ملخص
يقدر تعداد الميليشيات العراقية في سوريا بما يناهز 10 آلاف مقاتل ومجموعات محلية تتلقى الدعم والتدريب، منها التي تسعى إلى تغيير مواقع انتشارها منذ عام 2017 شرق سوريا.
تدرك الميليشيات العراقية المسلحة في سوريا أن ما قبل الثالث من فبراير (شباط) الماضي ليس كما بعده، ففي هذا اليوم وضع الرد الأميركي الأقسى والأعنف حداً لضربات هذه المجموعات المتكررة، والتي قضت مضاجع قواعد الولايات المتحدة المتوزعة في شرق سوريا.
وحين صبت واشنطن جام غضبها على مواقع تتبع للميليشيات العراقية الموالية للحرس الثوري الإيراني، كان ذلك رداً على مقتل ثلاثة من جنودها، فدمرت أكثر من 80 هدفاً في العراق وسوريا.
ويبدو منذ ذلك الوقت أن الحرس الثوري الإيراني فطن للرسالة الأميركية ووصلته سريعاً، ولهذا تراجعت كثيراً الهجمات على التجمعات العسكرية التابعة للولايات المتحدة في شرق سوريا بعد سلسلة من مناكفات، وقصف متبادل تفاقمت حدة مع اندلاع الحرب في غزة.
وعلى مضض حاول كل من الطرفين إعادة صياغة قواعد اشتباك جديدة لم تعجب بأي شكل من الأشكال تل أبيب، فالقيادة الإسرائيلية تطمح إلى تدمير قواعد محور الممانعة بعد ما شكلت تهديداً واضحاً لها بعد حرب غزة، ولهذا الأمر يرى مراقبون أن إسرائيل منذ ذلك الوقت تسعى إلى الانفراد من دون أميركا بملاحقة القادة وقصف المواقع الإيرانية والميليشيات الموالية لها بشكل متسارع في سوريا، ولعل الضربة الأعنف تمثلت في قصف محيط القنصلية الإيرانية لدى دمشق أبريل (نيسان) الماضي.
خريطة الانتشار
في غضون ذلك أفادت معلومات من منطقة الميادين في ريف دير الزور الشرقي شرق سوريا، حيث تنتشر ميليشيات المقاومة الموالية لإيران ومنها الميليشيات العراقية، باستنفار عالي المستوى منذ أسبوع وسط تغيير في تكتيكات العمليات والمراقبة والحراسة مصحوباً بمخاوف تسري من عمليات قصف قد تطاول منشآت ومواقع أو مقار تستهدف القادة والعناصر.
ويفسر ذلك قراراً اتخذته قيادة الحرس الثوري في منطقة الميادين قبل أسبوع تقريباً عن وقف تسيير الدوريات الليلة في المدينة ومحيطها، بعد سلسلة اغتيالات طاولت دوريات للجيش السوري وعناصر من الميليشيات المقاتلة على يد مجهولين.
وفي المقابل وصلت تعزيزات عسكرية تتبع الجيش السوري للتمركز على أطراف الفرات ضمن مناطق انتشار ميليشيات المقاومة، وتعود هذه القوات للقوة المقاتلة المسماة بالفرقة الـ (17) التي نشرت نقاطاً عسكرية وتمركزت في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهو ائتلاف عسكري محلي لمجموعات أهلية من عرب وأكراد وآشوريين وأقليات، تحالفت مع الولايات المتحدة المتزعمة للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم "داعش".
وأوضح متابعون لنشاط الميليشيات العراقية أن هذا التطور لا يمكن عده سحباً للبساط من جغرافيا السيطرة الميدانية، بقدر وجود تنسيق منذ حضور تلك الميليشيات إلى الساحة السورية عام 2013 لمساندة دمشق في حربها ضد المعارضة المسلحة، إذ كانت تعكف على تسليم القوات النظامية للمناطق التي تسيطر عليها وتترك مكاتب مصغرة ومقار لها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقدر تعداد الميليشيات العراقية في سوريا بما يناهز 10 آلاف مقاتل ومجموعات محلية تتلقى الدعم والتدريب، منها التي تسعى إلى تغيير مواقع انتشارها منذ عام 2017 شرق سوريا، ولا سيما في منطقتي الميادين والبوكمال في ريف دير الزور الشرقي وبادية حمص وريفها من الطرفين الشمالي والجنوبي والشرقي الغربي، إضافة إلى انتشارها على الحدود السورية اللبنانية وريف دمشق الجنوبي من جهة درعا، وريف دمشق الجنوبي الغربي من جهة مناطق الجولان، مع انتشارها في محيط دمشق وخصوصاً منطقة السيدة زينب وريف حلب شمالاً.
في غضون ذلك تشكل الميليشيات العراقية العمود الفقري ضمن القوات الأجنبية الموالية لإيران، ومنها اللبنانية والأفغانية والباكستانية وغيرها.
ومن أبرز الميليشيات العراقية في سوريا "كتائب حزب الله العراقي" ويصل تعدادها إلى 7 آلاف مقاتل وتتعاون مع "حزب الله" الذي حضر إلى دمشق منذ عام 2013، ثم "لواء أبو الفضل العباس" وعدد مقاتليه غير ثابت، و"حركة النجباء" التي قاتلت إلى جانب الجيش السوري في حلب ودمشق، و"عصائب أهل الحق" المنتشرة في ريف دمشق والبوكمال.
كما تأتي "سرايا طلائع الخراساني" ويبلغ عدد مقاتليها 5 آلاف مسلح في العراق وسوريا، ومن الفصائل المعروفة أيضاً "قوات محمد باقر الصدر" و"لواء الإمام الحسين" و"لواء ذو الفقار" و"فيلق الوعد الصادق".
التوازن العسكري
وإزاء ذلك تحاول واشنطن فرض منطقة عازلة وقطع الطريق البري الواصل بين سوريا وإيران مروراً بالعراق، خصوصاً بعد تصاعد القتال بين الميليشيات العراقية والقوات الأميركية في أعقاب حرب غزة وما يعرف بـ"وحدة الساحات"، لتخفيف الضغط على الفصائل الفلسطينية.
ومع توجس الولايات المتحدة من حضور القوة العسكرية العراقية الموالية لإيران في الميدان السوري، وما تمثله من تهديد لقواعدها المتمركزة والمنتشرة في حقول ومنابع النفط والغاز، فقد سعت وبتعداد 900 جندي أميركي إلى فرض منطقة آمنة عازلة تمتد من جنوب سوريا في درعا إلى بادية الشام ودير الزور والرقة شرقاً، وصولاً للحسكة والقامشلي في الشمال الشرقي.
ويعتقد الباحث السياسي العراقي نظير الكندوري في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أنه لطالما كانت إرادة الراعي الإيراني للميليشيات المسلحة العراقية تتجه إلى زيادتها واتساع دورها في سوريا، لأن وجودها من شأنه صنع حال توازن عسكري مع إسرائيل.
ويرى أنه مع التطورات الجديدة التي أحدثها هجوم حركة "حماس" على إسرائيل واستمرار المعارك في غزة إلى حد لم يكن في حسابات إيران، فإن الأخيرة تجد أن تحقيق اتساع وزيادة نفوذ ميليشياتها العراقية الموالية لها في سوريا ليس بالأمر السهل، فضلاً عن دخولها في معارك مساندة للحركات الفلسطينية انطلاقاً من الساحة السورية، كما كان متوقعاً.
وتابع، "وحدة الساحات أصبحت أقرب إلى الأمر المستحيل بعد أن تلقت رداً قاساً من الطيران الأميركي حينما استهدف قيادات ومقار الفصائل في العراق وسوريا، ناهيك عن زيادة الضربات الإسرائيلية لمقار تلك الفصائل وطرق إمداداتها اللوجيستية القادمة من العراق، بل وصل الأمر إلى استهداف البعثات الدبلوماسية الإيرانية لدى سوريا".
الانسحاب أو الثبات
أثناء ذلك، وعلى رغم الضغوط الأميركية والإسرائيلية لتحقيق انتصار بإزاحة الميليشيات العراقية من الواجهة عبر سحبها إلى بلدها، ترفض الميليشيات العراقية المقاتلة في سوريا التقهقر إلى الوراء والعودة، وهو موقف أوضحه أحد قادة "كتائب حزب الله" العراقية بنفيه انسحابهم من التنف والبوكمال ودير الزور، مؤكداً التعاون مع الجيش السوري في خطوط تماس من جهة جبهة الباغوز بمواجهة قوات "قسد".
ويرجح الكندوري توصل إيران إلى قناعة بضرورة تجميد عمل تلك الميليشيات والامتناع من ضرب أهداف إسرائيلية أو أميركية، وهو العمل الأكثر حكمة في هذه المرحلة وفق رأيه، حتى لا تخسر ويتعطل دورها.
وأضاف، "إيران تخطط مستقبلاً لزيادة حجم ونفوذ هذه الميليشيات في سوريا لتحقيق جملة من الأهداف المهمة لها، وعلى رأسها حماية استثماراتها الاقتصادية وإبقاء نفوذها قوياً أمام محاولات بعض الدول العربية تقريب دمشق لها وإبعادها من طهران".
ونوه إلى رغبة إيرانية ملحة بأن يكون لها موطئ قدم في البحر الأبيض المتوسط من خلال بناء بنية تحتية عسكرية على سواحل سوريا، إضافة إلى استمرار حال التوازن العسكري مع إسرائيل.