ملخص
إسباغ البعد الديني على قضية فلسطين جاء على حساب أبعاد أخرى مما أتاح للرواية الإسرائيلية أن تسرح وتمرح في معرض تبرير قيام الدولة واحتلال الأراضي وعدم الاعتراف بحق الشعب الذي يتعرض للتنكيل منذ 1948 وحتى ما قبل هذا التاريخ.
"علينا أن نمضي قدماً على المسار ذاته الذي بدأناه أو فلتكن كربلاء جديدة"، هذه العبارة على ذمة صحيفة "وول ستريت جورنال" جاءت ضمن رسالة ليحيى السنوار وجهها إلى وسطاء ومسؤولين في حركة "حماس"، وهذا الاستحضار لواقعة حصلت في القرن السابع الميلادي توظيف سياسي في غير مكانه وزمانه، وينم عن التهلكة التي تودي بقضية فلسطين على يد التنظيمات الإسلامية المتطرفة. وفي مجال توظيف الدين يتبادل الصهيونيون وحركات "الإخوان المسلمين" أدوار وأد كل بارقة لحل عادل.
ومن الأخطاء الفلسطينية التي فتحت الطريق لظهور صور مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي" تلك الشعارات التي أخذت القضية المحقة إلى الملعب الإسرائيلي، وإن عن غير قصد.
لقد دأب مثلاً ياسر عرفات على وصف الشعب الفلسطيني بـ"القوم الجبارين" استناداً إلى الآية القرآنية "قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون"، كذلك كلما ذكرت مدينة القدس استتبعت بتوصيفها الإسلامي كونها "أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإسباغ البعد الديني على قضية فلسطين جاء على حساب أبعاد أخرى، مما أتاح للرواية الإسرائيلية أن تسرح وتمرح في معرض تبرير قيام الدولة واحتلال الأراضي وعدم الاعتراف بحق الشعب الذي يتعرض للتنكيل منذ 1948 وحتى ما قبل هذا التاريخ. الأبعاد التي أهملت ثم جاءت "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وقضتا عليها هي أبعاد الحق الإنساني والتاريخي للشعب الفلسطيني، والذي يشكل البعد الديني جزءاً منه لا كله. فالقضية الفلسطينية تحتاج إلى كسب القوى الدولية، وهذا الكسب لم تساعد العمليات الإرهابية الخارجية ماضياً في تمتينه، وما إن تخلت الفصائل ذات الطابع العلماني عن خطف الطائرات والتفجيرات حتى سارعت "حماس" وأخواتها إلى بناء سمعة دولية، لم تفرق أحياناً بينها وبين "القاعدة" و"داعش".
وقراءة شعار "حماس" يعطي الفكرة الأوضح، فقبة الصخرة كجزء من المسجد الأقصى هي مركز الصورة لا علم فلسطين، طبعاً لم يخطر ببال مصممي الشعار أن في القدس كنائس لإخوة لهم يؤمنون بالمسيح الذي عاش كل حياته وقامت بشارته على أرض فلسطين، وبصورة أخص في القدس. والطامة الكبرى في شعار "الجهاد الإسلامي" إذ لا وجود للعلم الفلسطيني، فصورة قبة الصخرة وجزء من الآية القرآنية "واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم" لا تترك مجالاً للشك بأن فلسطين أرض حرب دينية قبل أن تكون أي أمر آخر.
وهذا بقدر ما يجانب الصواب يخدم الرواية الإسرائيلية ونظرية "أرض الميعاد" الواهية، مع فارق أن الرأي العام الدولي إذا صور له أن كل القضية تختصر بحرب بين يهود ومسلمين انحاز لليهود لأسباب لا مجال للتوسع بها. وعندما يتوسل المتخاصمون كتب التوراة والإنجيل والقرآن لحل مسائل سياسية فهم لا يريدون إحلال أي سلام قبل قيام الساعة.