Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يمكن للعالم أن يتعامل مع ترمب؟

نصيحة للقادة الذين يواجهون احتمال عودة شعار "أميركا أولا" على الساحة الدولية

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في مدينة نيويورك، مايو 2024 (أندرو كيلي/رويترز)

ملخص

لعل الدول الصديقة للولايات المتحدة هي الوحيدة التي يمكنها التحدث بصدق إلى ترمب، الذي لا شك أنه سينزعج منها، ولكنه لا يمكن إقالتها. ذلك هو الموقف الذي قد يساعد الولايات المتحدة في عهد ترمب الثاني.

في عام سيشهد انتخابات كبرى في مختلف أنحاء العالم، تبقى تلك التي ستجري في الولايات المتحدة في أول ثلاثاء من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل هي الأهم على الإطلاق. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن دونالد ترمب سيعود إلى البيت الأبيض مرة أخرى في يناير (كانون الثاني) 2025. وإن حدث وعاد إلى منصبه، فربما لن يكون أكثر حكمة عن ذي قبل، ولكنه بالتأكيد سيظهر خبرة متزايدة واقتناعاً أكبر بذكائه الاستثنائي. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنه سيكون مصمماً في ولايته الثانية على تصحيح ما يصر على أنه كان العيب الرئيس في ولايته الأولى، وهو أن مستشاريه الخاصين والجهات الرسمية في واشنطن عرقلوا جهوده.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى غرار معظم الناس، غالباً ما يرتكب ترمب الأخطاء. ومع ذلك وخلافاً لمعظم الناس، فهو لا يشكك مطلقاً في قناعاته. لقد منحه الإيمان بالنفس النرجسي القوي القدرة على تحدي أعدائه الكثيرين، بل على تحدي الواقع في حد ذاته. وعلى مدى أربعة أعوام، ظل ينكر نتيجة انتخابات عام 2020 الرئاسية وأقنع معظم أعضاء حزبه وملايين من الأميركيين بأن يوافقونه الرأي. ولم يسبق لأحد قبله أن تمكن من العبث في عقول الآخرين بهذه الفعالية ومن دون كلل.

خلال فترة رئاسته، سعى إلى إحاطة نفسه بالأشخاص الذين أخبروه بما تستسيغه أذناه. وعندما توقفوا عن القيام بذلك طردهم على الفور. وإذا عاد ترمب إلى المكتب البيضاوي، فمن المرجح أن يزداد ميله إلى سحق النقاد وتعيين أفراد مطيعين متملقين يوافقونه الرأي على كل شيء. وسوف يصف منتقديه في الداخل بأنهم خصوم سياسيون إذا كانوا ديمقراطيين، وخونة إذا كانوا جمهوريين. في الواقع، سيشعر ترمب بأنه لا يقهر في انتصاره، وكأنه إمبراطور روماني، لكن من دون أي عبد إلى جانبه يهمس في أذنه "تذكر أنك فان".

ويذكر أن القادة الآخرين، وبخاصة زعماء الدول الحليفة التي تربطها علاقات وثيقة بالولايات المتحدة، لديهم فرصة سانحة ومسؤولية كبيرة للتحدث إلى ترمب بصراحة مباشرة، ولكن بكل احترام، على نحو لا يستطيع أن يفعله إلا قلة من مستشاريه. وفي هذا السياق، تشير تجربتي الشخصية مع ترمب عندما كنت رئيساً لوزراء أستراليا، إلى أنه قد لا يحب القوة والصراحة من الزعماء الآخرين، ولكن بمجرد أن يهدأ غضبه، فإنه يحترمهم على ذلك. في مختلف أنحاء العالم يشعر القادة بالقلق مرة أخرى في شأن الطريقة التي يمكنهم بها تملق ترمب وتجنب غضبه. ولكن هذا النهج المرن المتسم بالخضوع لا يعد استراتيجية خاطئة فحسب، بل هو آخر ما تحتاج الولايات المتحدة إليه.

واقع جديد

بعد أن تولى ترمب الرئاسة خلال عام 2017، وجد معظم قادة العالم أنفسهم يعملون في ظل افتراضين غير صحيحين. الأول ه أن ترمب سيتخلى عن خطابه الجامح الذي اعتمده خلال حملته الانتخابية. في الحقيقة، كان بعض القادة يعتقدون أن المنصب ومسؤولياته ستقيده وتكبح جماحه. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، وبعد أسابيع قليلة من فوز ترمب المفاجئ، التقى عدداً من قادة أكبر الاقتصادات في العالم في ليما، في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ. لقد كانت القمة الأخيرة لباراك أوباما كرئيس للولايات المتحدة، لكن ترمب هو الذي طغى على مؤتمر "أبيك" APEC برمته. ومن باب الطمأنينة، اقتبس كثر مقولة حاكم نيويورك السابق ماريو كومو "حملتك تعتمد على الشعر ولكنك ستحكم بالنثر"، (أي أن لغة الحملات الانتخابية عادة ما تكون مثالية، في حين أن لغة الحكم أكثر واقعية وعملية). وكثيراً ما تكررت هذه العبارة مما دفع رئيسة تشيلي المحبطة ميشيل باشليه إلى الإشارة بسخرية إلى أن حملة ترمب التي انتهت أخيراً افتقرت حتى إلى اللغة الشعرية.

وتوقع كثير من القادة أن يتبنى ترمب سلوكاً "رئاسياً" أكثر بمجرد دخوله البيت الأبيض، وهو الرأي الذي أيده بشدة الرئيس الصيني شي جينبينغ. لقد أخبرني شي في قمة "أبيك" عن ارتياحه في شأن الرئيس الأميركي الجديد، واعتقد أن خطاب حملة ترمب لن يكون له أي تأثير في الطريقة التي سيحكم بها، والأهم من ذلك أن النظام الأميركي لن يسمح لترمب بالتصرف على نحو يقوض المصلحة الوطنية الأميركية.

وكان الرأي السائد بصورة عامة أن المؤسسات الحكومية من شأنها أن تبقي ترمب عملياً في واقع إداري تقليدي. وكان من المتوقع أن تسير الأمور كالمعتاد، بصورة أو بأخرى، بعد حملته الانتخابية النابضة بالحياة.

لكن بعد أن تولى ترمب منصبه أظهر سلوكاً أكثر جموحاً وتقلباً مما كان عليه خلال الحملة الانتخابية. وانتهت أربعة أعوام غير عادية بتحريض حشد هائج على اقتحام مبنى الكابيتول الأميركي، في محاولة جريئة لعرقلة النقل الدستوري للسلطة إلى الرئيس الجديد. إذا عاد ترمب إلى البيت الأبيض عام 2025، فلا أحد سوى أولئك الذين يتعمدون خداع أنفسهم سيتخيلون أن إدارته الثانية ستكون أقل تقلباً وإثارة للقلق من الأولى.

لا تستسلم

الفكرة الخاطئة الثانية التي افترضها زعماء العالم هي أن النهج الصحيح للتعامل مع ترمب يتلخص في الطريقة التي نصح بها بنجامين دزرائيلي، رئيس الوزراء البريطاني في القرن التاسع عشر، للتعامل مع العائلة الملكية، واستخدام الإطراء والتملق إلى درجة النفاق والمبالغة. وبطبيعة الحال، فإن أشخاصاً مثل ترمب غالباً ما يجذبون المتملقين. إنهم يستخدمون قوتهم ومزاجهم المتقلب لتشجيع الآخرين على قول ما يرغبون في سماعه. لكن هذه هي على وجه التحديد الطريقة الخاطئة للتعامل مع ترمب، أو أي متنمر آخر. سواء في المكتب البيضاوي أو في الملعب، إذ إن الاستسلام للمتنمرين يشجع على مزيد من التنمر. والسبيل الوحيد لكسب احترام أشخاص مثل ترمب هو الوقوف في وجههم.

لكن هذا التحدي يحمل معه أخطاراً كبيرة. ويأمل كل زعماء العالم تقريباً في إقامة علاقة جيدة، أو في الأقل ودية، مع الولايات المتحدة. وهم يعلمون أنه في حال حدوث خلاف بينهم والرئيس الأميركي، فليس هناك ما يضمن أن شعبهم، ناهيك عن وسائل الإعلام الخاصة بهم، سيقفون إلى جانبهم. وينطبق هذا خصوصاً على البلدان التي غالباً ما تدعم فيها وسائل الإعلام اليمينية، أو التي تسمى المحافظة، ترمب وأسلوبه في السياسة. وأكبر غرفة صدى لترمب في الولايات المتحدة هي شبكة فوكس نيوز، المملوكة لروبرت مردوك، الذي يسيطر أيضاً على أصول إعلامية واسعة في أستراليا والمملكة المتحدة.

وعندما أصبح ترمب رئيساً كنت أشغل منصب رئيس وزراء أستراليا منذ ما يقارب 18 شهراً. ولم أكن قد تعاملت معه شخصياً، ولكنني كنت أعرف أشخاصاً كثيرين فعلوا، والأهم من ذلك، أنني كنت قد تعاملت مع عديد الرجال مثل ترمب، بمن في ذلك أصحاب المليارات المهيمنون وأباطرة الإعلام مثل كونراد بلاك، وجيمي غولدسميث، وبوب ماكسويل، ومردوك، وكيري باكر. لذلك، عندما حدثت مواجهتي مع ترمب، شعرت بالانزعاج لكنني لم أتفاجأ.

وفي عام 2016، توصلت إلى اتفاق مع أوباما مفاده أن عدداً من طالبي اللجوء الذين سعوا إلى دخول أستراليا من طريق القوارب بصورة غير قانونية، يمكن توطينهم في الولايات المتحدة، بشرط اجتيازهم الفحوصات الأمنية المعتادة. لقد تعلمت أستراليا على مر السنين أن الطريقة الوحيدة لوقف تهريب البشر هي ضمان ألا يتمكن أي شخص يأتي بصورة غير قانونية بالقوارب من أن يستقر في بلدنا. وطبقت هذه السياسة بصورة صارمة في عهد رئيس الوزراء الليبرالي جون هوارد، الذي شغل المنصب من عام 1996 إلى عام 2007، ولكن جرى تعديلها في عهد خلفائه من حزب العمال كيفن رود وجوليا غيلارد. وكانت النتيجة زيادة كبيرة في تهريب البشر. وعندما عاد رود كرئيس للوزراء لبضعة أشهر، في أواخر عام 2013، حاول إعادة سياسات حقبة هوارد، مما أدى إلى اعتراض قوارب تحمل عدة آلاف من طالبي اللجوء واحتجازهم في بابوا غينيا الجديدة وناورو.

ثم عاد الليبراليون إلى الحكومة في أكتوبر 2013 تحت قيادة توني أبوت، الذي خلفته كرئيس للوزراء في سبتمبر (أيلول) 2015. وقد اتبعت حكوماتنا وكل الحكومات التي أتت من بعدنا نهجاً صارماً لا يتسامح مطلقاً مع تهريب البشر، وأثبت فعاليته. ولكن كان لا يزال هناك طالبو اللجوء الذين أعيد توجيههم إلى بابوا غينيا الجديدة وناورو. وكنت أخشى أنهم إذا أحضروا إلى أستراليا ستعاود القوارب التدفق مجدداً. لذا فإن الاتفاق مع أوباما كان حلاً عملياً وإنسانياً. وفي المقابل، وافقت أستراليا على قبول بعض حالات الهجرة الصعبة للغاية نيابة عن الولايات المتحدة.

السبيل الوحيد لكسب احترام ترمب هو الوقوف في وجهه

 

منذ اللحظة التي انتخب فيها ترمب، سعت حكومتي إلى الحصول على ضمانات تؤكد احترام الاتفاق، وتلقينا مؤشرات إيجابية على أن ذلك سيحدث. ولكن بعدئذ، قبل موعد مكالمة مقررة مع الرئيس بعد أيام قليلة من تنصيبه، اتصل نائب الرئيس مايك بنس بجولي بيشوب، وزيرة الخارجية الأسترالية، واتصل مايكل فلين، مستشار ترمب للأمن القومي، بنظيره في مكتبي، جاستن باسي، لإخبارهما بأنه ينبغي ألا أثير هذه القضية تحت أي ظرف من الظروف خلال المكالمة لأن ترمب لن يلتزم بالاتفاق الذي أبرمناه مع سلفه.

وعلى رغم ذلك ذكرت هذا الموضوع. فخلال المكالمة، أخبرت ترمب أن أستراليا تتوقع من الولايات المتحدة أن تحترم التزاماتها. وكان ترمب محتداً ويستشيط غضباً من أن الاتفاق مريع، وسيؤدي إلى هلاكه سياسياً، وأن أوباما كان مغفلاً لموافقته عليه. وكان من المخيف أن يصرخ رئيس الولايات المتحدة علي، لكنني بقيت ثابتاً على موقفي. وبحلول نهاية المكالمة، وافق ترمب بتردد كبير على القبول بالاتفاق. واختتم المكالمة بالإشارة إلى أنها كانت المحادثة الأكثر إزعاجاً التي أجراها في ذلك اليوم، خلافاً لمحادثته مع بوتين التي اعتبرها أكثر متعة.

وأوضح ترمب أنه سيمضي في الصفقة قدماً على رغم أنه لم يكن سعيداً بذلك. لكنه قبل أيضاً ما اقترحته عليه بأنه يستطيع الالتزام بالصفقة التي أبرمها سلفه من دون المصادقة بالضرورة على إيجابياتها. ثم سربت تفاصيل المكالمة في واشنطن، ونشر نص المحادثة التي جرت بيننا، وكان الهدف من كل ذلك هو إظهار أن ترمب وافق على الصفقة على مضض.

وسيطر قلق هائل في كانبيرا في شأن ما ستؤول إليه الأمور في هذا الشأن. هل سيحترم الصفقة فعلاً؟ وقد تبين أنه فعل. وهل سيؤثر هذا الخلاف سلباً على جوانب أخرى من العلاقة؟ والأهم من ذلك، هل سيحمل ترمب ضغينة؟

التقينا مرة أخرى، في مايو (أيار) 2017، أي بعد أربعة أشهر فحسب، وبحلول ذلك الوقت، كان يمزح معي ومع زوجتينا في شأن صفقة اللاجئين، متذمراً من أنه وافق عليها وكأنه ينفق مبلغاً باهظاً مقابل مبنى ما. وأخبر زوجته ميلانيا ترمب أنني "كنت مفاوضاً صعباً". فأجابت "مثلك تماماً يا دونالد".

إذاً فالعلاقة بيني وبين ترمب، بصفتنا قائدين، بدأت بصورة إيجابية بسبب مزيج جمع بين صفاتنا الشخصية والظروف المحيطة. ومن خلال التمسك بموقفي والدفاع عن قضيتي وعدم التراجع، لم أقنعه بالالتزام بالاتفاق الذي أبرمته مع أوباما فحسب، بل كسبت احترامه أيضاً.

تقديم حجج مقنعة

إن رؤساء الدول ورؤساء الوزراء في معظمهم يفوضون قدراً كبيراً من السلطة، بصورة رسمية وغير رسمية، لمستشاريهم ومسؤوليهم. وفي العادة، يتولى السفراء والمسؤولون مهمة ترتيب الاجتماع وتفاصيله مع القادة الأجانب قبل وقت طويل من انعقاده. وتكون نتيجة اللقاء معدة مسبقاً تماماً مثل مواضيع النقاش والحوار التي تجري في الاجتماع.

لكن البيت الأبيض في عهد ترمب لم يعمل بهذه الطريقة. وكان ترمب هو صانع القرار الوحيد. وكان بإمكان الموظفين تقديم النصائح له كيفما يشاؤون، إلا أن معظمهم لم يبقوا طويلاً في مناصبهم على أية حال. وكانت الكلمة الفصل تعود لترمب فحسب (لم يكن سوى رأي ترمب هو الذي يهم)، ولم يكن يحب الالتزام بالتصريحات المكتوبة مسبقاً، وفي جميع الأحوال، نادراً ما كان يقرأ من نص مكتوب. لقد كان هو المفاوض (صانع الصفقات)، لذا كان يفضل إتمام الصفقات على الفور داخل الغرفة التي ينعقد فيها الاجتماع.

ومن خلال تجربتي مع ترمب، كان هذا يعني أن المساعدة التي يستطيع السفراء ووزراء الخارجية تقديمها والتأثير الذي يتمتعون به محدودين جداً، بغض النظر عن مدى كفاءتهم. وكانت العلاقة الرئيسة تكمن بين ترمب والزعيم الأجنبي.

في الواقع، تشكل هذه الممارسة تحدياً وفرصة في الوقت نفسه للزعماء الأجانب الذين يحاولون اكتساب النفوذ في البيت الأبيض. وهذا يقلل من نفوذ سفرائهم. في المقابل، إذا كان من الممكن إقناع ترمب بأن تغيير المسار سيصب في مصلحته، فسيفعل ذلك. ولكن من أجل تحقيق هذه الغاية، يتعين على الزعيم الأجنبي أن يحظى باحترام ترمب وأن يقدم حججاً مقنعة.

لقد لاحظت مثل هذا السيناريو عندما توليت قضية صعبة أخرى هددت العلاقات بين كانبيرا وواشنطن خلال فترة ولاية ترمب الأولى، وهي التجارة. في مارس (آذار) 2018، أعلن ترمب أنه سيفرض رسوماً جمركية بنسبة 25 في المئة على واردات الصلب و10 في المئة على واردات الألمنيوم. ولم يكن ترمب وحده متحمساً لفرض هذه التعريفات فحسب، بل أيضاً بعض مستشاريه الرئيسين، بمن في ذلك وزير التجارة ويلبر روس والممثل التجاري روبرت لايتهايزر.

كانت آراء ترمب في شأن التجارة واضحة ومبسطة ولكنها كانت راسخة بقوة. كان يرى في العجز التجاري دليلاً على أن الولايات المتحدة تخسر، وفي الفائض التجاري علامة على أنها تربح. وقد ضغط ترمب على رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي بسبب العجز التجاري بين الولايات المتحدة واليابان، مثلما فعل مع قادة الحلفاء الآخرين، بيد أن مصدر قلقه الأكبر كان العجز التجاري الضخم مع الصين.

وكان لدي حجتان أقدمهما لترمب في شأن الرسوم الجمركية، وقد استمع إلى كليهما، على رغم معارضة مسؤوليه التجاريين الرئيسيين. أولاً أوضحت أن أستراليا تصدر كمية متواضعة فحسب من الصلب، المستخدم بمعظمه تقريباً في أسقف المباني، إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، لأن كلفة شحنه عبر المحيط الهادئ كانت أقل من نصف كلفة شحنه إلى كاليفورنيا من الغرب الأوسط والساحل الشرقي. وأضفت أن فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على الصلب الأسترالي لن يجعل الصلب الأميركي أكثر تنافسية على الساحل الغربي، بل سيزيد ببساطة من سعر الأسقف الفولاذية. لقد راجعنا الأرقام مرات عدة. وكان ترمب مطلعاً على قطاع البناء، ويعرف المنتج جيداً، وكان يستمع بانتباه أكثر من المعتاد.

ثانياً، أوضحت أنه إذا كان الأساس المنطقي الذي يرتكز عليه ترمب في شأن التعريفات الجمركية هو تصحيح شروط التجارة غير العادلة وغير المتبادلة مع الدول الأخرى، فلماذا يفرض أي رسوم جمركية على الصادرات الأسترالية؟ طوال أعوام، حافظت أستراليا والولايات المتحدة على اتفاق التجارة الحرة، وتمتعت الولايات المتحدة أيضاً بفائض تجاري كبير مع أستراليا. ثم قلت له: "لا تعريفات ولا حصص. في الواقع، لا يمكن أن يكون الوضع أفضل من هذا. لديك فائض ضخم لصالحك قدره 25 مليار دولار، وبصراحة، لديك أفضل صفقة تجارية ممكنة على الإطلاق مع أستراليا".

إذا فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية أو قيوداً على الاستيراد على أستراليا، التي أبرمت معها أفضل صفقة تجارية ممكنة، فسيبدو الأمر كما لو أنها تفعل ذلك ببساطة لأنها قادرة. قلت لترمب "سيتمكن الناس من القول إن الأستراليين يعطونك أفضل صفقة ممكنة، لكنك ما زلت تفرض عليهم نظام الحصص. إذاً، فالأمر لا يتعلق بالتجارة العادلة والمتبادلة على الإطلاق".

لقد أجرينا عدة مناقشات مباشرة حول مسألة الرسوم الجمركية، وجهاً لوجه وعبر الهاتف. وكتبت رسالة موجزة إلى ترمب تلخص حججنا، وقرأها له مات بوتينغر، أحد مستشاريه الرئيسيين في مجال الأمن القومي. استمع ترمب وغير رأيه في نهاية المطاف لأنه كان مقتنعاً بأن من مصلحته أن يفعل ذلك.

مواجهة ترمب بالحقيقة

إن الصورة الكاريكاتيرية لترمب باعتباره وحشاً غير عقلاني أحادي البعد (أي ينظر إليه بطريقة محدودة وضيقة) أصبحت راسخة إلى حد جعل كثيرين ينسون أنه قادر على التعامل بذكاء عندما يناسبه ذلك. على غرار معظم المتنمرين، فهو سيفرض إرادته على الآخرين عندما يكون ذلك ممكناً، وعندما لا يستطيع ذلك، سيحاول عقد صفقة. ولكن من أجل الوصول إلى مرحلة عقد الصفقات، يتعين على نظراء ترمب أن يقفوا في وجه تنمره أولاً.

وينبغي للقادة الأجانب الذين يحتاجون إلى إنجاز أعمالهم مع ترمب أن يكونوا قادرين على القيام بذلك، لكن يتعين عليهم أن يتعاملوا معه بصورة مباشرة، وأن يوضحوا له لماذا يعد اقتراحهم صفقة جيدة ومفيدة له. في المقابل، يجب ترك الأمور العاطفية المتعلقة بالتحالفات والصداقة للمؤتمرات الصحافية. إن السؤال الذي يطرحه ترمب دائماً هو "ما الفائدة من ذلك بالنسبة إلي؟" فاعتباراته سياسية وتجارية على حد سواء، لكنها تركز بصورة حادة على تحقيق أهداف أو نتائج محددة تتوافق مع أجندته، وينبغي ألا يشكل ذلك مفاجأة، فشعاره الواضح هو "أميركا أولاً".

إذا عاد ترمب إلى البيت الأبيض، مقتنعاً بعبقريته، مع اعتبار فوزه في الانتخابات دليلاً على قدراته الاستثنائية وعبقريته، فمن المرجح أن يكون محاطاً بعدد من الرجال المتملقين والمطيعين أكثر من أي وقت مضى. وفي أوضاع مماثلة، من سيكون مستعداً لإخباره بما لا يريد سماعه؟

وسيكون قادة الدول الصديقة والحليفة للولايات المتحدة من بين القلائل الذين يمكنهم التحدث بصدق إلى ترمب. ويمكنه الصراخ عليهم وإحراجهم وحتى تهديدهم. لكنه لا يستطيع إقالتهم. وقد تكون شخصيتهم وشجاعتهم وصراحتهم هي المساعدة الأكثر قيمة التي يمكنهم تقديمها للولايات المتحدة في حقبة ترمب الثانية.

مالكولم تيرنبول كان رئيس وزراء أستراليا من عام 2015 إلى عام 2018.

*مترجم من فورين أفيرز، 31 مايو، 2024

المزيد من آراء