Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فخري كريم: مقتدى الصدر أخطأ بالخروج سياسيا ومهمة السوداني صعبة

قال إن القيادة الكردية انشغلت بتحصين أربيل وتناست ما يجري في بغداد

فخري كريم خلال حواره مع رئيس تحرير "الشرق الأوسط" (الصحيفة)

ملخص

هل يشعر العراقيون بالخيبة بعد عقدين من سقوط نظام صدام حسين؟ يجيب السياسي والناشر العراقي فخري كريم بأن "هناك للأسف ما هو أكثر من خيبة، شيء من اليأس وشعور بضياع البوصلة، ولا شك في أن الذين عايشوا تلك المراحل السوداء في ظل نظام صدام يشعرون بخيبة كبيرة".

في حوار مع "الشرق الأوسط" أجراه رئيس تحرير الصحيفة غسان شربل، قال السياسي والناشر العراقي فخري كريم إن الحزب الشيوعي بادر عام 1970 وبواسطة القيادي مكرم طالباني إلى إطلاع الرئيس أحمد حسن البكر على معلومات حول أن الضابط والسياسي العراقي الصاخب عبدالغني الراوي يعد، بدعم من إيران، مشروع انقلاب للاستيلاء على السلطة، وأن البكر قدر الخطوة.

وقال، "لن ننسى ذلك للحزب"، مؤكداً أن البكر كان اقترح على طالباني أن يشارك الحزب مع "البعث" في الانقلاب الذي أدى إلى عودة "البعث" للسلطة في الـ 17 من يوليو (تموز) 1968، لكن الحزب لم يتجاوب.

وكشف كريم أنه تلقى شخصياً اتصالاً أميركياً يطلب من الرئيس جلال طالباني عدم ترشيح نفسه لولاية ثانية، بحجة أنه "رجل إيران"، وتحدث عن مشاركة الرئيس الأميركي باراك أوباما في خديعة ترمي إلى إقناع طالباني بترك منصبه لإعطائه لرئيس الوزراء السابق إياد علاوي، وكان الغرض إبقاء منصب رئيس الوزراء بيد نوري المالكي إرضاء لإيران.

واعترف كريم بأنه ارتكب خطأً كبيراً حين فضل بقاء المالكي على إعطاء رئاسة الحكومة لعلاوي الذي فاز بالأكثرية في مجلس النواب، وقال إن المالكي لم يأخذ على محمل الجد نصائح مسعود بارزاني بالتنبه إلى ما يجري قرب الموصل من تحركات للمتشددين، مما سهل استيلاء "داعش" عليها، ونقل عن المالكي قوله في حضور الرئيس طالباني قبل سقوط المدينة إنه "يجب أن نتعاون ونقرب الموصل من الإقليم (كردستان) قدر الإمكان، لأنها بؤرة للإرهاب والقوميين والبعثيين، وهم سكين في خاصرتنا"، وذكر أن طالباني رد باعتبار الكلام غير ملائم.

وتحدث كريم عن مهمات كلفه طالباني بها في طهران ودمشق، وعن لقاءاته بكل من الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس الذي قتل معه في غارة أميركية مطلع 2020، وأعرب عن قلقه على مستقبل العراق وإقليم كردستان معاً في ضوء ما أصاب العملية السياسية، واعتبر أن انسحاب الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من الحياة السياسية أتاح للأقلية إطلاق انقلابها على الدستور والمؤسسات، لافتاً إلى أن عراقيين يتحدثون حالياً عن قيام "المحكمة الاتحادية" بدور يشبه دور "مجلس قيادة الثورة" بعيداً من صلاحياتها ودورها الأصلي.

اغتيالات والفاعل واحد

في الـ 22 من فبراير (شباط) الماضي تناقلت وسائل الإعلام خبر نجاة السياسي والناشر العراقي فخري كريم من محاولة لاغتياله في بغداد، وكان أصيب في وجهه في محاولة لاغتياله استهدفته عام 1982 في بيروت التي كان يحاصرها الجيش الإسرائيلي أثناء انشغال المدينة بتوديع مقاتلي "منظمة التحرير الفلسطينية".

عن محاولتي الاغتيال القديمة والجديدة اللتين تعرض لهما، قال كريم إن "محاولة الاغتيال في بيروت تمت بأوامر من برزان التكريتي، الأخ غير الشقيق لصدام، وطبعاً بمعرفة صدام، وأصبت يومها وخرجت من بيروت على حمالة وكنت عائداً من وداع مقاتلين فلسطينيين يغادرون بيروت المحاصرة حين استهدفني إطلاق النار، وعلمت من الإخوة الفلسطينيين لاحقاً أن بعض المنفذين اعترفوا بعلاقتهم بالاستخبارات العراقية".

أما محاولة الاغتيال الأخيرة فهي برأيه "واضحة تماماً والفاعل هو نفسه الذي ارتكب تلك الكبائر ضد الشباب والمحتجين والمتظاهرين وقادة احتجاجات 2019، وكل الاغتيالات التي حصلت في العراق الجديد جاءت من الفاعل نفسه الذي يسمى مرة الطرف الثالث، كي تنسب الاغتيالات إلى مجهولين، والطرف الثالث معروف وهو جزء من المنظومة الحاكمة".

ويوضح كريم أن "الحقيقة هي أن الحشد الشعبي مكرس بقانون والدولة تتولاه تمويلاً وتسليحاً وتدريباً، وهناك فصائل سماها السيد مقتدى الصدر الميليشيات الوقحة التي تحصل على الأموال والتغطية الرسمية، لكنها تنفذ أجندات خاصة بها، وتطلق على نفسها المقاومة الإسلامية وهذه المجموعات لا تأتمر بأوامر الدولة ولا تخضع لسياستها، وهكذا صار لدينا للأسف شبه دولة ودويلة موازية".

ولد فخري كريم عام 1942 في بغداد لعائلة شيعية كردية، وفي عام 1959 سلك طريق الحزب الشيوعي وجرب السجون والفرار منها والعودة لها، فضلاً عن العمل السري والعيش بأسماء مستعارة كان أبرزها علي عبدالخالق، كما عمل في مؤسسات الحزب الإعلامية وكان لبعض الوقت نائباً لنقيب الصحافيين.

وعمل كبير المستشارين للرئيس الراحل جلال طالباني بين عامي 2006 و2014، وتولى على مدى أعوام صيانة العلاقة الصعبة بين طالباني والزعيم الكردي الأبرز مسعود بارزاني، كما ربطت كريم علاقة قوية بالرئيس ياسر عرفات الذي قدم دعماً كبيراً لآلاف الشيوعيين الذين لجأوا إلى لبنان هرباً من قسوة نظام الرئيس صدام حسين.

"يأس وضياع"

هل يشعر العراقيون بالخيبة بعد عقدين من سقوط نظام صدام حسين؟ يجيب "هناك للأسف ما هو أكثر من خيبة، شيء من اليأس وشعور بضياع البوصلة، ولا شك في أن الذين عايشوا تلك المراحل السوداء في ظل نظام صدام يشعرون بخيبة كبيرة".

 

ولماذا يتردد الكلام عن مسؤولية إيران؟ يجيب كريم بأنه "في موضوع إيران لا بد من قدر من الواقعية، فللدول مصالح وهمها الأول تحقيق مصالحها، ولهذا تبادر إلى ملء فراغ تجده قربها، وبعد عام 2003 مع الأسف الشديد، وفي ضوء الغياب العربي والموقف العربي السلبي من العراق الجديد، اتخذت إيران موقفاً مختلفاً، ولا بد من الاعتراف بأن موقفها اتسم بذكاء سياسي إستراتيجي، إذ كان العراق شبه معزول فتقدمت إيران لدعم العملية السياسية وتجميع القوى، ونعم إيران لها نفوذ ووجود لكن ذلك لا يمكن أن يقوم أو يستمر من دون تجاوب قوى عراقية معها، وإذا كان هناك من وضع شاذ فإن من يتحمل المسؤولية هو القوى العراقية التي أبدت استعدادها للسير في وضع من هذا النوع والسماح له بالاستمرار، ويجب ألا نغفل مسؤولية القوى العراقية".

طالباني وتهمة "رجل إيران"

سألت فخري كريم عما إذا كان الرئيس جلال طالباني "رجل إيران" في العراق، وعما إذا كانت أميركا حاولت إزاحته لهذا السبب، فأجاب "لا صحة إطلاقاً لهذه التهمة، فطالباني قائد قومي ويبحث عن داعمين للقضية التي يدافع عنها، ونعم كان صديقاً لإيران لكنه كان أيضاً على علاقة قوية بأميركا".

وعما إذا كان نادماً على الترويج لاستمرار المالكي في تلك المرحلة أجاب كريم، "شعرت في وقت باكر بهذا الخطأ الكبير ولمت نفسي أمام الأصدقاء، وأقول الآن نعم إنها كانت خطيئة كبرى، ولم تكن هذه الخطيئة بمعزل عن ملف وضع أمامنا وتضمن أن جهات إقليمية ودولية تتآمر مع تنظيمات كانت جزءاً من نظام البعث، وفي هذا الأمر شارك أميركيون وغير أميركيين، وفي تقديري أن عدم إعطاء فرصة للأخ إياد علاوي أفقد العراق إمكان تجربة البديل الآخر الذي يستطيع إنقاذ الوضع، فهذا البديل كان يمكن أن يخلق توازناً في ميزان القوى".

صدام لا يحتاج إلى سند ملكية

في حوار مع "الشرق الأوسط" قال رئيس الوزراء السابق إياد علاوي إن حكومته شكلت لجنة للتحقيق في أموال صدام ولم تعثر على عقار واحد باسمه، وتعليقاً على ذلك قال كريم "مع اعتزازي بالصديق الدكتور إياد علاوي فأنا أعتقد أن الطاغية والمستبد لا يحتاج إلى سندات تملك لعقارات وأموال، لأنه يمتلك البلد بكامله وأرواح أبنائه، ثم إن طاغية مثل صدام حسين كان يعتقد أن العراق انتهى ملكية أبدية له ومن بعده لأولاده وأحفاده، ثم إن صدام بنى 36 قصراً في مختلف أنحاء العراق ومثلها لأولاده وأقاربه، فهل يحتاج صدام حسين إلى ملكية بسند عقاري؟".

وعن الفساد الذي استشرى في عهد ما بعد صدام ووصل حد الاعتراف باختفاء 400 مليار دولار، قال إن "الفساد بكل تجلياته من نهب وتجاوز وسرقة ورشى أصبح ثقافة اجتماعية يجري تداولها بحرية ومن دون إحراج، وقلت مرة نحن لا نمارس الفساد فقط وإنما لدينا فساد للتصدير أيضاً، فساد متعدد الأشكال والجوانب، فالفساد شامل والاستثناءات قليلة جداً".

جدل المحكمة الاتحادية

وفي شأن الاتهامات التي توجهها بعض الأطراف حالياً إلى المحكمة الاتحادية بالتحول إلى "أداة سياسية" في يد المجموعة الحاكمة، وعما يتردد من أنها تستهدف أيضاً إقليم كردستان، قال كريم "مع شديد الأسف يمكن القول إن المحكمة الاتحادية خرجت عن حدود مهماتها التي يحددها الدستور، ووظيفتها النظر في ما يمكن أن يكون تقاطعاً أو عدم انسجام بين التشريعات والقوانين وبين بنود الدستور، وأصبحت المحكمة أداة سياسية، وهذا يقال حتى من أطراف في المنظومة الحاكمة، وثمة من بات يشبهها بمجلس قيادة الثورة، فهي فوق السلطات وتتدخل في قضايا غريبة جداً، فكيف يمكن للمحكمة أن تقصي رئيس البرلمان؟ البرلمان هو السلطة التشريعية وصلاحية إقصاء رئيسه تعود له، وبعض قرارات المحكمة الاتحادية تشبه تعديلاً لمواد دستورية أو تغييراً فيها، وهذا يتناقض مع الدستور، يزداد الكلام عن قيام أطراف داخلية بتحريك المحكمة الاتحادية، فقد أصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني أكثر من بيان حول هذا الموضوع، وفي الأوساط السياسية حديث متزايد عن أن المحكمة الاتحادية تستهدف إقليم كردستان، وبصراحة أقول إن المجموعة الحاكمة في الإطار التنسيقي وتلك الأكثر تطرفاً وتشدداً وتسلحاً، تريد أن تنهي إقليم كردستان لإعادة المركزية المطلقة تحت هيمنتها، وإذا لم تستطع إنهاء الإقليم فستحاول في الأقل إفراغه من محتواه، وهناك من يقول إن هذا البعض يريد أن يكرر ما فعله صدام حسين حين ابتدع الحكم الذاتي الشكلي ليتمكن من أن يزيله في أية لحظة يشاء، فهم لا يريدون لإقليم كردستان أن يستمر وهذه إرادة من لا يريد للعراق أن ينهض ويتعافى، ويصبح سيداً على مصيره ومستقبل أجياله، وتسألني عن احتمال وقوع مواجهة عسكرية بين الحشد الشعبي و البيشمركة الكردية فلا أتمنى ذلك، لكن الأمر حصل نسبياً في المرة السابقة وكان خطراً جداً، علماً أن الدستور يحرم استخدام القوات المسلحة بكل فروعها في أية مواجهة بين القوى السياسية وفي أي صراع سياسي، وتجاوز هؤلاء كل المحرمات واستخدم الحشد الشعبي لمحاصرة كردستان، علماً أنه قوة وظيفتها مواجهة الإرهاب و ’داعش‘ والتدخل الخارجي".

منصب رئيس الوزراء

في عراق ما بعد صدام حسين انتقلت الصلاحيات الواسعة إلى منصب رئيس الوزراء، وكرس ميزان القوى عرفاً يقضي بأن يكون رئيس الوزراء شيعياً ورئيس الجمهورية كردياً ورئيس البرلمان سنّياً، خصوصاً بعد أن ترسخت قصة المكونات على حساب المؤسسات، ولم تنجح محاولات خرق هذا العرف حتى حين حاول الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن إسناد الرئاسة إلى إياد علاوي الفائز بالأكثرية النيابية لضمان بقاء نوري المالكي الذي حظي بدعم واشنطن وطهران معاً، وتأخر العرب في التعامل مع المتغيرات العراقية فسارعت إيران إلى ملء الفراغ، وأيدت "مجلس الحكم" الذي كان الأميركيون وراء إنشائه وعملت على تجميع القوى الشيعية وتشجيعها على المشاركة في العملية السياسية، وزاد حضور إيران الدور الذي تقدمت إليه قوى سياسية وعسكرية احتضنتها طهران في عهد صدام، وهكذا عثرت طهران على موقع من داخل التركيبة العراقية الجديدة وصار لها ما يشبه حق النقض على القرارات وحق النظر في تشكيل الحكومات، مراهنة أن الانسحاب العسكري الأميركي آت مهما تأخر.

يقول فخري كريم، كبير مستشاري الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، إن إيران تصرفت كدولة وجدت فراغاً في دولة مجاورة فسعت إلى ملئه وترسيخ دورها وحماية مصالحها، وهكذا صار الجنرال قاسم سليماني لاعباً كبيراً على المسرح العراقي يمتد دوره من متابعة استنزاف الوجود العسكري الأميركي وصولاً إلى تشكيل الحكومات، ويلاحظ أن دور دولة خارجية لا يكبر في دولة مجاورة إلا إذا عثرت على من يقبل بدورها،  ويضيف أن سليماني "كان يحاول أن يخدم بلاده ومصالحها بإخلاص، وكان حرياً بالطرف الآخر أن يدافع عن دوره ومصالحه".

ويتذكر أن سليماني كان "بارعاً وفعالاً ويحاول أن يكتسب ثقة من يلتقيه، وكان قادراً على الانتقال من المرونة الكاملة إلى التشدد الكامل"، كما هو الحال في الرسالة التي وجهها إلى طالباني حين قرر الأخير السير في اقتراح حجب الثقة عن حكومة المالكي، ويقول إن أبو مهدي المهندس الذي قتل مع سليماني كان موضع ثقة كاملة من الجنرال الإيراني.

خطأ مقتدى الصدر

في عراق ما بعد صدام حسين برز في الساحة السياسية لاعب كبير صعب، إنه السيد مقتدى الصدر، تيار شعبي عريض واكبته قوة مسلحة، ولم يكن التعامل مع الصدر سهلاً بالنسبة إلى القوى السياسية خصوصاً الشيعية منها، وقد شهدت بعض الجولات احتكاماً إلى السلاح، ولم تكن إدارة ظاهرة الصدر سهلة من الداخل، ولم تكن كثيرة السهولة أيضاً بالنسبة إلى الخارج الإيراني، خصوصاً أن الرجل كثيراً ما يفاجئ حلفاءه وخصومه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن قرار الصدر الخروج من الحياة السياسية قال كريم، "مع احترامي الكامل له، أنا أعتبر القرار خطأً كبيراً دفع العراق ثمنه، وهو خطوة غير مسبوقة، فقد أدى خروج الكتلة الصدرية إلى إفراغ البرلمان من أي قوة شيعية مؤثرة تستطيع تعطيل قرارات لا تنسجم مع التطلعات المشتركة، وعندما يستقيل نائب أو اثنان أو ثلاثة أو خمسة يمكن تعويض ذلك، لكن حين تنسحب الكتلة الأكبر من البرلمان فهذا يغير المشهد ويطرح سؤالاً عن التفويض حتى ولو جرى ملء المقاعد بأساليب مستندة إلى نصوص معمول بها، فإحلال مرشحين كانوا خاسرين محل هذا العدد الكبير من النواب بدا غريباً ومضحكاً، وحولت الأقلية نفسها إلى أكثرية، فهذا انقلاب على الدستور والعملية السياسية، إذ أطلقت الأقلية السابقة انقلاباً لا يزال مستمراً، ويريدون الإفادة من هذه المرحلة لتصفية كل العناصر التي يمكن أن تتحدى هيمنتهم المطلقة على الوضع في العراق، ومن هنا نرى محاولات استهداف إقليم كردستان ومحاولة تفكيك المكون السنّي أيضاً، ولا بد من الالتفات هنا إلى المكون الشيعي نفسه، فقد سلبت إرادة قسم كبير من الشيعة ولم يشارك أكثر من 20 في المئة منهم في الانتخابات الأخيرة، وقد توزع المشاركون على الأطراف الشيعية، وهذا يعني أن المجموعة الحاكمة هي أيضاً أقلية على مستوى الشيعة الذين تعاني مناطقهم البطالة والفقر ونقص الخدمات أسوة بالمناطق الأخرى، واعتقاد المجموعة الحاكمة أن المظلومين لن يعودوا لرفع الصوت وترداد الشعارات التي رفعت خلال الاحتجاجات والانتفاضات خاطئ تماماً".

اقتراح مفاجئ من السيستاني

كان من الطبيعي أن أسأل فخري كريم عن دور المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني الذي التقاه ثلاث مرات، فقال "خرجت بانطباع أنه متقدم سياسياً بالمعنى الوطني العراقي على كل القيادات الشيعية أو على الغالبية المطلقة منها، وأعتقد أن خطب الجمعة لوكلائه كانت تعبر عن هذا النهج، وأريد التوقف عند ملاحظة أساس تعطيك فكرة عن أسلوب تفكير السيستاني، فقد تحدثت عن الفساد ومن ضمن التلاعب بالحصة التموينية، وإذ به يفاجئني بالقول لماذا لا تأتون بوزير التجارة السابق إلى وزارة التجارة لأنه معروف كيف كان يتعامل مع هذه القضية؟ أو لماذا لا تأتون بوزير مسيحي؟ قلت له: كيف؟ فأجاب: لم لا إذا كان نظيفاً ويخدم العراقيين؟ لماذا لا نأتي به؟ (كان السيستاني يشير إلى تجربة الوزير محمد مهدي صالح خلال الأعوام الأخيرة لصدام والذي ابتكر برنامج البطاقة التموينية)، ولم يكن بسيطاً أن يقول السيستاني لماذا لا تأتون بوزير من العهد السابق؟ لأنه كان يضمن وصول الحصة التموينية كاملة.

 

ذهبت إليه لاحقاً بعد أن تكاثرت المظالم والتجاوزات وشاع الفساد، وقلت له إن الناس ينتظرون موقفك، فأجاب أنا دوري لم يعد كالسابق، تدخلت حينما لم يكن هناك دستور ولم تكن هناك حكومة وهيئات، والآن صار لديكم دستور مُقرّ ورئاسة وحكومة، وأنا لا أستطيع أن أتدخل وليس علي سوى الوعظ والإرشاد وعلى الآخرين أن يقبلوا أو لا.

وهناك مسألة أخرى مهمة في موقف السيستاني وهي قناعته أن العراق الجديد لا يمكن أن يبنى على قاعدة استضعاف المكونات الأخرى، وتحديداً السنّة والأكراد، وكان يقول إنه لا يجوز تجاوز المكون السنّي أو أي مكون آخر، وأستطيع القول إنه كان يطالب أن يكون المكون السنّي شريكاً وأن يأخذ حقوقه كاملة.

صعوبة مهمة السوداني

وعما إذا كانت مهمة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني تزداد صعوبة، وما إذا كان التحالف الشيعي أو "الإطار التنسيقي" هو الحاكم الفعلي، قال كريم "نعم مهمة رئيس الوزراء الحالي تزداد صعوبة، وهو وبكل صراحة لديه نيات إيجابية ويريد أن يحقق ما يستطيع من البرنامج الحكومي، لكنه محكوم بسور من الضغوط، ومن ينظر إلى الانحدار الذي يضرب العملية السياسية يدرك حجم الصعوبات، وعملياً الحاكم الفعلي هو القوى التي تشكل الإطار الشيعي أو الإطار التنسيقي، ولا يمكن للحكومة أن تخرج عن المسار المحدد من هذا الإطار".

"الإطار التنسيقي" هو القوة الحاكمة، وأعتقد أن أحد قادته قال كلاماً مؤسفاً ومزعجاً جداً حين سئل عن دور رئيس الوزراء فقال ’نحن بالنسبة إلينا رئيس الوزراء هو المدير العام حين يتعلق الأمر بالقضايا الإستراتيجية والأساس، أما في ما يتعلق بالإدارة اليومية للدولة فهو رئيس وزراء، وهذا الكلام كان بمثابة إشارة لأنه قيل مع انطلاق الحكومة، وقد شاع في الآونة الأخيرة على لسان سياسيين وإعلاميين أن قادة في الإطار يسعون إلى إفراغ منصب رئيس الوزراء من أهميته خوفاً من "تفريخ زعامات جديدة"، وثمة من يطرح أن يستقيل رئيس الوزراء من موقعه قبل ستة أشهر إذا كان ينوي خوض الانتخابات، وهناك من ينقل عن السيد نوري المالكي، وأنا لا أريد الخوض مجدداً في سجالات معه، أن السوداني يحاول الإفادة من موقعه الحالي لتعزيز فرصه خلال الانتخابات المقبلة.

الخروج الكبير إلى سوريا

في الشهر ما قبل الأخير من عام 1978 كلفت قيادة الحزب الشيوعي العراقي فخري كريم بإعداد خطة سرية لإخراج عدد من كوادر الحزب مع عائلاتهم نحو سوريا ولبنان لإبعادهم عن التصفيات والملاحقات التي يمارسها حكم "البعث" ضد الحزب، وتفادياً للفت أنظار الأجهزة اغتنمت فرصة ذهاب وفد عراقي برئاسة عضو القيادة القطرية في "البعث" نعيم حداد إلى دمشق للمشاركة في اجتماع عربي، فأدرج الحزب الشيوعي اسم كريم في عداد الوفد لتسهيل خروجه.

يروي كريم، "وصلنا إلى دمشق وكان هدفي أن ألتقي الرئيس حافظ الأسد، فلجأت إلى وزير الإعلام أحمد إسكندر الذي كان مقرباً جداً منه حد أن الأسد كان يعامله وكأنه ابنه، وخلال استقبال الأسد الوفد العراقي لاحت فرصة فأخذني إسكندر إليه، وقلت للأسد إنني سأختصر لأن الوضع لا يسمح بالإطالة، أنا جئت في هذه المهمة، فرد من دون تفاصيل كل شيء تحت تصرفكم، وهذا أخوكم (أحمد إسكندر) إذا احتجت أي شيء تخبره حينما تأتي، فقلت له إنني باق، فقال علاقتك مع الدولة تكون مع عبدالحليم خدام ومع الحزب عبر عبدالله الأحمر ومع جهاز الاستخبارات لكي يؤمن لكم أسلحة وتفاصيل أخرى مع اللواء علي دوبا، وأنت مرحب بك في أي وقت، وسوريا تحت تصرفكم، وطبعاً كان موضوع سوريا حيوياً بالنسبة إلينا للاعتبارات المعروفة، وكان يأتينا سلاح من ليبيا واليمن الديمقراطي والمقاومة الفلسطينية، وكنا نمرره من الأراضي السورية إلى إقليم كردستان عبر ممر الخابور".

تمرير الإرهابيين

كان الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني أستاذاً في تمرير الرسائل، ويقول في اللقاءات الضيقة ما يتجنبه في التصريحات والحوارات، وكان كبير مستشاريه فخري كريم مشاركاً، وكان الغداء ثرياً فالسيد الرئيس يحترم الرأي الآخر لكنه لا يتوقف كثيراً عند نصائح الأطباء، وقد أعرب طالباني عن اعتقاده أن صناع القرار في إيران أذكياء ويأمل "في ألا يرتكبوا خطأ الرهان على إدارة بغداد من طهران، خصوصاً بعد تجربة محاولة إدارة بيروت من دمشق". وقال إن تركيبة الروح العراقية "تجعل من الصعب على العراق أن يكون تابعاً لأميركا أو لإيران أو لتركيا"، ولم يخف أنه وفر الملجأ الآمن لـ 80 ضابطاً عراقياً ممن شاركوا في الحرب ضد إيران بعد أن "استهدفت جهات معينة" هذا النوع من الضباط.

 

وأشاد طالباني بالرئيس الراحل حافظ الأسد الذي "احتضننا وقدم لنا دعماً لا ينسى من الإقامة وصولاً إلى الباسبورات"، وكشف عن أنه أرسل إلى الرئيس بشار الأسد مع فخري كريم نصيحة مفادها بأن "الجهاديين" الذين فتحت لهم سوريا حدودها لدخول العراق بذريعة مقاتلة الأميركيين قد يرتدون لاحقاً إلى الداخل السوري، وهذا ما حصل.

بعد خروجه من بيروت عام 1982 إثر الغزو الإسرائيلي، أقام فخري كريم في دمشق، ونشطت مؤسسة "المدى" التي أسسها في النشر والترجمة وتنظيم معارض الكتب، فضلاً عن نشاطه السياسي، مما أتاح له إقامة علاقات مع كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، وبعد توليه السلطة عام 2000 استقبل الرئيس بشار الأسد كريم الذي يتذكر اللقاء ويقول، "شعرت أنه راغب في الاستماع، خصوصاً في ضوء العلاقات التي تربطني بكثير من المثقفين، وقلت له إن الأصوات المعارضة موجودة لكن اللهجة إيجابية في معظمها، وأنتم تتحدثون اليوم عن تحديث وتجديد، وهذه فرصة للانفتاح ولو ضمن حدود معينة، بما في ذلك الانتخابات، فهل تعتقد سيادة الرئيس أن هناك من يمكن أن ينافسك وأنت ممثل حزب البعث بكل قاعدته وأجهزته وإمكاناته؟".

وتطرقت معه إلى أوضاع الأكراد السوريين وقلت إن كثيراً منهم لا يملكون أوراقاً ثبوتية، وحتى مجرد ورقة تتيح لهم التنقل، وقلت أيضاً إنني حين كنت أعبر منطقة الخابور كنت ألاحظ أن مناطق كردية تاريخية أزيلت أسماؤها القديمة وباتت عربية وهذا يثير حساسيات، فأجابني أنا غير راض، واطمئن فهذا الملف موجود عندي وستسمع عنه كلاماً إيجابياً.

في لقاء لاحق بعد التغيير في العراق التقيته مرات عدة ونقلت إليه في واحدة منها تحيات الرئيس طالباني والقلق من مسألة تسهيل انتقال مسلحين إلى العراق وأخطار ذلك على العراق، وربما لاحقاً على سوريا نفسها، وقال جندنا قوات كبيرة لضبط الحدود ولكن ماذا نفعل؟ هناك بعض القبائل وهناك عدد من المهربين، فكيف نمسك المهرب الذي يمكن إقناعه بـ 100 أو 200 دولار؟

قلت للرئيس الأسد إنني فخري كريم الذي تعرفه ويستحيل أن أنقل إلى الجانب الأميركي ما أعرفه، وأنا واثق يا سيادة الرئيس أن الإرهابيين يتسللون إلى العراق من مكان محدد أعرفه وليس من كل الحدود، وأنا أعرف أن الوضع في سوريا مضبوط ولا يسمح بمرور طائر غريب من دون أن تسقطه رصاصة، فرد الأسد على أي حال نحن على استعداد ودعنا نعرف ماذا نستطيع أن نقوم به.

والحقيقة أن دمشق كانت قلقة بسبب ما رددته دوائر عدة عن أن نظام البعث في سوريا قد يكون الهدف المقبل للجيش الأميركي الذي بات يرابط على حدودها، ثم إن دمشق كانت تنظر بقلق إلى ظهور لغة المكونات الشيعية والسنّية والكردية في التعامل مع العراق، وما يمكن أن يرتبه ذلك في سوريا نفسها.

صيانة العلاقات الكردية

على مدى أعوام طويلة انشغل فخري كريم بصيانة العلاقة بين القطبين الكرديين جلال طالباني ومسعود بارزاني، والقصة معقدة بدأت فصولها حين ولد "الاتحاد الوطني الكردستاني" من انشقاق في "الحزب الديمقراطي الكردستاني" أيام زعيمه التاريخي الملا مصطفى البارزاني، وشهدت العلاقة الشائكة بين الطرفين فصولاً دموية ومعارك كر وفر رافقتها تدخلات خارجية، ويقول كريم إن القيادة الكردية، وعلى رغم الانشقاقات والخلافات، تتوحد حين يحدق الخطر بالأكراد والإقليم، ويراهن على أن ذلك سيتكرر خلال المرحلة الحالية.

ويلاحظ كريم أن "القيادة الكردستانية، ممثلة في الرمزين صديقي العزيز مسعود بارزاني وصديقي العزيز جلال طالباني، ارتكبت خطأً كبيراً في البداية حين انهمكت بالوصول إلى اتفاقات في ما يتعلق بقضايا الإقليم، وكأنها ابتعدت مما يجري في بغداد، أو اعتبرت ما يجري هناك شيئاً يخص أكثر الآخرين، وهذه غلطة كبيرة، فقد كان الاتفاق على قيام نظام ديمقراطي اتحادي تداولي ومرحلة انتقالية تؤدي إلى تعزيز المواطنة الحرة، وفي هذا السياق ينال الإقليم حقوقه ويمارسها، ومن دون عراق معافى كيف سيحصل الإقليم على حقوقه التي ستصبح في مهب الريح؟ كان يجب الدخول أكثر في ما يجري في بغداد لأنه سيؤثر في مستقبل البلاد برمتها، ثم جاءت مرحلة ابتدع فيها ما لا علاقة له بالعمل السياسي والمفاهيم السياسية أو الشعار السياسي، وهو ما سمي بالتحالف الشيعي - الكردي، وأثرت الأمر أكثر من مرة، لافتاً إلى غرابة التحالف بين مكونين في داخل كل منهما أحزاب وقوى وتيارات، ومع الأسف الشديد كان يأتيني الجواب بأنني مصاب بلوثة أيديولوجية، فقد ارتكبت لاحقاً أخطاء أخرى في عدم استكمال توحيد المؤسسات في الإقليم ومرجعياتها وتزايد الفساد ويقظة الحسابات الحزبية على حساب المؤسسات الجامعة وعدم الالتزام دائماً بمعايير الكفاءة في التعيينات".

سألت عن العلاقة الشخصية بين الرجلين فأجاب، "طوى الرجلان صفحات الماضي الصعبة، لكن ما بذل من أجل المستقبل كان أقل من المطلوب، وأريد أن أسجل هنا موقفاً للأخ مسعود وهو ينم عن طبيعته، فحين مرض جلال وجه مسعود بوسائله ما يشبه الإنذار إلى كل من يمكن أن يفكر بالإساءة إلى طالباني أو عائلته، وهذه مشاهدة عيانية وسماعية وليست نقلاً عن الآخرين، وقد رفض مسعود إبان مرض جلال فتح موضوع مستقبل الرئاسة أو البحث عن بديل، وشاركت شخصياً في تنظيم لقاء لزوجة طالباني السيدة هيرو وابنيها بافل وقباد وآراس ابن شقيق جلال، وقال مسعود للمدعوين في الغداء الطويل أنا قربكم وأنا عائلتكم، وتحدث بتأثر وبلهجة أخوية، وبعد الخروج بدا التأثر واضحاً على السيدة هيرو والمدعوين، إذ لم يتوقعوا أن يكون البعد العاطفي قوياً إلى هذا الحد".

سألته عما إذا كان إقليم كردستان لا يزال يدفع ثمن عملية الاستفتاء حول تقرير المصير فأجاب، "أعتقد أن الانحدار السلبي في الوضع السياسي بدأ في الدورة الثانية لنوري المالكي وتعذر مواجهته بسحب الثقة منه، وبعدها حصلت تراجعات خطرة وحاول المالكي الانتقال من التحالف الشيعي - الكردي إلى التحالف الشيعي - السنّي لمواجهة ما اعتبره الخطر الكردي، فأطلق المالكي صيحته المشهورة ’لا للتوافق ونعم للأكثرية‘ وهكذا بدأ التصويت في البرلمان في غياب قاعدة الشراكة والتوافق، واستغل موضوع الاستفتاء لاتخاذ إجراءات عقابية ضد إقليم كردستان لا يزال بعضها مستمراً حتى الآن، ولا علاقة للأمر بالاستفتاء بحد ذاته بل ببرنامج يرمي إلى إطفاء هذه المنطقة المضيئة التي تسمى إقليم كردستان وبغرض إزالته أو تفريغه من محتواه إذا تعذرت الإزالة، والاستفتاء حق لأي مواطن، فدول كثيرة تعود للمواطنين وتجري استفتاءات حول القضايا التي تهم الرأي العام، وهذا يحدث في إسبانيا مثلاً ومن دون تحريك قوات عسكرية وعمليات ترهيب، وكان الغرض من الاستفتاء تأكيد حق مبدئي وليس إعلان الانفصال، وجاء الموقف لمواجهة الضغوط والسلبيات التي تراكمت في التعامل مع الإقليم".

حمل كريم جوازات سفر لبنانية وسورية ويمنية، وعاش بأسماء مستعارة كان أبرزها علي عبدالخالق وسعد أحمد، لكن ذلك لم يمنع تعرضه لمحاولة اغتيال في بيروت لا تزال آثارها ماثلة، لتعقبها بعد عقود محاولة الاغتيال الأخيرة في بغداد.

نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"

المزيد من حوارات