Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف صنع مودي لنفسه صورة المنقذ للهند؟

شخصيته الكاريزماتية واستغلاله وسائل التواصل الحديثة جعلا منه "بطلاً قومياً" في عيون أنصاره

نجحت جميع أساليب مودي في إعادته للحكم للمرة الثالثة على التوالي (رويترز)

ملخص

تعلم ناريندرا مودي منذ طفولته كيف يضع نفسه في مركز الاهتمام، مما جعله واحداً من أقوى الشخصيات في التاريخ الهندي، وأكثرها إثارة للجدل في الوقت نفسه.

تمحورت الانتخابات الهندية الأخيرة حول شخصية رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي صعد من أزقة الهند كبائع للشاي إلى أروقة الحكم ليكون أول رئيس وزراء بعد جواهر لال نهرو الذي يفوز بولاية ثالثة على التوالي.

نجح مودي في ترويج نفسه كشخصية مركزية في سياسة الهند، إذ يرى أتباعه أنه المخلص الوحيد الذي سيجعل الهند قوة عظمى على الصعيد الدولي، كدولة ذات طابع هندوسي تقليدي، بينما يراه معارضوه تهديداً للدستور الهندي العلماني والتقاليد الديمقراطية بسبب طبائعه الديكتاتورية.

مودي كان محباً للأضواء منذ صغره، ويقول أحد معلميه في المدرسة إن مودي كان مغرماً جداً بالمسرحيات، لكنه كان يلعب الأدوار الرئيسة فقط ويرفض المشاركة في المسرحية إذا لم يتمكن من الحصول على دور البطل، وقصة أخرى يرويها جيران مودي في القرية وروجتها وسائل الإعلام كثيراً، وهي أنه قفز ذات مرة عندما كان طفلاً في بركة مليئة بالتماسيح وسبح إلى معبد في وسط البركة ليرفع عليها العلم، وتوضح هذه الوقائع الصغيرة مدى تقدير مودي لنفسه وكيف أنه كان دائماً يحاول خطف الأضواء.

أقوى رجل في الهند

تعلم مودي منذ طفولته كيف يضع نفسه في مركز الاهتمام مما جعله واحداً من أقوى الشخصيات في التاريخ الهندي وأكثرها إثارة للجدل في  الوقت نفسه، وهو يحظى بملايين  المعجبين الذين يعتبرونه منقذ الهند وأملها في المستقبل، أما في الجانب الآخر فهناك كثير من معارضيه الذين يقولون إنه قام بتقسيم البلاد على أسس دينية لأغراض سياسية.

كيف جعل مودي نفسه بطلاً على المسرح السياسي؟ وكيف أصبح ابن العائلة الفقيرة أقوى رجل في الهند؟ 

يكمن الجزء الأول من الإجابة في براعة مودي خلال إلقاء الخطابات وإجادته استخدام الكلمات والعبارات، إضافة إلى صوته الجهوري وأسلوبه الهجومي الذي يحبه عامة الناس، ويرون أن مودي واحد منهم وليس جزءاً من النخبة الحاكمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نجح مودي في إنشاء صورة خاصة به من خلال العمل الجاد والتركيز، إضافة إلى كونه بارعاً في استخدام وسائل التواصل الحديثة والتقليدية، إذ يقوم بحملات دعائية منظمة تماماً مثلما تدير العلامات التجارية حملات إعلانية مختلفة لجذب المستهلكين وتكوين صورة خاصة في أذهانهم، حتى إنه يتهم بلي ذراع وسائل الإعلام وشرائها وتحويلها إلى منصات دعائية له.

روج مودي نفسه خلال حملاته الانتخابية السابقة على أنه قريب من الشعب، وأنه عندما كان صغيراً كان يعمل في كشك الشاي الخاص بوالده في محطة السكك الحديد للحصول على لقمة العيش، حتى يصور نفسه من عامة الشعب ويظهر قدراته بأنه نجح في الوصول إلى رئاسة الوزراء على رغم خلفيته المتواضعة، إلا أن بعض التقارير تشكك في ادعاءاته عن بيع الشاي، وهذه التقارير لم تمنع مودي من اتخاذ خطوات مثيرة للانتباه، إذ التقى الناس في المقاهي ومحال الشاي الصغيرة ليستمع إلى مشكلاتهم.

التطرف والشعبوية

انضم مودي إلى المنظمة الهندوسية المتطرفة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS) وأصبح مناصراً لها عندما كان شاباً، وقرر بسبب انتماءاته الفكرية أن يبقى عازباً طوال حياته، إلا أن زواجه أمر مختلف فيه.

قدرات مودي الخطابية القوية بجانب استغلاله وسائل التواصل الاجتماعي جعلتا منه زعيماً شعبوياً يجيد فن التواصل مع الناس ويكسب ثقتهم العمياء، فتنتشر خطاباته وتصريحاته على الفور بفضل ملايين الأشخاص الذين يتابعونه على مختلف منصات التواصل ويتابعون أنشطته في كل لحظة، بل إن عباراته تصبح مادة لما يسمى "ميمات" وتنتشر بشكل كبير بين الشباب، وقد انتشر مقطع فيديو أُنشأ بواسطة الذكاء الاصطناعي لمودي وهو يرقص على أغنية بنغالية خلال الانتخابات الأخيرة، ليقوم مودي نفسه بنشر الفيديو معلقاً "استمتعت بمشاهدة الفيديو".

موقف مودي الصارم تجاه باكستان لعب دوراً كبيراً في بناء صورته الشعبوية، فهو يدلي  بتصريحات مناهضة لهذا البلد عندما تتراجع شعبيته ليؤجج عواطف الجماهير، ولم تقتصر مواقفه ضد باكستان على إطلاق التصريحات وحسب، بل إن إعادة انتخابه عام 2019 كان بفضل هجومه المزعوم على مقار الجماعات الإرهابية داخل الأراضي الباكستانية الذي لاقى استحساناً كبيراً من قبل معجبيه.

وإضافة إلى ذلك قام مودي ببعض الأعمال لجذب الغالبية الهندوسية المتطرفة، ولعل أبرزها الانتهاء من بناء "معبد رام" في أيودهيا الشهير قبل أشهر قليلة من الانتخابات العامة. يوحي مودي في تصريحاته بقوة الهند وأنها دولة عظيمة منذ مئات السنين مستخدماً عبارات دينية وقومية، كما أنه يدعي في هذا السياقرأموراً غريبة قد لا تكون موافقة للواقع، لكنها تلفت أنظار الناس، فعلى سبيل المثال أظهر مودي صورة لطائرة ورقية وادعى أن الطائرات كانت تحلق في الهند منذ مئات السنين، وفي تصريح آخر له ادعى بأن المهاتما غاندي لم يكن معروفاً إلا بعد أن صورت هوليوود فيلماً عن حياته.

خلاصة القول إن الهند لا شك حققت تقدماً كبيراً خلال العقدين الماضيين الذين شملا حكم مودي الممتد لـ 10 أعوام، إلا أنه نجح في إبراز وتصوير نفسه على أنه هو صاحب الفضل الوحيد خلف كل هذه الإنجازات، وكأن سياسات الحكومات السابقة لم تلعب دوراً في النهضة الهندية الحديثة، لذا نرى صور مودي ملصقة على جميع المشاريع التنموية والخطط الحكومية وحتى شهادات التطعيم ضد فيروس كورونا.

وامتد اهتمام مودي بإبراز نفسه على المستوى العالمي أيضاً، إذ تناقش الصحافة العالمية أسلوبه الخاص في المصافحة مع قادة الدول الأخرى، كما أنه أقام اجتماعاً كبيراً في الولايات المتحدة باسم "هاودي مودي" الذي يعتبر فعالية تاريخية، وشاركه المسرح الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب، ليعطي انطباعاً قوياً بأن مودي يمتع بشعبية في الهند وخارجها.

نجحت جميع أساليب مودي الدعائية لتعيده للحكم للمرة الثالثة على التوالي، وليستمر في لعب دور البطل على المسرح السياسي ويقفز في بحيرة السياسة المحلية العكرة والمليئة بتماسيح التعقيدات والتحالفات للأعوام الخمسة المقبلة.

نقلاً عن "اندبندنت أوردو"

المزيد من تقارير