Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان "بلد التناقضات"... صيف وحرب تحت سماء واحدة

يستعد اللبنانيون لموسم سياحي زاخر بالمهرجانات والحفلات فيما يترقبون تصعيداً عسكرياً في الجنوب

رواد شاطئ صور على رغم القصف الإسرائيلي القريب على الحدود جنوب لبنان (أ ف ب)

ملخص

من بيروت إلى الشمال يستعد لبنان لإقامة عدد كبير من الحفلات والمهرجانات تحييها مجموعة من كبار نجوم العالم العربي، لكن يبقى السؤال الأهم هل نحن أمام حرب شاملة على غرار "حرب تموز 2006" تدمر لبنان فوق رؤوس مواطنيه؟

بعدما فقد لقب "سويسرا الشرق" الذي كثيراً ما تغنى به، يبدو أن لبنان استحق في السنوات الأخيرة لقباً جديداً، "بلد التناقضات". فمن يقرأ صفحات الجرائد ويسمع نشرات الأخبار، يدرك أن لبنان غارق في دوامة أزمات عاصية عن المعالجة، من الفراغ في سدة الرئاسة والجمود السياسي القاتل، إلى الأزمة الاقتصادية والمصرفية المستفحلة منذ نحو خمس سنوات، وصولاً إلى المعارك المتصاعدة في الجنوب بين "حزب الله" وإسرائيل التي تهدد باندلاع حرب شاملة قد تدمر البلد برمته. أما من يسير على طرقات لبنان ويسمع ويرى الإعلانات فيه ويخرج إلى المطاعم والنوادي، فيظن أن البلد مقبل على أحد أكثر مواسم الصيف ازدهاراً ونجاحاً.

المشهد القاسي في الجنوب، حيث القرى الحدودية مع إسرائيل مدمرة والمنازل مهجورة من سكانها النازحين ورائحة الموت منبعثة من بين الركام وهدير الطائرات المسيرة الإسرائيلية يخيم على الأجواء والقصف متواصل، يناقض تماماً ما تعيشه أقضية لبنان الأخرى في ظل الاستعدادات للموسم الصيفي الذي يعول عليه كثيرون في بلد تشكل السياحة فيه عموداً أساسياً من أعمدة الاقتصاد.

فمن بيروت إلى الشمال يستعد لبنان لإقامة عدد كبير من الحفلات والمهرجانات تحييها مجموعة من كبار نجوم العالم العربي، بمن فيهم كاظم الساهر وعمر دياب وجورج وسوف وتامر حسني وأصالة وشيرين ومحمد رمضان ورحمة رياض وكريس دو بيرغ، إضافة إلى النجوم اللبنانيين وائل كفوري وراغب علامة وإليسا ونانسي عجرم وهبة طوجي وغيرهم كثير من الفنانين العرب والمحليين.

وعلى رغم الأخطار الأمنية التي تحدق بلبنان واحتمال انجراره إلى حرب شاملة مع إسرائيل، إذا اندلعت فلن يقتصر مسرح عملياتها على الجنوب والبقاع، اختار القيمون على كبرى المهرجانات السنوية إقامتها هذا العام، ومنها "مهرجانات بيبلوس الدولية" في مدينة جبيل و"مهرجانات البترون الدولية" شمالاً ومهرجانات "إهدنيات" في إهدن ومهرجانات "أعياد بيروت" التي تعود بعد توقف لأربع مواسم متتالية. حتى في جزين وصيدا المتاخمتين للجنوب والقريبتين من نيران المعارك، الاستعدادات جارية لإقامة بعض الفعاليات هذا الصيف، فيما بحر صور الذي تخيم في أجوائه المسيرات الإسرائيلية، بدأ أيضاً باستقبال رواده هذا العام.

في المقابل وفي ضوء الأخطار المرتفعة والوضع المتوتر، قررت مدن أخرى التخلي عن مهرجاناتها لهذا الصيف، ومنها "مهرجانات بيت الدين" التي أعلنت رئيسة لجنتها المنظمة نورا جنبلاط في بيان، تعليقها "بسبب ما يمر به جنوب لبنان وأهله من ظروف قاسية وأليمة، وبسبب ما تعيشه فلسطين من حرب مدمرة"، ومهرجانات بعلبك الدولية التي لم يعلن حتى اللحظة أنها ستقام.

المضي قدماً على رغم كل شيء

"في لبنان لا نستيطع الاستسلام وانتظار الحرب، لا نريد أن نموت بل نريد أن نعيش"، هذا ما تؤكده سفيرة وزارة السياحة للسياحة الدينية جوزيفين أبي غصن، مضيفة أن "كلاً يقاوم على طريقته بإيجابية، وثقافتنا كلبنانيين تفرض علينا التحرك بهذه الطريقة".

وفي ظل انخفاض الوافدين من السياح الأجانب بسبب الأوضاع، يعول القطاع السياحي هذا الصيف على قدوم اللبنانيين من مغتربين ومنتشرين وعلى السياحة الداخلية التي سيقومون بها برفقة ذويهم في الوطن، من هنا كان شعار وزارة السياحة لهذا الصيف "مشوار رايحين مشوار" الذي يشجع على زيارة مختلف المناطق اللبنانية. وإضافة إلى ذلك تشير أبي غصن إلى أن الموسم الصيفي في لبنان طويل يبدأ في مايو (أيار) ويمتد إلى أكتوبر (تشرين الأول)، وبالتالي الآمال قائمة في أن يردف السياح الأجانب من ذوي الأعمار التي تفوق 60 سنة، الحركة السياحية في أواخر الموسم إذا كان الوضع الأمني مستتباً.

رئيس لجنة "مهرجانات البترون الدولية" سايد فياض يؤكد بدوره أن اللجنة كانت "أمام خيارين، إما لا نفعل شيئاً ونبكي على الأطلال، أو نتابع ما نقوم به كما فعلنا في السنوات الماضية على رغم وباء كورونا والظروف الاقتصادية، لذا قررنا أن نقيم المهرجانات وإلا ’بتروح علينا‘".

وعن الإقبال على شراء التذاكر والمشاركة في الفعاليات، يقول فياض إن البترون "أصبحت الوجهة الأولى حالياً للبنانيين"، وإن "الإقبال جيد حتى الآن والتحضيرات مستمرة مع فريق عمل كبير" على رغم أن "أحداً لا يضمن شيئاً في لبنان".

 

قطاع الفنادق الأكثر تضرراً

وفيما تشهد المطاعم والمقاهي والملاهي حركة جيدة عموماً، يتوقع أن تزخر مع بدء الموسم رسمياً، يتوقع أن يكون القطاع الفندقي من الأكثر تضرراً هذا الفصل، إذ يشهد تدنياً في الحجوزات مع تسجيل نسبة إشغال في بيروت لا تتعدى 35 في المئة حتى الآن، وفق نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر.

"نحن نتحدى المستحيل، نحن في حال حرب، قصف وضرب وقتلى ودمار. ومنذ أكتوبر أصدرت الدول توصيات بعدم السفر إلى لبنان، مما يعني أن السائح الأجنبي الذي يقرر المجيء يفعل ذلك على مسؤوليته الخاصة، وبالتالي ارتفعت إلى خمسة أو سبعة أضعاف كلفة التأمين التي يدفعها القادمون إلى لبنان"، وفق الأشقر.

ويوضح نقيب أصحاب الفنادق أن القادمين إلى لبنان هم المغتربون الذين يعملون في الخليج العربي وأفريقيا وأوروبا، ومعظم هؤلاء يملكون منازل مفتوحة في لبنان ويترددون إليها باستمرار، مما يعني أنهم سيقيمون فيها وليس في الفنادق. ويشير إلى أن المغتربين القادمين من أفريقيا معظمهم من الجنوب لكن يملكون أيضاً منازل في بيروت سيقيمون فيها، وعلى رغم ذلك قد يتوجهون إلى المناطق الآمنة لأغراض السياحة الداخلية. وبالتالي يتوقع أن تكون نسبة إشغال الفنادق منخفضة جداً خلال أيام الأسبوع الإثنين والثلاثاء والأربعاء، على أن ترتفع في عطلة نهاية الأسبوع الخميس والجمعة والسبت بحسب الأشقر، الذي يشير إلى أن مختلف المناطق تقيم المهرجانات والفعاليات سعياً إلى استقطاب الحصة الأكبر من اللبنانيين المغتربين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل من حرب واسعة؟

في مقابل هذه الآمال والاستعدادات تعلو أصوات محذرة من صيف ملتهب مع قرب اندلاع حرب واسعة بين إسرائيل و"حزب الله" وسط تصاعد وتيرة القصف والتهديدات وثقل الاستهدافات بين الطرفين، فهل نحن أمام حرب شاملة على غرار "حرب تموز 2006" تدمر لبنان فوق رؤوس مواطنيه؟

رئيس "مركز الشرق الأوسط للدراسات" العميد الركن الدكتور هشام جابر يستبعد ذلك، ولو تصاعدت المواجهة بين الحزب وإسرائيل. ويوضح في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن "لا أحد يريد الحرب الواسعة وجميع المؤشرات تدل على أنها لن تحصل". فمن جهة "حزب الله" يقول جابر إنه "لن يفتح حرباً واسعة بعدما أمضى أكثر من ثمانية أشهر حتى الآن وهو يحاول تجنبها لأسباب عدة، أولاً على الصعيد الداخلي لا يريد أن يعتبر تاريخياً مسؤولاً عن تدمير لبنان، وثانياً إيران لا تريد التورط في حرب لبنانية قد تمتد للإقليم". أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يريد استمرار الحرب، فيخضع لضغوط أميركية وغربية كبيرة لعدم فتح جبهة الشمال مع "حزب الله"، بحسب حابر.  

ويوضح جابر أن الفرق بين الحرب في غزة والحرب في لبنان، هو أن "الأولى قد تمتد طويلاً لكن تبقى محصورة بالقطاع، لكن الثانية قد تتحول سريعاً وربما في غضون أسبوع إلى حرب إقليمية قد تمتد إلى الخليج العربي وتتورط فيها كل من أميركا وإيران، وهو ما ترفضه الدولتان على حد سواء، فواشنطن ستضطر إلى التدخل إذا ضربت حيفا وتل أبيب بآلاف الصواريخ وهي ليست مستعدة لاستقبال نعوش جنودها في فترة الانتخابات". ويضيف جابر أن الدول الأوروبية بدورها تضغط لمنع اندلاع هذه الحرب، إذ من شأنها أن تدفع آلاف النازحين من لبنانيين وسوريين إلى التوجه بحراً إلى شواطئها، وبالتالي "لا يستطيع نتنياهو تحمل فتح هذه الحرب".

أما عن المسار الذي قد تسلكه المواجهة بين "حزب الله" وإسرائيل في الأيام والأشهر المقبلة، فيقول جابر إنها "ستشهد توسيعاً وتصعيداً متبادلاً بين الطرفين، لكن ضمن سقف الحرب الواسعة"، مضيفاً أنه يمكن لهذا التصعيد أن يشمل قصفاً إسرائيلياً خارج الجنوب والبقاع على أن يبقى لأهداف محددة تعتبرها تل أبيب تابعة لـ"حزب الله"، فيما سيرد الحزب بدوره مصعداً لاسيما أنه بدأ يظهر أسلحته الأكثر تقدماً وصواريخه المضادة للطائرات.

ازدياد الرحلات إلى بيروت

وسط كل هذه التناقضات، يخاطر المغتربون اللبنانيون بالمجيء هذا الصيف إلى لبنان الذي يعول على حركتهم لردف الاقتصاد المنهار.

وبحسب تصريح صحافي لرئيس نقابة مكاتب السفر والسياحة جان عبود، فإن هؤلاء بدؤوا يتدفقون إلى البلد خصوصاً من أفريقيا ودول الخليج لقضاء عطلة عيد الأضحى. وقال عبود إن شركة "طيران الشرق الأوسط" زادت رحلاتها من دبي مثلاً من ثلاث رحلات يومياً إلى ست رحلات، وكذلك فعلت خطوط "طيران الإمارات" ودول أخرى يكثر فيها اللبنانيون.

وبعد صيف 2023 الذي كان واحداً من أكثر المواسم ازدهاراً في السنوات الأخيرة مساهماً في إدخال نحو 7 مليارات دولار إلى الدورة الاقتصادية، يستعد اللبنانيون لصيف زاخر بالحفلات والمهرجانات، فيما يترقبون بحذر ما قد تؤول إليه جبهة الجنوب الساخنة.

المزيد من تقارير