Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تدهور شعبية أميركا بين العرب

والعملاق الصيني يجني الثمار

وقفة احتجاجية دعماً لأهل غزة، في عمان، الأردن 2024 (علاء السخني/ رويترز)

ملخص

تشهد الساحة العربية تراجعاً للنفوذ الأميركي وتعاظماً في المشاعر المعادية لها بسبب الصراع في غزة. من جهتها، تكتسب الصين تأييداً أكبر في المنطقة مما يقوض الأهداف الاستراتيجية لواشنطن. وحري بواشنطن أن تحتسب المخاوف العربية، تحديداً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لاستعادة الثقة والنفوذ

لم يكن السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 نقطة تحول بالنسبة إلى إسرائيل فحسب بل إلى العالم العربي أيضاً. فالهجوم المروع الذي شنته "حماس" وقع في وقت كانت ترتسم فيه ملامح نظام جديد في المنطقة. قبل ثلاث سنوات، بدأت أربع دول أعضاء في جامعة الدول العربية، هي البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة، عمليات لتطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.

لكن هجوم "حماس" والعملية العسكرية الإسرائيلية المدمرة اللاحقة في غزة أعاقتا هذا التقدم نحو التطبيع. فصرحت السعودية بأنها لن تمضي قدماً في مناقشة اتفاق تطبيع قبل أن تتخذ إسرائيل خطوات واضحة لتسهيل إنشاء دولة فلسطينية. واستدعى الأردن سفيره من إسرائيل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، ولم تتحقق زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المغرب التي كان من المقرر إجراؤها في أواخر عام 2023. علاوة على ذلك، يراقب الزعماء العرب بقلق مواطنيهم الذين أصبحوا يعارضون جهراً الحرب في غزة. ففي عدد من الدول العربية، خرج الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج على الحرب الإسرائيلية والأزمة الإنسانية التي نجمت عنها. وبطريقة موازية، دعا المتظاهرون في الأردن والمغرب إلى إنهاء معاهدات السلام التي أبرمتها دولتاهما مع إسرائيل، معربين عن إحباطهم من أن حكومتيهما لا تستمعان إلى الشعب.

وقد يتبين بعد حين أن السابع من أكتوبر قد يكون لحظة محورية بالنسبة إلى الولايات المتحدة أيضاً. فبسبب الحرب في غزة، انقلب الرأي العام العربي بشكل حاد ضد أقوى حليف لإسرائيل، الولايات المتحدة، وهو تطور يمكن أن يعرقل الجهود الأميركية الرامية إلى المساعدة في حل الأزمة في غزة فضلاً عن محاولات احتواء إيران والتصدي للنفوذ الصيني المتزايد في الشرق الأوسط. منذ عام 2006، عملت شبكة "الباروميتر العربي" Arab Barometer، وهي منظمة بحثية غير حزبية نديرها نحن (كاتبو المقال)، على تنظيم استبيانات تمثل الآراء على الصعيد الوطني مرتين سنوياً في 16 دولة عربية، حيث سجلت آراء المواطنين العاديين في منطقة نادراً ما تُنظم فيها استطلاعات للرأي. بعد غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وجدت استطلاعات أخرى باستمرار أن عدداً قليلاً من المواطنين العرب العاديين لديهم آراء إيجابية تجاه الولايات المتحدة. ومع ذلك، بحلول عام 2022، تحسنت مواقفهم بعض الشيء، إذ أكد ما لا يقل عن ثلث المشاركين في جميع البلدان التي شملها استطلاع "الباروميتر العربي" أن لديهم رأياً "إيجابياً جداً" أو "إيجابياً إلى حد ما" تجاه الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن الاستطلاعات التي أجريناها في خمس دول في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024 تظهر أن مكانة الولايات المتحدة بين المواطنين العرب قد تراجعت بشكل كبير. وفي استطلاع للرأي في تونس أجري على جزئين، قبل السابع من أكتوبر وبعده، تبين بشكل واضح أن هذا التحول حصل نتيجة لأحداث غزة. والأمر الأكثر إثارةً للدهشة ربما هو أن الاستطلاعات أوضحت أيضاً أن تدهور مكانة الولايات المتحدة كان بمثابة مكسب للصين. لقد أظهرت استطلاعاتنا الأخيرة أن آراء المواطنين العرب أصبحت أكثر إيجابية تجاه الصين، مما يشكل تحولاً في ميل العرب الضعيف لبكين والذي دام نصف عقد من الزمن. وعندما طُرح سؤال عما إذا كانت الصين قد بذلت جهوداً جادة لحماية حقوق الفلسطينيين، وافق عدد قليل من المشاركين على ذلك. وتشير هذه النتيجة إلى أن الآراء العربية تدل على استياء عميق من الولايات المتحدة وليس على دعم حقيقي للسياسات الصينية تجاه غزة.

في الأشهر والسنوات المقبلة، سوف يسعى قادة الولايات المتحدة إلى إنهاء الحرب في غزة وبدء المفاوضات نحو تسوية دائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وتأمل الولايات المتحدة أيضاً في صون الاقتصاد الدولي من خلال حماية البحر الأحمر من الهجمات التي يشنها وكلاء إيران وتعزيز تحالف إقليمي يعمل على احتواء العدوان الإيراني ويحد من مشاركة الصين في المنطقة. ومع ذلك، في سبيل تحقيق أي من هذه الأهداف، تحتاج واشنطن إلى شراكة مع الدول العربية، وهو أمر سيكون من الصعب تحقيقه إذا استمر تشكيك الشعوب العربية في أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

منذ السابع من أكتوبر، انقلب الرأي العام العربي بشكل حاد ضد الولايات المتحدة

وفي مقلب مغاير، غالباً ما يفترض المحللون والسياسيون الأميركيون أن ما يسمونه أحياناً بازدراء "الشارع العربي" ينبغي ألا يشكل موضع اهتمام كبير في السياسة الخارجية الأميركية. ونظراً لأن معظم الزعماء العرب مستبدون، بحسب وجهة النظر هذه، فإنهم لا يعيرون أهمية كبيرة للرأي العام، وبالتالي ينبغي لصناع السياسات في الولايات المتحدة إعطاء الأولوية لعقد صفقات مع أصحاب النفوذ عوضاً عن كسب قلوب المواطنين العرب وعقولهم. ولكن بشكل عام، فإن الفكرة القائلة بأن الزعماء العرب غير مقيدين بالرأي العام هي مجرد وهم. في الواقع، أطاحت انتفاضات الربيع العربي بحكومات في أربع دول، وأدت احتجاجات واسعة النطاق عام 2019 إلى تغييرات في القيادة في أربع دول عربية أخرى. فالسلطويون أيضاً يتعين عليهم أن يأخذوا في الاعتبار آراء الشعوب التي يحكمونها. وفي الوقت الحالي، لا يرغب سوى عدد قليل من الزعماء العرب في أن يُنظر إليهم على أنهم يتعاونون علناً مع واشنطن، بسبب الارتفاع الحاد في المشاعر المعادية لأميركا بين شعوبهم. وقد يكون لغضب المواطنين العرب من السياسة الخارجية الأميركية عواقب مباشرة وخطيرة على الولايات المتحدة. لقد أظهر بحثنا السابق المستند إلى بيانات من استطلاعات للرأي في الجزائر والأردن أن الغضب من السياسة الخارجية الأميركية يمكن أن يجعل المواطنين يتعاطفون بشكل أكبر مع الأعمال الإرهابية الموجهة ضد الولايات المتحدة.

ومع ذلك، تكشف بعض النتائج التي توصل إليها "الباروميتر العربي" أيضاً عن أن الشكوك العربية المتزايدة حول دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ليست أمراً لا رجعة فيه. تشير التباينات في الرأي بين الشعوب في البلدان التي تعاملت معها الولايات المتحدة بطرق مختلفة إلى أن واشنطن قادرة على تغيير نظرة العالم العربي إليها من خلال تغيير سياساتها. وتُظهر نتائج الاستطلاع أيضاً أن تحولات محددة في النهج قد تُحسن على الأرجح وجهات نظر العرب تجاه الولايات المتحدة، بما في ذلك الضغط بقوة أكبر من أجل وقف إطلاق النار في غزة، وزيادة المساعدات الإنسانية الأميركية للقطاع وبقية المنطقة، والعمل من أجل حل الدولتين، على المدى الطويل. وفي نهاية المطاف، إذا أرادت الولايات المتحدة الفوز بثقة المواطنين العرب في الشرق الأوسط، يتعين عليها أن تتعامل مع معاناة الفلسطينيين بنفس مستوى الاهتمام الذي تبديه تجاه معاناة الإسرائيليين.

تحليل البيانات

في كل استطلاع للرأي يُجري "الباروميتر العربي" مقابلات مع أكثر من 1200 مشارك وجهاً لوجه في مكان إقامتهم. وتتناول هذه الاستطلاعات آراء المشاركين حول مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والدينية، ووجهات نظرهم تجاه حكوماتهم، والمشاركة السياسية، وحقوق المرأة، والبيئة، والشؤون الدولية. منذ السابع من أكتوبر، أكمل "الباروميتر العربي" استبيانات في خمس دول عربية مختلفة هي الأردن والكويت ولبنان وموريتانيا والمغرب.

ونظراً لأن الجولة السابقة من الاستطلاعات في تلك البلدان جرت بين عامي 2021 و2022، فربما تكون هناك عوامل أخرى إلى جانب الحرب في غزة قد أسهمت في حدوث تغييرات في الرأي العام بين ذلك الحين والآن. ولكن هناك استطلاع إضافي واحد قدم معياراً ثميناً للغاية، مما سمح لنا بالاستنتاج بأن بعض التحولات الرئيسة في الرأي ربما طرأت في الآونة الأخيرة. في الفترة ما بين 13 سبتمبر (أيلول) والرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، أجرينا استبياناً مخططاً له بشكل مسبق في تونس شمل 2406 مقابلات، حدث نصفها تقريباً قبل السابع من أكتوبر، ونحو النصف الآخر بعده. ولكي نفهم كيف تغيرت آراء التونسيين بعد السابع من أكتوبر، قمنا بحساب متوسط الإجابات خلال الأسابيع الثلاثة التي سبقت هجوم "حماس"، ثم تتبعنا التغيرات اليومية في الأسابيع التي تلت ذلك، فوجدنا انخفاضاً سريعاً وحاداً في نسبة المشاركين الذين أعربوا عن آراء إيجابية تجاه الولايات المتحدة. ولاحظنا نمطاً مشابهاً في معظم البلدان الأخرى التي شملتها استطلاعات في فترة 2021-2022 وفي مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر: لقد تدهورت الآراء الإيجابية تجاه الولايات المتحدة بشكل ملحوظ في جميع الدول باستثناء واحدة.

على رغم فظاعة هجوم "حماس"، اتفق عدد قليل من المشاركين على وصفه بـ"عمل إرهابي". على النقيض من ذلك، اعتبرت الغالبية الساحقة أن الحملة التي تشنها إسرائيل في غزة لا بد من اعتبارها عملية إرهابية. وفي الغالب، فإن المواطنين العرب الذين شملهم الاستطلاع بعد السابع من أكتوبر قيموا الوضع في غزة بأنه مفجع. وعندما طُلب منهم الاختيار من بين سبع مصطلحات، بما في ذلك "حرب" و"أعمال قتالية" و"مجزرة" و"إبادة جماعية"، لوصف الأحداث الجارية في غزة، كان الاختيار الأكثر شيوعاً في جميع البلدان باستثناء دولة واحدة هو "الإبادة الجماعية". لكن في المغرب، وصف عدد كبير من المشاركين (24 في المئة) تلك الأحداث بأنها "حرب"، وهي نفس النسبة تقريباً من المغاربة الذين اعتبروها "مجزرة". وفي كافة الدول الأخرى التي شملها الاستطلاع، اختار أقل من 15 في المئة من المشاركين كلمة "حرب" لوصف ما يحدث في غزة.

علاوة على ذلك، وجدت استطلاعات "الباروميتر العربي" أن المواطنين العرب لا يعتقدون أن الجهات الغربية الفاعلة تدافع عن أهل غزة. سألنا في استطلاعنا: "من بين الأطراف التالية، من تعتقد أنه ملتزم بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين؟" وللإجابة، سُمح للمشاركين باختيار كل ما ينطبق من قائمة تضم عشر دول، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة. في الواقع، يعتقد ما لا يزيد على 17 في المئة من المشاركين في أي دولة أن الأمم المتحدة تدافع عن الحقوق الفلسطينية. وكانت الآراء تجاه الاتحاد الأوروبي أسوأ من ذلك، في حين حصلت الولايات المتحدة على أدنى الدرجات: فقد وافق ثمانية في المئة من المشاركين في الكويت، وستة في المئة في المغرب ولبنان، وخمسة في المئة في موريتانيا، وإثنان في المئة في الأردن على أنها تدافع عن الفلسطينيين. وفي المقابل، في ما يتعلق بمسألة حماية إسرائيل، تناقضت نتائج الولايات المتحدة بشكل أكثر حدة مع نتائج الجهات الفاعلة الغربية والعالمية الأخرى. وعندما سئل المشاركون عما إذا كانت الولايات المتحدة تحمي حقوق الإسرائيليين، وافق أكثر من 60 في المئة منهم في جميع الدول الخمس على أنها تفعل ذلك. وكانت هذه النسب أعلى بكثير من أولئك الذين اعتبروا أن الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة يحميان إسرائيل.

واستطراداً، يبدو أن هذه التصورات في العالم العربي إزاء الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة وموقف واشنطن منها، كانت لها عواقب وخيمة على سمعة الولايات المتحدة بشكل عام. في تسع من الدول العشر التي سأل فيها "الباروميتر العربي" عن شعبية الولايات المتحدة عام 2021، قال ثلث المشاركين على الأقل إن لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه الولايات المتحدة. ومع ذلك، في أربعة من الدول الخمس التي شملها الاستطلاع في الفترة ما بين ديسمبر (كانون الأول) 2023 ومارس (آذار) 2024، أعرب أقل من الثلث عن آراء إيجابية تجاه الولايات المتحدة الأميركية. في الأردن، تراجعت نسبة أصحاب الآراء الإيجابية تجاه واشنطن بشكل كبير، من 51 في المئة في عام 2022 إلى 28 في المئة في استطلاع أجري في شتاء 2023-2024. وفي موريتانيا، انخفضت نسبة المشاركين الذين ينظرون إلى الولايات المتحدة بشكل إيجابي من 50 في المئة في استطلاع أجري في شتاء 2021-2022 إلى 31 في المئة في شتاء 2023-2024، وفي لبنان انخفضت من 42 في المئة في شتاء 2021-2022 إلى 27 المئة في أوائل عام 2024. وعلى نحو مماثل، انخفضت نسبة المشاركين الذين اعتقدوا أن السياسات الخارجية التي ينتهجها الرئيس الأميركي جو بايدن كانت "جيدة" أو "جيدة جداً" بمقدار 12 نقطة في لبنان وتسع نقاط في الأردن على مدار الفترة نفسها.

ويشير توقيت استطلاعنا في تونس بقوة إلى أن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة هي التي أدت إلى هذا الانخفاض العام في الآراء الإيجابية. وفي الأسابيع الثلاثة التي سبقت السابع من أكتوبر، أعرب 40 في المئة من التونسيين عن وجهات نظر إيجابية تجاه الولايات المتحدة. وبحلول 27 أكتوبر، أي بعد أقل من ثلاثة أسابيع من بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، لم تعد تلك النسبة تتخطى العشرة في المئة.

على رغم تدهور رأي العرب تجاه الولايات المتحدة وبايدن بعد السابع من أكتوبر، إلا أن وجهات النظر حول الجوانب المختلفة للتدخل الأميركي في الشرق الأوسط لم تشهد المستوى ذاته من التراجع. بالمقارنة مثلاً مع الأرقام المسجلة قبل السابع من أكتوبر لم يكن هناك تغيير في نسبة المشاركين الذين يرون أن المساعدات الخارجية الأميركية لبلادهم تعزز مبادرات التعليم أو المجتمع المدني. في الواقع، كان المشاركون في استبياننا في الأردن وموريتانيا والمغرب خلال شتاء 2023-2024 أكثر ميلاً بقليل للاعتقاد بأن المساعدات الخارجية الأميركية تدعم المجتمع المدني بالمقارنة مع المشاركين في استطلاعي عامي 2021 و2022. وتشير هذه النتائج إلى أن ما يؤدي إلى انحسار شعبية الولايات المتحدة في المنطقة هو الخلاف مع سياسة الحكومة الأميركية تجاه إسرائيل والحرب في غزة، وليست العناصر الأخرى في السياسة الخارجية الأميركية.

فائدة إضافية

على رغم تقديم الصين دعماً مادياً وخطابياً محدوداً لغزة، إلا أنها كانت المستفيد الأكبر من تراجع شعبية الولايات المتحدة بين الجمهور العربي. أظهرت استطلاعات الباروميتر العربي خلال فترة 2021-2022 أن دعم العرب للصين آخذ في الانخفاض. ولكن في الأشهر الأخيرة، انقلب هذا الاتجاه. في جميع البلدان التي شملها استطلاع "الباروميتر العربي" بعد السابع من أكتوبر، أعرب نصف المشاركين على الأقل عن آراء إيجابية تجاه الصين. وفي كل من الأردن والمغرب، الحليفين الرئيسين للولايات المتحدة، استفادت الصين من زيادة في معدلات تأييدها بما لا يقل عن 15 نقطة مئوية.

وعندما سُئل المشاركون عما إذا كانت السياسات الأميركية أو الصينية أفضل لأمن منطقتهم، قالوا في ثلاثة من الدول الخمس التي شملها الاستطلاع بعد السابع من أكتوبر إنهم يفضلون نهج الصين. في الواقع، كان التواجد الفعلي للصين في المنطقة ضئيلاً، وتركزت مشاركتها في الأغلب على الصفقات الاقتصادية من خلال مبادرة الحزام والطريق. ويبدو أن الجماهير العربية في الشرق الأوسط تدرك أن الصين لعبت دوراً محدوداً في الأحداث في غزة، إذ إن نسبة الذين اعتبروا أن الصين ملتزمة بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين لم تتخط 14 في المئة من اللبنانيين، و13 في المئة من المغاربة، وتسعة في المئة من الكويتيين، وسبعة في المئة من الأردنيين، ونسبة ضئيلة للغاية هي ثلاثة في المئة من الموريتانيين.

إذاً، فمن المرجح أن وجهات نظر التي تزداد إيجابيةً تجاه الصين تشير إلى عدم رضا المشاركين عن السياسات الأميركية والغربية. حينما طُرح عليهم في الاستطلاع أسئلة سياسية أكثر تحديداً، قدموا إجابات أكثر تبايناً وغموضاً. عندما سئلوا أي سياسات أفضل برأيهم في "حماية الحريات والحقوق"، السياسات الصينية أو الأميركية، أو عما إذا كانوا يعتبرون السياسات الصينية والأميركية جيدة على حد سواء، أو سيئة على حد سواء، قال عدد كبير من الكويتيين والموريتانيين والمغاربة إن السياسات الأميركية أفضل من الصينية. ومع ذلك، أعرب المشاركون في البلدين المجاورين لإسرائيل عن رأي مختلف: ففي استطلاعات "الباروميتر العربي" في الأردن ولبنان بعد السابع من أكتوبر، وافق عدد أكبر بكثير من المشاركين على أن سياسات الصين أفضل من سياسات الولايات المتحدة في حماية الحقوق والحريات.

على رغم أن سجل الصين في حماية الحقوق والحريات على الصعيدين المحلي والدولي ضعيف، يرى الشعبان اللبناني والأردني الآن أن سجل الولايات المتحدة أسوأ. وتشير هذه النتيجة إلى نمط أوسع لوحظ في بيانات "الباروميتر العربي"، وهو أن الموقع الجغرافي يلعب دوراً مهماً. في الواقع، أعرب الأشخاص الذين يعيشون على مقربة من الصراع في غزة وفي البلدان التي استضافت تاريخياً أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين عن أدنى مستوى من الثقة في سياسات محددة تنتهجها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

تقرير الأقلية

وتشير استطلاعاتنا إلى أن التراجع في الدعم العربي للولايات المتحدة ليس أمراً نهائياً وأن الشعوب العربية تتفاعل بشكل حاد مع التغيرات في السياسة الأميركية في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية الحاسمة. ويبرز هذا المؤشر بشكل واضح من خلال النتائج التي سجلتها الاستطلاعات في المغرب، الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تتبع النمط العام السائد المتمثل في الارتياب بشأن السياسات الأميركية. ففي عام 2022، كان لدى 69 في المئة من المغاربة نظرة إيجابية تجاه الولايات المتحدة، وهي أعلى نسبة على الإطلاق في العالم العربي. ثم ازداد هذا المستوى المرتفع من الدعم: وجد استطلاع "الباروميتر العربي" لشتاء 2023-2024 أن 74 في المئة من المغاربة ينظرون الآن إلى الولايات المتحدة بشكل إيجابي. علاوة على ذلك، فإن المغرب هو البلد الوحيد الذي يفضل سكانه بوضوح السياسات الأمنية الأميركية في الشرق الأوسط على السياسات الصينية، بفارق 13 نقطة مئوية.

ومن شبه المؤكد أن الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في دعم المغرب في نزاع إقليمي هو السبب وراء كون الرأي المغربي حالة استثنائية. لعقود من الزمن، أدارت الحكومة المغربية جزءاً كبيراً من الصحراء الغربية، حيث تسعى حركة مدعومة من الجزائر إلى إقامة دولة مستقلة. وحتى عام 2020، لم تعترف أي دولة عضو في الأمم المتحدة بسيادة المغرب. وفي ذلك العام، اعترفت الولايات المتحدة بمطالبة المغرب بالصحراء الغربية مقابل إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين المغرب وإسرائيل. وفي النصف الثاني من عام 2023 على وجه الخصوص، أعادت إدارة بايدن التأكيد بحزم على هذه السياسة. وتزامن استطلاعنا للرأي المغربي مع زيارة حظيت بتغطية إعلامية كبيرة قام بها جوشوا هاريس، وهو دبلوماسي أميركي رفيع المستوى، إلى كل من الجزائر والرباط للتأكيد على هذا الموقف السياسي.

ويبدو أن السياسة الأميركية في ما يتعلق بالصحراء الغربية قد شكلت العامل الذي منع إلى حد كبير التراجع في الشعبية الذي عانت منه الولايات المتحدة في الدول العربية الأخرى. أما الدول الغربية التي لم تحذُ حذو الولايات المتحدة في الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، فلم تحظَ بدعم الشعب المغربي. بين عامي 2022 وشتاء 2023-2024، انخفضت نسبة المغاربة الذين أعربوا عن وجهة نظر إيجابية تجاه المملكة المتحدة من 68 في المئة إلى 30 في المئة، وهو انخفاض أكبر من ذلك الذي سُجل في البلدان الأخرى التي شملتها الدراسة. وتدهورت آراء المغاربة تجاه فرنسا أيضاً، فانخفضت بمقدار عشر نقاط.

استفادت الصين من تراجع شعبية الولايات المتحدة بين الشعوب العربية

وفي كل البلدان التي شملتها استطلاعاتنا، أشار المشاركون إلى أنهم يعتقدون أن الدول الأكثر التزاماً بحماية حقوق الفلسطينيين هي دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وليس الجهات الفاعلة العالمية. لكن هذا الرأي لا يترجم إلى رغبة في رؤية الولايات المتحدة تتبنى الحياد أو تخرج من الشرق الأوسط. فعلى رغم غضب الشعوب العربية من سياسات واشنطن تجاه غزة، أوضحت تلك الشعوب أنها تريد من الولايات المتحدة أن تشارك في حل الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية.

وفي أحد أسئلة استطلاع "الباروميتر العربي" المطروحة، سئل المشاركون عن القضية التي يجب أن تكون على رأس جدول أعمال إدارة بايدن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقُدمت لهم سبعة خيارات هي: التنمية الاقتصادية، والتعليم، وحقوق الإنسان، والبنية التحتية، والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، والقضية الفلسطينية. في ثلاثة من البلدان الأربعة التي طُرح فيها هذا السؤال بعد السابع من أكتوبر، اتفق عدد كبير من المشاركين على أن بايدن يجب أن يعطي الأولوية للقضية الفلسطينية، حتى على حساب المخاوف الرئيسة الأخرى التي تواجه بلدانهم. في الواقع، خلال العامين الماضيين، ارتفعت بشكل ملحوظ نسبة المواطنين العرب الذين أجابوا بأن الأولوية القصوى لإدارة بايدن في المنطقة يجب أن تكون القضية الفلسطينية، بمقدار 21 نقطة في الأردن، و18 نقطة في موريتانيا والمغرب، و17 نقطة في لبنان. وتشير بياناتنا من تونس إلى أن هذا الارتفاع حدث مباشرة بعد بدء الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة.

إذاً فالحرب في غزة أدت إلى انخفاض التأييد العربي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، من مستوى كان منخفضاً بالأساس. إلا أن هذا لا يعني أن العالم العربي يعارض التسوية السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لقد أشار بحثنا في تونس في البداية إلى أن اندلاع الحرب في غزة قد يؤدي إلى تراجع دعم حل الدولتين. في الواقع، كشفت استطلاعات الرأي التي أجريت بين ديسمبر 2023 ومارس 2024 في الأردن وموريتانيا والمغرب، عن زيادة في نسبة المشاركين الذين يفضلون حل الدولتين على خيارات حل الدولة الواحدة أو الكونفيدرالية أو "حل آخر" غير محدد، بالمقارنة مع نتائج استطلاعات عام 2022.

ترميم العلاقات

وقبل أحداث السابع من أكتوبر، بدا أن نظاماً إقليمياً جديداً بدأ يتشكل في الشرق الأوسط. وبينما سعت بعض الحكومات العربية إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي أول اتفاقيات من نوعها منذ ما يقرب من 30 عاماً، بدا أن الانقسام الأساسي في المنطقة قد لا يكون بين إسرائيل والدول العربية، بل بين طهران والدول التي تحاول كبح العدوان الإيراني في الخارج. وكان من الممكن أن يكون تشكيل تحالف جديد لاحتواء إيران، يتضمن إسرائيل والدول العربية الرئيسة، مفيداً للغاية في الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.

وربما لا يزال بإمكان الولايات المتحدة تسهيل إنشاء مثل هذا التحالف، فقد وجدت الاستطلاعات التي أجريناها بعد السابع من أكتوبر أن شعبية إيران لا تزال منخفضة بين الشعوب العربية. وفي الواقع، لم يعرب عن وجهة نظر إيجابية تجاه إيران إلا 36 في المئة من اللبنانيين، و25 في المئة من الأردنيين، و15 في المئة من الكويتيين.

لكن الجهود الرامية إلى تحقيق إعادة الاصطفاف الإقليمي الكامل سوف تواجه صعوبات طالما أن الدعم الإقليمي للولايات المتحدة يستمر في التراجع. واتفاقيات السلام الباردة، مثل تلك التي صيغت بين إسرائيل ومصر والأردن، معرضة دائماً لخطر الانهيار. ولا يمكن استبدال الولايات المتحدة كوسيط في صفقات التطبيع. لقد جرى الحفاظ على اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل وعلى تلك المبرمة بين إسرائيل والأردن أيضاً إلى حد كبير بفضل المساعدات الكبيرة التي قدمتها الولايات المتحدة لكلا البلدين العربيين. واعتمدت صفقات التطبيع على مدى السنوات الخمس الماضية على وعود قدمتها الولايات المتحدة بمعالجة مخاوف الدول العربية، بما في ذلك الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وإزالة السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب، وبيع طائرات مقاتلة من طراز "أف-35" إلى الإمارات العربية المتحدة.

وفي أعقاب السابع من أكتوبر، فإن فقدان دعم المواطنين العرب لا يعني المخاطرة بخسارة دعم القادة العرب فحسب، بل يعني أيضاً تعريض الاستقرار الداخلي في الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة للخطر. فالغضب من معاناة الفلسطينيين قد امتد إلى الشوارع بالفعل. وفي الأردن، أدت هذه الاحتجاجات إلى عرقلة "مشروع الازدهار" Project Prosperity، وهو اتفاق تدعمه الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة بين الأردن وإسرائيل بشأن المياه والطاقة. وعلى رغم التعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة لمواجهة الضربة الإيرانية، التزمت الأنظمة العربية الصمت بشأن دورها خوفاً من تأجيج غضب مواطنيها. تحتاج الولايات المتحدة إلى محاولة تخفيف الضغط العام الذي يدفع الحكومات العربية إلى تجنب العمل مع إسرائيل لمواجهة النفوذ الإيراني.

إن المنطقة تمر بنقطة تحول حاسمة، والولايات المتحدة في موقف جيد نظرياً يسمح لها باستخدام النفوذ اللازم للمساعدة في ضمان التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة والمساهمة في دفع الإسرائيليين والفلسطينيين نحو السلام. ومع ذلك، من أجل استعادة مصداقيتها الإقليمية، يجب على الولايات المتحدة أن تضع خطوات ملموسة وعمليّة نحو حل الدولتين، وتحدد الخطوط العريضة للحكم الفعال في مرحلة ما بعد الحرب في غزة وما يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين القيام به لضمان إحراز تقدم نحو السلام. لقد حان الوقت لمحاسبة القادة الإسرائيليين والفلسطينيين. ولا يتعين على الولايات المتحدة أن ترعى محادثات السلام فحسب، بل عليها أيضاً أن تصر على وضع حد لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

لفترة طويلة جداً، كان العرب يعتبرون أن الولايات المتحدة تعمل على تأمين مصالحها الخاصة ومصالح الزعماء العرب المتحالفين معها قبل مصالح المواطنين العاديين، حتى في وقت يسعى المواطنون العرب إلى الحصول على دعم أكبر لجهود إرساء الديمقراطية ومكافحة الفساد. إضافة إلى ذلك، قد لا تكون المواجهة الإيرانية- الإسرائيلية الأخرى محسوبة ومنضبطة مثل تلك التي وقعت في أبريل 2024. بل يمكن أن تكون مدمرة. لذا، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل على كسب ثقة الشعوب العربية لاحتواء إيران، ليس سراً فحسب، بل أيضاً من خلال سياسات عامة وشجاعة وفعالة.

إن الوضع الحالي يقدم للولايات المتحدة أخطاراً وفرصاً على حد سواء. وفي حين أن معظم الدول العربية لا تواجه أي قضية شبيهة بقضية الصحراء الغربية في المغرب، إلا أن حالة المغرب توضح أن المواطنين العرب حينما يشعرون بأن الولايات المتحدة تدافع عن مصالحهم، فإنهم يحكمون عليها بشكل أكثر إيجابية. والجدير بالذكر أن أخطار الإخفاق في معالجة تراجع الدعم العربي للولايات المتحدة تمتد إلى ما هو أبعد من غزة. ومن دون تحول كبير في دعم الولايات المتحدة لحرب إسرائيل، ومن دون تعديلات ذكية في سياسة واشنطن للتخفيف من حدة العداء العربي المتزايد لأميركا على المدى الطويل، فإن الجهات الفاعلة الأخرى، بما في ذلك الصين، سوف تستمر في محاولة تقويض دور الولايات المتحدة القيادي في الشرق الأوسط.

*مايكل روبنز، مدير ومحقق رئيس مشارك في شبكة "الباروميتر العربي".

*أماني أ. جمال، مؤسسة مشاركة ومحقِّقة رئيسة مشاركة في شبكة "الباروميتر العربي"، وعميدة مدرسة الشؤون العامة والدولية في جامعة "برنستون"، وأستاذة مقعد "إدوارد س. ستانفورد" للسياسة والشؤون الدولية في جامعة "برينستون".

*مارك تيسلر هو مؤسس مشارك ومحقق رئيس مشارك في شبكة "الباروميتر العربي"، وهو أستاذ مقعد "صموئيل ج. إلدرسفيلد" للعلوم السياسية في جامعة "ميشيغان".

مترجم عن "فورين أفيرز"، 11 يونيو (حزيران) 2024

المزيد من آراء