Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سخط شعبي في الشمال السوري ضد تركيا

الاعتداء على اللاجئين فجر الغضب تجاه أنقرة واحتجاجات عند معبر أبو الزندين على رغم سياسة التهدئة التي تتبعها المعارضة

ملخص

لا تشكل اعتداءات مواطنين أتراك على اللاجئين السوريين وممتلكاتهم في ولاية قيصري السبب الوحيد لاحتجاجات السوريين ضد المصالح التركية في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في الشمال السوري، بل ثمة أسباب أخرى تقف خلف موجة العنف والغضب الأخيرة

أخذت الاحتجاجات في مناطق شمال سوريا طابعاً عنيفاً بعد اعتداءات على لاجئين سوريين في ولاية قيصري التركية، وحاولت المعارضة السورية تهدئة الأوضاع في ظل حنق شعبي جراء سياسات تركيا وتفاهماتها مع القوى المختلفة على حساب السوريين.

لا تشكل اعتداءات مواطنين أتراك على اللاجئين السوريين وممتلكاتهم في ولاية قيصري السبب الوحيد لاحتجاجات السوريين ضد المصالح التركية في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في الشمال السوري، بل ثمة أسباب أخرى تقف خلف موجة العنف والغضب الأخيرة.

فخلال الأسبوع الماضي توجه عشرات السوريين إلى معبر أبو الزندين الواقع قرب مدينة الباب بريف حلب، الذي افتتح بشكل تجريبي بين مناطق المعارضة والحكومة السورية برعاية تركية روسية، وهناك اعترضوا على فتح المعبر، وقبلها بأيام قبل نصبوا خيمة معبرين عن رفضهم لفتح المعابر مع النظام السوري وإعادة العلاقات معه على حسابهم.

لم تلق تلك الاحتجاجات السلمية أي رد من المسؤولين المعارضين السوريين ولا الحكومة التركية التي من المرجح أن تشرف على المعبر في جانب مناطق سيطرة المعارضة السورية (درع الفرات)، إذ تظاهر السكان طوال أيام قبل افتتاح المعبر وأثناءه، وتحديداً في الـ27 من يونيو (حزيران) الماضي، حينما عبرت أولى الشاحنات من مناطق المعارضة إلى مناطق الحكومة السورية، خصوصاً وأن تلك الاحتجاجات سبقها سخط شعبي في المناطق ذاتها عندما استقبلت القوات التركية نظيرتها الروسية في عدد من المناطق منها منطقة الباب لعقد تفاهمات ميدانية من شأنها إعادة العلاقات مع النظام السوري.

تقارب سوري - تركي

التقارب السوري - التركي المحتمل يشكل أبرز أسباب الاحتجاجات في مناطق الشمال السوري التي أخذت طابعاً عنيفاً تجاه الوجود التركي في تلك المناطق التي جاءت رد فعل مباشراً على شهدته ولاية قيصري، إذ هاجم المحتجون المعابر المشتركة بين المناطق السورية التابعة للمعارضة والمقار التي تدير منها تركيا المنطقة ومنها مقر السرايا في مدينة عفرين ومراكز البريد ومبان أخرى تتخذ منها تركيا مراكز لسلطتها في هذه المناطق، إذ أزال المحتجون العلم التركي في عموم تلك المناطق وطردوا الموظفين الأتراك، إضافة إلى حرق الشاحنات التجارية وأخرى تابعة للموظفين الأتراك، لتتطور الأمور إلى إعمال السلاح، مما أدى إلى مقتل أربعة سوريين وجرح آخرين برصاص القوات التركية في تلك المناطق.

 

 

وهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بكسر يد كل من اعتدى على العلم التركي في إشارة إلى المحتجين السوريين، وذلك عقب اجتماع مع حكومته أمس الثلاثاء، مؤكداً أن "أنقرة تعرف كيف تكسر الأيادي التي تطاول علم بلادنا"، من جانبها أعلنت الحكومة التركية وعلى لسان وزير العدل عن فتح تحقيق قضائي في حادثة حرق العلم، مشيراً إلى أن مكتب المدعي العام في أنقرة فتح تحقيقاً بسبب "إهانة رموز سيادة الدولة".

 سياسات أنقرة

ويقول الناشط رضوان الأطرش، وهو مدير المركز السوري للتنمية المجتمعية في الشمال السوري، إن ما جرى من أحداث في الشمال السوري من احتجاجات تطورت إلى حرق العلم التركي ومهاجمة نقاط وجود القوات التركية لم تكن رداً على ما جاء في قيصري فحسب بل نتيجة تراكمات حصلت على مدار السنوات الماضية بسبب الهجمات العنصرية من بعض الأتراك واستهداف السوريين الفارين من الحرب على الحدود بالرصاص الحي، إضافة إلى التدخل التركي المباشر في ملف الشمال المدني وفرض الولاة الأتراك أعضاء للمجالس المحلية وتغيير ديموغرافي في بنية السكان وفرض مناهج دراسية.

وأضاف الأطرش أن سيطرة تركيا التامة على الفصائل المعارضة المسلحة ونقلها خارج الحدود لتحقيق مصالحها سبب مهم من جملة هذه العوامل خلقت انفجاراً شعبياً في الشمال السوري أخيراً، أما مدير المرصد السوري رامي عبدالرحمن الذي يتابع الأوضاع السورية عن كثب منذ عقدين تقريباً فيرى أن ما تشهده مناطق شمال سوريا هو دفع ثمن التقارب السوري - التركي، مستشهداً بأن غالبية الذين قتلوا كانوا من المهجرين من الغوطة جراء ما سماه اتفاق بوتين أردوغان الذي سمح باحتلال تركيا لمنطقة عفرين في مقابل إفراغ الغوطة الشرقية قرب دمشق من المسلحين المعارضين وعائلات وترحيلهم إلى مناطق الشمال السوري.

ويضيف عبدالرحمن أن الاعتداءات في تركيا على السوريين هي القشة التي قصمت ظهر البعير، لافتاً إلى أن للرئيس التركي أجنحة داخل المعارضين السوريين سواء في المجلس الإسلامي السوري أم الائتلاف السوري المعارض أم الحكومة الموقتة برئاسة عبدالرحمن مصطفى، إضافة إلى الجيش الوطني السوري الذي يعمل بغالبيته الساحقة بأوامر من وزارة الدفاع والاستخبارات التركية.

مدير المرصد أشار إلى أن استمرار ما سماه بانتفاضة السوريين في هذه المناطق ضد القوات التركية مرهون بحجم القمع التركي لها.

بين نارين

المعارضة السورية بأجنحتها المختلفة وخصوصاً المدعومة من تركيا جنحت إلى تهدئة الأوضاع واتخاذ مواقف وسطية بشكل عام، إذ ندد الائتلاف الوطني السوري المعارض "بأعمال الشغب والاعتداءات" التي طاولت اللاجئين السوريين في تركيا ودعا إلى ضبط النفس وعدم الانجرار وراء تلك الإشاعات وخطاب الكراهية والعنصريين الذين يحرضون على الفوضى والأذى، بحسب بيانه الصادر في الأول من يوليو (تموز) الجاري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار الائتلاف المعارض إلى أن مصالح مشتركة واسعة تجمعهم كسوريين مع تركيا في حرصهما على منع ما سماه بالمشاريع الانفصالية والإرهابية، وأن "الحرص على وحدة وسلامة الأراضي السورية وأمن واستقرار المناطق المحررة في سوريا وأمن واستقرار تركيا"، كما شدد رئيس الائتلاف هادي البحرة على أن المستفيد مما سماه بالشغب والانتهاكات والفوضى هو نظام الأسد والتنظيمات الإرهابية، على حد قوله.

من جهتها دانت الحكومة السورية الموقتة والمدعومة من تركيا حرق العلم التركي مطالبة وقف جميع الاعتداءات على الحضور التركي في مناطق شمال سوريا، كما أشادت بالإجراءات القانونية التي اتخذتها وزارة الداخلية التركية في حق المعتدين على اللاجئين السوريين في ولاية قيصري.

ودعت الحكومة التي يترأسها عبدالرحمن مصطفى، وهو سوري من أصل تركماني، إلى عدم الانجرار وراء الدعوات التصعيدية "التي تعمل على جعل الأحداث التي جرت في قيصري حجة لضرب التحالف القائم بين الشعبين السوري والتركي وكذلك لاستهداف مكتسبات الثورة" بحسب بيان الحكومة.

المجلس الإسلامي السوري المعارض الذي تأسس في مدينة إسطنبول التركية في أبريل (نيسان) 2014 كان أكثر حزماً في مطالبه تجاه الاعتداءات الجارية ضد اللاجئين السوريين، إذ توجه المجلس بالطلب إلى المسؤولين الأتراك وفي مقدمهم رئيس البلاد بالقيام بواجبهم في "حماية اللاجئين المستضعفين الذين هم من أسباب الرزق والنصر"، كما دعا العلماء وقادة الرأي في تركيا إلى تحريم العنصرية تجاه السوريين وحمايتهم ومناصرتهم.

وكان المجلس الإسلامي اعترض على ما تشهده الساحة السورية من تقارب بين أنقرة ودمشق، مشيراً إلى أن أي حل يتم فيه تغييب إرادة السوريين وحقهم في اختيار نظامهم السياسي وتقرير مصيرهم هو حل غير قابل للتطبيق والاستمرار، وذلك في بيان صادر في نهاية يونيو وأثناء الاحتجاج على فتح معبر أبو الزندين.

تناغم العسكر

ومع توارد أنباء عن اجتماع لقادة من الجيش والمخابرات التركية بقادة الفصائل في الجيش الوطني السوري المعارض بريف حلب بهدف ضبط الأوضاع والسيطرة عليها في مناطق سيطرتها استعرضت فصائل تابعة للجيش الوطني رفع العلم التركي إلى جانب علم الثورة السورية، وفي بيان مصور صادر عن "القيادة المشتركة" المكونة من فصيلي "الحمزات" و"سليمان شاه" التابعين للجيش الوطني السوري ونقلته وكالة "الأناضول"، قام عناصر الفصيلين برفع العلمين السوري والتركي على السارية، وأرفقت مشاهد رفع العلمين بعبارة "علمنا واحد، عدونا واحد، نحن إخوة".

على الجانب الآخر علق قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي على الأحداث الجارية في الشمال السوري بتغريدة اعتبر ما وصفه بقضية الكرامة الوطنية واستقلال القرار السوري "أهدافاً أساسية توحدنا جميعاً"، مستنكراً الوقت ذاته الاعتداءات على السوريين في ولاية قيصري بتركيا، داعياً إلى ضرورة حماية حياة السوريين وكرامتهم، وجدد قائد قسد ترحيبه بلجوء "كل سوري وطني" إلى مناطق شمال وشرقي سوريا، مختتماً كلامه "ما تزال يدنا ممدودة لجميع السوريين لإنقاذ بلدنا وشعبنا".

 

 

من جهته دعا مجلس سوريا الديمقراطية الذي يعتبر الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية إلى لقاء القوى السياسية عبر الحوار، مؤكداً أن أية محاولة للحل في سوريا تتجاوز حقوق الشعب السوري ومطالبه، "هي محاولة فاشلة وساقطة أخلاقياً وسياسياً".

استمرار الاحتجاجات

ويشير الأطرش في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إلى أن القوى السياسية التي أصدرت البيانات لم يكن لها أي دور في مجريات الأحداث في الشمال السوري وأن الشعب يحملها وخصوصاً "الائتلاف" كامل المسؤولية عن ذلك "بسبب الفشل السياسي ووضع هذه القوى نفسها تحت تصرف تركيا فقط لدرجة تعيين من تراه مناسباً ضمن هذه القوى واستبعاد من تريد".

وتوقع الناشط المدني استمرار الاحتجاجات بشكلها السلمي، خصوصاً مع عودة الوضع الأمني والعسكري للاستقرار بغية الوصول إلى مطالبها، مضيفاً أن المطلوب حالياً من المعارضة السورية والقوى السياسية الرسمية وغير الرسمية البحث عن حلول مستدامة تضمن حماية المدنيين في المنطقة وتأكيد تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة مع العمل على نقل ثقل المعارضة من تركيا إلى دول الاتحاد الأوروبي، في وقت فقدت فيه المعارضة ثقة الشعب، بحسب تعبيره، مطالباً بتحديد سقف زمني واضح للعملية السياسية وإعادة هيكلة القوى العسكرية من جديد وفق مرجعية وتراتبية عسكرية واضحة والتخلص من أمراء الحرب.

ويقول الناشط السياسي في إدلب عبدالكريم العمر إن الهدف من الاحتجاجات هو الضغط على القوى في شمال سوريا التي تخضع لسيطرة المعارضة السورية بغية توحيد المواقف حيال الواقع والمواقف السياسية التي تخص الثورة السورية والنظام والتطبيع معه، وأشار العمر إلى أن هناك مطالبات بتشكيل حكومة طوارئ وإصلاح وهيكلة الائتلاف الوطني وكف يد القوى العسكرية عن العمل المدني ومنع افتتاح أي معبر قبل عملية الانتقال السياسي.

ويؤكد العمر على أن المعارضة السورية لا تستطيع أن تذهب في الخيارات التي تطرحها تركيا "لأنها تعرف أنها ستكون في صدام مباشر مع الشعب"، كذلك أغلب من في المعارضة يعلم أنه لا يمكن أبداً التصالح مع النظام الذي هو المسؤول الأول عن كل ما جرى ويجري وسيجري في سوريا، على حد تعبيره.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير