ملخص
يسلط أحد الموظفين السابقين في "تويتر" الضوء على التهديد المتزايد للمعلومات المضللة على منصات التواصل الاجتماعي، بخاصة في سياق الانتخابات ويشدد على الحاجة الملحة إلى التحقق القوي من الحقائق ويقظة المستخدم لمواجهة انتشار الأخبار المزيفة
إن فصل الحقيقة عن الأكاذيب على وسائل التواصل الاجتماعي سيكون تحدياً حاسماً في عصرنا. فله تداعيات حقيقية ذات مغزى في العالم الحقيقي، وبصراحة، لن يذكرنا التاريخ بذكرى حسنة إذا واصلنا التقليل من أهمية تهديد المعلومات المضللة.
ليس هذا فحسب، ولكن مع ازدياد قوة الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا التزييف العميق وسهولة الوصول إليها، ستزداد المشكلة حدة.
عندما كنتُ أعمل في "تويتر"، وقبل أن يستولي عليه إيلون ماسك وتغيير علامته التجارية إلى "إكس" X بصورة حادة ومحرجة، كنا نأخذ تهديد المعلومات المضللة على محمل الجد بشكل لا يصدق. لقد عملت في فريق التنظيم في "تويتر" خلال انتخابات متعددة، بما في ذلك في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وخلال العامين الأولين من الجائحة. ورأيت كيف تنتشر المعلومات الكاذبة بسرعة وتُصدق بسهولة، ومدى صعوبة إيقاف انتشارها بمجرد أن تبدأ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عملنا مع وكالتي "رويترز" و"أسوشيتد برس" لتفنيد القصص غير الموثوقة والمنتشرة بسرعة. وصغنا مصطلح "ما قبل التفنيد" لتحديد المعلومات المضللة المحتملة قبل انتشارها. وكانت المنشورات المضللة تُصَنف بمجرد وصولها إلى حد معين من التأثير.
كنا نعلم جميعاً أن هذه كانت مهمة بالغة الأهمية لأن تأثير "تويتر" على أجندة الأخبار والنقاشات العامة أكبر مما نتخيل - ولهذا السبب أولاه ماسك أقصى اهتمامه. لقد أردنا جميعاً أن نجعله أفضل وأكثر أماناً وأن يغدو قوة للخير.
كان فريق المعالجة والتحقق - فريقي - من بين أوائل من استُغنِي عن خدماتهم في نظام ماسك الجديد. في أسابيعه الأولى، ولأنه برأيي يفتقر إلى الدقة أو الكياسة أو كثير من المنطق، ألغى أعواماً من العمل، إذ قام بإلغاء أو تقليص أقسام الشركة التي كانت تتعامل مع المعلومات المضللة والإشراف على المحتوى، وحل فريق الثقة والسلامة، وألغى حظر الحسابات التي سبق أن عوقبت لنشرها أكاذيب ضارة.
ومنذ ذلك الحين، وجد الاتحاد الأوروبي أن "إكس" X منصة التواصل الاجتماعي التي تسجل أعلى معدل للتضليل الإعلامي. وقالت ميا هاموند-إيري، مديرة برنامج التكنولوجيا الناشئة في مركز دراسات الولايات المتحدة في جامعة سيدني العام الماضي: "يندر أن نرى إجراءات جعلت منصة وسائل تواصل اجتماعي مكاناً مأموناً للتضليل والتطرف ودعاية النظام الاستبدادي مثلما فعلت التغييرات التي طرأت أخيراً على ’تويتر‘ منذ شراء إيلون ماسك له".
هناك حاجة إلى تلك الخدمات التي أوقفها ماسك أكثر من أي وقت مضى. في الأسبوع الماضي فقط، أشار ريشي سوناك، خلال مناظرة تلفزيونية مع كير ستارمر، مراراً وتكراراً إلى زيادة مفترضة في الضرائب بقيمة 2000 جنيه استرليني (2550 دولاراً) في ظل حكومة حزب العمال.
في اليوم التالي، فُضح زيف هذه المزاعم من قبل كثير من المصادر، لكن الوزراء المحافظين يواصلون استخدامها. لماذا؟ لأن 2000 جنيه استرليني هي قصة كبيرة وبسيطة وقابلة للمشاركة. ستنتشر بصورة أسرع بكثير من تلك التي فُضح زيفها والتي كتبها صحافيون حريصون مع الاهتمام الدقيق بالتفاصيل.
إنها ليست مجرد قضية تتعلق باليمين السياسي. فعندما قام أحد المتظاهرين برمي كوب "حليب مخفوق" على نايجل فاراج في كلاكتون الأسبوع الماضي، انتشرت الإشاعات في غضون ساعات بأن الأمر برمته كان حيلة كاذبة، وأن المهاجمة هي مؤيدة فاراج والمؤثرة المحافظ إميلي هيورتسون التي على رغم أنها كانت تشبه إلى حد ما المعتدية على فاراج، إلا أنها كانت في الواقع تقوم بحملة في ولفرهامبتون في ذلك اليوم، على بعد 184 ميلاً (300 كيلومتر). وبعد مرور خمسة أيام، لا تزال صور الشاشة "التي تثبت" أن عملية رمي "الحليب المخفوق" كانت "مدبرة" متداولة.
لماذا؟، لأننا مجبولون على مشاركة المعلومات الصادمة أو الشائعة، وعادة ما تكون الأكاذيب أكثر إثارة للاهتمام من الحقيقة القديمة المملة. عام 2018، أظهرت دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن القصص الكاذبة أكثر عرضة للمشاركة بنسبة 70 في المئة وتصل إلى جمهور واسع أسرع بست مرات من القصص الحقيقية. يمكنني تصديق ذلك تماماً. لقد رأينا جميعاً انتشار الأخبار الكاذبة. لدينا جميعاً قريب جاهل على "فيسبوك" يشارك صوراً بيانية (إنفوغراف) سهلة الدحض عن اللقاحات أو التأثير البيئي "الحقيقي" للسيارات الكهربائية، من دون أي مصدر، ورأينا الصورة نفسها تظهر بعد ذلك مراراً وتكراراً عبر أوساطنا على وسائل التواصل الاجتماعي.
المعلومات الخاطئة على الإنترنت مشكلة قاتلة، وستزداد سوءاً. على سبيل المثال، سيسمح تطبيق "سورا" Sora من شركة "أوبن أي آي" Open AI الذي سيطلق في وقت لاحق من هذا العام، للمستخدمين بالتلاعب بالفيديو لإضافة عناصر أو تغيير الموقع، مما يخلق "إثباتاً" سلساً لأي واقع يريدونه. ونظراً إلى أن تطبيق "تيك توك" القائم على الفيديو هو ساحة معركة انتخابية رئيسة هذا العام، فإن إمكان زيادة سرعة الأخبار المزيفة أمر مرعب.
وتحاول شبكات التواصل الاجتماعي مكافحة هذا الأمر، بدرجة أكبر و(في حالة ماسك) بدرجة أقل، ونحن بحاجة إلى مساعدتهم - ميزات مثل "ملاحظات المجتمع" Community Notes في منصة "إكس" X هي بداية، على رغم أنها قليلة بصورة مؤلمة مقارنة بما كانت عليه المنصة.
كما أن التثبت من الحقائق من المصادر الصحافية ذات السمعة الطيبة مثل "بي بي سي فيرفاي" BBC Verify أو "فول فاكت" Full Fact يساعد أيضاً، على رغم أن هذه القصص تنتشر بصورة أبطأ بكثير من الأكاذيب التي تفضح زيفها.
نحن بحاجة إلى المساعدة. علينا أن نقوم بواجبنا. الإبلاغ عن المعلومات المضللة بوضوح. فكروا قبل أن تشاركوها. تحققوا من المصادر. خذوا الأمر على محمل الجد. لأن الحقيقة موجودة... وكذلك الأكاذيب.
© The Independent