ملخص
يعتبر هجوم الـ 23 من أكتوبر (تشرين الأول) 1983، على ثكنة لمشاة البحرية الأميركية في بيروت، أحد أكبر التفجيرات في تلك الحقبة التاريخية، وأحد أشد الهجمات فتكاً ضد القوات الأميركية.
الأنباء عن تعرض السفارة الأميركية في بيروت إلى إطلاق نار تعيد للأذهان ذكريات دموية شهدتها البعثات الأميركية في بيروت، بعضها كان من الأشد فتكاً على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة.
ففي هذا البلد الصغير وقع الاعتداء الذي دفع وزارة الخارجية الأميركية إلى إعادة النظر في وسائل وأساليب حماية بعثاتها في دول العالم، وفيه قضى أميركي أطول فترة احتجاز كرهينة.
إليكم في ما يلي أبرز الهجمات التي تعرضت لها القوات والمقار الأميركية في لبنان، فضلاً عن أبرز حوادث الخطف والقتل.
هجوم السفارة الأميركية – أبريل 1983
في خضم الحرب اللبنانية والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، تعرضت السفارة الأميركية في بيروت في الـ 18 من أبريل (نيسان) 1983 لأشد اعتداء شهدته بعثة دبلوماسية أميركية في الخارج على الإطلاق حتى ذلك التاريخ.
في ذلك اليوم، هاجم انتحاري يقود شاحنة من طراز "شيفروليه" محملة بنحو 907 كيلوغرامات من المتفجرات مبنى السفارة الأميركية في منطقة عين المريسة غرب بيروت، وأسفر الهجوم عن مقتل 63 شخصاً بينهم 52 موظفاً في السفارة 17 منهم أميركيون، وأصيب نحو 120 آخرين، فيما دُمر معظم مبنى السفارة.
وتبنت جماعة تدعى "الجهاد الإسلامي" العملية زاعمة أن الهدف إخراج القوة المتعددة الجنسيات من لبنان، وهي قوة حفظ سلام دخلت عام 1982 البلد الغارق في حروب لا متناهية، وضمت قوات من أربع دول وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا.
وهذه الجماعة التي لم تكن معروفة حينها، تعتقد الولايات المتحدة أنها الحركة الأم لـ"حزب الله" المدعوم من إيران، والذي كان حينها ميليشيات في طور الإنشاء، لكن لا دليل قاطع حتى الآن يؤكد هوية المنفذين.
وبعد هذا الاعتداء انتقلت البعثة الأميركية إلى مقر آخر في بيروت الشرقية، وأطلقت الولايات المتحدة ورشة لتغيير أساليب حماية كوادرها وبعثاتها في الخارج.
هجوم قوات الـ"مارينز" – أكتوبر 1983
صباح الأحد الـ 23 من أكتوبر (تشرين الأول) 1983، كان صباحاً دامياً في بيروت التي استيقظت عند الساعة الـ 6:22 على أحد أكبر التفجيرات في تلك الحقبة التاريخية، وعلى أحد أشد الهجمات فتكاً ضد القوات الأميركية.
في صباح ذلك اليوم الباكر، دخلت شاحنة صفراء اللون من طراز "مرسيدس" وتحمل ما يفترض أنه صهريج مياه إلى مطار بيروت الدولي حيث كانت تتمركز في مجمع سكني القوة المتعددة الجنسيات في لبنان.
سلك سائق الشاحنة الطريق المؤدي إلى المبنى الذي كان بمثابة ثكنة لمشاة البحرية الأميركية، ودار في موقف السيارات ثم اقتحم الأسلاك الشائكة التي تفصل الموقف عن المبنى، وتجاوز موقعي حراسة حتى اصطدم ببهو المبنى متسبباً بانفجار هائل أسفر عن تدمير المبنى المؤلف من أربع طبقات فوق رؤوس قاطنيه، مما أودى بحياة 241 جندياً من قوات الـ "مارينز" الأميركية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الانتحاري الذي فجر ما قدر بنحو 9525 كيلوغراماً من مادة الـ"تي أن تي"، عرف بأنه إيراني يدعى إسماعيل عسكاري، وحتى اليوم لا يعرف أحد عنه شيئاً سوى اسمه المفترض.
وفي ذلك الوقت تبنت أيضاً جماعة "الجهاد الإسلامي" العملية، فيما تشير بعض التحليلات إلى أن تلك الجماعة كانت مجرد غطاء لـ"حزب الله"، ولا تزال واشنطن تعتبر أن لطهران يداً في الهجوم الدامي من دون دلائل قاطعة، لذا يرصد برنامج "مكافآت من أجل العدالة" مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات حول تفجير الـ 23 من أكتوبر 1983.
ولم يقف سيل الدماء في ذلك اليوم عند هذا الحد، فالهجوم كان مزودجاً واستهدف بعد نحو 10 دقائق ثكنة القوات الفرنسية المجاورة بتفجير انتحاري مماثل، مما أسفر عن مقتل 58 مظلياً فرنسياً.
وأدت الهجمات في نهاية المطاف إلى انسحاب قوات حفظ السلام الدولية من لبنان مطلع عام 1984.
هجوم مرفق السفارة – سبتمبر 1984
بعد أقل من عام تعرض مقر السفارة الأميركية في عوكر إلى اعتداء جديد في الـ 20 من سبتمبر (أيلول) 1984.
الأسلوب كان نفسه، انتحاري قاد شاحنة محملة بنحو 1360 كيلوغراماً من المتفجرات واقتحم مبنى السفارة المكون من ست طبقات في وقت كانت الإجراءات الأمنية فيه قيد الاكتمال.
في هذه المرة، لم يستطع السائق بلوغ المبنى للارتطام به، فانفجرت الشاحنة على بعد نحو تسعة أمتار إثر اصطدامها بسيارة متوقفة في المكان بعدما تعرض الانتحاري لإطلاق نار من قبل حراس السفارة اللبنانيين والحارس الشخصي للسفير البريطاني الذي كان يجتمع حينها بنظيره الأميركي.
وقد أسفر الهجوم عن مقتل 23 شخصاً بينهم أميركيان، وإصابة العشرات، أما السفيران الأميركي والبريطاني فأصيبا بجروح طفيفة.
المنفذ كان أيضاً جماعة "الجهاد الإسلامي" التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم.
ولم يقتصر استهداف الوجود الأميركي في بيروت على العمليات الانتحارية، فقد تعداه إلى الخطف وتصفية عدد من المسؤولين، في ما يلي أبرزهم.
خطف وقتل وليام فرانسيس باكلي
يصفه جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) على موقعه الإلكتروني بأنه "ضابط أسطوري"، إنه رئيس مكتب وكالة الاستخبارات المركزية في بيروت بين عامي 1984 و1985، وليام فرانسيس باكلي، والذي خطف على يد جماعة "الجهاد الإسلامي" وقضى 14 شهراً في الأسر قبل أن يقتل في الثالث من يونيو (حزيران) 1985 جراء التعذيب.
باكلي الذي كان يعمل في بيروت تحت غطاء موظف في السفارة الأميركية خطف في الـ 16 من مارس (آذار) 1984 مع أميركيين اثنين وهم في طريقهم إلى السفارة، إذ اعترضهم الخاطفون وأجبروهم على الذهاب معهم. ولم يكن باكلي حينها بمنأى عن الخطر، فقد سبق أن تلقى تحذيراً من صديقه اللواء كارل شتاينر، لكنه على رغم ذلك ظل مقتنعاً بأنه في أمان، وواظب على سلوك الطريق نفسه من وإلى العمل.
وتعتقد الولايات المتحدة أن باكلي تعرض لتعذيب شديد على مدى 14 شهراً على يد خاطفيه، وذلك في ضوء تحليل لثلاثة مقاطع مصورة أرسلها الخاطفون لـ"سي آي إيه"، وظهر فيها بحال سيئة جداً، فقد وصف في أحد الفيديوهات بأنه كان كثير الهذيان وكلماته غير متناسقة، يرتجف ويسيل لعابه ويصرخ فجأة مذعوراً.
وفي الرابع من أكتوبر 1985 أعلنت "الجهاد الإسلامي" مقتل باكلي، لكن السلطات الأميركية أقرت لاحقاً أنه توفي غالباً قبيل ذلك، أي في الثالث من يونيو.
ولم تسترد الولايات المتحدة رفاته سوى في الـ 27 من ديسمبر (كانون الأول) 1991، حيث دفن في "مقبرة أرلنغتون الوطنية".
وحتى اليوم يعلن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" مكافأة تصل قيمتها إلى 5 ملايين دولار في مقابل الإدلاء بأية معلومات متعلقة بواقعة اختطاف وليام باكلي وقتله.
خطف وقتل ويليام هيغينز
وليام آخر كان مصيره الخطف والقتل في بيروت، وهو عقيد مشاة البحرية الأميركية ويليام هيغينز الذي كان يخدم في لبنان كجزء من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، فقد اختطف في الـ 17 من فبراير (شباط) 1988 حين كان يتنقل في السيارة وحيداً بين صور والناقورة جنوب لبنان، عائداً من اجتماع مع أحد مسؤولي "حركة أمل"، فاعترضت سيارة طريقه وأجبرته على التوقف، وأخرجه مسلحون منها واختطفوه.
وخلال أسره تعرض هيغينز للاستجواب والتعذيب، وفي الـ 21 من أبريل 1988 نشر خاطفوه بياناً قالوا فيه إنه "مجرم حرب" وسيحاكم أمام "محكمة المظلومين". وفي الـ 31 من يوليو (تموز) 1989، أعلن الخاطفون تصفية هيغينز شنقاً، ونشروا فيديو لعملية الإعدام.
لكن إعلان وفاته رسمياً حدث بعد عام، أي في السادس من يوليو 1990، واستعيدت رفاته في الـ 23 من ديسمبر 1991.
وفيما لا تزال ملابسات خطفه غامضة، يقدم برنامج "مكافآت من أجل العدالة" جائزة تصل قيمتها إلى 5 ملايين دولار في مقابل أية معلومات متعلقة بواقعة اختطافه وقتله.
خطف ديفيد دودج
بعض المحظوظين خرجوا من أيدي خاطفيهم في لبنان أحياء، ومنهم السياسي الأميركي المولود في بيروت ديفيد دودج.
كان دودج رئيساً للجامعة الأميركية في بيروت، وهي الجامعة التي أسسها جد والدته دانييل بليس، وترأسها خاله هوارد بليس، ثم والده بايارد دودج.
وفي الـ 19 من يوليو 1982 خطف دودج من قلب حرم الجامعة الأميركية في بيروت على يد مسلحين متطرفين نقلوه لاحقاً إلى طهران، حيث بقي قيد الاعتقال طوال عام.
وأسهمت الحكومة السورية المقربة من طهران في جهود الوساطة لإطلاقه في الـ 24 يوليو 1983، لينتقل بعد ذلك إلى الولايات المتحدة، لكنه رفض الحديث عن تجربته خلال الأسر.
خطف تيري أندرسون
المحظوظ الآخر بالبقاء على قيد الحياة بعد سبعة أعوام من الاعتقال كان الصحافي الأميركي تيري أندرسون، الرهينة الأميركية الذي عرف أطول فترة احتجاز حتى الآن.
وكان أندرسون مراسلاً لوكالة "أسوشيتد برس" في بيروت حين خطف في الـ 16 من مارس (آذار) عام 1985 على يد مسلحين يعتقد أنهم تابعون لـ"حزب الله"، ولم يطلق سوى في الرابع من ديسمبر 1991 بعد 2455 يوماً من الاحتجاز.
ولاحقاً حصل أندرسون على ملايين الدولارات من الأصول الإيرانية المجمدة بعد أن خلصت محكمة أميركية فيدرالية إلى ضلوع طهران في اختطافه.