد يقول رمزي الذي يعمل في أحد مراكز الأمن بالعاصمة تونس، إنهم يتلقون يومياً بلاغات ضياع لكبار السن خرجوا من المنزل من دون علم عائلاتهم، مواصلاً "للأسف نتلقى أيضاً بلاغات عنف ضد هؤلاء المسنين من طرف عائلاتهم".
ومن أغرب القصص حول مرض ألزهايمر يروي الأمني قصة الابن الذي قام بربط أمه بسلسلة في فراشها قبل ذهابه وزوجته إلى العمل، لمنعها من الخروج من المنزل.
أما فاطمة فتقول إنها اضطرت إلى ترك عملها في أحد معامل الخياطة والبقاء في المنزل لتعتني بأمها التي تعاني مرض ألزهايمر منذ ثلاثة أعوام.
وتواصل فاطمة أن "الأمر الذي جعلني أترك عملي على رغم حاجتي المادية وعدم قدرتي على جلب مرافقة، ما حدث معي ذات يوم عندما عدت من عملي ووجدت باب المنزل مفتوحاً على مصراعيه وأمي غير موجودة، وبعد أن بحثنا عنها ولم نجدها تواصلنا مع مركز الشرطة الذي أبلغنا أنها موجودة لديهم وقد أبلغ عنها أحد المواطنين، حينها قررت البقاء معها في المنزل والاعتناء بها".
وفي السياق ذاته تفيد المتخصصة في أمراض الشيخوخة وألزهايمر عفاف الهمامي بأنه "في آخر دراسة أحصيت 80 ألف حالة مريض ألزهايمر في تونس"، مرجحة أن "يتخطى العدد الحقيقي الرقم المذكور لأن هناك كثيراً من المصابين الذين لا تُشخص حالتهم الصحية، كما لا يوجد مسح وطني لهذا المرض".
وتضيف الهمامي أن "هذا المرض لا يصيب المريض منفرداً وإنما يطاول كل أفراد الأسرة وبخاصة الأشخاص المهتمين بالعناية المباشرة بالمريض".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوضح الطبيبة الهمامي أن "أعراضاً عدة تترافق مع مرض ألزهايمر، من قبيل عدم القدرة على النوم أو العصبية الزائدة أو الاكتئاب وفقدان الاستقلالية الذاتية، لذا قد يصف الطبيب أدوية كثيرة للمريض فتتكبد العائلات مصاريف مرتفعة".
وأوضحت أن "العائلات تتعب كثيراً في التعامل مع المريض الذي غالباً ما ينسى كل شيء ويتصرف كالأطفال، وهذا السلوك يتطلب مرافقة ومتابعة مستمرتين حتى لا يتعرض المريض إلى الخطر"، وتؤكد أن "النساء هن الأكثر ميلاً للإصابة بألزهايمر لأسباب فسيولوجية، وأيضاً لأن أمل الحياة لدى المرأة أكثر من الرجل".
الإحاطة والإشعار
ومن أهم أعراض هذا المرض، بحسب الهمامي، "تكرار الكلام نفسه مرات عدة مع طرح كثير من الأسئلة وإخفاء أشياء خاصة وصغيرة خوفاً من سرقتها، وأيضاً مشكلات في النطق ونسيان الكلام والتلعثم، ثم مرحلة اضطرابات السلوك التي تصل حد العدوانية في بعض الأحيان مع كثير من الحركة، وتوهم أشياء مثل التعرض للعنف الجسدي والهرب من المنزل خلال المرحلة الثالثة والمتقدمة من المرض، وكل هذه المراحل ترهق عائلة المريض".
وأكدت الهمامي أن "الأعوام المقبلة ستشهد تزايداً ملاحظاً في أعداد مرضى ألزهايمر ممن يفوق عمرهم الـ60 سنة بسبب اتساع قاعدة هذه الشريحة العمرية".
وأرجعت عفاف الهمامي التزايد الملاحظ في عدد مرضى ألزهايمر في تونس خلال الفترة الأخيرة إلى الوعي بأعراض المرض وعلاماته الأولية لدى المواطنين، مما يسر على العائلات التفطن له والاتصال المباشر بالمتخصصين في المجال للتكفل بذويهم.
وبلغ عدد كبار السن في تونس ما يزيد على 1.6 مليون مسن ومسنة، أي بنسبة 14.2 في المئة من المجموع العام للسكان في 2021، بعد أن كانت النسبة بحدود 13 في المئة عام 2018.
ومن المتوقع بحسب الإحصاءات السكانية أن تتجاوز الـ17 في المئة بحلول عام 2029.
وهذا التغير الديمغرافي يستدعي الاستشراف لرؤى جديدة عبر وضع سياسات اجتماعية وصحية ناجعة، وتحسين جودة خدمات الرعاية في المؤسسات ومعالجة الهشاشة التنظيمية لبعضها، وذلك بهدف تمكين كبار السن من العيش في بيئات آمنة وتوسيع الخيارات أمامهم للتمتع بشيخوخة نشيطة.
وحرصاً على الإنصات إلى مشاغل كبار السن ومزيد الإحاطة بهم، قامت وزارة المرأة والأسرة وكبار السن، بحسب بلاغ صادر عنها، بإحداث خط أخضر مجاني لتلقي الرسائل الصوتية للتوجيه والإحاطة والإشعار حول كبار السن في وضع يسعى إلى توفير الاستشارات النفسية والاجتماعية والقانونية.
ولمزيد دعم الأسر في رعاية أفرادها من كبار السن والتخفيف من أعباء الرعاية الصحية والاجتماعية، حرصت الوزارة على الترفيع في عدد الفرق المتنقلة لرعاية كبار السن بهدف تأمين ودعم خدمات القرب بالشراكة مع الجمعيات العاملة في هذا المجال.