عند السادسة صباحاً، يجهّز عدنان مركبه للإبحار، باحثاً بين تضارب الأمواج عن رزقه الدفين فيها، في رحلة صيد تستغرق حوالى خمس ساعات متواصلة، يعيش خلالها قلقاً كبيراً من النتائج التي ستحملها شباك صيده، راجياً أن يكون محصول يومه وفيراً.
وعادة ما يقصد عدنان الشاطئ ستة أيّام في الأسبوع، لكنه يبحر في مناطق مقيَّدة بأوامرٍ من الجيش الإسرائيلي، ولا يستطيع أن يتجاوز المساحة المحدّدة له، ما يعيق عمله، ويجعله أحياناً كثيرة يعود من دون صيدٍ.
شباك صغيرة
تكرار مغادرته البحر، بشباكٍ فارغة أو قليلٍ من الأسماك، جعلته يلجأ إلى طرقٍ مختلفة في الصيد، ومنها استخدام شباك بمساحة ضيقة، ليتمكن من صيد الأسماك الصغيرة، ولم يكن وحده الذي اتبع طريقة الشباك الضيقة.
ووجدت "اندبندنت عربية" عبر متابعة الموضوع أنّ معظم الصيادين في قطاع غزّة يصطادون بهذه الطريقة، ما يُعد خطراً على الثروة السمكية في شواطئ القطاع.
مبررات عدنان كانت جاهزة، "البحرية الإسرائيلية هي التي تجبرهم على اتّباع هذه الطرق، مسموح لنا بالإبحار في مساحات محددة، ومَن يتجاوز المنطقة تطلق الزوارق العسكرية النار عليه، أو تفتشه في المياه عارياً، وتصادر معداته".
في المقابل، قسّمت إسرائيل شاطئ بحر غزّة إلى مساحات مختلفة، من جهة الجنوب حتى وسط القطاع، مسموح الإبحار حتى 9 أميال، ومن الوسط حتى نهاية مدينة غزّة 6 أميال فقط، وما دون ذلك قد تصل المساحة إلى 3 أميال في كثير من الأوقات.
يقول زكريا بكر، مسؤول لجان الصيادين في اتحاد العمل الزراعي (منظمة غير حكومية) إنّ إسرائيل تمنع دخول معدات الصيد إلى قطاع غزّة، على الرغم من المطالبات الدولية، ولا تسمح بإدخال محركات المراكب، كما تمنع إدخال الأجهزة الإلكترونية البحرية.
هذه الأسباب هي التي دفعت الصيادين إلى استخدام شباك صيد بفراغات صغيرة، إذ يؤكّد عدنان أنّه لن يلجأ إلى هذه الشباك إلاّ عندما تضيّق إسرائيل مساحة الصيد، لأنّ المساحة المسموح الإبحار فيها تُعتبر من الشواطئ والأسماك نادرة فيها.
جغرافية غزّة
ووفقاً لعلوم البحار، تبيّن لـ "اندبندنت عربية" أنّ شواطئ قطاع غزّة تُعد منطقة مرور للأسماك. ويوضح بكر أنّ ما يزيد الطين بلة على عدم توفّر الأسماك، انحصار مساحة الصيد، في حين أنّ الأسماك تبدأ بالمرور والعيش على بعد سبعة أميال.
وبحسب بكر، فإنّ إسرائيل تتعمد تحديد المساحة بهذا القدر، حتى تحرم الصيادين من الأسماك، مستدلاً على ذلك بأنّ إسرائيل دولة تمتلك أحدث أجهزة الرصد، وتستطيع من خلالها معرفة أين يعيش السمك.
وتشير المعلومات المتوفرة إلى أنّ مساحة ستة أميال، تعد من أكثر المناطق التي تتكاثر فيها الأسماك، وبالتالي من المفترض أن يتمّ وقف الصيد فيها، إلاّ أنّه لا حلول أخرى سوى الإبحار في تلك المساحة، وإذا استخدم الصياد شباك بفراغات كبيرة، فإنّ هذا يعني أنّه لن يتمكن من صيد أيّ نوعٍ من الأسماك حديثة التكاثر، وعادة ما يلجأ إلى الشباك ذات الفراغات الضيقة.
تهديد خطير
تصل فراغات الشباك إلى نصف سنتيمتر في غالبية الأحيان، ما يعني أنّ جميع أحجام الأسماك سيُصار إلى صيدها، ما سيؤثّر في الثروة السمكية ويهدد وجودها الفعلي.
يوضح بكر أنّ البحرية الإسرائيلية تمنع الصياد الفلسطيني من الوصول الآمن إلى السلسلة الصخرية، حيث الأسماك الكبيرة المسموح صيدها، مشيراً إلى أنّ منع الوصول إليها هو السبب الرئيس في اللجوء إلى صيد الأسماك حديثة التكاثر والصغيرة، بخاصة أنّ مساحة 6 أميال، لا وجود للأسماك الصالحة للصيد فيها.
وبحسب عمليات الرصد التي قامت بها "اندبندنت عربية"، فإنّ المراكب التي تبحر في عرض شواطئ غزّة، تنقسم إلى نوعين: الأول زوارق الصيد (الحسكات)، والثاني مراكب المجداف الفردية الصغيرة، وفيها يستخدم الصياد الشباك الصغيرة.
محرمة دولياً
يقول بكر إنّ عدد مراكب المجداف كان قبل عام يصل إلى 40 فقط، بينما اليوم يتخطى حاجز الألف، وتعود الأسباب إلى تفشي ظاهرة البطالة التي يتخطى حاجزها 75 في المئة، فيهرب الناس للبحث عن فرصة عمل داخل البحر، باستخدام مراكب المجداف بشباك صغيرة، وعادة ما تكون مناطق عملها الشاطئ، الأمر الذي ينعكس على المخزون السمكي.
وعلى الرغم من اللجوء إلى صيد الأسماك الصغيرة (محرم في القانون الدولي)، فإنّ حصة الفرد في تناول السمك تبقى قليلة جداً، ويوضح بكر أنّ حصة المواطن في فلسطين من السمك 2 كيلوغرام سنوياً، بينما حصة الإسرائيلي تصل إلى 22 كيلوغراً سنوياً.
ويعود الفارق في الحصص بين المواطن الفلسطيني والإسرائيلي، إلى عدم محدودية المساحة، وامتلاك الصياد الإسرائيلي معدات حديثة، تمكّنه من معرفة حجم السمك في منطقة صيده.
رفض إسرائيلي
في السياق، طلبت وزارة الزراعة إلى جانب لجان العمل الزراعي (مسؤولان عن قطاع الصيد في غزّة) من إسرائيل، بواسطة الارتباط الفلسطيني، السماح بإدخال معدات لقطاع الصيد، مثل أجهزة الكشف عن الأسماك، إلى جانب جهاز التموضع العالمي (GPS).
لكن إسرائيل رفضت الطلب في كلّ المرات، معلّلةً ذلك بأنّ الجهات الأمنية لن تعطي رداً على الطلب الفلسطيني، ما يعني أنّ المؤسسة الأمنية هي التي ترسم طريقة حياة الفلسطيني في غزّة.
وحول الحلول، يعدّد بكر ضرورة الالتزام بمساحة 20 ميل بحري وفقاً للاتفاقيات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، والسماح بإدخال معدات الصيد وتصليح السفن لتلائم طبيعة العمل، إضافةً إلى وضع حدّ لعمليات مطاردة الصياد في عرض البحر.